مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو – أغسطس | 2020

فن البورتريه..


أحمد‭ ‬بزّون وفريق القافلة

“البورتريه” كلمة آتية من الفرنسية، عبرت اللغات.
في الأصل، كانت هذه المفردة تعني عملاً فنياً يمثل هيئة شخص معيَّن. وللدلالة على اتساع العالم الذي يضمه فن البورتريه، يمكن لهذا الشخص أن يكون شاعراً إغريقياً، أو ملكاً من القرون الوسطى، أو كاتباً أو ممثلة سينمائية من القرن العشرين، وما بين كل هؤلاء يمكننا أن نجد أباطرة الصين وفراعنة مصر وأطفال من إنجلترا وسيِّدات مجتمع من كل العصور، ورؤساء الدول المعاصرين، وحتى الفنانين أنفسم الذين يصنعون هذه البورتريهات.
وأن تكون مفردة بورتريه قد تمدَّدت بمضمونها ودلالاتها خارج المتاحف، ليتردَّد صداها في عوالم الأدب حيثما يكون وصف شخصية ما محور العمل، ووصلت استخداماتها حديثاً إلى أجهزة الهاتف الذكي والكمبيوتر فإن أحمد بزون وفريق القافلة، يتوقفان في هذا الملف أمام فن البورتريه بمعناه الأولي، أي البورتريه في فنون الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي. لأن هذا التأطير، على ضيقه، يبقى مجالاً رحباً للاطلاع على عدد من أبرز فصول تطوُّر نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين.

إن ذروة الفن كله في رسم الوجه البشري
بول سيزان

خلال القرن السادس عشر، تم وضع تراتبية لأهمية الموضوعات التي يتناولها فنّا الرسم والنحت، فاحتلت الموضوعات الدينية والأسطورية أعلى السلم، يليها فن البورتريه، ثم مشاهد الحياة اليومية، فالطبيعة، ثم رسوم الحيوانات، وأخيراً الطبيعة الصامتة. وكان المقياس في هذا الترتيب الذي بقي معتمداً في الأكاديميات حتى ظهور الانطباعية في القرن التاسع عشر، الجهد الذهني الذي يبذله الفنان في العمل على هذه الموضوعات المختلفة. ولو كان فن البورتريه يقتصر على توثيق هيئة الشخص المرسوم، لاستقر في القاع إلى جانب الطبيعة الصامتة. ولكنه فن يدخل فيه التعبير عن مكانة وأهمية واهتمامات وطباع الشخص المرسوم، وصولاً إلى حالته النفسية، حتى ولو كان ذلك على حساب دقة التشابه، وهذا ما يتطلب براعة كبيرة وجهداً ذهنياً ملحوظاً. يختلف البورتريه جذرياً عن “اللقطة” السريعة والعفوية التي تمثل وجه شخص ما، سواء أكان رسماً يدوياً أم لقطة فوتوغرافية. ففي البورتريه يكون هذا الشخص في وضع ثابت ومدروس، تحت ضوء مدروس أيضاً، وللفنان أن يقرِّر التركيب العام وما إذا كان سيرسمه محاطاً بأشياء مثل المفروشات أو الطبيعة، أم على خلفية فارغة وغير ذلك. ولذا نجد فناناً معروفاً على أنه رسام مناظر طبيعية بالدرجة الأولى، وهو بول سيزان، يقول: “إن ذروة الفن كله في رسم الوجه البشري”.

الطريق الطويل إلى البورتريه
من مصر القديمة إلى أوروبا النهضة

تعود النواة الأولى لفن البورتريه إلى مصر الفرعونية في الألف الثالث قبل الميلاد. وكان الدافع إلى رسم البورتريه أو نحته هو المعتقد الديني والإيمان بالعودة إلى الحياة بعد الموت. وبعدما ظل نحت الهيئات ورسمها مؤسلباً بحيث لا شيء يضمن مطابقته للواقع، ظهر في عصر التغيرات الدينية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد شيء من الواقعية في النحت. ومن العينات الشهيرة التي وصلتنا التمثال النصفي الذي يمثل نفرتيتي، وقناع توت عنخ أمون. وفي الألفية الثالثة قبل الميلاد، ظهرت في بلاد ما بين النهرين التماثيل البشرية الحجرية والخشبية والبرونزية، المشغولة بأسلوب بسيط ومختزل، وبتعبيرية حيادية، بهدف التوثيق للأحداث والشخصيات المهمة. لذا وجد كثير من رسوم الوجه والمنحوتات في المدافن. ولم تكن غاية الفن في ذلك الزمن، وفي أكثر من مكان في العالم، سوى مطابقة الشكل، لذا كانت تُنفَّذ بأسلوب مبسط بعيد عن العواطف والمشاعر والتعبير.

خلال القرن السادس عشر، تم وضع تراتبية لأهمية الموضوعات التي يتناولها فنّا الرسم والنحت، فاحتلت الموضوعات الدينية والأسطورية أعلى السُلَّم، يليها فن البورتريه، ثم مشاهد الحياة اليومية، فالطبيعة، ثم رسوم الحيوانات، وأخيراً الطبيعة الصامتة.

أما عند الإغريق فقد حضر البورتريه بقوة منذ الألف الأول قبل الميلاد، وكانت حريتهم في التعبير أوسع مما كان حالها في مصر. فلم يبقَ البورتريه المنحوت غالباً من الرخام، محصوراً بوجوه الملوك وأصحاب السلطات، إنما شمل الفلاسفة والكتّاب الكبار والشعراء. ولكن البورتريه الإغريقي لم يتخطَّ طموح الشبه، إلا للذهاب صوب المثالية والزخرفة والحرفة العالية.
وعرفت الصين القديمة شيئاً من فن البورتريه، في رسم الإمبراطور على الأقل. ولكن كان من الممنوع بتاتاً على الشعب أن يرى صورة الإمبراطور، خشية تدنيسها من قبل كارهيه، أو استخدامها في أعمال السحر ضده.
ثَمَّة مراجع كثيرة ترد نشأة البورتريه كما نفهمه اليوم، إلى لوحات الفيوم. وهي عبارة عن نحو 900 لوحة مرسومة على توابيت أناس توفُّوا، وتعود إلى فترة الحكم اليوناني – الروماني لمصر، وتحديداً إلى ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين. صحيح أن ثَمَّة واقعية ملحوظة في هذه اللوحات ترجّح صحة وصفها بأنها بورتريهات. ولكن الملاحظة أن كل هذه اللوحات تمثل أناساً في سن الشباب فقط، تبرِّر الشكوك في كونها تشابه فعلاً الأشخاص الذين تدعي تمثيلهم. أما المؤكد فهو أن تقاليد الرسم في الفيوم هي الأساس الذي قام عليه فن الرسم الغربي برمته، مروراً أولاً بالفن البيزنطي.
تراجع عنصر مشابهة الواقع في البورتريه البيزنطي لصالح تعبيرية ورمزية ظلت جيدة تقنياً في القرنين الأولين من عمر هذه الإمبراطورية، إلى أن تدهورت تدريجاً بحيث بات من الصعب التعرف على أية شخصية في منحوتة أو على قطعة نقد إذا لم تكن مصحوبة باسمها. وهذا هو حال كل الرسوم والمسكوكات التي ظهرت في أوروبا خلال القرون الوسطى

