احترفت أزهار الصادق فن الخط العربي بعد مسيرة بدأت وهي طفلة في المرحلة الابتدائية في قريتها الصغيرة سنابس في محافظة القطيف، وتوَّجتها بالدراسة على أيدي أساتذة فن الخط، فنجحت في أن تكون من السيِّدات الرائدات في هذا المجال الفني الذي كان ولا يزال يهيمن عليه الخطاطون من الرجال. وأوصلها إخلاصها لهذا الفن وإبداعها فيه إلى المشاركة في بعثات وكالة الشؤون الثقافية في وزارة الإعلام إلى مناسبات ثقافية عربية وعالمية.
لأن عدد النساء اللواتي احترفن فن الخط العربي أقل بكثير من عدد الرجال، كان ولا بدَّ من أن يبدأ حديثنا مع الخطاطة أزهار الصادق بالسؤال عن نشأتها وما أوصلها إلى هذا المجال. فتقول إنها شغفت بالرسوم الزخرفية منذ أن كانت طفلة وبجَمال الخط العربي، وكثيراً ما كانت تتأمَّل في القرآن الكريم وفي الزخارف التي تحيط بحروفه.
في بداية تعلّمها الخط، كان كلّ ما تملكه طاولة مدرسية صغيرة، لكنها كانت عالمها الواسع ومشغلها المفضَّل. فأنتجت عليها أول أعمالها الخطيَّة بأعجوبة، لأن إنتاج اللوحات يحتاج إلى طاولة ضوئية. وبعدها تمكنَّت من توفير زاوية للعمل ضمن غرفتها الشخصية، إلى أن أصبح المرسم ضرورة لا بدَّ منها لتوسع نشاطها. وعندما كثرت أدواتها، خصَّص لها والدها غرفة في المنزل لتكون العالَم الذي يأوي كل طاقاتها من الإبداعية وإنتاجها، ويستضيف بعض الورش والدورات القصيرة التي كانت مطلوبة بكثرة آنذاك.
ولا يغيب عن بال أزهار الصادق أن تذكر فضل الجوّ الأسري، فتقول إنها نشأت في بيئة فنية ملهِمة. فوالدتها كانت تطرِّز أغطية الوسادات والمفارش، ووالدها مهتم بالأدب والشعر. أما شقيقتها زهرة فهي فنَّانة بالفطرة ترسم منذ طفولتها.
وحين بدأت أزهار تميل بوضوح إلى فن الخط العربي شجَّعتها شقيقتها زهرة ووالدتها. وفي السنوات الأخيرة ساعدها وشجَّعها زوجها المهندس الخطاط أحمد المشهد الذي وفَّر لها الجوّ المناسب للعمل الفني.
من الهواية والإعجاب
إلى الدراسة والاحتراف
أما عن البداية الحقيقية للانتقال من الهواية والشغف إلى الدراسة والاحتراف، فثمَّة صُدفة جمعت الصادق في معرض “مداد” بجماعة الخط العربي بالقطيف عام 2004م، وكانت آنذاك تعمل سكرتيرة المنتدى الفني النسائي التابع للجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف، وتحدَّدت مهمتها في تنسيق البرامج الفنية بين المنتدى الفني النسائي ونادي الفنون. فتروي: “في أحد الأيام كنَّا في زيارة لمعرض “مداد” المُقام في صالة نادي الفنون. وبمجرد أن وصلنا، تملكتني الدهشة وانبهرت بما رأت عيناي. لم أكن حينها أدرك أن الخط العربي يمكن أن يكون بهذا الجَمَال، ولم تكن لدي أدنى فكرة عن هذا الفن العريق، لكن كل ما أيقنته يومها، هو أنني ومن دون شك أرغب في سبر أغوار هذا الفن وتعلُّم أسراره. وبالفعل، لم تمضِ إلا أيام قليلة، حتى تم التنسيق بين المنتدى الفني ونادي الفنون لإقامة أول دورة خط عربي نسائية في المنطقة الشرقية لخط النسخ والرقعة”.
ولم تقف الصادق عند ذلك الحد، بل أسهمت أيضاً في تنظيم دورة في الخط الديواني، وكانت المشرفة على الدورتين. غير أنها كانت طوال الوقت تفكِّر كيف يمكنها التعلُّم مع المتدرِّبات، خصوصاً حينما لمست الفرق الواضح في مستوياتهن بين بداية الدورة ونهايتها.
