سبق العــرب في اكتشاف سر موسيقى الرمال
طالعت في القافلة في العدد الصادر في مايو / يونيو 2020م مقالاً شائقاً بعنوان “حركية الكثبان الرملية” جاء فيه: “لاحظ الرحَّالة الإيطالي ماركو بولو في القرن الثالث عشر الميلادي، أن هناك رمالاً تُغِّني تملأ الجو أحياناً بأصوات جميع الآلات الموسيقية، ولكنه نسب ذلك إلى أرواح الصحراء الشريرة”.
وقد يعجب البعض من أن هذه الظاهرة التي لم يدرك سبب حدوثها إلا عندما اشتد ساعد العلوم في القرن التاسع عشر، كانت معروفة لدى العرب قديماً، ومنذ ما قبل مجيء المستشرقين بكثير. بدليل أن الشعراء منذ العصر الجاهلي قد تحدَّثوا عنها في أشعارهم كمجرد ظاهرة صوتية تسمع في الصحراء من دون أن يعرفوا لها سبباً واضحاً.
نسبوها إلى الجن ثم عرفوا حقيقتها
ومن بين الشعراء الذين تحدَّثوا عن الرمال الموسيقية ونسبوها إلى الجن، نجد شاعراً قد أكثر القول في هذا الأمر وهو ذو الرمة، الذي عاش ما بين القرنين الأول والثاني الهجريين، إذ حفلت قصائده بالحديث عن الجن وأصواتها، فيقول في إحداها:
وكم عرست من بعد السّرى من معرّسٍ
به من كلام الجن أصواتُ سامرِ
ومعنى البيت: أنه عندما نزل ليستريح ليلاً في هذا المكان، سمع أصوات الجن كأنها أصوات قوم في أسمارهم.
ويكاد يقتنص السبب العلمي لتلك الظاهرة في موضع ثالث بقوله :
ورملٌ عزيفُ الجنّ في عقداتهِ
هزيزٌ كتضرابِ المغنّين بالطبلِ
ولقد كان ذو الرمة محقاً في كثرة الحديث عن “عزيف الجن” بلغة زمانه أو “الرمال الموسيقية” بلغة العلم المعاصر؛ لأنه قد ولد ونشأ في بادية الدهناء.
غير أن العرب القدماء عرفوا السبب الحقيقي لتلك الأصوات الصادرة من الرمال، وهو السبب نفسه الذي توصَّل إليه العلماء في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهو تحرّك طبقات الرمال على بعضها بعضاً. جاء في “لسان العرب” لابن منظور في مادة (عزف): “العَزِيفُ: صوت الرِّمال إذا هَبَّت بها الرِّياح. وعَزْفُ الرِّياح: أَصواتها.
والعَزْفُ والعَزِيفُ: صوت في الرمل لا يُدْرَى ما هو، وقيل: هو وُقوعُ بعضِه على بعض.
مصطفى يعقوب عبدالنبي
القاهرة
الذائقةُ الشعرية عند الأطفال
الغاية الأساسية لأدب الطفل الشعري والغنائي هو تعليمه كيف يشعر الجَمَال ويحبّه في أشكاله المختلفة، وتثبيت عواطفه والارتقاء بذوقه. وأي قالب غنائي نقدِّمه للطفل هو عبارة عن كلمات من الشعر تنقلنا بدفء الكلمات واتساق القوافي وبرقّة المعنى إلى شعور متغاير عن الواقع يبعث في النفس السكينة والمتعة.
ويكتسب الشعر والأناشيد الغنائية المقدّمة للطفل خطوة إلى الأمام في حال تم تبسيط كلماتها وشرح معانيها، ومن ثم ترديدها بمتعة وبمرح. ولذا يستحسن اعتماد قوالب معيَّنة دون غيرها، هي:
• القوالب الغنائية، فللذائقة السمعية دور كبير في تقبُّل النصّ.
• تحريك درجات الصوت علواً، وانخفاضاً، لجذب الانتباه.
• الاستعانة أحياناً بالمثيرات الصوتية ” كأصوات العصافير، حفيف الورق، قطرات المطر، موج البحر”.
• اعتماد الموسيقى الهادئة المناسبة لكلمات الأُنشودة الشعرية.
إنَّ للموسيقى قدرة على التأثير في عواطفنا بشكل نشط. ولكن في ما يتعلق بالكلمات، فنحن نميل إلى تلك الكلمات الشعرية التي تحمل طابع التفاؤل والإيجابية، لأنَّ الطفل بحاجة إلى أن يثق بالمستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن ظهور الحزن والتعبير عنه سمة إنسانية لا نستطيع أن نغيّبها عن المشهد تماماً. كما أن الأبيات التي تميل إلى الحزن هي مقيّدة في عالِم الطفولة، كونها تكشف مشاعر متأرجحة بين الضعف والقوة قد لا تناسبه بشكل دائم.
لقدأصبح الأدب الموجَّه للطفل ضرورة مُلِّحة، وأصبحت وزارة التعليم تعدُّه منهجاً تربوياً تعليمياً أساسياً لتنمية قدرات الطفل ومهاراته.
وللنهوض بثقافة الشعر والأدب المقدَّم للطفل يجب على الكبار أن يؤمنوا بمدى أهميته في هذه المرحلة العمرية. وإذا بُنيت هذه الثقافة برؤية جذَّابة ومُلهمة وصادقة، فإننا سننمي في الجيل القادم ذائقته ومشاعره وأحاسيسه بشكل سليم.
