يصدر هذا العدد والمملكة تحتفل باليوم الوطني التسعين، في ظلِّ ظروف استثنائية يعيشها العالم أجمع.
إن الخيط الفاصل بين الفشل والنجاح هو الاستسلام للظروف. والأبطال الحقيقيون هم أصحاب الإرادة الحديدية التي لا تعرف الصعاب وتُحوِّل التحديات إلى فرص تختبر جوهرها وتظهر حقيقة معدنها النفيس؛ إذ لم يخلِّد التاريخ إلَّا الذين صمدوا في وجه التيارات العاتية وصنعوا التاريخ بمواقفهم، أما الذين جرفهم التيَّار فقد باتوا في مطاوي النسيان. وهذا ما أثبته الوطن بكافة قطاعاته في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، فعندما وصل كوفيد – 19 إلى الوطن، تداعت لمواجهته كل الطاقات، وكان الأطباء والممرضون والعاملون في القطاع الصحي خط الدفاع الأول، وقد أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم لقُبلة وطن على جباههم. وبعد مرور العاصفة التي انحنت لها السنابل لتمرّ من فوق الرؤوس، عادت السنابل الملأى لترفع رؤوسها فخراً بما قدَّمه أبناء الوطن في كافة القطاعات، وليس الصحية والأمنية فحسب.
وإذا كان هذا المنجز على صعيد التعامل مع الموقف داخلياً، فإن للتعامل مع المواطنين العالقين خارج المملكة قصة أخرى أصبحت حديث الرواة. فتحت مظلة القيادة الحكيمة التي أدارت الأزمة بحكمة واقتدار، أصبح المواطن السعودي موضع حسد العالم على طريقة تعاطي كل ممثليات المملكة مع مواطنيها في جميع دول العالم، وترتيب أوضاعهم حتى عودتهم إلى أحضان الوطن.
وعلى الصعيد الاقتصادي الذي بدا وكأنَّ الحياة جَمُدت فيه بينما كانت تمرّ مرّ السحاب، وكانت تعج بالحركة والحيوية وكلٌّ في موقعه يؤدِّي عمله ورسالته حتى أزِف موعد الحصاد، رأينا رئيس أكبر شركة متكاملة للنفط والغاز في العالم يعلن نتائج الربع الثاني من السنة، نتائج تظهر نجاح الشركة في تجاوز أزمة كورونا وتبعاتها، وتشكِّل نموذجاً لنجاح المؤسسات الوطنية الكبرى في كافة القطاعات الصحية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
ومع بداية العام الدراسي وانطلاق قاطرة التعليم عن بُعد، فإن أول من نقف له إجلالاً وإكباراً هي المدرسة الكبرى للأجيال، إنها الأم التي كانت وما زالت تتحمَّل العبء الأكبر في تربية النشء وتعليمه، وهي الحاضنة الحقيقية منذ اليوم الأول .. ويزداد العبء ثقلاً ويتضاعف مع التعليم عن بُعد .. لكنها المثال الحقيقي الأبرز لتحويل التحدي إلى فرصة، حيث سيتعلَّم أبناؤها في أحضانها وهي تحوطهم برعايتها كما كانت تفعل دائماً وبجهد مضاعف تُضاف إليه أعباء المنزل والحياة اليومية الاعتيادية.
فبينما يُتوَّج الوطن بإكليل من تسعين وردة ونجمة على جبينه، يتجدَّد معها شبابه بحكمة قيادته وسواعد أبنائه، يصدر هذا العدد من القافلة ليشارك الوطن فرحته بتناول عدد من المقالات ذات الصلة، من أبرزها الاحتفاء بسيرة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وأثرها في المحيط الاجتماعي والأسري، وهي التي نالت ثقة أخيها الملك المؤسِّس طوال حياتها.
وفي السياق نفسه، يتضمَّن هذا العدد قراءة في المشهد الثقافي السعودي وحراكه الكبير المترافق مع حركة التغيير والإصلاح، ودراسة في مشروع الجينوم البشري السعودي لمواجهة الأمراض الوراثية الذي يُعد أحد أفضل عشرة مشروعات على مستوى العالم ويهدف إلى الارتقاء بصحة المواطن.
وفي خطوة تستحق الشكر، تشاركنا وزارة الثقافة في هذه المناسبة بمقالتين مواكبتين لهذا اليوم واحتفاءً به معنا، إحداهما: الثقافة وفرادة الهويَّة في يوم الوطن، يناقش فيها د. جاسر الحربش تنوّع مناطق المملكة في مناخاتها وبيئاتها وتراثها، وكونه دليلاً على تعدُّد الوجهات والمظاهر الثقافية ومصدر اعتزاز لأبناء الوطن الواحد، إضافة إلى دوره في ترسيخ الانتماء والمواطنة؛ بينما جاءت المقالة الأخرى: العمارة نافذة التاريخ الوطني، لتؤكد فيها الدكتورة سمية السليمان أن العمارة فن ومكوّن اجتماعي وحضاري يجسِّد الهوية البصرية. وقد أبدت المملكة اهتمامها بهذا الجانب وأدرجته في برامجها التعليمية الجامعية، كما وضعته ضمن خطط رؤية 2030، من أجل مواكبة النهضة الثقافية الشاملة في المملكة.
وهكذا تتوالى المقالات لتحتفي بالوطن من خلال احتفائها بيومه وبمنجز أبنائه وبناته، فتعود بها الذاكرة لتفتح صفحة من ماضيها تطل على الحاضر والمستقبل، وتتحدَّث عن تاريخ التعليم في المملكة والخطوات الواثقة الأولى من مسيرة النهضة العلمية في المملكة، التي أهَّلتها لأن تقف اليوم في مصاف الدول المتقدمة، ولتقود قمة مجموعة دول العشرين هذا العام تحت شعار: “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2020
اليوم الوطني التسعون .. تتداعى له كل الطاقات
نائب رئيس التحرير
محمد أمين أبو المكارم
مقالات ذات صلة
为阿拉伯国家最著名的文化杂志之
رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.
ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.
اترك تعليقاً