حياتنا اليوم

العطلة الأسبوعية
شاغل الجميع بعد انتهاء الشغل

  • 60a
  • 60b
  • 61a
  • 56a
  • 58a
  • 59a
  • 59b

يتعامل الكثيرون مع العطلة الأسبوعية وكأنها «تحصيل حاصل»، ففي النهاية هي حق مكتسب لكل من عمل طيلة أيام الأسبوع، أو خمسة أيام متواصلة منه.
ولكن كما كانت هذه الإجازة» التي تُشغِل حياة البعض لمدة يومين (أو يوماً ونصف عند البعض الآخر) وليدة تطور نمط العمل وحاجات العاملين جسمانياً ونفسياً، تشهد في عصرنا تحولات تأخذها بعيداً عما كانت عليه قبل جيل واحد.
هيثم أحمد الكريتلي يحدثنا عن هذه التحولات وما آلت إليه الإجازة الأسبوعية في حياتنا اليوم.
قديماً قال أريسطو إننا نعمل كي نرتاح. والأمر صحيح في بعض وجوهه. إذ إن استغراقنا في العمل والتعب لبضعة أيام متتالية، يعطي للراحة والكسل خلال العطلة لذة مضاعفة.

والعطلة الأسبوعية التي نعرفها اليوم، لم تكن «تحصيل حاصل» بالنسبة إلى أسلافنا. فصحيح أن الانقطاع عن الانشغال بالأعمال الدنيوية والمهنية ليوم في الأسبوع هو تقليد قديم جداً، إذ كان لليهود سبتهم، وللنصارى يوم الأحد، ومن ثم يوم الجمعة للمسلمين. إلا أن هذه الأيام كانت مخصصة للعبادة، ولم تكن على علاقة بالعمل ومتطلبات العاملين وحاجاتهم. فالإجازة الأسبوعية بمفهومها الحديث هي وليدة القرن التاسع عشر، عندما تمكنت النقابات العمالية في إنجلترا من انتزاع الحق بعطلة أسبوعية تضاف إلى العطلة الدينية، فكان لهم يوم السبت إضافة إلى يوم الأحد.

أساسها: الأحد والإثنين!
هذا ما تقوله الدراسات الاقتصادية المقتصرة على البحث في تاريخ قوانين العمل. غير أن كتب التاريخ والاجتماع تروي حكاية الإجازة الأسبوعية بتفاصيل ملونة أكثر من ذلك. ومن جملة ما تشير إليه هذه التفاصيل، أن النقابات العمالية دافعت مشكورة عن حق العامل في العطلة الأسبوعية. إلا أن صاحب الفكرة الأول والرائد في حمل لوائها كان العامل نفسه. هذا العامل الذي كان يومه يبدأ عند الرابعة صباحاً وينتهي عند التاسعة مساءً.

إذ يروى أن عمال المصانع في إنجلترا خلال أواخر القرن الثامن عشر، كانوا يتسلمون رواتبهم أسبوعياً مساء السبت، ولأن يوم الأحد كان مخصصاً للواجبات الدينية وليس للراحة، تفشَّى غياب الكثيرين من العمال من أعمالهم يوم الإثنين، خصوصاً أن العائلة معتادة على تحضير وليمة عشاء مميزة مساء الأحد وبالتالي يتبقى منها ما يكفي لغذاء يوم الإثنين، الأمر الذي يعني أن وجبة الغداء المجانية في المصنع تفقد جاذبيتها، كما أن النقود التي قبضها العامل مساء السبت لا تزال في جيبه، فتعزِّز شعوره بالقدرة على الاستغناء عن راتب يوم، مقابل الاستمتاع بالراحة بعيداً عن العمل.

ظلت هذه الظاهرة مستمرة طوال القرن التاسع عشر تقريباً، حتى أتى دور النقابات العمالية. وفي طليعة هذه النقابات كانت هناك نقابة عمال البناء ونقابة عمال الطباعة والنشر اللتان تمكنتا من دفع أرباب العمل إلى القبول بمنح موظفيهم إجازة ليوم في الأسبوع إضافة إلى يوم الأحد، من دون أن يحسم بدله من الأجور.

ورويداً رويداً، انتشر تقليد الإجازة الأسبوعية في يومي السبت والأحد حتى عم كافة المؤسسات، وفي المقابل تضاءل الغياب يوم الإثنين، حتى اختفى تماماً في بداية القرن العشرين.

