كتب عربية
ميثولوجيا الأيام:
البعد الأسطوري في المرويات الأدبية والتاريخية لأيام العرب الجاهلية
تأليف: عبدالله محمد العقيلي
الناشر: جداول للنشر والتوزيع والترجمة، 2018م
يتناول هذا الكتاب في أبوابه الأربعة البعد الأسطوري في المرويات الأدبية والتاريخية لأيام العرب في الجاهلية، تلك التي كانت من أهم الأصول الإخبارية المستندة إليها المرويات اللاحقة، والتي أصبحت سرداً حكائياً يتناول الجاهلية. وقد تخللت تلك المرويات ملامح ذات أبعاد أسطورية، انسلت إليها من عصور موغلة في القدُّم.
قدَّم الباب الأول “شجرة الأنساب والحروب القديمة” ثلاثة فصول، هي: الجدود والآباء، ووقائع البدء، ووطء الأمم. وتناول المؤلف خلاله فترة أيام العرب وحروبهم في عهودهم القديمة، وأوضح كيف أضفى الإخباري العربي على أحداث هذه الأيام وشخصياتها هالة من الأسطورية. فيذكر على سبيل المثال، كيف أن المرويات القديمة قسّمت العرب الذين عاشوا في العصر الجاهلي إلى قبائل الشمال وقبائل الجنوب، باعتبار أن لكل قسم خصائصه المميزة، ويعلق أنه تقسيم يفتقر إلى الواقعية، يتجسد فيه عنصر النقاء وتقديس الأجداد. ويضيف أن صانع الأسطورة العربي يقتفي أثر التقسيم التوراتي للأجناس البشرية، ويجعل الآباء الأسطوريين يذهب كل منهم إلى موطن الشعب الذي سينسب إليه، بإلغاء واضح لديناميكية الزمن والحراك المستمر على مر الأيام فوق أرض العرب.
وفي الباب الثاني “الأبطال.. من الميلاد إلى الأسر”، يتطرَّق الكتاب إلى عربي الصحراء الذي كان مرتبطاً بشكل مباشر بالبطولة والفروسية منذ نشأته في الخلاء من دون أسوار تحميه أو بيوت يختبئ بها. وعن الإنسان البدائي الذي كان منبهراً بقدرة الأبطال في العصور السحيقة مما دفعه إلى رفعهم إلى مصاف المعبودات. ولكن الإنسان العربي قد يضفي على أولئك قليلاً من الأفعال الخارقة التي تكون قد تسربت إليه من مخزون سردي هائل ذي مسحة أسطورية تناقلته الأجيال المتعاقبة، لكنه لم يرتفع بهم عن مستوى البشر.
وفي الباب الثالث “مصارع الأبطال وثاراتهم” ثلاثة فصول: القرابين ومحارقها، والنهايات غير المتوقعة، وفي طلب الثأر. ويتحدث في فصله الأول عن المصير الذي ينتظر الأسرى الآخرين كما نقلت بعض المرويات، وهو جعل الأسرى قرابين، تُحرق أجسادهم في نيران ضخمة تُشعل تقرباً. أما الباب الرابع “مع الطبيعة وما وراءها” فقد تناول علاقة متجذرة قد تصل إلى حد التقديس نشأت بين الإنسان وكائنات الطبيعة في الصحراء العربية.
التحليل النفسي علماً وعلاجاً وقضية
تأليف: مصطفى صفوان
ترجمة: د. مصطفى حجازي
الناشر: هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2019م
صدرت مؤخراً الطبعة الثانية من كتاب “التحليل النفسي علماً وعلاجاً وقضية”، لعالم التحليل النفسي المصري المقيم بفرنسا مصطفى صفوان، وترجمه من الفرنسية، الدكتور مصطفى حجازي. وكان هذا الكتاب قد لقي إقبالاً كبيراً من قِبَل المهتمين بقراءة الموضوعات النفسية والسلوكية، وحظي بإشادات من الوسط الثقافي العربي والإقليمي، تمثلت في فوزه بجائزة ابن خلدون- ليوبولد سنغور للترجمة في مجال العلوم الإنسانية لعام 2017م، التي تمنحها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة الدولية للفرنكوفونية.
وفي التعريف بالكتاب، تذكر دار النشر أن “هذا الكتاب خلاصةُ ستين عاماً من التفكير والممارسة والكتابة في التحليل النفسي. ومؤلفه جمع بين ثقافات ولغات مختلفة، وأهلُ الاختصاص يَعُدونه ذاكرة حية للحقل الفرويدي، ومحلّلاً مبدعاً فيه. ويعرض الكتاب العناصر الأساسية للتحليل النفسي ويوضِّحها، من خلال تتبع مسارات ثلاثة لهذا العلم: إنجازاته النظرية المتتابعة، ووظيفته العلاجية الفريدة، وتاريخه المؤسسي المضطرب”.
وفي تقديم المترجم، يذكر أن “التحليل النفسي أحدث ثورة كبرى في فهمنا للنفس البشرية وتجلياتها العقلية والعاطفية والسلوكية بحيث أصبحت النظرة إلى الإنسان بعدها، مختلفة جذرياً عما قبلها.. ويتمثل الاكتشاف الكبير الذي يحمل معنى هذه الثورة في فهم النفس البشرية، في مفهوم رئيس يشكل نواة هذا العلم، ألا وهو “اللاوعي”. فالنفس البشرية منقسمة على ذاتها، بحيث لا يعد الوعي والتفكير الواعي القصدي سوى قمة جبل الجليد من عالم النفس بالغ العمق والغنى والتعقيد، والذي يبقى خارج الوعي والسيطرة نظراً لما يتضمنه من نزوعات ونزعات وميول تأنف النفس الوعي بها وتطور أساليب دفاع وتنكر لها”.
ومعلوم أن التحليل النفسي مرّ منذ نشأته الأولى على يد فرويد، بوصفه طريقة في العلاج النفسي، بعديد من التطورات والتحوُّلات على صعيدي النظرية والممارسة. وتفرعت عن مذهب فرويد تيارات ومدارس عديدة قام بها الرعيل الأول من مريدي فرويد وزملائه والمنشقين عنه. وهو ما أدى إلى سجالات وصراعات ومجابهات يحفل بها تاريخ التحليل النفسي، وكان لاكان أبرز من عمل على تطوير التحليل النفسي على صعيدي الممارسة والنظرية بمناداته بالعودة إلى النصوص الأساسية واستيعاب مضامينها الفعلية.
ميكانيكا الكم بين الفلسفة والعلم
تأليف: يوسف البناي
الناشر: كلمات، 2019م
يعرض هذا الكتاب في فصوله الستة، تاريخ تطور نظرية الكم منذ اكتشاف بلانك حتى نظرية العوالم المتعدِّدة، من خلال جانبيها العلمي والفلسفي.
ففي مقدِّمته للكتاب، يقول المؤلف إن نظريتي الكم والنسبة تعدَّان أعظم نظريتين في القرن العشرين، حيث تحمل كلتاهما شيئاً من الغموض والإبهام. ولكن نظرية الكم تحمل أفكاراً لا يتردَّد القارئ غير المعتاد عليها أن يصفها بالجنون. ولكن النجاح العظيم الذي حققته هذه النظرية على المستوى الذري جعل الآباء الأوائل والمتخصصين فيها يعيرونها اهتماماً بالغاً. كما يشير إلى أن نظرية الكم تقول لنا إن الراصد لهذه العملية على المستوى الذري يكوّن ثم يرى ما كوّن! وأن الطبيعة في أعماق أعماقها غير محدَّدة سلفاً، بل تنتظر راصداً ما يقوم بعملية الرصد ويحدِّد وضعاً معيناً للواقع.
