بدأت قصة الجاذبية مع الأب الروحي للفيزياء اسحاق نيوتن. فقد اكتشف ما يُسمى “قوة الجاذبية”، ووضع القانون الرياضي الذي يحسب القوة المتبادلة بين أي جسمين في الكون. هذا القانون البسيط الذي تعلمناه جميعاً في المدرسة؛ ينص على وجود قوة جاذبة بين أي كتلتين في الكون تزداد مع زيادة حجم الكتل، وتقل كلما ابتعد الجسمان عن بعضهما بعضاً. لكن نيوتن، ببصيرته العظيمة، كان يُدرك أن هذا القانون ينطوي على عيب خطير. فعلى الرغم من قدرة القانون على التنبؤ بحركات كل الكواكب (باستثناء عطارد) والمذنبات والنيازك وغيرها، ظل هناك سؤال قاتل لا مفر منه: ما هو الشيء الموجود بين الأرض والشمس أو بين أي جسمين في الكون يجعلهما يتجاذبان ناحية بعضهما بعضاً؟ هل هناك حبل شفَّاف مثلاً لا نراه؟! فنحن نعرف أن المجال الكهرومغناطيسي هو ما يسبِّب قوة التجاذب أو التنافر بين شحنتين أو قطعتي مغناطيس. وهذا المجال الكهرومغناطيسي يمكن رصده مباشرة والتحقق من وجوده.
بناءً على فكرة المجال الكهرومغناطيسي تلك، بنى آينشتاين نظرية جديدة للجاذبية، تفترض وجود شيء ما حقيقي بين الشمس والأرض أو بين أي جسمين في الكون، يكون بمثابة وسيط أو ناقل للقوة بينهما. وهذا الشيء اسمه “الزمكان”. وهو شيء حقيقي موجود مثل المجال الكهرومغناطيسي يمكن قياسه والتحقق من وجوده. مجال الزمكان هذا بالإضافة للمجال الكهرومغناطيسي موجود الآن في المسافة الفاصلة بين عينيك وهذه المقالة! إنهما يملآن كل نقطة فارغة تراها.
افترض آينشتاين أن كتلة كبيرة مثل الشمس، ستعمل على تقوس مجال الزمكان هذا، مثل تقوس وسادة نتيجة وضع قطعة فولاذية ثقيلة عليها. الآن، وعندما يقترب من الشمس جسم صغير مقارنة بحجمها، مثل كوكب الأرض، فإنه سيدور على سطح التقوس الزمكاني هذا الناتج من كتلة الشمس. ومن ثم ستدور الأرض وبقية الكواكب والكويكبات والنيازك بمدرات بيضاوية حول الشمس تتفق بشكل مذهل مع كل قوانين كبلر وقانون نيوتن في الجاذبية.
إذاً ما نسميه “قوة الجاذبية” ليس مصطلحاً دقيقاً!، فالجاذبية ليست سوى حركة معجلة على سطح الزمكان المنحني نتيجة وجود كتل ضخمة. وبالمثل يتحرك القمر، والأقمار الاصطناعية حول الأرض بسبب تقوس الزمكان الذي تصنعه الأرض حول نفسها. هذا هو السر الذي حيَّر نيوتن وعلماء الفلك منذ قرون. لكن الفيزياء علم تجريبي صارم لا يهتم بجمال الأفكار إلا إذا خضعت للاختبارات المتكررة. وقد تم اختبار نظرية آينشتاين مئات المرات منذ نشرها عام 1916م، وكل النتائج تتفق بشكل مذهل مع النظرية.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو | 2018
النسبية العامة
الدكتور يوسف البناي
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
اترك تعليقاً