فخلال الثلاثينيات من القرن الماضي، نظَّمت قوانين العمل في معظم الدول الأوروبية، بحيث بات العمال والموظفون يقضون ثماني ساعات يومياً في مراكز أعمالهم، وذلك لمدة خمسة أيام، أي ما يساوي 40 ساعة عمل أسبوعياً. وبهذا، لم تعد هناك حاجة للتذمر، بعدما بات العامل يقضي ثلث وقته فقط في المصنع أو الشركة، والثلثين الباقيين في النوم والاسترخاء وأوجه النشاط الشخصية الأخرى. وبسرعة، طبقت معظم دول العالم هذا النظام مع بعض الاختلافات المحدودة بين مكان وآخر. ولعل أبرز هذه الاختلافات كان في الدول العربية والإسلامية، إذ اعتمد يوم الخميس مضافاً إلى يوم الجمعة ليشكِّل الإجازة الأسبوعية بدلاً من السبت والأحد كما هو الحال في الدول الغربية. وفي المملكة العربية السعودية، اعتمد نظام العطلة الأسبوعية بدءاً من عام 1975م، حين بدأ منح الموظفين وطلبة المدارس إجازة يوم الخميس إضافة إلى الجمعة. وبسرعة أصبح هذا النظام جزءاً أساسياً من أسلوب حياة السعوديين والأجانب المقيمين في المملكة.

أسبوع المستقبل: أربعة أيام؟
بدأت من شهر يوليو الماضي، ولاية يوتاه الأمريكية باعتماد نظام عمل في مؤسساتها الحكومية على أساس أربعة أيام عمل مقابل إجازة من ثلاثة أيام أسبوعياً. ويشمل هذا النظام نحو %80 من الموظفين الحكوميين في الجامعات والسجون والمكتبات… وتهدف الولاية من وراء اعتماد النظام الجديد إلى تخفيض معدل استهلاك الطاقة. إذ تشير الدراسات إلى أن 32 مليون أمريكياً (في البلاد بأسرها) يذهبون إلى العمل بسياراتهم الخاصة. ويمكن لتطبيق نظام أسبوع عمل من أربعة أيام أن يخفِّض معدل استهلاك الوقود بنسبة %40.

هذه الفكرة ليست جديدة. إذ طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بشكل مؤقت ونسبي في سبعينيات القرن الماضي كوسيلة لمواجهة أزمة النفط في ذلك الوقت. فكان الموظفون والعمال يبقون في مراكز أعمالهم عشر ساعات يومياً، لكي يبقى مجموع ساعات عملهم أسبوعياً خلال أربعة أيام هو نفسه: 40 ساعة.

واليوم، تعرض ولايات أمريكية عديدة هذا النظام كخيار أمام الموظفين الحكوميين. وهناك شركات كبرى تعتزم تطبيقه، ومنها شركات صناعة السيارات. والدافع الرئيس إلى ترويج هذا الخيار يبقى هو نفسه: ارتفاع أسعار الوقود.ولكن هناك دوافع ثانوية تسهم في تعزيز اعتماد هذا الخيار، ومنها أن الشركات تعرضه وكأنه مكافأة للموظفين. إذ إن الأزمة الاقتصادية تصعب تقديم المكافآت المادية, وتوفير المصاريف التي يتكبدها هؤلاء للوصول إلى مراكز أعمالهم، له تقديره من قبلهم. وفي الوقت نفسه، يبدو هذا النظام الجديد أكثر جاذبية للموظفين الأصغر سناً، الذين اختاروا ألاَّ يمضوا في الطريق الذي كان عليه آباؤهم من تكريس حياتهم للعمل وحده. فهذا النظام الجديد يعطي فسحة أوسع لهؤلاء الشبان تسمح لهم بالانصراف كفاية إلى ما يودون عمله في حياتهم، وتضفي مزيداً من التوازن بين حياتهم الشخصية والعملية. الأمر الذي يعزَّز بدوره من قدرات الشركات على اجتذاب المواهب الشابة.

الجسر الفرنسي
والواقع أن «أسبوع العمل من أربعة أيام» ليس ابتكاراً أمريكياً خالصاً. فالفرنسيون طرحوه على بساط البحث أكثر من مرة على الصعيد الحكومي. أما على صعيد القطاع الخاص وقطاع التعليم فكثيراً ما تتمدد الإجازة الأسبوعية لتصبح أكثر من ثلاثة أيام.

فمن المعروف عن الفرنسيين ولعهم الشديد (وربما أكثر من أي شعب آخر) بأيام العطلة الأسبوعية، التي تتألف عادة من يومي السبت والأحد. ولكن إذا صدف أن وقع يوم عطلة لمناسبة دينية أو وطنية يوم الثلاثاء، يعمد الكثيرون من الموظفين والطلاب والمدرسين إلى وصل الإجازتين ببعضهما، فيضمُّون من دون استشارة رؤسائهم يوم الإثنين إلى الإجازتين لتصبح الإجازة الواحدة أربعة أيام. ويطلق الفرنسيون على هذا التقليد اسم «الجسر». ويقولون لك تعبيراً عن عزمهم على التغيب من العمل يوم الإثنين: «أريد أن أعمل الجسر!». وينطبق «الجسر» أيضاً إذا صادفت المناسبة يوم خميس، فيضم إليه يوم الجمعة ومن ثم السبت والأحد بطبيعة الحال.

أناس لا يعرفونها
إن المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه الموظف أو العامل في دائرة حكومية أو شركة أو مصنع، غالباً ما يتألف في معظمه من أناس ينتمون إلى طبقته ويمارسون أعمالاً مشابهة في مستوياتها ونوعياتها للعمل الذي يمارسه، أي أنهم موظفين وعمال أيضاً. ولذا عندما يتطلع هذا الموظف إلى العطلة الأسبوعية يرى وكأنها كونية شاملة، في حين أن الحقيقة تختلف عن ذلك.

فهناك ميادين عمل كثيرة لا تسمح أبداً باعتماد نظام الإجازة الأسبوعية العام المعمول به لأنها وبكل بساطة تنطوي على مهمات لا تتحمل أي انقطاع. ومن هذه الميادين نذكر: العمل في السلك العسكري (جيش وشرطة ومختلف القوى الأمنية)، الطبابة والتمريض، قطاع النقل العام (محطات قطار ومطارات وسيارات أجرة وحافلات..)، الخدمات السياحية (مطاعم، فنادق، مقاهٍ وما شابه)، الأفران، الصيدليات، الحراسات الأمنية… فكل هذه القطاعات تلجأ إلى اعتماد «المناوبة» أي منح الإجازات دورياً من دون أن يكون ذلك مطابقاً حكماً لأيام الإجازة الأسبوعية المعتمدة، لا بل غالباً لا تأبه بهذا التطابق على الإطلاق.

وإلى هذه الشريحة (الكبيرة بشكل ملحوظ)، نضيف أن تطور وسائل الاتصال في السنوات الأخيرة، ربط عمل الشركات متعددة الجنسيات، والكثير من الشركات الكبرى بفروع وأعمال على تماس معها في بقاع مختلفة من العالم، يجد بعضها منفعة ما في البقاء على اتصال مع هذه الفروع أو الشركات الأخرى خلال أطول وقت ممكن (لتفاوت توقيت الإجازات بين بلد وآخر مثلاً)، فعمل على تخفيض ساعات العمل اليومي مقابل «قضم» نصف نهار من الإجازة الأسبوعية. فإذا أضفنا هؤلاء إلى شريحة «المناوبين» الذين ذكرناهم سابقاً فسيصبح بإمكاننا تفسير الإحساس بضياع الحدود الفاصلة ما بين بدء الإجازة الأسبوعية والعودة إلى العمل، مقارنة مع الصورة النظرية التي توهمنا نظرياً أن العالم بأسره انصرف مع بدء الإجازة إلى العيش على هواه.

الإجازة الأسبوعية الجديدة
بداية ونهاية فقط
مما لا شك فيه أن لحظة الخروج من العمل عند بدء الإجازة الأسبوعية لا يزال يتسم بشعور بالارتياح، وبصورة الموظف المبتسم الذي يتمنى لزملائه عطلة سعيدة. ولكن ما من شك أن هذا الارتياح لم يعد بالزخم الذي عرفه الجيل السابق، ولا حتى الجيل الحالي عندما كان على مقاعد الدراسة. فثمة ما تغير في مضمون الإجازة الأسبوعية.

لم تعد الحياة الحديثة تكتفي بأربعين ساعة عمل أسبوعياً، وإن كان هذا هو عدد ساعات فتح المكاتب. فأجهزة الكمبيوتر في البيوت وتلك المحمولة في الشارع أضافت إلى مكان العمل أماكن أخرى. وجعلت السعي إلى زيادة المداخيل عن طريق عمل إضافي أمراً ممكناً. فعلى سبيل المثال، تشير الأرقام إلى أن أكثر من %80 من الموظفين البريطانيين يعملون أكثر من 48 ساعة أسبوعياً. وواحد من كل ثمانية موظفين يعمل أكثر من 60 ساعة.

