مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2019

الناطقون بلغة العلوم


رئيس التحرير

ثَمَّةَ مَثل شعبي عند أهل الخليج يقول: “اربط صبعك الكل ينعت لك دواء”؛ إذ بمجرد أن يرى أحدهم جُرْحك سيبادر تطوُّعاً ويخبرك عن علاج. في أغلب الأحيان تتفاعل مع نصيحته، كونها قد تمثِّل حلاً أو من باب المجاملة. ولكن رسالته تصل، لأنها فوريَّة وشفهيّة، وهذا يعني أن الناصح استخدم وسيلة التواصل الأقوى التي يعرفها الناس على مرّ العصور.
يذكر كتاب “مُعدي: السبب وراء تفشي الأشياء” أن الدعاية الشفهية من الأشخاص العاديين الذين نلتقيهم كل يوم تُعدُّ أكثر فاعلية من أي وسيلة أخرى بعشرة أضعاف على الأقل؛ لأنها تبدو أكثر إقناعاً وأدق في استهداف المتلقي. فمن طبيعة التواصل الشفهي ارتباطه بمعلومات وأخبار تَهُمُّ حياة الناس مباشرة، وهذا يفسِّر طبيعة التواصل الفعّال لدى ناصحي وممارسي العلاج الشعبي. وحتى وإن كان للجهل دورٌ في محتوى هذا التواصل، فهؤلاء يستخدمون وسيلة تواصل أولية فيها شيءٌ من المحتوى العلمي.
وسائل التواصل الحديثة القائمة على المنهج العلمي ومحتواه متعدِّدة، تبدأ من الفصول والمختبرات واللقاءات الشخصية وحتى المجلات والكتب والشبكات الاجتماعية. وما يميّز التواصل العلمي هو هدفه في نشر المعرفة والنصائح العلمية الرصينة، وتقديم تفسيرات وحلول لمشكلات حقيقية وملموسة؛ من إيجاد طرق لتجنب الألم إلى معرفة أسرار الكون. ومع هذا الطيف الواسع من الوسائل والأهداف، فإن أهم التحديات التي يواجهها هذا النوع من التواصل هي لغته، إذ غالباً ما يستخدم صانعو المحتوى العلمي في عملهم مصطلحات لغوية محدَّدة يفترضون أن الجميع يعرفها، في حين أن هذه اللغة تُسمع من بعيد وكأنها تُقال من بُرج عاجيّ يصعب على غير المتخصصين تمييز صوتها أو فهمها.
ولكن، أغلبنا يستحضر صوت الناي الحزين في مقدِّمة برنامج “العلم والإيمان”، ويتذكَّر طلّة الدكتور مصطفى محمود عبر شاشة التلفزيون بعينيه الحائرتين ونبراته العفوية وعباراته البسيطة، وهو يقصّ ويشرح ويبسط خبايا من علوم الفلك وكوامن في علم الأحياء. إنَّ نجاح هذا البرنامج واستمرار عرضه سنوات طويلة مثال واضح على شغف الناس بالتواصل العلمي حين يأتي مقترناً باللغة البسيطة، وبشيءٍ من العاطفة.
تنشر القافلة في هذا العدد تغطية للجلسة الحوارية التي أقامتها حول “تجارب ومبادرات التواصل العلمي في المملكة”، واجتمع فيها نخبة من ممثلي المؤسسات العلمية السعودية ومتخصصين في التواصل العلمي. لقد أسعدنا أن نتعرَّف إلى الإمكانات المؤسسية والشخصية القادرة على إثراء المحتوى العلمي في المملكة ونشره، ونطمح أن يكون هذا اللقاء بداية عملية للتعاون بين المتخصصين والإسهام في تحقيق أهداف التواصل العلمي السامية التي تضمن للناس الوصول إلى معرفة حقيقية للأفكار والحقائق العلمية، وأن تصلهم بكل يسرٍ وسهولة.
يقول كارل ساجان الذي يُعدُّ أبرز من بسَّط أفكار علوم الفلك والفيزياء الفلكية وغيرها من العلوم الطبيعية وجعل كثيرين يقعون في حُبها: “إن عدم شرح العلم يبدو لي شيئاً غير منطقي؛ لأنك عندما تقع في الحب تنتابك رغبة في إخبار العالم كله”.


مقالات ذات صلة

رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.

ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.

يقول أبو العلاء المعري في واحدة من قراءاته لمستقبل الطفولة: لا تَزدَرُنَّ صِغــارًا في ملاعبِـهِم فجائزٌ أَن يُرَوا ساداتِ أَقوامِ وأَكرِمـوا الطِّفلَ عن نُكـرٍ يُقـالُ لهُ فـإِن يَعِـشْ يُدعَ كَهـلًا بعـدَ أَعــوامِ المعري وهو الذي لم يُنجبْ أطفالًا؛ لأنَّه امتنع عن الزواج طوال عمره، يؤكد من خلال خبرة معرفية أهمية التربية في البناء النفسي للأطفال، […]


0 تعليقات على “الناطقون بلغة العلوم”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *