مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2019

مسيرة الثقافة في عهد الملك سلمان


د. عبدالكريم الزيد

تُمثل الثقافة عنصراً رئيساً في التكوين المعرفي للأفراد والمجتمعات، فالثقافة هنا هي كل ما يُعنى بالتراث الفكري والإرث التاريخي والإبداع الفني والأدبي للدول والشعوب. وحين يرتبط الاهتمام الثقافي بالعمل السياسي لدى الحاكم، فإنه ينعكس على تقدّم الدولة ثقافياً وحضارياً. وتُقدِّم لنا قراءات التاريخ نماذج من هذه الشخصيات الفريدة التي جمعت بين هذه الخصال، مثل الخليفة المأمون؛ الذي تفرّد عهده بتشجيع العلوم والمعرفة في مجالات شتى.
ومن الشخصيات المعاصرة التي جمعت بين الثقافة والسياسة في مسيرة استمرت لأكثر من نصف قرن، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، الذي اقترنت في شخصيته مهارة الإدارة السياسية بالمعرفة الثقافية الواسعة، تلك التي يصفها الدكتور عبدالله العسكر في كتابه “البُعد الثقافي في حياة الملك سلمان” بالقول: “هذا الاكتناز المعرفي، وحب القراءة والاطلاع، واقتناء الكتب الذي لازمه حتى اليوم على الرغم من مشاغله، كل ذلك جعل الملك سلمان واحداً من أكثر الملوك في العالم المعاصر حباً للثقافة، والتصاقاً بالمثقفين من سعوديين وغير سعوديين، فكان يدعوهـم ويحتفي بهم، ويمازحهم، ويحاورهم فيما يطرحون، ويناقشهم فيما يكتبون، وكانوا كثيراً ما يستفيدون من أفكاره النيِّرة وآرائه الصائبة”.
كان لنشأة الملك سلمان واهتمامه بالقراءة تأثيرٌ على عنايته بالثقافة والتراث التاريخي؛ فمنذ بدايات عمله السياسي والإداري أميراً لمنطقة الرياض، عمل على تطوير الثقافة، والاهتمام بالتراث التاريخي، وتطوير بنية الإعلام والصحافة السعودية. ويوثق هذا الجانب زين العابدين الركابي في كتابه “سلمان ابن عبدالعزيز: الجانب الآخر”، ويذكر أن الملك سلمان بن عبدالعزيز ورث عن أبيه حظاً موفوراً من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد وسرعة البديهة، وقوة الذاكرة، التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح. ومن الخصائص المشتركة بينهما الشغف المعرفي، والنزوع إلى تحقيق تنوّع ثقافي متعدِّد المصادر. فهما يقرآن في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع. وهذا التشابه تسنده ثقافة محلية صلبة، كما نجد أنًّ آلية العمل والصفات الشخصية عند كليهما أيضاً تستند إلى ثقافة محلية صلبة تشمل المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية”.
وبطبيعة الحال، رافق هذه الاهتمامات إنجازات ثقافية متعدِّدة؛ إذ وصلت آليات الثقافة والإعلام في المملكة في عهد الملك سلمان إلى مستوى متقدِّم، من خلال إنشاء وزارة الثقافة، وإعطاء الثقافة والمعرفة والترفيه دوراً جوهرياً في خطة الارتقاء بجودة حياة المواطن السعودي وفقاً لرؤية المملكة 2030. كما أسهم اهتمام الملك بدارة الملك عبدالعزيز وتطويرها، إلى أن أصبحت مركزاً بحثياً وتاريخياً ومعرفياً موثوقاً في حفظ تراث وتاريخ ومنجزات المملكة. ومن ضمن اهتماماته أيضاً بالمؤسسات الثقافية، إشرافه على تأسيس مكتبة الملك فهد الوطنية، ودعمه لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، التي وصلت إلى مكانة مميزة بين المكتبات العامة محلياً وإقليمياً. وفي عام 2017م، شرَّف الملك حفل افتتاح فرع المكتبة بجامعة بكين. وبيَّن في كلمته، حفظه الله، أهمية الثقافة والإعلام، بالقول: “إنه من دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم في رحاب جامعة بكين، هذا الصرح العلمي المرموق، … وأغتنم هذه المناسبة للتأكيد على اهتمام المملكة العربية السعودية بالعلم والمعرفة، فالعلم هو أساس نهضة الأمم وتقدّمها، ويسعدني أن تقام هذه المناسبة في جامعتكم العريقة في مقر مكتبة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، التي تمثل أحد جسور التواصل الثقافي بين المملكة والصين”.
كلنا أمل، ونحن نحتفي باليوم الوطني التاسع والثمانين أن تصل الثقافة في عهد الملك سلمان إلى مرحلة من التنوُّع والثراء الثقافي والمعرفي والفني، تحفز المواهب والقدرات المعاصرة وتسجل في التاريخ للأجيال القادمة.


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “مسيرة الثقافة في عهد الملك سلمان”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *