تعود أصول قبيلة نديبيلي إلى جنوب إفريقيا الحالية، ولكن أفرادها كانوا قد هربوا من حروب الزولو، في القرن التاسع عشر، واستقروا في منطقة “ماتوبو” في زيمبابوي الحالية، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حاملين معهم تقليداً خاصاً بهم، وهو تزيين جدران بيوتهم الخارجية بمختلف الرسومات ذات التصاميم الهندسية المميزة.
في ثقافة نديبيلي تُعدُّ زخرفة البيوت واجباً نسائياً كانت قد تناقلته السيدات من جيل إلى آخر لمئات السنين، وبمرور الوقت أصبحت التصميمات تتضمَّن أنماطاً من ثقافات أخرى وتطوَّرت لتشمل الحيوانات البرية والأزهار والأشخاص. ومن هنا كانت فكرة تنظيم مسابقة سنوية بعنوان “بيتي الجميل”، بهدف توثيق تقليد قبيلة نديبيلي المحلية في طلاء المنازل والمحافظة عليه، وقد بدأها شخص يدعى “باثيسا نياثي” Pathisa Nyathi، وهو مؤرِّخ محلي ومدير مركز للفنون في منطقة “ماتوبو”، وذلك في 2014م. ومنذ ذلك الوقت تطوَّرت هذه المسابقة ولاقت رواجاً كبيراً، إذ بعد أن كان عدد المشاركين فيها 30 منزلاً مشاركاً فقط، عند انطلاقها، ازداد العدد إلى 429 في 2021م، كما أنها جذبت في السنوات الأخيرة انتباه السكان في المناطق المجاورة، واسترعت اهتمام الحكام والجهات الراعية والمتحمسين للثقافة في أماكن أخرى في زيمبابوي وفي بلدان أخرى.
تبدأ السيدات في الرسم في موسم الجفاف الذي يمتد عادة من مارس إلى أكتوبر، وللقيام بذلك ينطلقن في البحث عن المواد الخام في الطبيعة المحيطة، حيث يجمعن الرمال لرسم الألوان الرمادية والبيضاء، ويستخدمن الرماد وبقايا الفحم من الحرائق لتكوين الأبيض والأسود، بينما يستخرجن اللونين الأحمر والبني من التربة الطينية الحمراء، فكل الأصباغ طبيعية ذات ألوان ترابية تحاكي الطبيعة المجاورة.
أما الرسومات فذات أنماط هندسية مميزة تحمل رمزية خاصة كالأشكال الدائرية التي تحاكي الشكل الدائري لكوكب الأرض والشمس والقمر وكل الكواكب الأخرى، بالإضافة إلى كل شيء بناه الأفارقة في العصور الوسطى الذي كان يتميز بشكله الدائري، سواء أكانت الأكواخ أم الدروع أم الأواني. وهناك الأشكال المتعرجة التي تبدو وكأنها مثلث مقلوب أو مخروطي، وفي معتقدات قبيلة نديبيلي يرمز هذا الشكل إلى خصوبة المرأة، ومن هنا كانت أهمية مشاركة النساء في تزيين منازلهن، حيث هن من يبعثن فيها الحياة ويغذينها.
بعد انتهاء النساء من الرسومات يبدو منظر البيوت كمعرض فني في الطبيعة، يتم فيه نسج الفن مع الحياة، تماماً كما هو الحال في تلال “ماتوبو” المجاورة، التي تضم صخوراً جرانيتية ضخمة، بعضها يشكل الكهوف التي تحتوي على أكبر تجمع للفن الصخري في جنوب إفريقيا، بحيث تم تزيين البعض منها بنقوش ورسومات يصل عمرها إلى 12000 عام.
بعد أشهر من الرسم، تتلاشى الزخارف والرسومات الجميلة مع هطول الأمطار في أكتوبر، مما يُعدُّ خسارة محزنة، ولكنها أيضاً نهاية مرحَّب بها لموسم الجفاف، كما أنها تقدِّم لهؤلاء السيدات لوحات نظيفة ليبدأن الرسم عليها من جديد في العام المقبل.
يبقى القول، إن مسابقة “بيتي الجميل” لا تقتصر على إعطاء سيدات قبيلة نديبيلي إحساساً بالفخر بثقافتهن التي يعبِّرن عنها في تلك الرسومات المزخرفة الجميلة، فقط، بل أصبحت مصدراً لمساعدتهن من خلال السيَّاح الذين بدأوا يتوافدون إلى “ماتوبو” الفقيرة لمشاهدة ذلك المعرض الفني الطبيعي، كما أن الجوائز التي يحصلن عليها من خلال المسابقة، هي جوائز عملية تساعدهن في أمورهن الحياتية، بحيث تشمل أدوات الزراعة ونقل المياه، كالمحاريث وخزانات المياة والعربات اليدوية ومعدَّات الطاقة الشمسية وأواني المطبخ وصناديق تربية النحل.
اترك تعليقاً