وسط كل هذا التوسع في التعامل مع البورتريه، بقي هناك فنانون حاولوا التوفيق بين ما كان مطلوباً في البورتريه التقليدي من حيث التشابه مع الأصل، والتعبير بتقنية مبتكرة.

عشية النهضة الأوروبية
خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، وعند تدبير الزيجات بين النبلاء الأوروبيين، راجت صناعة ميداليات من شمع تمثِّل وجه الفتاة أو الشاب لإرسالها إلى ذوي الطرف الآخر بغية الحصول على الموافقة. ورغم أنه لم يصلنا أي شيء من هذه الميداليات لأنها كانت من شمع، فإن المؤرخين يؤكدون أنها كانت تتضمَّن حداً كبيراً من الشبه مع الأصل، مع لمسة طفيفة من التجميل لتتكلل مهمتها بالنجاح. ومن جهة أخرى، وفي الفترة نفسها ظهر في إيطاليا أولاً عدد من الأدباء الذين التفتوا إلى الجذور اليونانية للثقافة الغربية، ليستلهموا مفهومها للإنسان وتكريمها له بحد ذاته بغض النظر. ومن هؤلاء نبغ عدد من الشعراء والأدباء أمثال بترارك ودانته وبوكاتشيو الذين أرسوا إيديولوجيا ذات منحى إنساني، امتدت لاحقاً لتشمل الفن والعمارة والعلوم وصولاً إلى الفلسفة، وتعمّ أوروبا من أقصاها إلى أقصاها. في القرن الخامس عشر، كثر في إيطاليا (وفي الوقت نفسه تقريباً في ألمانيا وبلاد الفلاندر) الفنانون الذين صاروا يرسمون وجوه شخصيات بدقة فائقة. ويتأكد انشغالهم بمشابهة النموذج الواقعي من خلال رسم الوجه جانبياً عند الروّاد من أمثال باولو أوتشيلو وغيرلانديو وأندريا مانتينيا وجيوفاني وجينتيلي بيليني. ولكن بسرعة اتجه الفنانون الكبار إلى رسم الوجه إما ملتفتاً ثلاثة أرباع الالتفاتة، أو وجهاً لوجه. وبلغت مشابهة الواقع حدود التصوير الفوتوغرافي والواقعية الدقيقة عند بعض الأساتذة مثل أنطونيلو دا مسينا في إيطاليا، ويان فان إيك وروجير فان در فايدن في هولندا، وآلبرخت دورر في ألمانيا. ولكن ثَمَّة ما كان ينقص فن البورتريه ليبلغ ذروته، وليستحق مكانته فوق لوحات الطبيعة ولوحات الحياة اليومية وغيرها.

كان إتقان المدح والتجميل طريقاً سريعاً إلى الشهرة والمكانة العالية. ومن أبرز هؤلاء يمكننا أن نذكر أنطوني فان ديك (1599-1641م) الذي تميّز بقدرة فائقة على فهم ما يريده كل من يطلب منه بورتريه.

بدء العصر الذهبي للبورتريه
في عام 1504م، أنهى ليوناردو دافنشي لوحته “الموناليزا”، وأهداها إلى ملك فرنسا فرانسوا الأول. وهي اللوحة التي طالت شهرتها كل مَنْ يعرف شيئاً عن ألف باء الفن. وثَمَّة عوامل عديدة تضافرت في صناعة هذه الشهرة لا مجال هنا لذكرها. ولكن العامل الأساسي الذي يقف وراء استحقاقها لشهرتها هو في كونها أول بورتريه “نفسي” في تاريخ الفن. فشخصية المرأة الحقيقية التي جلست أمام دافنشي غير محسومة تماماً، حتى ليمكن القول إنها لم تعد مهمة. فالمهم في اللوحة (إضافة إلى التقنية العالية) هو في تمثيل إنسان ذي أعماق نفسية يستحق الاحترام بحد ذاته (وهذا ما كانت تنكره فلسفات القرون الوسطى)، وذي جمال يستحق تثبيته ليبقى مرئياً على الدوام. تشارك مع دافنشي في هذه النظرة إلى قيمة الإنسان كلٌّ من عملاقي النهضة الآخرين: مايكل أنجلو ورافائيل. وفيما لم يُعر الأول أي اهتمام للشبه مع الأصل في منحوتاته التي تمثّل أشخاصاً، بقدر ما صب اهتمامه على تقريبها من الجذور اليونانية والرومانية كما هو الحال في تمثال الأمير لورانزو دي مديتشي، حرص رافائيل على مشابهة الواقع في البورتريهات العديدة التي رسمها، وجرّدها من الحشو في الخلفيات لتبدو وكأنها أسمى من كل ما يمكن أن يحيط بها في هذا العالم الأرضي، لذا بدا الأمير لورانزو دي مديتشي بريشة رافائيل شخصاً لا يمت بصلة للذي نحته مايكل أنجلو.
ورغم أن الثلاثة الكبار هؤلاء عملوا بالدرجة الأولى لصالح السلطات البابوية والأميرية والأسر المالكة، كانت تحوُّلات اجتماعية عميقة تجري أينما كان في أوروبا، وتتمثل في تزايد نفوذ الإقطاعيين المحليين واستقلاليتهم عن الكنيسة والسلطات السياسية المركزية. فأصبح حصول النبلاء على بورتريهات تمثلهم تعبيراً عن المكانة الرفيعة. والأمر نفسه ينطبق على البرجوازية التي سحبت بساط النفوذ من تحت الإقطاع القديم بدءاً من القرن السابع عشر، وتوجت انتصارها بالثورة الفرنسية عام 1789م. وهكذا، من النادر أن نتحدث عن فنان لم يرسم بورتريهاً واحداً مهما كان ميله العام أو اختصاصه. حتى إن عدداً من هؤلاء يدين بشهرته جملة وتفصيلاً إلى فن البورتريه الذي أتقنه، وشكّل به مفصلاً في تاريخ الفن.

