أول سعودية تشارك في “سمبوزيوم”
النحت الذي أقيم في محافظة الخبر
بالمملكةعام 2018م
منذ أن كانت في السادسة من عمرها وهي تتبع شغفها. وكان للبيئة والمنزل دورهما في صناعة الفنانة التشكيلية أزهار سعيد، التي تروي أن الرسام الذي جاء منزلهم ليرسم منظراً طبيعياً في غرفة الاستقبال، كان له دور كبير في تأسيس شغفها بالفن، وفي إطلاق مسيرتها في الرسم والنحت وفنون أخرى، مسيرة أوصلتها اليوم إلى أن تكون أول فنانة سعودية تشارك في “سمبوزيوم” النحت الدولي في الرياض.
مرسم الفنانة أزهار سعيد المدلوح في بيتها. وفي الطريق إليه، تستقبلنا العائلة في مجلس هو أقرب إلى قاعة عرض لما فيه من منحوتات وخزفيات وأعمال فنية متنوِّعة تنتشر أينما كان. وخلال الانتقال إلى الدور الثالث، حيث يقع المرسم، يمكن للزائر أن يطلع على ما يشبه المعرض الاستعادي لمعظم المراحل الفنية في حياة أزهار. فبعض اللوحات تعود إلى فترة دراستها الجامعية، وأخرى من تجاربها عندما كانت تحضر لشهادة الماجستير. وفي الزوايا مجسمات صغيرة وبعض المنحوتات التي تم تعليقها على الجدران، ولكل منها قصة وحكاية تستوقفك الفنانة أمامها بقليل من السرد.
بالوصول إلى المرسم في الدور الثالث، الذي تلحق به حديقة على السطح، تقول الفنانة: كان مرسمي الأول غرفتي عندما كنت صغيرة. وكان ذاك المرسم عالمي الذي أنقل إليه ما أشاهده وأشعر به في العالم الخارجي. كنت مولعة برسم الطبيعة، وكنت أمهِّد لمعظم أعمالي بطقوس خاصة تشمل قراءة الأشعار والقصص والاستماع إلى الموسيقى الهادئة، ثم أخطِّط الفكرة، وأنقل ما خططته على سطح اللوحة ليبدأ التحليق في عالم مليء باللون. ولاحقاً، عندما قررت أن يكون الفن عملاً دائماً، وليس مجرد شغف، اتخذت مرسماً خاصاً، ولكن في البيت أيضاً”.
وتضيف: “المرسم دوحة الفنان. عالمه الخاص الذي يجد فيه الفسحة للتحليق في عالم الفن والجَمَال. وفيه تولد الأعمال الفنية من الفكرة إلى التنفيذ على مراحل أشبه بالمخاض العسير. المرسم هو الميدان الأول الذي يدخل فيه الفنان إلى عالم التحدي والمنافسة الصادقة مع النفس ومع الفنانين الآخرين”.
معرضان مفصليان
للدراسة الجامعية وتنوُّع التجارب
في سيرة أزهار سعيد المدلوح معرضان قد يكونان مفصليين، والأكثر تعبيراً، ليس عن حجم نشاطها، بل عن اتساع ثقافتها الفنية، وتعدُّد التجارب والفنون التي عملت عليها وصاغت شخصيتهـا الفنية الحالية.
فقد التحقت أزهار بجامعة الملك سعود بالرياض لدراسة التربية الفنية، وفي سنة تخرجها أقامت معرضها الشخصي الأول، وكان ذلك عام 1997م. وفي عام2017م، أرادت أن تحتفل بمرور عشرين سنة على ما تسميه “رحلة البحث عن الذات” وانتهائها من دراسة الماجستير. وحول هذا المعرض، تقول الفنانة: “استعدت في هذا المعرض كل التجارب الفنية السابقة التي مارستها خلال عشرين سنة، وكان من أبرزها الصياغة والمينا والرسم والنحت، وبعض الأعمال الخطية، إضافة إلى التصاميم التي تتعلق بشكل خاص بتطوير المدن. لقد استفدت من دراسة الماجستير في تعلم كل الفنون التي مارستها عرضتها”. وما بين هذين المعرضين، تلفتنا الفنانة إلى أنها أقامت عدة معارض فردية، ومنها ما كان في برلين بدعوة من سفير المملكة في ألمانيا الدكتور أسامة شبكشي.