ويذكر أن فيزيائيي القرن العشرين لم يكن أمامهم خيارات كثيرة ليبنوا صورة سير الكون من حولهم، فإما قبول صورة الكون الآلية كما صورها نيوتن ولابلاس، أو قبول الثورة الكمومية الجديدة. ويشير المؤلف إلى أن آلية عمل الكون حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت تعمل على أروع ما يمكن، بفضل هؤلاء العلماء، وأن الحاجة إلى معرفة حالته المستقبلية تكمن في معرفة شروطه الابتدائية فقط، مع الأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الخارجية. ولكن هذه الصورة الجميلة عن آلية عمل الكون لم تدم طويلاً، وباتت القوانين العظيمة غير قادرة على التوافق مع معضلتين وهما الجسم الأسود والتأثير الكهروضوئي، وكان حل هاتين المعضلتين بداية لانطلاقة جديدة في دنيا العلم غيرت النظرة المعتادة إلى الكون الآلي إلى الأبد.
حملت فصول الكتاب العناوين التالية: بزوغ فكرة التكميم أو حل مشكلة الجسم الأسود، ومشكلة الترتيب الذري، والمادة ترغب بطبيعتين، وبزوغ ميكانيكا الكم أو نهاية ذرة بور، وما بعد ميكانيكا الكم (الأبعاد الفلسفية للنظرية)، وحرب المفارقات.
وفي الأبعاد الفلسفية، يذكر المؤلف أن اكتشافات ميكانيكا الكم الحديثة كانت بداية صراع طويل لم ينته، لأن مبدأ عدم اليقين قد قضى تماماً على صورة الكون الآلية الحتمية، ومن جهة أخرى قضت معادلة شرودينغر على النموذج النقطي للجسيمات الذرية. وكان التفسير العميق لتلك الاكتشافات الحديثة بداية لإحياء الجدل العنيف القائم حول نظرية المعرفة بين الفلاسفة، ولكن بصورة جذَّابة أكثر.
العالم في حبة رمل: قصة الرمل وكيف طوَّر الحضارة
تأليف: فينس بيسر
ترجمة: رفيف كامل غدار
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2018م
يشرح المؤلف والصحافي فينس بيسر، في هذا الكتاب علاقة الرمال التي نجدها على الشواطئ والكثبان الرملية، وفي قاع البحار مع تكوين العالم المعاصر. ويقول إن لها علاقة كبيرة بتطور الحضارة، لأن حبات الرمل تحمل مجموعة فريدة من الخصائص، بما فيها المتانة التي جعلتها “أهم مادة صلبة على وجه الأرض، وبالتالي جعلت الحياة العصرية ممكنة”.
إنَّ الرمل هو العنصر الرئيس في تكوين المباني الخرسانية والطرق واستصلاح الأراضي والشواطئ والزجاج، كما أنه مكوّن أساس أيضاً في رقائق السيليكون وما شابهها التي تُعد من أساسيات التكنولوجيا المتطورة.
ويتضمَّن هذا الكتاب شرحاً ذا أربعة أبعاد عن الرمال كما نعرفها اليوم. فيقدِّم تاريخها التفصيلي، وجغرافيتها، واستخداماتها، وأهميتها التي لم تعد الحضارة البشرية تستغني عنها منذ قرن تقريباً، حتى إنه لا توجد صناعة أو دولة أوشخص لا يهتم بهذه الحبيبات الصغيرة. ومع ذلك، وكما هو الحال بعد الهواء والماء، فإن الرمال التي تُعد من أهم الموارد الطبيعية في حضارتنا أصبحت في خطر.
يقول المؤلف إن الرمال الصحراوية لا قيمة لها تقريباً في معظم الاستخدامات التجارية، لأنها تتكوَّن نتيجة الرياح بدلاً من المياه، فحبيباتها مستديرة بطريقة لا تسمح لها بالالتصاق ببعضها بعضاً بقوة. وهذا يعني، أنه مع زيادة نسبة التصحر في العالم، أصبحنا نزيد من الرمال التي لا نحتاج إليها، بينما نستنفد الرمال التي نحتاجها. ومن أجل ذلك، يقول المؤلف: “يجري تجريد مجاري الأنهار والشواطئ حول العالم من حبيباتها الثمينة، وتُخرب الأراضي الزراعية والغابات”. وقد نتج عن ذلك ظهور تجارة ذات أرباح ضخمة أغرت الكثيرين حول العالم، ما أدى إلى الفساد وقيام مافيات الرمال، وتعريض عديد من الناس للسجن والتعذيب والقتل. ومع ذلك، فإن الضحايا الحقيقيين لا يقتصرون فقط على كل من يدور في فلك المتاجرة بالرمال، فالأذى من هذه الأعمال يلحق أيضاً جميع الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من البحيرات والأنهر وعلى طول السواحل ومواقع أخرى، حيث يتم استخراج الرمال.
