منتج

أجهزة تعقب اللياقة

لم يكن ظهور أساور اللياقة أمراً مستغرباً في ظل انتشار أدوات التقنية الملبوسة. ولكن الغريب أننا حين ننظر في تاريخها سنجدها تقنيةً قديمة بشكل مثيرٍ للدهشة.
فقد أسهمت علوم وصناعات عديدة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في وصول هذه التقنية إلى ما هي عليه اليوم، بدايةً من علوم الفضاء وإرسال الإنسان في رحلات الاستكشاف، مروراً بالصناعات الحربية والصناعات الطبية وغيرها من الصناعات التي شهدت نقلات نوعية خلال تطورها.
يعود أول ظهور مرتبط بهذه التقنية بشكلٍ وثيق إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، عندما اخترع جون أوجست لارسون في عام 1921م جهاز كشف الكذب. وهو جهاز يقوم بتسجيل الظواهر الحيوية كالتنفس وضغط الدم وسرعة النبض، واستخدم بشكل واسع في عمليات التحقيق للتأكد من صدق الشخص في حالة الاستجواب.
أما أول جهاز عرفته البشرية في سياق عدّ الخطوات ومراقبة السعرات الحرارية، فكان ما سمي بجهاز “عدّاد العشرة آلاف خطوة”، واخترعه البروفيسور يوشيرو هاتانو في عام 1965م لأغراض صحية كمحاربة البدانة والوصول إلى الوزن المثالي واللياقة بشكل عام. وكان هذا الجهاز يُحمّل أو يُعلّق بشكل قريب من الجسد مُتيحاً لمجسات الحركة التقاط حركة الأيدي والأرجل لتستدل على الخطو.
وبقيت التطورات متتابعةً بشكلٍ بسيط. بعضها أضاف دقةً تحديد سرعة الخطو وبطئه كما في صناعات السيارات، وبعضها أدخل مفهوم الألعاب لعرض النتائج والمتغيرات كما في درَّاجات التمرين الثابتة، حتى وصلت التقنية الملبوسة إلى شكل يشبه ساعة اليد تعرض نتائج تشمل المؤشرات الحيوية بشكل أنيق على شاشة صغيرة، وكان ذلك في عام 1984م، تاريخ ظهور الجهاز المسمى PE3000. وبعد ذلك الإنجاز، لم يتغيَّر كثير في أنظمة القياس ودقة المعلومات حتى عام 1996م، عندما سمحت الحكومة الأمريكية بالاستخدام السلمي لأقمارها الصناعية التسعة والعشرين، معلنةً بهذا ابتداء عصر استخدام “نظام التموضع العالمي”، وهذا ما سمح لأجهزة تعقب الحركة واللياقة بأن تخطو خطوةً مهمةً في مجال الدقة، عبر استخدام أجهزة الجوَّال التي تحمل تلك الأنظمة، معبّدة بذلك الطريق للتقنية الذكية التي بدأت بالظهور بشكل مشابه لشكلها النهائي عبر تطبيقات الجوَّال منذ عام 2006م.
واليوم، بعد أن راج الاهتمام بنمط الحياة الصحي، صارت تحتل هذه الأجهزة مكاناً مهماً في حياة الإنسان. وخصوصاً الذي يعيش نمط حياة سريعة ويحاول المحافظة على اتزانه الصحي بأقل الطرق جهداً وتشتيتاً. فلم يعد معه دور هذه الأجهزة تكميلياً، إذ لا تعمل أجهزة تعقب اللياقة على مراقبة نشاطك وحسب؛ بل تتعداه إلى توجيهك، إلى ما يجب عليك فعله لتبقى بصحةٍ جيدة أو لتصل إلى هدف صحي معيَّن سبق لك تحديده، وتقوم هذه الأجهزة بنسخها الحديثة بالتفريق بين الرياضات الخارجية والداخلية، وتتابع مؤشرات الجسد الحيوية حتى أثناء نومه، مسجلةً توقيت النوم وعمقه، وتصل إلى تحديد أنسب أوقات الاستيقاظ للجسم، بحيث يكون قد أكمل دورة راحةٍ كاملة.
في نسخها الأكثر تطوراً، تستطيع هذه الأجهزة التي أصبحت غايةً في الأناقة والعصرية، مساعدة المحترفين في ممارسة رياضاتهم مُتابِعةً طريقة التنفس مثلاً في رياضات السباحة، أو وضعية قذف الكرة في رياضة أخرى، والتسارع وطريقته بدقةٍ متناهية في رياضات الجري. وفي الرماية تسهم هذه التقنية في تحسين أداء الرياضيين بطريقةٍ غير مسبوقة عن طريق توصيف أدائهم من ناحية شدة القبضة أو زاوية الإطلاق أو مرونة الارتداد وإعطائهم الطرق المثلى للحصول على نتيجةٍ أفضل. أما بالنسبة لرياضيي كمال الأجسام، فتقدم هذه التقنية معلوماتٍ حول أفضل السبل للقيام بتمرين مُعيّن، مزودةً بمجسات تستطيع إحصاء التكرار والسرعة والوقت الذي يفصل بين جلسات التمرين.
وفي نسخها التي تعمل وفق أنظمة الذكاء الاصطناعي، تستطيع هذه الأجهزة عن طريق تعلم حركتك وتحليلها، اقتراح تمرين جديد مناسب لجسمك ونوع حركتك ومخصص لك تحديداً. ولا ننسى بعض النسخ الأخرى التي أصبحت تشبه فكرة الخيال العلمي. فهي قطعة صغيرة تلبس على الساعد تسكنها كمية ضخمة من المعلومات الدقيقة المختصة برياضةٍ ما، وتستطيع أن تحوِّل شخصاً قد لا يملك أي مهارة في هذه الرياضة إلى شخص قد يقترب من الاحتراف من دون مدرب يرافقه. أصبحت هذه الأدوات الذكية أشبه بمدرب خاص لا يمل مرافقتك وتنبيهك لتقوم بممارسة أنشطتك الرياضية والصحية كشرب الماء ووجبات الطعام وحساب كمية السعرات الحرارية التي تكتسبها وتلك التي تحرقها. وتتحوّل هذه الأجهزة الذكية حين نومك إلى مرافق صحي خبير في شؤون النوم تعتني بك خلال ساعات نومك وتراقب مؤشراتك الحيوية لتعطيك تقريراً وافياً غنياً عنها عند استيقاظك، ومن يدري.. فقد تمسي هذه الأدوات بديلاً عن الأطباء في مراقبة بعض الأمراض المزمنة، وربما في تشخيصها إن زودت بما يكفي من الذكاءات لحساب احتمالات الأمراض وتوقعها أو مراقبتها على الأقل، وربما تتبعها أجهزة ميكانيكيةٌ ما تجبر جسد مرتديها على القيام بنشاطاتٍ دون أمر منه ولا تدخل، فتصبح هي المتحكمة بنشاطاته البدنية وصحته.

أضف تعليق

التعليقات