البورتريه الذاتي
الفنان يعرف نفسه أكثر

رامبرانت

رسم الفنان آلبرخت دورر إحدى أقدم لوحات البورتريه الذاتي، عندما كان يبلغ من العمر 13 عاماً في عام 1484م. ومنذ آنذاك، يصعب الحديث عن رسام لم يرسم نفسه مرَّة واحدة على الأقل. فخلال ذروة النهضة، زجّ كل من مايكل أنجلو ورافائيل بصورهما الذاتية ضمن لوحات جدارية دينية وتاريخية في الفاتيكان.
وما سقناه عن فن البورتريه بشكل عام، ينطبق بمجمله على البورتريه الذاتي. فهناك التجميل والتوقير والتوثيق، ولكن البورتريه الذاتي تمكّن من أن يحمل أكثر من ذلك.

رسم الفنان آلبرخت دورر إحدى أقدم لوحات البورتريه الذاتي، عندما كان يبلغ من العمر 13 عاماً في عام 1484م. ومنذ آنذاك، يصعب الحديث عن رسام لم يرسم نفسه مرَّة واحدة على الأقل. فخلال ذروة النهضة، زجّ كل من مايكل أنجلو ورافائيل بصورهما الذاتية ضمن لوحات جدارية دينية وتاريخية في الفاتيكان.
وما سقناه عن فن البورتريه بشكل عام، ينطبق بمجمله على البورتريه الذاتي. فهناك التجميل والتوقير والتوثيق، ولكن البورتريه الذاتي تمكّن من أن يحمل أكثر من ذلك.

فان غوخ

بورتريه ذاتي أم سيرة ذاتية؟

رسم رامبرانت نفسه أكثر من أربعين مرَّة في أربعين لوحة، من فترة صباه وحتى شيخوخته. وهناك من يرفع هذا العدد حتى 90 بعد إضافة اللوحات المنسوبة إليه. وباستعراض هذه اللوحات دفعة واحدة، يستكشف المشاهد ما مرّ بهذا الرسام من تحولات طرأت على حياته ومزاجه ونفسيته.
الأمر نفسه ينطبق على هولندي آخر هو فان غوخ الذي رسم نفسه 43 مرَّة، تصلح لأن تكون مادة للدراسة في علم النفس. ذلك أنه لم ينقل شكله الخارجي بقدر ما صور ذاته وتوتره ومشاعره وروحه، كأنه إذا جلس ليرسم نفسه بات أشبه بمن يجلس على كرسي الاعتراف، ينبش دواخله ليعوّمها من خلال ضربات الألوان على القماش. ومن يتطلع إلى بورتريهاته الذاتية لا يحتاج إلى كثير من الفطنة ليدرك أنه أمام شخص مأزوم، أو ممسوس. فما يلفت المراقبون أنه في كل تلك اللوحات يشيح ببصره عن الناظر إلى لوحته، كأنه لا يريد أن ينظر إلى العالم الطبيعي الواقعي، إنما إلى عالم يتخيله وينتظره.
وفي العصر الحديث، قد تكون الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو في المرتبة الثانية عالمياً من حيث غزارة البورتريه الذاتي، إذ أنجزت ما لا يقل عن سبعين لوحة، تظهر مشاعر الحُب واليأس، ومعاناتها مع المرض وجروح جسمها. وهي تبرر هذا الكم من اللوحات بقولها: “أرسم البورتريه الذاتي لأنني الشخص الذي أعرفه أكثر”.
لقد أراد الفنانون أن يخلدوا أنفسهم من خلال البورتريه الذاتي، فنجح الكثيرون منهم. وبفضل ذلك، نعرف اليوم ما كانت عليه هيئاتهم وملامحهم. لكنَّ عدداً منهم، ومن دون أن يدري، قدَّم بريشته وإزميله مادة دسمة للمحللين النفسيين، وثَمَّة كتب عدة تغطي هذا الموضوع.

عالَم فيه القليل من كل شيء
المدح والتزلف والاستقامة والعواطف

“الفتاة ذات القرط اللؤلؤي”، رسمها فيرمير عام 1665م

ما بين عصر النهضة وأواخر القرن التاسع عشر، بقي تشابه البورتريه مع الأصل واحداً من الشروط الأساسية. ولكن إلى جانبه، كان هناك شرط غير معلن، ألا وهو “تجميل الشخص المرسوم وتوقيره”، أو ما يمكن أن نسميه “المدح المبطن للعميل”. حتى قيل “ليس من المهم أن يكون البورتريه مشابهاً للشخص، بل أن يتشبه الشخص بالبورتريه الذي يمثله”. فالفنان الذي كان يرفض تجميل العميل كان يلقى الرفض. وأشهر مثل هو البورتريه الذي رسمه الإسباني دييغو فيلاسكيز لبابا الفاتيكان إنوسنت العاشر في عام 1650م. فعلى الرغم من أن اللوحة ذات تركيب رائع وتلوين أروع، وتقنية فذَّة، حتى إن عديداً من الفنانين أعادوا رسمها لاحقاً بأساليبهم الخاصة وصولاً إلى فرنسيس بيكون في القرن العشرين، فإن البابا رفض تسلمها آنذاك، واعتبرها قبيحة ووقحة، لأن فيلاسكيز رسم ملامح وجهه كشخص عجوز وماكر ذي نظرة وكأنه كاره لما حوله. فاستقرت اللوحة عند أسرة بامفيلي التي ينتمي إليها البابا، وهي معروضة اليوم في قصرهم في روما، كواحدة من أبرز اللوحات التي يمكن لزائر روما أن يشاهدها. الاستثناء الوحيد في ذلك هو الإسباني فرانشيسكو دي غويا (1746-1828م)، الذي فرض نفسه على عملائه من الأرستقراطية الإسبانية قبل أن ينصرف عنهم لرسم موضوعات سياسية واجتماعية. فرسم بورتريهات لوجوه اجتماعية من النبلاء وكبار البرجوازية على حقيقتهم بشكل فج، ومن دون أي تجميل ولا حتى للملابس القبيحة والمضحكة في أحيان كثيرة وكأنهم دمى. ولكن سطوته حتمت على هؤلاء القبول بأي بورتريه يرسمه لهم.