لكل هذه الأسباب، ولأن الاستهلاك البشري للرمل والحصى أصبح يتجاوز خمسين مليار طن سنوياً، يدعو الكتاب إلى إعادة النظر في مكانة الرمل في مجتمع الاستهلاك المفرط، ويسأل: كيف يمكن تغيير مسار الحضارة الإنسانية على أساس استهلاك الموارد المحدودة من دون التخلي عن طريقة الحياة العصرية؟ وكيف يمكن السكوت عن تدمير الأرض؟
كتب من العالم
السعي نحو الأبوة: تقنية المساعدة على الإنجاب.. من أطفال الأنابيب إلى عمليات زراعة الرحم
The Pursuit of Parenthood: Reproductive Technology from Test-Tube Babies to Uterus Transplants by Margaret Marsh, Wanda Ronner
تأليف: مارغريت مارش، واندا رونر
الناشر: 2019 ,JHUP
منذ ولادة لويز براون، أول طفلة أنابيب في إنجلترا عام 1978م، ولد أكثر من ثمانية ملايين طفل من خلال تقنية المساعدة على الإنجاب. لقد أثارت هذه التقنية منذ بدايتها جدلاً، وطرحت عديداً من الأسئلة ذات الأجوبة المحيرة، مثل: هل ثَمَّة حدود للمدى الذي يمكن أن يذهب إليه الناس من أجل الأبوة؟ ومن يجب أن يدفع ثمن العلاج؟ وكيف يُضمن الاستخدام الأخلاقي لهذه التقنية؟ وما الذي يمكن فعله لمعالجة الاختلافات العرقية والاقتصادية لمن يرغب الحصول على هذه التقنية من أجل إنجاب الأطفال، وماذا عن أولئك غير القادرين؟
تسعى المؤرِّخة مارغريت مارش، وخبيرة أمراض النساء واندا رونر في هذا الكتاب، إلى الإجابة عن هذه الأسئلة الصعبة. ومن خلال تقديم خبراتهما الفريدة في التاريخ الجنساني وصحة المرأة، تستكشف مارش ورونر الوسائل الجديدة التي يمكن من خلالها اليوم إنجاب الأطفال، بدءاً من الجهود المبكرة لتكوين الأجنة خارج جسم المرأة، وانتهاءً بالتطورات الجديدة مثل تقنيات استبدال الميتوكوندريا وزراعة الرحم. وتقيّم المؤلفتان تأثير التقنية المعاصرة المساعدة على الإنجاب في العالم.
كما يسلِّط هذا الكتاب الضوء على العلماء والأطباء الذين طوَّروا هذه التقنيات والأشخاص الذين استخدموها. وضمن طرحه، يبدِّد الكتاب عدداً من الأساطير المتعلِّقة بالخصوبة، ويقدِّم توصيات تهدف إلى الوصول إلى المعرفة الصحيحة في أغلب ما يتعلَّق بتاريخ هذه الممارسات الطبية المعقَّدة.
الممرات: قنوات الحداثة
Corridors: Passages of Modernity by Roger Luckhurst
تأليف: روجر لكهيرست
الناشر: 2019 ,Reaktion Books
نمر كثيراً عبر الممرات في حياتنا، هذه المساحات التي لم يُسلط عليها الضوء في الدراسات الهندسية، والتي ظهرت بكثرة في تصاميم العصر الفكتوري الهندسية في إنجلترا. يُنظر إلى الممرات غالباً بوصفها أجـزاءً غير محبّبـة من البنى التحتية للمباني، بدلاً من كونها جزءاً أساسياً من التقسيم المعماري.