وإضافة إلى السعي لزيادة المداخيل، فإن نمط الحياة الحديثة في المدن الحديثة بات يحيل الكثير من الأنشطة والواجبات الأسبوعية إلى أيام الإجازة. فزيارات الأصدقاء باتت تؤجل حتى عطلة الأسبوع، والواجبات الاجتماعية كذلك، وطالما أن المرأة صارت تعمل خارج البيت، فهذا يعطي تراكم بعض الأعمال المنزلية وتأجيل القيام بها حتى عطلة الأسبوع، وصيانة المنزل صارت تتم خلال «الإجازة»، والتسوق أيضاً.. بعبارة أخرى، صارت الإجازة الأسبوعية المساحة التي يمكن فيها الوفاء بكل الالتزامات اليومية التي يعوق العمل تنفيذها خلال أيام الأسبوع.

وهكذا، مهما تضمَّنت الإجازة فترات راحة واسترخاء ومشاريع ترفيهية ممتعة، فإن الإحساس بالارتياح الذي ينتاب الموظف أو العامل لحظة خروجه من العمل عند بدء إجازته يكون قد فقد زخمه، من دون سبب مبرر واضح، بعيد ساعات قليلة. وأكثر من ذلك، فإن وفرة وسائل التسلية والترفيه (مثل التلفزيون، والمقاهي والألعاب الإلكترونية وما شابه ذلك) أفقدت اللجوء إليها في عطلة الأسبوع نكهته، لأن اللجوء إليها ممكن ويحصل فعلاً كل يوم.

يقول البروفيسور ميهالي سيكز ينتميهالي من جامعة كليرمونت في كاليفورنيا إن العطلة الأسبوعية صارت اليوم عرضة لأن يستهلكها القلق أو الملل.

فمنذ الساعات الأولى يبدأ الموظف بالبحث عما يمكن أن يشغله خلال اليومين المقبلين، وكيف يمكنه أن يستغل هذه الإجازة. ناسياً أن أفضل استغلال لها هو عدم استغلالها في شيء. إنه وقت للراحة الجسمانية والنفسية. هذه الراحة التي نحتاجها لاستعادة الطاقة اللازمة للعمل، والتي كانت الغاية من ظهور مفهوم الإجازة الأسبوعية واعتمادها. ولكن يبدو أن الغاية الأساسية قد أهملت، وبقيت الوسيلة. وسيلة نتعثر اليوم في التعامل معها،
ولا ندرك قيمتها إلا لساعات قليلة خلال ليل يوم الجمعة قبيل استئناف العمل، فنشعر بشيء من الحسرة على انتهاء الإجازة الأسبوعية.

هذه الإجازة التي لم يبق من أفراحها وأتراحها غير البداية والنهاية، حتى باتت هي البداية والنهاية، ولا شيء محدد بوضوح، وربما لا شيء على الإطلاق ما بينهما.
كي تكون العطلة فعلاً كذلك
ضع خطة عامة لا تطلب منك الكثير، بل تحدد لك مساراً واضحاً لما يمكن أن تكون عليه عطلتك. فهل تود قضاءها في المنزل مثلاً، أم الذهاب في نزهة مع الأصدقاء؟ هل ترغب في مشاهدة التلفزيون، أو الاستجمام على شاطئ البحر؟ حالما تتضح لك رغبتك، باشر خطة التنفيذ من دون التوقف كثيراً أمام التفاصيل.

يمكن لضغط العمل خلال أيام الأسبوع أن يدفعك إلى اعتماد خيارات كثيرة متضاربة، فتشعر برغبة في الذهاب إلى التخييم مع أصدقائك، وبالتسوق في آنٍ واحدٍ. تذكر أن أمامك يومين فقط لتخطِّط لهما، بشكل يحفظ لك أولاً راحتك الجسمانية والنفسية.

رتب دائماً لجلسة تسلية وترفيه مساء الخميس. بحيث إذا خابت مشاريعك وتوقعاتك ليوم الجمعة، تكون قد كسبت شيئاً من هذه الإجازة.

ابتعد عن مصادر التوتر التي يمكن أن تفسد عطلتك، مثل السوبر ماركت المزدحم، أو سلوك الطرقات المزدحمة إذا كان يمكنك الاستغناء عن ذلك.

خطط لأن تكون لديك عطلة أسبوعية واحدة من كل أربع عطلات، خالية تماماً من أي التزامات اجتماعية، بحيث يمكن أن تقضيها كيفما شئت من دون أن ينغص عليك متعتك هذه إحساس بأهمية الوقت ووجوب الاستفادة منه.

أخيراً، اعلم أن عطلة اليوم ليست ذاتها عطلة الأمس، وأن الواجبات لا بد وأن تتسلل إلى جدول أعمالك في هذه العطلة. وحالما ترضى بهذه الحقيقة، سيكون إنجازك لهذه الواجبات -المختارة بعناية- عاملاً إضافياً على إحساسك بالرضا عن هذه العطلة والاستمتاع بها.

أضف تعليق

التعليقات