بدأت تتدرَّب بمفردها، حتى تمكَّنت من خط جميع الحروف وبعض العبارات. وبعد فترة، التحقت بدورة أقامها الخطاط مصطفى العرب، وكانت دورة متقدِّمة للخط الديواني.
ثم درست خط الرقعة على يد الخطاط حسين القلاف، وانتقلت بعد ذلك إلى دراسة خطي النسخ والثلث على يد الخطاط حسن آل رضوان.
وفي مسيرتها الفنية، شاركت الصادق ثلاث مرات في الأسبوع الثقافي السعودي بدعوة من وزارة الثقافة، أولها في ألبانيا (مارس 2013م) وبعدها في روما (أكتوبر 2013م) والأخيرة كانت في ساو باولو البرازيل (يونيو 2014م). وفي كل مرَّة كانت تحظى بتجربة ثرية، كما تقول، يتخللها التعرُّف إلى ثقافات مختلفة وفنانين من مختلف فروع الفن (فن تشكيلي، وتصوير فوتوغرافي، وخط عربي، ونحت).
إلا أن أقسام الخط العربي في هذه المعارض كانت أكثر ما يجذب الخطاطة أزهار، ويجذب الزوار إليها، فتقضي معظم الوقت في كتابة الأسماء والعبارات التي يطلبها الزوَّار، وكثيراً ما كانت تضحي بوقت الراحة أو فسحة الغداء لتلبِّي طلباتهم.
الزخرفة وطاقة الاسترخاء
تمكنت أزهار من فن الزخرفة وأبدعت في لوحاتها الزخرفية، حيث تقول إن “فن الخط والزخرفة كلٌّ منهما مكمل للآخر، فحين بدأت في تعلُّم الخط العربي جذبتني كثيراً اللوحات الخطية المزخرفة أو المذهبة فقمت باقتناء بعض كتب الزخرفة وبدأت بمحاكاة بعض الزخارف وتقليدها، وبعدها أقامت جماعة الخط العربي ورشة في الزخرفة قدَّمها الخطاط والمزخرف حسن الزاهر فالتحقت بها وتعلمت أساسيات الزخرفة، حتى جاءت الفرصة الذهبية التي جمعتني بأستاذتي آيتن ترياكي في مهرجان صيف أرامكو الثقافي 2010م، قدَّمت لها صوراً لبعض محاكاتي في الزخرفة ووجدت أن لدي قابلية كبيرة لتعلُّم الزخرفة وإتقانها، فعرضت عليَّ أن تتولى تعليمي، فكانت بداية انطلاقتي وتحديد مساري في الزخرفة وهي المدرسة العثمانية وما زلت أدرس معها حتى اليوم فأحياناً أحضر دروسي معها في إسطنبول ولكن بسبب جائحة كوفيد 19 أصبحت دروسنا عن بُعد. وفي عام 2014م ذهبت لأخذ دروس في الزخرفة مع الأستاذ المزخرف مصعب الدوري في الشارقة وهو أستاذ الزخرفة في بيوت الخطاطين بالشارقة وقد تعلَّمت منه كثيراً من الأسرار والتقنيات المهمة والأساسيات أيضاً وما زلت حتى اليوم أتعلَّم منه المزيد”.
وحول أيهما أقرب إلى مشاعرها في العمل الفني قالت الصادق: “الاثنان محببان جداً لي، إلا أنني أمارس الزخرفة أكثر لقلة عدد المزخرفين والمزخرفات، والحمد لله اكتسبت ثقة الخطاطين وقمت بتذهيب بعض أعمالهم من بداية تعلمي في الزخرفة. في الخط نتعامل مع الحبر والقصب والورق، أما في الزخرفة فالتعامل مع الذهب عالم مختلف جداً لا يمكنني وصفه فذرات الذهب المسحوق لها أثر كبير على النفس وهدوئها فهي بدقتها اللامتناهية تأخذك للاسترخاء والتأمل.
خصوصية فن الخط:
وجود قواعد يجب الالتزام بها
حول خصوصية فن الخط، تقول الصادق إن الإبداع الفني بشكل عام هو ابتكار شيء جديد بعيداً عن التقليد والتكرار، مع مراعاة تحقيق مقومات العمل الفني الأساسية مثل التناسق والتوازن وغيرها. أما في الخط العربي بالتحديد، فالأمر قد يكون أصعب مما قد يكون عليه في الفنون الأخرى، لأن الخط يخضع لمقاييس وقواعد معيَّنة يجب الالتزام بها. وهنا يأتي دور الخطاط في شحذ أفكاره ومخيلته للوصول إلى نتاج إبداعي من دون كسر القواعد.