يُمثل هذا الكتاب أول تاريخ شامل للممرات، يبدأ منذ ظهوره في المنازل الريفية والقصور في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى دخوله في تصميم السجون الإصلاحية في العصر الفكتوري، ومن ثم في المستشفيات والملاجئ. ويشير كيف تحوَّلت الممرات إلى رمزٍ لمتاهات البيروقراطية. ومن خلال مجموعة واسعة من المصادر، تشمل التاريخ المعماري والقصص والأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية، يستكشف روجر لكهيرست، أستاذ الأدب المعاصر في كلية الفنون في جامعة لندن، الممرات وكيف انتقلت من أماكن مثالية ونموذجية تمثل التنوير والنظام العقلاني والتوزيع المنطقي للمساحة، إلى مكان ترسخ في مخيلاتنا على أنه مصدر رعبٍ وخوفٍ وترقب، كما صورته البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، حين تجوَّل الكاميرات في الممرات لتصور هذه المساحات المغلقة، مع مشاعر تتراوح بين القلق الخفيف والخوف الشديد.
ويقول لكهرست إن هذه الصورة السلبية للممرات قد تكون هي التي دفعت بالمهندسين المعماريين في ستينيات القرن الماضي إلى التخلي عنها في هندساتهم، وتفضيل الأماكن المفتوحة بعيداً عن تقسيمها إلى مساحات محدَّدة. أما الرسالة الأساسية التي يود لكهرست نقلها فهي أن الممرات ليست مسألة هندسية معمارية بحتة، بل هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة، تتغير وتتفاعل مع العصر التي تنشأ فيه.
المتلعثم
Der Stotterer by Charles Lewinsky
تأليف: تشالز لوينسكي
الناشر: 2019 ,Diogenes Verlag
هذه الرواية بطلها يوهانس هوشيا ستاركل، الذي يعاني من التلعثم، ولكنه عوّضَ عن صعوبته هذه بالكتابة. إذ على الرغم من التاتأة التي تصيبه عندما يبدأ بالكلام، كان قلمه ينطلق ببراعة عندما تقع أمامه ورقة بيضاء فارغة. فهو ماهر في الكتابة ولكنه محتال! ويجد نفسه في السجن بعد قيامه بسلسلة من أعمال الاحتيال على سيدات كبيرات السن ليحصل على مدخراتهن، بعد أن يتظاهر بأنه قريب لهن ضائع منذ فترة طويلة، ويكتب رسائل لهن يروي فيها قصصاً عن حياته في بلاد نائية، ويسرد ذكرياته السعيدة مع أقاربه المسنين. وعندما كلف أحد حراس السجن ستاركل الإشراف على مكتبة السجن وشجعه على الكتابة، راح يكتب سلسلة من الرسائل والقصص القصيرة وفصول من مذكرات يومية كان يعيشها في زنزانته في السجن. وفيها يروي ذكرياته عن طفولة عاشها في كنف عائلة متزمتة، ويتذكر التزوير الأول الذي فعله عندما كان طفلاً صغيراً، وألّف جملة ضمن جزء صغير من كتاب ديني، وقرأها لوالده من أجل إقناعه بالتوقف عن ضربه في كل مرَّة كان يتلعثم فيها. وبعد نجاح حيلته هذه، ولو لفترة قصيرة، تبنَّى الخداع والاحتيال في مواقف كثيرة في حياته.
السارد في هذه الرواية هو ستاركل نفسه، وتظهر من خلال السرد براعته في الكتابة وفي الخداع أيضاً. فالقصص التي يرويها عن حياته في مذكراته تختلف عن القصص التي كان يرويها للمشرف على السجن، وتختلف أيضاً عمّا كان يكتبه في مذكرات يرسلها إلى إحدى دور النشر، وذلك بعد نجاحه في إقناع المشرف على السجن بمساعدته على التعاقد معها لنشر مذكراته. وفي حين أن الفصول التي كان يرسلها إلى الناشر تغطي بعضاً من الأفكار الأساسية التي كان يرويها في مذكراته الخاصة، وتلك التي كان يرويها للمشرف على السجن، إلا أنها كانت مختلفة بشكل ملحوظ. ومع كل هذه الاختلافات يُترك القارئ للبحث عن الحقيقة بين السطور، أو ربما قبول أن الحقيقة هي في بعض الأحيان مجرد عائق غير ضروري أمام أي قصة جيدة. لأن الأدب، حسب ستاركل، “كذب وخداع”، و”لا يتعيَّن على رواة القصص أن يتحلوا بالصدق بل عليهم بالأحرى أن يكونوا كاذبين جيدين”.
تاريخ الغذاء
Histoires de l’alimentation
by Jacques Attali
تأليف: جاك أتالي
الناشر: 2019 ,Fayard
يروي جاك أتالي، في هذا الكتاب قصصاً عن تاريخ الغذاء، وتغيُّر طرق إنتاجه، وعن أدوات المائدة والمطبخ، ويطرح مجموعة من الأسئلة حول الغذاء، ويحاول الإجابة عنها من منظور اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي وديموغرافي. ومن أبرز هذه الأسئلة: ماذا كان يأكل البشر قبل عشرة آلاف سنة؟ وكيف يمكن تفسير أسباب المحظورات من الأطعمة في مختلف الديانات؟ وكيف ظهرت النار وأساليب الطهي الأولى وأين؟ وكيف نشأت الزراعة وتربية المواشي؟ وماذا كان يأكل الحكام والأباطرة، وكيف كانت تأكل شعوبهم؟ وما الروابط بين الحياة السعيدة والطعام؟ وكيف ظهرت المطاعم وأين؟ ومن الذي اخترع البيتزا؟ ما الشعوب التي تأكل الحشرات؟ ما الأطعمة الأغلى ثمناً في عالم اليوم؟ وهل سنكون قادرين على إطعام عشرة مليارات إنسان يعيشون على كوكب الأرض في المستقبل القريب؟ وهل سنضطر إلى أكل ما سيفرضه علينا الذكاء الاصطناعي؟ ومن خلال الإجابة عن كل هذه الأسئلة، يشرح أتالي كيف انتقلنا بوصفنا بشراً من أكل طعام متنوِّع وطبيعي وفير إلى منتجات غذائية موحدة وصناعية تحتوي على سموم للإنسان والطبيعة أيضاً. كما يكشف لنا عن القوة الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية الهائلة لصناعة الأغذية في العالم، ويطلعنا أيضاً على روابط غير معروفة بين الطعام والقدرة على التواصل، وبين الطعام والسلطة، وبين ما نأكله، وعلاقته مع الجغرافيا السياسية.
مقارنة بين كتابين
الرياضيات من منظور مختلف
فن الرياضيات: الحقيقة والجمال والمعادلات
تأليف: ستيفن أورنس
الناشر: 2019 ,Sterling
Math Art: Truth, Beauty, and Equations by Stephen Ornes
ثمانية دروس عن اللانهاية: مغامرة رياضية
تأليف: هاييم شابيرا
الناشر: 2019 ,Duncan Baird Publishers
Eight Lessons on Infinity: A Mathematical Adventure
by Haim Shapira
تنتاب الكثير من البالغين الرهبة حين يتعاملون مع الرياضيات والحسابات والأرقام، ولا يخجلون من التعبير عن كرههم للرياضيات. ولكنَّ هذين الكتابين يساعدان في تغيير النظرة إلى الرياضيات من خلال تسهيل موضوعاته وجعلها مفهومة لدى الأشخـاص العادييـن، وكذلك علمـاء الطبيعـة والفنانيـن وذوي الميول الفلسفية.
يتناول كتابا “فن الرياضيـات: الحقيقـة والجمــال والمعـادلات”، و”ثمانية دروس عن اللانهاية: مغامرة رياضيـة”، درسـاً قديمـاً لطالما حاول مدرسو الرياضيات إقناعنا به عندما كنا صغاراً، وهو أن الرياضيات تهيمن على حياتنا، حتى لو حاولنا أن نتجاهلها.