في المقابل، كان إتقان المدح والتجميل طريقاً سريعاً إلى الشهرة والمكانة العالية. ومن أبرز هؤلاء يمكننا أن نذكر أنطوني فان ديك (1599-1641م) الذي تميّز بقدرة فائقة على فهم ما يريده كل من يطلب منه بورتريه. فكان يعظّم هذه الشخصيات ببراعة وأناقة بعيداً عن أي ابتذال. كأن يرسم الجسم كاملاً وحوله ما يدل على عظمته مثل عامود كورنثي خلفه، والمشهد الطبيعي في الأفق عند مستوى ساقيه (كما فعل في صورة المركيزة غريمالدي). فأوصلته هذه البراعة بسرعة إلى أن يصبح الرسام الرسمي للبلاط الإنجليزي والملك شارلز الأول، رغم أنه كان في ريعان شبابه. وبين هذا وذاك، هناك حفنة محدودة في كل تاريخ الفن، استطاعت أن تمدح وتوقّر بأكثر الأشكال رصانة، واعتماداً على عبقرية فذَّة أو -ربما- على احترام حقيقي، مثل الإيطالي تيسيان في لوحته التي رسمها للقاضي الأكبر في البندقية “الدوج أندريا غرياتي” عام 1546م. فكل قوة اللوحة تكمن في مهابة الوجه وملامحه والتعبير الرصين عليه، حتى إن الرسام لم يكلّف خاطره التدقيق في رسم الرداء المطرّز بخيوط ذهبية كم فعل غيره في لوحات للشخصية نفسها. فرسمه بضربات عريضة من الفرشاة، إذ إن المهم بالنسبة إليه كان الوقار الذي يميز هذه الشخصية.

لوحة “الـزبــون”
لصفية بن زقر
1969م

زيت على خشب 60 × 80سم
“الزبون” هو الاسم الرسمي للوحة الفنانة التشكيلية السعودية صفية بن زقر، وقد أطلق الناس على اللوحة اسم “موناليزا الحجاز”. و”الزبون” هو من الأزياء النسائية التقليدية في منطقة الحجاز قديماً.

وفي المملكة، اشتهر فن البورتريه أيضاً في أعمال الفنان التشكيلي السعودي عزيز ضياء وكان انطلاقاً للكثيرين من التشكيليين السعوديين في استلهام هذا الفن، فرسموا الملوك والأمراء وشخصيات عامة ووطنية مؤثرة في مختلف المجالات. وتجدر الإشارة إلى أن أكبر بورتريه في العالم عام 2016م كان لصورة الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، على مساحة قدرها 216 متر مربع، للفنان التشكيلي محمد العسيري، فدخل البورتريه بذلك موسوعة جينيس.

من جهة أخرى، نرى طائفة كبيرة من البورتريهات التي رُسمت ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، تضيف إلى صورة الشخص المرسوم محيطاً داخلياً، يحتوي على أشياء تبرز اهتماماته التي لا يمكن إبرازها من خلال ملامح الوجه. ومن ألمع هؤلاء هانز هولباين الصغير، وجوهانس فيرمير، وحتى جاك لوي دافيد في القرن التاسع عشر.
وإن كان كل فنان يضع لغته الجمالية الخاصة في أي بورتريه يرسمه، فهناك فنانون كبار وضعوا أكثر من ذلك، وصولاً إلى أمزجتهم وحالاتهم النفسية. والمثل الأشهر في ذلك رامبرانت (1606-1669م). المعروف أنه رسام بورتريهات بالدرجة الأولى، أفضلها من دون شك هي التي رسمها بعدما فقد زوجته وأولاده الثلاثة. ففي معظم البورتريهات التي رسمها لرجال ونساء على ضوء داخلي كأن مصدره شمعة واحدة، يمكننا أن نقرأ بدرجات متفاوتة ما كان في صدر الرسام من حزن وصبر على الشدة وتأمل في عوامل الزمن، ما يجعلها تشع عاطفياً أكثر من أية بورتريهات أخرى في العالم.
ورامبرانت ليس حالة فريدة في ذلك. فالمزاج الشخصي ظل يظهر بقوة، وإن بتقطع، عند بعض الفنانين من خلال رسم صور الآخرين، وصولاً إلى فان غوخ.

“السيِّدة ماتيس”، رسمها هنري ماتيس عام 1905م

ففي بورتريه “الطبيب غاشيه” مثلاً، الذي رسمه فان غوخ عام 1890م، لا نجد في اللوحة ما يشير إلى أن الرجل طبيب أو غير ذلك. فكل ما نراه صورة رجل أرهقته الدنيا فجلس حزيناً يسند رأسه إلى كفّه، ويتأمل في الفراغ بعينين ذابلتين. وهو المضمون نفسه الذي وضعه الفنان في البورتريه الذاتي سبق انتحاره.
في عام 2006م، اختار الهولنديون لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” كأجمل لوحة في بلادهم. ويُطلق على هذه اللوحة التي رسمها فيرمير عام 1665م لقب “موناليزا الشمال”، لجمالها، وربما أيضاً لضياع الهوية الحقيقية للفتاة الظاهرة في الصورة، التي تعتمر لفة من قماش على الطراز الشرقي، ويتدلى من أذنها قرط من اللؤلوء. وغير ذلك، فكل ما نعرفه عن هذه اللوحة يعود إلى الدراسات الحديثة التي أجريت في القرن العشرين، وبعضها لا يزال مستمراً حتى الآن. حتى إن اسم اللوحة لم يُطلق عليها إلا في العصر الحديث.
إنه نموذج البورتريه الذي يتجاوز بقيمته أهمية صاحبته. (ثبت حديثاً أنها كانت فتاة حقيقية وليس من بنات خيال الرسام كما ساد الاعتقاد لثلاثة قرون). فالشبه مع الأصل لا يهمنا في شيء. ما يهمنا هو في أناقة الألوان والخطوط، وفي النظرة التي لا تخلو من الود، وبياض الوجه، وتعابير الطيبة والتساؤل ولربما كان فيها شيء من الاستسلام والانهزام. ففي هذه اللوحة من الغموض والألغاز أكثر ما فيها من الوضوح. وواحد من أبسط الأسئلة، هو كيف يمكن لفتاة ذات لباس تغلب عليه البساطة أن تتزين بقرط من اللؤلوء بهذا الحجم؟ وهذا السؤال وحده كان وراء تأليف أكثر من عمل أدبي وفلم سينمائي. حتى إن شكوكاً ظهرت مؤخراً في أن يكون القرط من اللؤلؤ، ورجّحت أن يكون من المعدن، لأن لمعانه السطحي أقوى بكثير من اللمعان اللؤلوئي!

منعطف القرن التاسع عشر
أدى ظهور الانطباعية في القرن التاسع عشر إلى أن يسلك فن البورتريه منعطفاً أودى به في القرن العشرين إلى عالم مختلف لا يمت بصلة إلى ما كنا نعرفه عن البورتريه قبل ذلك.

فالانطباعيون الذين أولوا الأهمية الأولى لتلاعب الألوان بتغير الضوء، رفعوا رسم الطبيعة إلى المقام الأول. صحيح أن معظمهم رسموا بورتريهات من وقت لآخر، تمثّل إما ذويهم كما هو حال سيزان مع والده، أو أصدقائهم كما هو حال مانيه مع إميل زولا. ولكن هذه البورتريهات التي حوت كلها شيئاً مقبولاً من التشابه مع الأصل، تكمن أهميتها بالدرجة الأولى في التقنية المستخدمة، ضربات فرشاة عريضة وعفوية، وخطوط غليظة في غالبها، ولكن البورتريه بقي واضح الخطاب والمحتوى..الأمر الذي لم يدم طويلاً. فالانطباعية ماتت شابة لم تبلغ الثلاثين من عمرها، وورثتها مجموعة تيارات فنية متعاقبة بسرعة أكبر مما كانت عليه وتيرة تطور الرسم عبر التاريخ. فظهرت تيارات الوحشيين، التكعيبيين، التجريديين السورياليين.. وصولاً إلى البوب والواقعية الدقيقة. وكان لكل تيار مفهومه المختلف والمستقل لما يجب أن يكون عليه الفن، فذهب فن البورتريه في كل الاتجاهات الممكنة. في عام 1905م، عرض هنري ماتيس لوحة بعنوان “بورتريه للسيِّدة ماتيس”، صدمت الذين شاهدوها بالشريط الأخضر الذي قسم الوجه إلى نصفين، وبإلغاء التظليل التقليدي وإحلال مساحات لونية غير مألوفة محله. الأمر الذي أثار امتعاض الكثيرين، ووصف البعض هذه اللوحة بأنها “صورة كاريكاتيرية مجنونة”، وكتب الناقد جيليت بورغس: “الشريط الأخضر كان “عقوبة” ماتيس لزوجته التي يرى فيها المشاهد جانباً غريبأ ورهيباً”. أما اليوم فتُعدُّ هذه اللوحة تأسيساً للمدرسة الوحشية. منذ آنذاك..لم يعد البورتريه يهدف إلى تقديم صورة شخص معيَّن وتوقيره، بقدر ما بات مجالاً يلقي من خلاله الفنان بخطاب حول مفهومه الفكري والثقافي لماهية الجَمَال ووظيفة الفن. ولم يعد الجليس أمامه سوى ذريعة للتعبير عن هذا الخطاب. الأمر ينطبق بأوضح الصور على البورتريهات التي رسمها بيكاسو، حتى لزوجاته والنساء اللواتي عرفهن. فبالمقياس التقليدي لعبارة بورتريه، تبدو الشخصيات في هذه اللوحات أشبه بمسوخ أو دمى من ورق وأسلاك. وعلى الرغم من كونها بورتريهات، فإن قيمتها ليست مستمدة أبداً من قيمة من تمثّل، بل من تعبيرها عن الفلسفة الجمالية التي قادها بيكاسو.

وأحياناً، تستقر النظرة الجمالية تحت النظرة الفكرية البحتة عند بعض الفنانين كما هو الحال عن الإيرلندي فرنسيس بيكون، حيث تتشوّه الرؤوس حتى تفقد إنسانيتها، لتتحرَّك بين الإنسان وحيوانيته، وتصبح تعبيراً عن الصراخ غضباً من العنف الذي كان يعصف ببلد الرسام، ومن النازية والحرب. ووسط كل هذا التوسع في التعامل مع البورتريه، بقي هناك فنانون حاولوا التوفيق بين ما كان مطلوباً في البورتريه التقليدي من حيث التشابه مع الأصل، والتعبير بتقنية مبتكرة. ومن أبرز هؤلاء فنان البوب الأمريكي أندي وارهول، في البورتريهات التي أنجزها بتقنية الطباعة الحريرية بلون واحد أو لونين في كل منها، وتمثل مجموعة من كبار الفنانين ونجوم السينما الأمريكية.

النقود..أكبر متحف
لبورتريهات الشخصيات
التاريخية

تُعدُّ النقود المعدنية القديمة، وخاصة الذهبية والفضية منها المقاومة لعوامل التآكل، أهم وسيلة تسمح لنا بمعرفة ما كانت عليه هيئات الشخصيات التاريخية من ملوك وأباطرة وقادة، إن لم نقل وسيلتنا الوحيدة إلى ذلك.

خلال القرنين الأولين من عمر النقد المعدني، كانت العملات في اليونان القديمة تحمل صور حيوانات أو حشرات أو وجوهاً بشرية ترمز إلى بعض الآلهة الوثنية. ولم يكن من الوارد أبداً سك صورة ملك أو حاكم على النقد. إلى أن كان عصر الإسكندر المقدوني.
بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الإسكندر، رفعه نوابه وقادته إلى مصاف آلهتهم، فكانت صورة وجهه معتمراً قلنسوة من جلد أسد، أول ظهور لوجه حاكم على قطعة نقد. ومن ثم تفشّى هذا التقليد في عموم اليونان وبلاد فارس، وبلغ ذروة نضجه الفني وأمانته للواقع وللملامح الشخصية في الإمبراطورية الرومانية. ومن العملات المعدنية، وخاصة الذهبية التي كانت تلقى عناية شديدة في صناعتها، يمكننا اليوم أن نتعرَّف إلى ملامح كل إمبراطور أو ملك حكم تلك الإمبراطورية.

