يفعل معظمنا كل ما في وسعه لتجنب الألم، معتقدين ربما أن الحياة الخالية منه هي حياة سعيدة. وللتخفيف منه أو إزالته، يستهلك البشر كل يوم حوالي 14 مليار جرعة من مسكنات الألم، حسب الـ بي بي سي. لكن مهلاً، عندما نعرف ماهية الألم الحقيقية نتيقن أن الحياة من دون ألم ستكون بحد ذاتها هي أقصى ما يمكن أن يؤلم.
يعود سبب شعورنا بالألم إلى تصرف خلايا الألم العصبية الموجودة في كافة أنحاء أجسادنا من الجلد إلى النخاع الشوكي. ووظيفة هذا الشعور الرئيسة هي إخبارنا أن هناك شيئاً ما خطأ في أجسادنا. والجدير ذكره أن واحداً من كل مليون إنسان لا يشعرون بالألم، وتُعرف حالتهم بـ”اللاشعور بالألم الخُلُقي”. يرى هؤلاء، كما أظهرت عدة أبحاثٍ، أن حالتهم هي نقمة وليست نعمة.
يقول الدكتور إينجو كورت، من معهد علم الوراثة البشرية في آخن، ألمانيا: “نخشى الألم، ولكن من منظور النمو من كونك طفلاً حتى مرحلة الشباب، فإن الألم مهم للغاية في عملية تعلُّم كيفية تعديل نشاطك البدني دون الإضرار بجسمك، وفي تحديد مقدار المخاطرة التي يجب ألا تتخطاها”.
يخبرنا الألم أن هناك أشياءً تحصل معنا ويجب ألَّا نكررها لأن تكرارها يشكِّل خطراً على وجودنا، بعض الأمثلة عما يمكن أن يحدث معنا إذا لم نعد نشعر بالألم: إذ يمكن أن نسير على مسامير تخترق أقدامنا مسببة جروحاً قاتلة، ولا نعرف عنها إلى أن نصبح غير قادرين على التحرك.
ربما تسبِّب صدمة معيَّنة كسراً في أحد أضلاعنا من دون أن نعرف ماذا حدث لنا، يتفاقم مع الوقت مسبباً غرغرينا التي تشكِّل خطراً على الحياة.
قد يعاني الناس من مزيد من الحروق من مجرد الاستحمام؛ ربما يحرقون أفواههم عند تناول الطعام. غالباً ما يعاني الأطفال المصابون بهذه الحالة من تلف داخل وحول تجويف الفم، كعض طرف لسانهم، أو حدوث كسور في العظام وتستمر إلى وقت طويل دون ملاحظتها، حيث تشكِّل خطراً على الصحة.
عدم شعورنا بالألم يفقدنا التفريق في ما نقوم به بين احتمالاته الخطرة على الحياة من غيرها. يقول في هذا الصدد الدكتور جيف وودز، الذي يبحث في الألم في معهد كامبريدج للأبحاث الطبية: “من بين مرضى اللاشعور بالألم الخُلُقي الذين عملت معهم في المملكة المتحدة، قَتَل كثير من الذكور أنفسهم في أواخر العشرينيات من عمرهم من خلال القيام بأشياء خطيرة للغاية، لأنهم لم يرتدعوا بالألم، أو لديهم مفاصل تالفة لدرجة أنهم مقيدون على كرسي متحرك؛ وينتهي بهم الأمر بالانتحار لأنهم لا يتمتعون بنوعية الحياة”.
الألم العاطفي
عن الألم العاطفي، فإن الإجابة هي نفسها في الأساس. للعمل بشكل جيد في مجتمع اليوم، يجب أن يكون لدى الشخص حس وفهم للتفاعلات العاطفية والاجتماعية. لذا، على غرار الألم الجسدي، فإن الألم العاطفي هو وعي قوي جداً بموقف اجتماعي أو عاطفي يكون مسيئاً أو حتى خطيراً؛ فدون أن يشعر بذلك، قد يجد الشخص نفسه في علاقات سيئة أو يتفاعل مع أشخاص خطرين قد يؤدي في النهاية إلى نهاية خطرة.
وعندما نفقد التعاطف مع الآخرين، نفقد الشعور بالفرح والامتنان والرحمة والمرح والتشاعر والحب، وربما تتفكك العلاقات الاجتماعية.
الألم هو أساس غريزة البقاء على قيد الحياة؛ لذلك، ربما يُعرِّض عدم الشعور به الجنس البشري لخطر الانقراض.
اترك تعليقاً