وتتوسَّع الفنانة الخطاطة في شرح الأمر، فتقول: يبدأ الخطاط أولاً باختيار نص مناسب للكتابة؛ بحيث تكون حروفه وكلماته قابلة لتحقيق الجَمَال الفني من خلال التناغم والانسجام والتركيب في قالب فني معيَّن وتوزيع الكتل، وصولاً إلى طريقة إخراج العمل الفني مثل اختيار الورق المناسب ولون الحبر والتأطير. إضافةً إلى ذلك، فإن عنصر الدهشة من أهم العناصر التي تحقِّق الإبداع في العمل الفني. فالمتلقي يحتاج لأن يبهره النتاج الفني، ليجذبه ويجبره أيضاً على تفحّص تفاصيله والوقوف أمامه طويلاً.
وهناك مرحلتان في العمل الفني في مجال فن الخط: المرحلة الأولى، وهي لحظة رسم الخط، حيث تعبِّر الخطوط وحركاتها عن الأحاسيس والانفعالات. وهي لحظة معقَّدة لا يمكن التكلم عنها، إذ تمتزج هذه الأحاسيس بالذاكرة وتمتد نحو جذور بعيدة وعميقة في النفس البشرية. والمرحلة الثانية، هي في الحوار مع النفس قبل الخط وبعده: من أين أتينا وإلى أين نذهب، ما هو الفن وما هو الخط؟ ثم التأمل في خطوط الماضي وتخيُّل خطوط المستقبل.
ومتى نستطيع أن نُطلق على شخص ما صفة “خطاط”؟
فتقول: “الحقيقة أن الخطاط يمر بمراحل تدريبية كثيرة منها كتابة المفردات ثم التراكيب ثم كتابة العبارات والكلمات وبعدها إنتاج اللوحة، وكل هذا يحتاج إلى جهد واستمرار للوصول إلى الإجادة والإتقان”.
طبيعة الخطوط والتعامل معها
تعتقد الصادق أن الخط العربي كله آسر؛ فكل نوع من أنواع الخط له سحره خاص، وجماله الخاص. فهي تعشق الخط بكل أنواعه، لكن خط الثلث هو أكثر ما يجذبها ويجبرها على التوقف والتأمل فيه. إنه خط يضم كثيراً من التعابير كالقوة والصلابة والفخامة التي تتجلَّى فيها سيادته على باقي الخطوط.
وتقول: “ينبغي أن ننتبه إلى أن من أبرز جماليات الخط العربي أنه فن خاضع لأسس وقواعد ومقاييس تجعله منحصراً في دائرة الجَمَال المحسوبة بدقة وبالنسبة والتناسب؛ ابتداءً من الحرف الواحد وأجزائه؛ وانتهاءً بالعمل الخطي المتكامل. والخط العربي يبرز جماله في المرونة والصلابة في الالتفاف أحياناً والإرسال أحياناً أخرى، فهو موسيقى بصرية ذات إيقاع متجدِّد”.
وتفيدنا الفنانة بأن بعض الخطوط تمتاز بأنها صلبة جداً، فتتعامل معها رسماً كالخط الكوفي بأنواعه المورق والمزخرف والمظفر. وقد استُخدم هذا الخط قديماً في كتابة المصاحف والمراسلات والتدوين، حتى قام الخطاط العربي “ابن مقلة” بتحويل الخط الكوفي إلى النسخ والثلث، وذلك لسرعة الكتابة بخط النسخ في وظائف التدوين أو كتابة المصاحف؛ أما الخط الكوفي فأصبح تزييناً معمارياً.
وترى الفنانة أن الخطوط المرنة أو المستديرة هي أساس حُسن الخط وإتقانه. “فخط الثلث هو نقطة البداية في عالم الخط. وجرت العادة لدى الخطاطين أن يبدأوا بتعلُّم خطي الثلث والنسخ معاً. فمنهما يستطيع الخطاط الانتقال إلى تعلّم بقية الخطوط وإتقانها بسهولة. أما خط الرقعة والإجازة والديواني، فهي من الخطوط التي تساعد على الاسترسال في الكتابة، بسبب مرونتها وبساطة تركيب حروفها”.