أول دينار أموي في التاريخ الاسلامي عليه نقش إنسان

تغيَّرت الأمور قليلاً في الدولة البيزنطية، إذ مال أباطرتها إلى وضع صورهم الشخصية على النقود بشكل مؤسلب يرمز إلى المكانة الدينية، من دون اكتراث للملامح الشخصية تلافياً للاتهام بالطغيان الشخصي. غير أن نوعية تمثيل الشخصيات راحت تتدهور بسرعة طوال العصر الوسيط، وصولاً إلى عصر النهضة، عندما راحت تتحسن تدريجاً، وتزداد أمانة للواقع. ولكنها لم تسترد عافيتها التي كانت على أيام الإمبراطورية الرومانية إلا بدءاً من القرن السابع عشر.

بين البورتريه الجانبي والوجه الكامل
اللافت في البورتريهات التي نراها على العملات أنها تنقسم إلى فئتين: بورتريهات جانبية (بروفايل) على كل العملات المعدنية القديمة والحديثة، وبورتريهات كاملة وجهاً لوجه على العملات الورقية. فلماذا هذا الاختلاف؟

بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الإسكندر، رفعه نوابه وقادته إلى مصاف آلهتهم، فكانت صورة وجهه معتمراً قلنسوة من جلد أسد، أول ظهور لوجه حاكم على قطعة نقد

لا شك في أن الفنانين يفضلون رسم الوجه كاملاً، لأن ذلك يتيح لهم مجالاً أفضل لمشابهة هيئة الشخصية حتى أقصى حدٍّ ممكن، وتقنيات الرسم وحفر الألواح الطباعية تسمح لهم بذلك.
أما في حالة النقود المعدنية، فإن الحد الأقصى للارتفاع الذي يمكن للنحت البارز أن يبلغه فوق سطح القطعة المعدنية لا يتجاوز نصف الملليمتر في العملات القديمة، وخفضت تقنيات السك الحديثة هذا الارتفاع حتى جزء من الخمسين في الملليمتر الواحد، وذلك تلافياً لتآكل المعدن من خلال الاحتكاكات الكثيرة التي ستتعرَّض لها هذه النقود. وأمام ضيق المجال لتجسيم الوجه كاملاً بشكل نافر، يبقى البورتريه الجانبي أسهل بكثير لإبراز الملامح الكافية للتعريف بهوية الشخصية الظاهرة على القطعة النقدية.
وفي السنوات الأخيرة، تطوَّرت تقنيات السك بحيث باتت تسمح بصناعة قالب لصب المعدن من صورة فوتوغرافية مباشرة، من دون المرور بعمل النحَّات اليدوي. وهكذا ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الميداليات التذكارية وعليها بورتريهات شخصيات تمثل وجوهها كاملة، وتتميز بمستوى جيد من التشابه مع الأصل، خاصة وأن هذه الميداليات غير معدَّة للتداول اليومي، ولا خطر تآكل عليها.


البورتريه الفوتوغرافي
من وميض الفلاش الأول إلى الهاتف الذكي

بدأ تاريخ البورتريه الفوتوغرافي غداة اختراع أول جهاز تصوير على يد الفيزيائي الفرنسي جوزيف نيسيفور نييبس، الذي التقط أول صورة فوتوغرافية عام 1826م. وظل يتطوَّر ويتحوَّل بتطوُّر آلات التصوير. حتى يومنا هذا. ففي عام 1838م، نجح الفرنسي لويس داجير في التقاط أول صورة ضوئية تتضمَّن بشراً، وهي عبارة عن مشهد من شارع (بولفار دو تمبل) في باريس. بعد ذلك بسنة واحدة، ظهر أول بورتريه ذاتي عندما صور الأمريكي روبرت كورنيليوس نفسه في فيلادلفيا، بالتقنية الداجيرية (نسبة إلى لويس داجير)، التي تستعمل ألواحاً معدنية مفضّضة، تُعرَّض لبخار اليود، ثم توضع هذه الألواح في الكاميرا للحصول على صور.
وتتابعت التجارب، وزادت الصور في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة، فكانت أول صورة لرئيس دولة من نصيب جون كوينسي آدامز، الرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية، التقطها المصور فيليب هاس عام 1843م.

أول صورة ضوئية تتضمَّن بشراً وهي عبارة عن مشهد من شارع (بولفار دو تمبل) في باريس

ثم ظهرت أول صورة فيها بعض الألوان عام 1861م، ضمن تجارب عالم الفيزياء والرياضيات الأسكتلندي جيمس ماكسويل، بمساعدة المصور توماس سوتون. لكنها لم تكن لإنسان بل لربطة عنق. وكان علينا أن ننتظر حتى القرن العشرين ليتمكن الأخوان أوغست ولويس لوميير في عام 1907م، من إدخال الألوان إلى آلة تصوير، بتقنية “لوميير أوتوكروم” التي استمرت حتى بداية الثلاثينيات، عندما تطوَّرت تقنيات التصوير وباتت الصورة أدق مع تقنية “كوداك كروم”، التي سُوّقت بدءاً من العام 1935م، واستمرت حتى التسعينيات.
استهدف التصوير الفوتوغرافي البشر بشكل أساسي. حتى ليمكن القول إن البورتريه هو العصب الأساسي للصورة، منذ أن أراد الأخوان لوميير استخدام ثورتهما في عالم التصوير بشكل أساسي لتوثيق حياة المشاهير، قبل اهتمامهما بتصوير أفلام متحركة. وهذا ما وفّر لنا بورتريهات فوتوغرافية، معظمها بالأسود والأبيض، ولكنها دقيقة التعبير الشكلي، ليس فقط عن معظم الشخصيات السياسية والثقافية والفنية التي عاشت في هذا العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر، بل أيضاً عن كل شخص حمل بطاقة هوية أو جواز سفر. فقد أصبح البورتريه الفوتوغرافي، حتى في أدنى مستوياته الفنية، شرطاً مفروضاً بالقوانين على بطاقات التعريف الرسمية. ونشير هنا إلى أن أول بورتريه فوتوغرافي وضع على جواز سفر كان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م.
استمر تطوير آلات التصوير حتى وصولها إلى التقنية الرقمية التي أدهشت الناس بدقتها وسهولة استخدامها. بالإضافة إلى سعتها التخزينية التي تصل إلى آلاف الصور عالية الدقة على الشريحة الصغيرة الواحدة. في عام 1957م، حقَّق المهندس الأمريكي راسيل كيرش أول بورتريه رقمي يمثل ابنه، ولكن بواسطة تقنية المسح. قبل أن يشعل المهندس الأمريكي ستيفن ساسون ثورة تكنولوجية مهمة في تاريخنا الحديث، بالتقاطه صورة عام 1975م بواسطة أول كاميرا رقمية. ومع ذلك تأخر انتشار الصور الرقمية ومعه انتشار صور البورتريه الحديثة، حتى تسعينيات القرن الماضي.