بين الرسم والنحت
بدأت أزهار سعيد المدلوح رحلتها الفنية مع فن الرسم الذي لازمها لفترة طويلة، تخللها أيضاً اهتمام ببعض الفنون التطبيقية. أما النحت والتجسيم الذي لم تغب عنه خلال السنوات الماضية، فقد راح يستحوذ على جهودها أكثر فأكثر. وأمام هذا التنوُّع اللافت للنظر كان لا بد من أن نسألها عن الدوافع إليه، فقالت: “للفنان كل الحرية في الانتقال من فن إلى آخر، عندما يرى أن العمل الفني يظهر بشكل أفضل في خامة معيَّنة أكثر من سواها، أو في وسيلة تعبير أفضل من غيرها. وبالنسبة لي، فأنا أجد نفسي أحياناً في عالم اللون، وأحياناً في عالم الطين. وبعد دراستي الماجستير، انجذبت إلى الغوص في عالم النحت، وأحببت التعامل مع الكتلة المجسمة بشكل كبير. وفي نفسي طاقة كبيرة تدفعني إلى العمل الفني بجميع أنواعه الرسم والخزف والنحت”.
وتضيف: “أجد نفسي في التنوُّع، تارة في النحت وتارة في الخزف وتارة أخرى في الرسم. لذلك أجد أن الموضوع الذي يجول في خاطري هو ما يجعلني أختار أحد هذه الفنون لإظهار العمل الفني كما يجب”.
وعند إبداء الملاحظة أن بعض النحت، خاصة إذا كان حجرياً وكبير الحجم، يتطلب قوة بدنية قد تكون مرهقة بالنسبة لأنثى، قالت: “نعم النحت يحتاج إلى قوة ولياقة بدنية، بالإضافة إلى مهارة التعامل مع الآلات والأدوات التي تساعد النحاتة على الوصول إلى النتيجة المنشودة. وأمام كل ذلك، تولَّدت لديَّ رغبة شديدة في الدخول إلى هذا العالم واكتشاف أسراره عن كثب. فوجدته جميلاً جداً، ووجدت أن التعب والإرهاق يتبدَّدان عندما تبدأ المنحوتة باتخاذ شكلها في طريقها إلى الوجود، وينقلان شعوراً بارتياح شديد وسعادة غامرة. عند البدء بالعمل على منحوتة أشعر بالتحدي مع نفسي، وبوجوب الصمود وضرورة المثابرة. ثم أشعر بالسعادة لأنني أقترب شيئاً فشيئاً من النتيجة، وهي ولادة عمل جديد. ولكن ذلك لا يخلو من بعض القلق والخوف المبرر. لأن الإنسان يريد دائماً أن يرى أن النتيجة هي الأفضل، وتمثل بشكل ملموس، وعلى أفضل وجه ما كان مجرد فكرة سابقاً”.
وعن تجربتها مع اللوحة تقول: “اللوحة مليئة بالجمال والحكمة والفلسفة والغوص في الأساليب والتقنيات وعالم اللون والخط. إنها حالة تجلّي الروح والسمو، وتسجيل كل لحظة من لحظات الحياة، وتعبير عن أعماق النفس بصورة أجمل”.
أكريليك، رخام، وستانلس ستيل
وأعمال مصممة تنتظر فرص التنفيذ
عند التوقف أمام عيِّنة محدودة من أعمالها، تُطلعنا أزهار على مجسم من الأكريليك الشفاف بعنوان “اختراق”، كان هو مشروع تخرجها ونيل شهــادة الماجستيــر. تبلغ مقاســات هذا العمـل (25x30x45 سم)، ويتألف من أسطع مربعة متوازية وعند طرفه نصف كرة خارجة من مجموعة هذه الأسطح، وقد تركت خلفها فراغاً يوازي تقريباً قطرها، في تعبير عن الحركة المتمثلة بفعل الاختراق. وتقول الفنانة إنها حوَّلت الفكرة إلى تصميم نحتي ليكون تصميماً لمبنى قد يكون فندقاً أو متحفاً، وما زال العمل جارياً في تحويل هذا المجسم إلى تصميم معماري معاصر.
وخلال مشاركتها في “سمبوزيوم” الخبر (نقوش الشرقية)، وكانت آنذاك أول امرأة سعودية تشارك في ملتقى للنحت، عملت أزهار على تصميم حجر بلغت مقاساته (200×100×50 سم)، برفقة تسعة نحاتين من المملكة. وقد نُصبت هذه المنحوتة في شارع الأمير تركي عند الواجهة البحرية لمدينة الخبر.
وتلبية لدعوة من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية للمشاركة في ملتقى النحت الدولي 2019م، إلى جانب مجموعة مختارة من النحاتين من العالم والوطن العربي والمملكة، نفّذت عملاً من الحجر بعنوان “محبة” (رخام من منطقة نجران). وهو تعبير عن الانتماء إلى الوطن، جمعت فيه الفنانة أشهر ما في المملكة من رموز ومعالم طبيعية مثل النخلة والبحر والرمال بشكل تجريدي، أضافت إليه الخط العربي اعتزازاً بالانتماء إلى لغة القرآن الكريم والأمة العربية. وتوسطت هذه المنحوتة كلمة “محبة” التي تختزل الحب الكبير الذي يربطها بالوطن.