في كتاب “فن الرياضيات”، يستكشف ستيفن أورنس، وهو عالِم متخصص في الرياضيات، الأعمال الإبداعية المستوحاة من الرياضيات، ويوضِّح في مقدّمة الكتاب أنه يتبع ثلاث قواعد أساسية هي: التركيز على الفن القائم على مبادئ الرياضيات، والكتابة عن الفن، والتركيز على الفنانين الأحياء الذين قدَّموا الأعمال الفنية المستوحاة من الرياضيات. وحول هؤلاء الفنانين يقول إن عديداً منهم يصفون أعمالهم بأنها أقرب إلى الاكتشاف منها إلى الاختراع، لأنهم يشعرون على مستوى ما أنهم يقدِّمون شكلاً مادياً لشيء كبير وعميق وأزلي، وعن أفكار وروابط كانت موجودة قبل أن تأخذهم إليها أفكارهم.
كما يشير أورنس إلى أن فن الرياضيات ليس جديداً. فمنذ العصور القديمة تصور البشر الرياضيات في الأعمال الإبداعية، أما الجديد هنا فهو الاعتراف المتبادل بين علماء الرياضيات والفنانين، على حد سواء، حيث أخذوا يدمجون بشكل متزايد الجماليات مع الأرقام، في وضعٍ يصفه أورنس بالقول:”الفن عن طريق الرياضيات والرياضيات عن طريق الفن، والجمال على مفترق طرق”.
أما فصول الكتاب فتُكرس إلى مجموعة واسعة من الموضوعات الرياضية التي ألهمت الفن، بما في ذلك تلك المتوقعة، مثل النسبة الذهبية والفركتلات والهندسة الزائدية، بالإضافة إلى موضوعات غير متوقعة مثل “مسألة البائع المتجول” التي هي إحدى أهم المسائل في علم التعقيد الحسابي ونظرية المخططات، ومتتالية فيبوناتشي، وتربيع الدائرة… إلخ.
أما كتاب شابيرا “ثمانية دروس عن اللانهاية” فمليء بالمسائل الرياضيــة التي يتحدَّى القارئ في حلّها، ولكنه يتجنب الصيغ المعقدة، ويمتنع عن استخدام أي رموز رياضية مربكـة، ليؤكـد أن الرياضيات ممتعة ويمكن الوصول إليها من قبل أي شخص.
فكل المسائل التي يطرحها تدور حول محاولة فهم “أجمل مفهوم ابتكرته البشرية”، وهو اللانهاية الذي يصعب أن يتصوره كثير من الأشخاص. ففي عالم اللانهاية عديدٌ من المفارقات التي يتحدث عنها شابيرا، من “مفارقة أخيل والسلحفاة” الذي تحدَّث عنها الفيلسوف اليوناني زينون الذي قال إن أسرع عدائي أثينا، أخيل، لن يستطيع اللحاق بأبطأ المخلوقات وهي السلحفاة، إذا أعطيت لها أفضلية البدء في السباق. ذلك أنه كي يلحق بها يجب أن يقطع الفواصل الزمنية التي تفصله عنها، ولأن المسافة الفاصلة بينهما تحتوي على عدد لا نهائي. ويتطرَّق إلى “مفارقة غاليليو” الذي استخدم الأرقام المربعة لإظهار المفارقة الرياضية في نظرية المجموعة، وليقول إن مجموعة جزئية “أصغر” من مجموعة أكبر لا حصر لها يمكن أن تكون بحد ذاتها غير متناهية، وغيرها كثير من المفارقات التي تظهر تناقضات اللانهاية التي أرقت الحكماء والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفيزياء في العالم منذ القِدم وحتى يومنا هذا. ومن خلال هذه المفارقات يحاول شابيرا أن يقدِّم لنا ثمانية دروس عن اللانهاية ليوضّح أن حل المشكلات المتعلقة بالأرقام هو وسيلة للدخول إلى الاستكشاف الفلسفي لمختلف جوانب حياتنا.
باختصار يساعد هذان الكتابان في تسهيل استكشاف مبادئ الرياضيات بكل تحدياتها وتجريداتها، وفي احتضان عظمة الكون من أجل فهم الواقع.
اترك تعليقاً