تجمع الحواس الخمس – البصر والذوق واللمس والسمع والشم – معلومات عن البيئة التي نعيش فيها، ليفسِّرها دماغنا بعد ذلك. ونحن نفهم هذه المعلومات بناءً على الخبرة السابقة، والتعلُّم اللاحق، ومن خلال الجمع بين المعلومات المختلفة من كل حاسة أخرى بعد دمجها من قبل الدماغ. كما أننا نستجيب تلقائياً لمعظم هذه المعلومات الحسية؛ لأنها مهمةٌ جداً لبقائنا واستمرارنا وتقدِّمنا.
فحاسة البصر عند البشر هي الحاسة الأساسية والمهيمنة، وما تزودنا به يهيمن على إدراكنا للعالم الخارجي. ولكنها ليست هي الحاسة الأساسية عند بعض الحيوانات، بل حاسة الشم، كما عند الكلاب مثلاً.
فإذا تعطلت حاسة الشم عند الكلاب، فإنها ستكون بمثابة تعطل حاسة البصر عند الإنسان. وعند ذلك، لن يمكن للكلب أن يعرف صاحبه مثلاً. إنه يراه، لكن الرؤية لديه لا تميز شخصاً عن غيره.
لذلك إذا تعطَّلت حاسة الشم عند الإنسان، لن تكون كارثة كما هو تعطَّلها عند الكلاب، رغم أنها ستؤثر على جوانب عديدة من حياة الإنسان.
والحال أن نسبة كبيرة من الناس يعانون من تعطّل حاسة الشم جزئياً أو كلياً. فقد جاء في دراسة نشرتها “ساينتيفيك أمريكان” في أبريل 2019م، أن %23 من الأمريكيين في سن الأربعين وما فوق، و%62,5 في سن الثمانين وما فوق يعانون من تعطّل في حاسة الشم. وهذه النسبة معرَّضة للزيادة نتيجة ازدياد تناول الأدوية التي يتضمَّن بعضها مواد ضارة بحاسة الشم. وفي دراسة واسعة قامت بها روبين هادسون من جامعة مونتانا الأمريكية في مدينة مكسيكو ونشرتها مجلة “انفايرومنتال هيلث بيرسبيكتيف” في 13 يونيه 2019م، جاء فيها أن التلوث وفقدان طبقة الأوزون يؤثر على حاسة الشم سلباً.
لذلك لم يعد تعطل حاسة الشم إعاقة جسدية طبية، بل ظاهرة اجتماعية سلبية يجب توضيح سلبياتها:
فإذا تعطَّلت حاسة الشم، نفقد القدرة على تذوق الطعام، لأن حاسة الشم ترتبط مباشرةً بقدرتنا على التذوق. ويؤدي ذلك إلى تناول كثير أو قليل منه وعدم القدرة على شم الأطعمة الفاسدة.
وإذا تعطَّلت حاسة الشم فإن ذكريات حميمة وجميلة ستختفي، لأن حاسة الشم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة، حيث تعمل الرائحة كمحفز لتذكر الماضي الجميل، كلقاء مع الأحبة في أماكن تعبق بالروائح العطرة مثلاً.
وإذا تعطلت حاسة الشم فإن العلاقات بين الأفراد ستفقد كثيراً من الجاذبية التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان المسارات العاطفية ما بينهم.
وأخيراً إذا تعطلت حاسة الشم فإننا سنفقد عاملاً مهماً في تكويننا النفسي، يتمثّل في عدم قدرة المرء على تكوين علاقات شخصية وثيقة والمحافظة عليها. فقد كشفت دراسة جديدة من جامعة إيست أنجليا، ونشرت في مجلة “كلينيكال أوتولارينغولوجي” في 19 ديسمبر 2019م، عن النطاق الضخم للتأثيرات العاطفية والعملية الناجمة عن فقدان الرائحة، إذ وجدت أن كل جانب من جوانب الحياة يصبح شبه معطّلٍ؛ من المخاوف اليومية حول النظافة الشخصية، إلى فقدان العلاقة العلاقات الشخصية وانهيارها. وهذا ما يؤدِّي إلى مجموعة متنوِّعة من المشاعر السلبية، بما في ذلك الغضب والقلق والإحباط والاكتئاب والعزلة وفقدان الثقة والندم والحزن.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو – أغسطس | 2020
ماذا لو تعطّلت حاسة الشم
رامز عازار
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
Glory be to God
سبحان الله الهادي