حصة الغامدي
بيوتنا وملاءمتها لعيشنا
اطَّلعت على ملف “البيت” الوارد في عدد مايو/يونيو 2020م. وقد أوحى لي بالتفكير في محاور أخرى في الموضوع نفسه، قد تكون جديرة في البحث، منها خصائص ومميزات واختلافات عمارة البيوت في الثقافات المختلفة. فمثلاً البيت التقليدي في سوريا يحتّم أن يتكوَّن من حجرات داخلية مطلَّة على صحن البيت أو ما يُعرف عند السوريين بـ “أرض ديار”، فهو متنفس البيت وبهوه الذي تجتمع فيه العائلة، وهو الحديقة التي يحرص أهل البيت على تزيينها بالنباتات المختلفة، وأرض ديار هو إرث معماري مكاني له أهمية بالغة عند الأسرة السورية.
وقادني هذا إلى البيت الخليجي التقليدي، في بعض دول الخليج، حيث يكون للبيت “مقلط” و”دكة” و”صفة” ومنطقة خارجية معروشة. وقد تختلف الأسماء بين بلد وآخر ولكن التكوين المعماري داخل البيوت يكاد يكون واحداً.
ثم نجد في البيت في السودان، الذي لا بد أن يكون له حوش، والبيت في دول أمريكا اللاتينية يكون له حديقة صغيرة.
وتأملت في بيوت المغرب العربي وطريقة تكوين الأحياء السكنية بما يعرف بـ”الزنقات”، وانعكاس ذلك على علاقات الجيران بالألفة والتآزر، وربما الحماية من تدخلات الغرباء والأعداء.
البيوت تُبنى لتلبية حاجات معيَّنة
البيوت إذن تُبنى لتلبية حاجات معيَّنة تمس ثقافة المجتمع واحتياجاته اليومية والبيئة. فالبيوت في أوروبا مثلاً، ذات الأسطح المائلة المرصوصة بالقرميد الأحمر من الجهتين؛ يتم إنشاؤها كذلك لتلافي أثر بقاء الجليد على سطوح البيوت. وفي بعض البلدان الواقعة على جزر والمكتظة بالسكَّان، يضطَّر سكانها إلى بناء البيوت العائمة. وهذا ما يجعلنا نفكِّر ونتأمَّل في خصائص البيوت من ناحية تماشيها مع الظروف المختلفة.
من جهة ثانية أوحى لي ملف القافلة بالتأمل في مميزات وجماليات عمارة البيوت في بلادنا، مثل نجد والحجاز، على سبيل المثال، وكذلك البيت العسيري، وربط تلك المميزات بالنواحي الجمالية والغرضية النفعية والحاجة البيئية.
إضافة إلى هذا وذاك، قد يكون من الملائم أن نبحث في شأن “طاقة البيت”، بمعنى الطاقة الروحية والمكانية في كل بيت. فهي أمر مهم، وكثير من المعالجين النفسيين والمتخصصين في الشؤون الأسرية يتحدثون عن هذه الطاقة وتأثيرها على سكان البيت.
وماذا عن بيوت الحيوانات؟
بين هذا وذاك يقودنا الملف إلى التأمل في بيوت الحيوانات. وأعتقد أن ذلك مبحث كبير وثري ويحتاج إلى دراسات مكثّفة. وقد تناولت بعض البرامج الفضائية شيئاً منه. ولعل عرين الأسود من أهم بيوت الحيوانات الجديرة بالتأمل، وكذلك بيوت النحل وبيوت النمل وبيت العنكبوت، وغيرها كثير. ناهيك عن بيوت بعض الأسماك في قاع البحر، وبيت الماعز الجبلي الذي اختار أعلى الجبال وأحدث فيها جحوراً ليسكنها. وبالطبع سيقودنا البحث في كل ذلك إلى خصائص هذه البيوت وتكيفها مع حاجة الحيوان الذي يبنيها ويسكنها.
كذلك يغرينا التأمل في تصميم البيوت المدنية الحديثة في المساحات الضيقة والصغيرة، ووصايا المهندسين المختصين في التصميم الداخلي، مثل المصمم السويدي إيكيا الذي انتهج أسلوباً خاصاً بتوظيف المواد الرخيصة في تصميمات عصرية جذابة لتلائم البيوت والوحدات الصغيرة.
وتساءلت كيف يمكن الحصول على نصائح لمن يريد أن يبني بيتاً جديداً، ماذا عليه أن يراعي؟ كيف يستغل المساحة؟ كيف يحقق احتياجاته الحالية والمستقبلية من البيت الذي يريد بناؤه؟ وماذا بشأن الإضاءة والتهوية والتكييف والتدفئة؟ وكذلك صحة البيت: حمايته من الرطوبة والأرضة والعثة والحشرات.
البيت الياباني التقليدي مميز جداً في هذه النواحي، أقصد الضوء والظل والتهوية والطاقة، ولعل الروائي الياباني تانيزاكي كتب كتابه الجميل “مديح الظل” ليصف فيه خصائص وسحر البيت الياباني وعلاقته بالإرث الثقافي والاجتماعي للأسرة اليابانية.
والبحث عن مواد بناء البيوت الحديثة الموفرة للطاقة والصديقة للبيئة وأنواعها يشكّل محوراً مهماً فهناك: بيت الشَعَرْ، بيت القش، بيت الخشب، بيت الصفيح، بيت الخرسانة، بيت الطين، بيت اللبن.
م. نازك سعد
القافلة: مع تقديرنا الكبير لكل الملاحظات والأفكار القيّمة الواردة في رسالتك، التي يصلح كل منها لأن يكون محوراً لملف، نشير إلى أن ملف البيت تناول في المجال المتاح “مفهوم البيت” فقط، وليس فن عمارة البيت الذي يقع في عشرات المجلدات.
اترك تعليقاً