في عددها الصادر في شهر رجب عام 1392هـ الموافق أغسطس/سبتمبر 1972م، نشرت القافلة سلسلة مقالات خصَّصتها للتعليم في المملكة العربية السعودية، أولها مقالة بقلم وزير المعارف معالي الأستاذ حسن بن عبدالله ابن حسن آل الشيخ، تحت عنوان “تاريخ الحركة التعليمية في المملكة العربية السعودية منذ توحُّد أجزائها”، كما نشرت المجلة مجريات ندوة تحت عنوان “المناهج التعليمية وأساليب التدريس الحديثة وأثرها على المجتمع” وفي ثالثها تقريراً تحت عنوان “التعليم في المملكة العربية السعودية اليوم” حازت كلها أكثر من ثلثي صفحات المجلة. وهنا بعضاً مما جاء في التقرير الأخير.
لكي ندرك أبعاد مظاهر الحركة التعليمية في المملكة العربية السعودية، جدير بنا أن نعرف أن جميع أجهزة الدولة تقريباً تعمل متكاتفة بشكل أو بآخر وبصورة متكاملة على النهوض بالمستوى الثقافي والعلمي لجميع المواطنين حتى تتوفر للدولة الكفاءات والطاقات الكفيلة بالاضطلاع بأعباء الأعمال والمهام، صغيرها وكبيرها، التي تحتاجها المملكة في مرحلة التنمية الراهنة، لتلحق بالركب الحضاري ولتأخذ المكان اللائق بها بين الأمم الراقية المتطورة.
ونحن إذا ما أدرنا عقارب الزمن إلى الوراء، إلى نصف قرن من الزمان، نرى أن البون الشاسع والصورة مختلفة بينما كان عليه التعليم في ذلك العهد وبين ما هو قائم الآن. فحين كنا لا نسمع إلا بوجود كتاتيب صغيرة متواضعة يتولاها بعض المشايخ، حيث يقتصر التعليم فيها على القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب، أو حلقات الدراسة في المساجد أو في المنازل يعقدها كبار الفقهاء، نجد اليوم أن التعليم قد تخطى تلك الأنماط والأساليب القديمة وقفز قفزة جبارة مسايراً في ذلك ركب الحضارة وروح العصر.
وللتعليم في المملكة في جميع مراحله أبعاد واضحة المعالم، تنبثق من روح الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وعبادة وخُلُقاً وشريعة وحكماً ونظاماً متكاملين للحياة. ومما هو حري بالذكر أن التعليم في المملكة مجاني ومتاح لجميع أبنائها، في جميع مراحله: الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية بل تقدِّم الدولة لجميع الطلاب في مختلف مراحل التعليم وأقسامه، الكتب المدرسية، ووسائل النقل، كما تصرف مكافآة مالية شهرية تشمل الجامعات والمعاهد المهنية وتشمل الطلاب العاجزين في كل المراحل. على ذلك فإن الدولة تدفع نفقات دراسة الطلاب المبتعثين إلى الخارج، وعلاجهم، وملابسهم وتنقلاتهم، ونفقات معيشتهم، حتى بلغت تلك النفقات في أشكالها المتعدِّدة ما يربو على واحد وستين مليون ريال خلال العام الدراسي 1390/1391هـ. وحسبنا في هذا المجال أن نستعرض بإيجاز نشاطات المؤسسات التعليمية العديدة في أرجاء المملكة بشيء من الاختصار يمليه علينا ضيق المجال.
مولد وزارة المعارف
بعد أن استتبت مقاليد الأمور لجلالة المغفور له الملك عبدالعزيز وعمَّ البلاد الأمن والاستقرار، انصرف – رحمه الله – إلى إرساء دعائم صرح الدولة الوليدة، وكان التعليم على رأس تلك الدعائم، فعرفت المملكة في غرَّة رمضان المبارك عام 1344هـ (1925م) أول مديرية للمعارف في تاريخها، وبذلك انتقل التعليم من مرحلة الارتجال إلى مرحلة التنظيم والتخطيط. واستطاعت المديرية، رغم إمكاناتها المحدودة، أن تحقِّق الغايات النبيلة التي وُجدت من أجلها، حيث اشتد إقبال الناس على تحصيل العلم. وقد بدأت المديرية بأربع مدارس ابتدائية، وما أن حلَّ عام 1372هـ (1953م) حتى أصبح لديها 306 مدارس موزعة في أنحاء المملكة. وتماشياً مع ركب التطوُّر وتضخُّم المسؤوليات، وتشعُّب أهداف التعليم، أصبح لا مندوحة من إحداث جهاز فعَّال تُلقى على عاتقه أعباء التعليم الضخمة، فكان أن أنشئت بشهر ربيع الآخر عام 1373هـ (1953م) وزارة المعارف، التي أسندت مهامها إلى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود كأول وزير لها، فوضع نظامها على أسس ثابتة، فاتَّسعت دائرة التعليم وانتشرت المدارس انتشاراً سريعاً بفضل ما تُغدقه الدولة على هذا الجهاز. فبينما كانت ميزانية الوزارة 12,817,467 في السنة المالية 1391/1392هـ نجد أن مخصصاتها قد بلغت 711,377,892 ريالاً عام 1391/1392هـ. أي إن الزيادة في نفقات التعليم قد بلغت خلال فترة لا تتجاوز عشرين عاماً نحو %5900، وهي أعلى نسبة يمكن تسجيلها خلال فترة مماثلة. وإزاء هذا التوسُّع الملحوظ في شؤون التعليم، بادرت الوزارة إلى تنظيم جهازها الفني والإداري لتتمكن من الإشراف المباشر على التعليم. فأوجدت لكل مرحلة أو نوع معيَّن من التعليم إدارة تتولى شؤونه الفنية وتُشرف على مناهجه الدراسية وتعمل على تطويرها بما يتماشى مع روح الإسلام وتعاليمه الرشيدة، ويتلاءم مع ظروف البلاد وتراثها المجيد، ويساير ركب التطوُّر الحضاري في العالم.