وإضافة إلى هذه الأعمال وغيرها التي تم تنفيذها، صممت أزهار أعمالاً ومجسمات ضخمة تصلح لأن تكون في الحدائق العامة والميادين، لم تبصر النور بعد، وذلك لعدم وجود الاهتمام الكافي بتلك التصاميم، وعدم وجود جهة راعية لتنفيذها. فبقيت حتى اليوم حبيسة على الورق.
بين الموهبة والدراسة ودور الأسرة
وجواباً عن سؤال حول الموازنة ما بين الموهبة وتأثير الدراسة الأكاديمية عليه، تقول الفنانة: “الدراسة ضرورية لأنها تصقل الموهبة، وتجعل الفنان أكثر معرفة بعالم الفن واطّلاعاً عليه. فالدراسة تفتح المجال للاطّلاع بعمق على تجارب الآخرين في الحضارات السابقة والمعاصرة، للوصول إلى رؤية تواكب الحركة الفنية التي وصل إليها العالم اليوم، ومن ثم إيجاد تجربة شخصية خاصة بالفنان، تحمل بصمته الخاصة والثابتة أمام هذا العالم المليء بالتجارب الفنية”.
وتضيف: “إن الفنان الأصيل والمرهف يستوحي كل ما هو حوله، ويعيد إنتاج تلك الأشياء في أعمال تحمل وجهة نظر معينة أو فلسفة تحاكي الواقع أو البيئة المحلية أو العالمية. الفنان هو مرآة عاكسة لما يدور من حوله. وكلما كان قادراً على إعادة تدوير المشكلات والهموم والمشاعر بشكل فني عميق، كان أكثر إبداعاً. ولكن لا شك في أن الدراسة الأكاديمية هي بمثابة الطريق الممهد للسير إلى عوالم الفن، إذا ما توفرت كل الظروف التي تسهم في نضجه مثل الموهبة والخيال”.
وعن دور الأسرة في رعاية موهبة الفنان تقول إن دورها “كبير في دعم الموهبة لدى الطفل من نعومة أظفاره. فالأسرة هي السند الحقيقي والقدوة الأولى الذي يتخذها لطفل في بداية حياته فيصغي إليها بحرص . والمؤكد أن الدعم من قبل الأسرة يُخرج إلى المجتمع إنساناً واثقاً بنفسه، وفناناً قادراً على أن يشق طريقه الإبداعي إذا ما توفرت له العوامل الأخرى”.
النقد.. ليس على ما يرام
حصلت أزهار على عدد من الجوائز وشهادات التقدير المحلية والعربية. ومن أهمها وأبلغها أثراً في مسيرتها “جائزة القطيف للإنجاز في مجال الفن – القسم النسائي”. إذ تقول عن هذه الجائزة إنها “الأهم التي تُقدم على مستوى محافظة القطيف. وكانت بالنسبة لي ذات قيمة كبرى، ذات وقع نفسي كبير جداً. إذ إن لجنة التحكيم تتألف من أساتذة الفن في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وهم على مستويات علمية عالية جداً. كما أنها تحمل اسم مدينة عريقة يرجع تاريخها الحضاري إلى خمسة آلاف سنة. كما أن الجائزة كانت عندما نلتها في نسختها الثانية عام 2010م. وكانت حافزاً كبيراً على المضي في العلم والإصرار عليه لترسيخ النجاح بالعلم. قررت استكمال دراسة الماجستير بهدف تطوير إمكاناتي في هذا المجال”.
ختاماً، وحول وجهة نظرها في أحوال النقد التشكيلي في المملكة، تقول أزهار سعيد المدلوح: “من وجهة نظري الشخصية، أرى أن النقد لا يلقى العناية بالشكل المطلوب، ولا الاهتمام الكافي لكي يظهر على الساحة الفنية بصورة جيدة. إن الفنان والناقد يؤديان دورين متكاملين في عالم الفن. وهناك لوجود الناقد المعتدل والمنصف كي يساعد في إظهار مناطق القوة والضعف في العمل الفني. فإذا كان النقد هدَّاماً، فإنه يحبط الفنان ويقلل من وهجه واندفاعه الإبداعي، وهناك نماذج كثيرة اعتزلت الساحة الفنية لعدم التفات المجتمع والنقاد إليها. أما إذا كان النقد بنّاءً، فذلك يكون لصالح الفنان ويدفعه صوب الأفضل.
سيرة مختصرة
أزهار سعيد المدلوح، فنانة تشكيلية سعودية، حاصلة على ماجستير تربية فنية، مسؤولة القسم الفني بجمعية سيهات للخدمات الاجتماعية سابقاً، حصلت على جائزة القطيف للإنجاز في مجال الفن، أقامت أكثر من 30 معرضاً جماعياً محلياً وإقليمياً ودولياً و3 معارض شخصية، كما شاركت في “سمبوزيوم” النحت نقوش الذي أقيم في مدينة الخبر و”سمبوزيوم” النحت الدولي الذي أقيم في الرياض عام 2019م مع نخبة من الفنانين.
اترك تعليقاً