الأحبار التي تلوّنت مؤخراً
وحول غلبة اللون الأسود على فن الخط العربي، تقول الصادق إننا إذا عدنا إلى التاريخ، فسنجد أن الخطاطين القدامى استخدموا الحبر الأسود المستخلص من الهباب (السخام). وهناك مقولات كثيرة تؤكِّد ضرورة الاعتناء بصناعة الحبر وسواده؛ فهو عنصر أساسي في اللوحة الخطية، بل يُعدُّ من عناصر الجَمَال فيها، ويمكننا أن نستشهد هنا بقول إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي (توفي سنة 304هـ) إذ قال: “ومما يزيد الخط حُسناً ويمكّن له في القلب موضعاً شدَّة سواد المداد”.
كما استخدم القدماء الزرنيخ وماء الذهب، وكان بعضهم يضيف إلى الحبر قطرات من ماء الورد أو القرنفل أو المسك لتطيب رائحته. لكن الأسلوب التقليدي يتطلب الكتابة بالحبر الأسود والبني فقط، وهي الألوان المتعارف عليها والمطلوبة في كل محفل ومهمَّة. وقد استخدم الخطاطون المعاصرون ألواناً جديدة كالأزرق الفيروزي والأحمر الخمري كنوع من التجديد.
خطَّاطات عربيات مبدعات
تجدر الإشارة الى أن فن الخط في المنطقة الشرقية كان في ما مضى فناً مقتصراً على الرجال فقط. ولكن المنتدى النسائي كان أول من نفّذ دورات لتعليم فن الخط للنساء. فَرَاح عدد الخطاطات يتزايد باستمرار. ولكن ليس هناك إحصاء دقيق لأعداد الخطاطات ولا الخطاطين.
وتلفتنا ابنة سنابس إلى أن هناك خطاطات عربيات وغير عربيات وصلن إلى الإجادة، وحصلن على إجازة في الخط العربي من أساتذتهن، ولكن عددهن يبقى قليلاً جداً مقارنةً بالرجال. وتقول: “من بين الخطاطات المُجيدات أستاذتي القديرة الخطاطة والمزخرفة التركية آيتن ترياكي، الحاصلة على إجازة من شيخ الخطاطين حسن جلبي، والخطاطة البريطانية المولد باكستانية الأصل ثريا سيد، وهي تلميذة الشيخ جلبي أيضاً. ومن العراق اشتهرت الأختان الخطاطتان جنة وفرح عدنان عزت، وهما مجازتان من الخطاط المصري سيد إبراهيم، والخطاط التركي حامد الآمدي. وفي الإمارات حصلت الخطاطتان فاطمة سعيد البقالي، وماجدة المازم على إجازة الخط من الشيخ حسن جلبي أيضاً. أما في إسبانيا فحصلت الخطاطة نوريا غارسيا على إجازة الخط من الخطاطين القديرين حسن جلبي، وداود بكتاش.
مجالات توظيف الخط لا تنتهي
ونختتم هذا اللقاء مع الفنانة الصادق بالتوقف أمام مجالات توظيف فن الخط العربي التقليدي الذي يختلف بطبيعة الحال عن الطباعة الآلية؛ وكذلك عن خط اليد غير التقليدي، وأيضاً عن الخط الإلكتروني المبرمج في أجهزة الحاسوب والتصميم. فبإمكان الخطاط الماهر أن يبتكر كل هذه الأنواع من الخط؛ لذلك يستمر الخط العربي في الازدهار بوظائفه في استخدامات عديدة لا غنى عنها، مثل: دعوات الزواج والمناسبات، وتصميم الشعارات التجارية، والإعلانات، والتصميم الجرافيكي، والنقش على القطع الحجرية، والطباعة على الأقمشة والملبوسات والمفروشات. كما يُستخدم أيضاً في الأثاث الخشبي والمعدني، والصور المتحركة للسينما والتلفزيون، والخرائط، وغيرها كثير من الأعمال التي تعتمد على الكتابة. فالخط العربي حامل للغة العربية، وهو دائم مع دوامها إلى الأبد.
نفتخر في ازهار نادر المزخرفات السعوديات
الله على شبابنا وبناتنا يستمر عطاء الوطن ويستمر ابداع أبناء الوطن
ابداااااع من العيار الثقيل، نفخر أن يكون بيننا مثل هذه الطاقات الخلاقة المبدعة
جميل جداً ان تحوي مملكتنا الحبيبة على مُبدعين يستحقو الاشادة مثل الفنانه أزهار جميل ماقدمت من إنجاز وإبداع يستحق الثناء والفخر كل الاماني للمبدعة أزهار بالتوفيق وإلى المزيد من الابداع والتألق