التعليم الابتدائي
لمَّا كانت المرحلة الابتدائية تمثِّل قاعدة الهرم التعليمي التي ترتكز عليها بقية مراحل التعليم، فقد أولت الوزارة هذه المرحلة، ولا تزال كثيراً من عنايتها، فبلغ عدد المدارس 1596 مدرسة تضم 308,598 طالباً. كما بلغ عدد المدارس التي افتتحتها الوزارة خلال العام الدراسي 1991/1992هـ 160 مدرسة موزعة على مناطق المملكة.
وقد تبنَّت الوزارة خطة خمسية للتوسُّع التعليمي اعتباراً من العام 1390/1391هـ، وهي عبارة عن خطة تربوية متكاملة تطوِّر الوزارة بمقتضاها مراحل التعليم بمختلف مستوياته، ليؤدي الدور المطلوب كجزء من خطة الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد تقرَّر بموجب الخطة فتح مزيد من المدارس الابتدائية في المدن والقرى، وبناء ما لا يقل عن 65 مدرسة خلال العام 1392/1393هـ. وقد أخذت الوزارة على عاتقها تقديم وجبة غذائية كاملة لطلاب المرحلة الابتدائية في خمس مناطق هي: وادي الدواسر، والحوطة، والحريق، ونجران، والجوف، والقنفذة.
التعليم المتوسط
لم يبرز للتعليم المتوسط كيان مستقل كمرحلة منفصلة إلا عام 1378هـ. فقبل ذلك التاريخ كان يندرج تحت مسمَّى التعليم الثانوي. ففي عام 1346هـ أُنشئ “المعهد العلمي السعودي” في مكة المكرّمة، وكانت مدة الدراسة فيه أربع سنوات بعد المرحلة الابتدائية. ثم أعقبه فتح معهد مماثل بالمدينة المنوَّرة عام 1348هـ. وفي عام 1356هـ، أنشئت بمكة المكرمة “مدرسة تحضير البعثات العلمية” ذات السنوات الدراسية الخمس بعد المرحلة الابتدائية. وقد كان الغرض منها إعداد الطلاب لمواصلة دراساتهم العليا. وتزايد من ثم عدد المدارس الثانوية التي تشمل المرحلة المتوسطة حتى بلغ عددها عشر مدارس عام 1372هـ. وقد ارتأت الوزارة فصل المرحلة المتوسطة عن المرحلة الثانوية في مستهل عام 1378هـ.
وتقضي الخطة الخمسية الرامية إلى رفع مستوى التعليم في المملكة، التوسُّع في المرحلة المتوسطة للعام الدراسي المقبل بافتتاح 24 مدرسة، وتشييد حوالي 13 مبنى مدرسياً. هذا، وقد تم إنجاز منهج جديد للمرحلة المتوسطة بسنواتها الثلاث، سيجري تطبيقه العام الدراسي المقبل 1392/1393هـ، وهو يتمشّى مع النظريات التربوية الحديثة.
التعليم الثانوي
افتُتحت أول مدرسة ثانوية في المملكة عام 1356هـ بمكة المكرّمة تحت اسم “مدرسة تحضير البعثات العلمية”. وقد ضمَّت 41 طالباً في فصلين، وبلغ عدد مدرِّسيها ستة. ثم أخذ عدد المدارس الثانوية يرتفع تدريجياً منذ أن انفصل التعليم الثانوي عن التعليم المتوسط عام 1378هـ. ففي الفترة الممتدة بين عامي 1379 و1392هـ ارتفع العدد من مدرسة واحدة تضم 116طالباً إلى 52 مدرسة تضم 12638 طالباً.
ويلتحق الطالب بهذه المرحلة بعد حصوله على شهادة الكفاءة المتوسطة، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات دراسية يتقدَّم الطالب في نهايتها إلى امتحان وزاري عام يحصل الناجح فيه على شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهية) بأحد قسميها، العلمي والأدبي. وتجري الآن دراسات تربوية مستفيضة على مشروع المنهج المقترح للمرحلة الثانوية، كما تجري الآن دراسات بالمستوى نفسه حول نظام الامتحانات لهذه المرحلة بحيث يصبح هذا النظام محققاً لأهداف تعليمية وتربوية فعّالة لا مجرد سبر معلومات اكتسبها الطالب. هذا وتتجه النية إلى افتتاح مدرسة ثانوية أو أكثر للمتفوقين، ضمن التجارب التربوية التي تقوم بها الوزارة بغية تطوير مستوى التعليم الثانوي تطويراً يؤدي إلى تحقيق أهدافه بشكل ملموس. وتتضمَّن الخطة الخمسية افتتاح مدارس جديدة، وإنشاء ثلاثة مبان مدرسية ومكتبة ومختبرين للعام الدراسي 1392/1393هـ.
اترك تعليقاً