أول صورة لرئيس دولة من نصيب جون كوينسي آدامز، الرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية، التقطها المصوِّر فيليب هاس عام 1843م

اللحظة المكثَّفة
منذ بداية القرن العشرين، أصبح البورتريه الفوتوغرافي صناعة قائمة بحد ذاتها. وضمن هذه الصناعة، هناك مصوّرون يمتلكون من الذائقة الفنية والمهارة التقنية ما مكّنهم من الارتقاء بهذه الحرفة التقنية إلى مستوى الفن الراقي، على أساس أن الهدف ليس تسجيل الشكل، ولا تجميد اللحظة، إنما التعبير عن مضمون إنساني ووجداني عاطفي. فبات البورتريه يدعوك إلى أن تتأمله، وأن تغوص في ملامح صاحبه وانفعالاته ومشاعره. وبات المصور يهدف إلى إبراز سمات الفرح والسعادة، الحزن والهم، أو شرود التأمل، الدهشة، التمرد والاعتراض، التكبر أو التواضع، البساطة أو الحنكة، الفقر أو الغنى… بمعنى آخر، على المصور أن يُدخل ضوء كاميرته إلى داخل الشخص، إلى قلبه وروحه، وتجربته الإنسانية… هكذا ارتقى فن التصوير الضوئي بالبورتريه، ليقدِّم القيمة الحقيقية للإنسان بدلاً من تسجيل واقعه، وليستشف سره بدلاً من تحديد شكله.
هذا ما رأيناه فيما قدَّمه مشاهير فن التصوير الفوتوغرافي في العالم، أمثال أنسل آدمز، إدوارد ويستون، أموجن كننغهام وسواهم من الأعلام الذين عرفوا كيف يوحدوا عناصر الصورة/ البورتريه في تشكيل متماسك يصب في الفكرة المراد تجسيدها. لم يعد الهدف من العمل الفني الضوئي تسجيل هوية الشخص بقدر ما يسعى الفنان المصور لتقديم حالته بأسلوب جذاب ومدهش، تغلب فيه قوة التعبير والترميز والتكوين، وتسخير كل طاقات الكاميرا وقدرة الفنان على اصطياد لحظة مكثَّفة يتخطى معادلها اللغوي الألف كلمة.

أول بورتريه ذاتي عندما صوَّر الأمريكي روبرت كورنيليوس نفسه في فيلادلفيا، بالتقنية الداجيرية (نسبة إلى لويس داجير)

لقطات خالدة لا يمحوها الزمن
بات من المسلّم به أن البورتريه الفوتوغرافي، حتى ولو التقط في جزء من الثانية، يمكنه أن يرتقي إلى مستوى البورتريه الزيتي الذي تطلب إنجازه أشهراً عديدة، لجهة بلاغة الخطاب الذي يحتويه. ومن الأمثلة المعبّرة عن ذلك يمكننا أن نذكر: “الفتاة الأفغانية”، هي الصورة التي التقطها المصور الصحفي الأمريكي ستيف ماكوري للفتاة شربات غولا في أحد المخيمات الخاصة باللاجئين في باكستان، ونشرها على غلاف مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” عام 1985م، فتحوَّلت إلى أيقونة أفغانية. وبورتريه “أينشتاين” الذي نشرته وكالة “يونايتد برس” في 14 مارس 1951م بعد حفل لتكريم أينشتاين، عندما رفض السماح للمصورين بالتقاط صور له، لكن المصوِّر الأمريكي آرثر ساسي التقط هذه الصورة له وهو يصيح ويسخر من المصورين، وهي أشهر صورة التُقطت لهذا العالم. وهناك أيضاً بورتريه “غيفارا”، الصورة الشهيرة التي التقطها المصوِّر الكوبي ألبرتو كوردا في هافانا، في 5 مارس 1960م، عندما ظهر غيفارا بغتةَ ولفترة قصيرة على المنصة التي كان فيديل كاسترو يرثي عليها ضحايا حادثة تفجير. وسرعان ما تحوَّلت الصورة إلى شعار لليسار الأوروبي ولقوى التغيير في العالم، وتميزت عن غيرها من الصور بأنها طبعت على القمصان والأكسسوارات والملصقات، ولا تزال تُطبع وتُنشر حتى يومنا هذا.

“الفتاة الأفغانية”، هي الصورة التي التقطها المصوِّر الصحفي الأمريكي ستيف ماكورى للفتاة شربات غولا في أحد المخيمات الخاصة باللاجئين في باكستان، ونشرها على غلاف مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” عام 1985م

الصورة المدّاحة
وإضافة إلى البورتريهات التي صوَّرها الفوتوغرافيون لأناس اختاروهم هم لأنَّ هيئاتهم تُعبِّر عن قيمة معينة، كان لرواج الطباعة والصحافة والنشر في القرن العشرين دور مهم في جعل الصورة الفوتوغرافية أداة علاقات عامة، تروّج لصاحبها. وهكذا برز نجوم هوليود محور صناعة فنية ضخمة بوقوفهم أمام المصوّرين المتخصصين، لالتقاط صور مدروسة للغاية تشكل أعمالاً فنية حقيقية ومتكاملة المقومات، رغم أن “المدح والتجميل الإضافي” يبقى أبرز مقومات هذه الفئة من الصور. الأمر نفسه ينطبق، وإن بدرجة أقل على السياسيين والشخصيات الكبيرة في سعيها إلى كسب ود الآخرين. إن معظم الذين يستخدمون اليوم الكاميرا الرقمية أو كاميرا الهاتف الذكي يتّبعون الأسلوب العفوي، ويعتمدون على مميزات الآلة التي يستخدمونها في التقاط البورتريه، أو على عصا السيلفي للحصول على زاوية رؤية أوسع في الصور الجماعية. لكن فن البورتريه أمر آخر مختلف عن العفوية الشعبية في التقاط الصور، وحتى عن العمل الاحترافي المهني في الاستديوهات التجارية أو في الصحافة. فالفن في تصوير البورتريه يستوجب الاهتمام بأمور عدة، منها: الموضوع والموقع والإضاءة ومراقبة العيون جيداً لأنها مرآة الداخل، وزاوية التصوير وتحديد الإطار، ثم ما يستوجب ذلك من تعديلات على الصورة بعد التقاطها.


السيلفي
البورتريه المتّهم

كانت أول صورة التقطها مصوِّر لنفسه هي تلك التي التقطها روبرت كورنيليوس، كما أسلفنا. أما اليوم، وبعد وصول آلات التصوير إلى أيدي كل الناس ضمن الهاتف المحمول، فقد تحوَّلت لقطات تصوير الذات (السيلفي) إلى هوس عام، أنتج بحراً من الصور يموج بين اللعب والجد، البهلوانية والبحث عن الإدهاش، التشاوف وادخار اللحظة. حتى إن المجتمع الدولي من حول روَّاد السيلفي خصص لهم يوماً سنوياً باسم “يوم السيلفي العالمي” (21 يونيو)، وليس غريباً بعد ذلك أن يكرِّس “قاموس أكسفورد” الإنجليزي مصطلح “سيلفي”، وأن تكون هذه الكلمة الأكثر استخداماً في عام 2013م.
واليوم، لكثرة ما تزدحم وسائل التواصل الاجتماعي بالصور “السيلفي”، باتت الكلمة منفّرة، وصور السيلفي متهمة بالنرجسية. فبالبحث عن أسباب تخفيفية للمتهم، قد نجد أسباباً عديدة لالتقاط السيلفي غير حب الذات. ذلك أن من يحب نفسه يجتهد في تصوير وجهه وجسمه، بهدف إقناع نفسه بجماله وهيبته ومكانته. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ينشر المهووسون بالسيلفي كل هذا الكم من الصور؟ فمجرد نشرها يعني مخاطبة الآخر، وطلباً خفياً للإعجاب بما ينشر، وخطب ودّه وإعجابه. وهذا أمر مختلف عن النرجسية.

لا شك في أن هوس السيلفي الذي يملأ شبكات التواصل الاجتماعي، له دلالات نفسية سلبية أخرى، أهمها:

تضخيم الذات: إذ يُعدُّ المهووسون بالسيلفي أنهم الأجمل، والأكثر جاذبية، والأذكى. لذا هم يعملون على سحب الاعتراف بهم من الناس.

القلق: يعيش المهووس بالسيلفي حالات دائمة من القلق الذي يسببه خوفه من عدم اعتراف الناس بأهميته. فقد أظهر استطلاع للأكاديمية الأمريكية لجرَّاحي تجميل وترميم الوجه أن %42 من العملاء الذين استقبلهم جرَّاحوهم هم من روَّاد السيلفي الذين يصرون على الخضوع لعمليات تجميل لتحسين طلتهم على شبكات التواصل.

تطبيق “YouCam Perfect”

فقدان الثقة بالنفس: وهذا ما تسببه التقنيات الحديثة المستخدمة في تجميل الصورة، مثل الفوتوشوب والفلاتر والتطبيقات الأخرى التي يلجأ شباب السيلفي إليها، كأن يغيروا لون العينين، أو أي عيب أو علامة، أو يزيفون في شكل الوجه. وهنا يبدأ الافتراق بين الشكل الحقيقي والشكل المصطنع أو المعدَّل، وينعدم ساعتئذٍ التصالح مع الذات، وصولاً إلى أن يكره بطل السيلفي وجهه الأصلي ولا يبتسم إلا لوجهه المعدَّل. إن الإدمان على السيلفي بحد ذاته ليس مرضاً نفسياً، إنما قد يتسبَّب بأمراض نفسية.
فانسجاماً مع أنهار السيلفي المتدفِّقة على شبكات التواصل، يجتهد المبرمجون في تقديم تطبيقات السيلفي للهواتف الذكية، من شأن بعضها أن يوفِّر للمستخدم مئات الفلاتر، مع مزيد من التأثيرات التي تتعامل مع الوجه مباشرة في أثناء التصوير، كما توفِّر محسنات جمالية، من حيث لون الوجه أو تنحيفه، أو إضافة أكسسوارات، أو ستيكرز، ثم يستطيع المستخدم أن يلتقط صورة مع المشاهير من دون حاجة لوجوههم، مثل تطبيق “Selfie with Trump”. وللدلالة على الإقبال على مثل هذه التطبيقات يمكن أن نستعين بالرقم الذي طرحه تطبيق “YouCam Perfect”، منذ سنتين، فقد تخطى عدد مستخدميه عتبة المئة مليون.

الموقع الرسمي لشركة “The Selfie Kingdom” في دبي

ومع ازدياد الاهتمام بصورة السيلفي في العالم، افتتحت شركة “The Selfie Kingdom” للتصوير الفوتوغرافي متحفاً مختصاً بالسيلفي في دبي، يقدِّم تصاميم تفاعلية تؤمن خيارات مختلفة لإبداع صور، ينتمي معظمها إلى عالم الخيال.


الجمعية الملكية لرسَّامي البورتريه

غداة اكتشاف آلة التصوير الفوتوغرافي وبدء رواجها، وفي خضم النقاش حول مستقبل فن الرسم، وبشكل خاص فن البورتريه الذي بدا مهدداً أكثر من غيره، إضافة إلى عدم رضا عدد من رسامي البورتريه في إنجلترا عن “سياسات الأكاديمية الملكية” في اختياراتها لمعرضها السنوي، تداعت نخبة من هؤلاء إلى تأسيس جمعية خاصة بهم، سمُّوها “جمعية رسامي البورتريه”، وكان ذلك في عام 1891م. وفي عام 1911م، منح الملك جورج الخامس الجمعية مكانة “جمعية ملكية”، فصار اسمها رسمياً منذ آنذاك “الجمعية الملكية لرسامي البورتريه”.
والجمعية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا برعاية الملكة إليزابيث الثانية، تقيم معرضاً سنوياً لأحدث أعمالها، كما تمنح جوائز مرموقة في هذا المجال، وتُقدم خدماتها ومشورتها للراغبين بأن يحصلوا على بورتريه يمثلهم.


محطات السينما أمام البورتريه

على الرغم من كثرة ما تناولته السينما والأفلام الوثائقية من تاريخ الفن التشكيلي، (هناك نحو عشرين فِلْماً وثائقياً وروائياً حول رامبرانت وحده)، إلاَّ أن الأفلام التي تتمحور كلياً حول بورتريه معيّن قليلة نسبياً، ونتوقف أمام اثنين بارزين منها:

“الفتاة ذات القرط اللؤلؤي”
هذا الفلم الذي أخرجه بيتر فيبير وقامت ببطولته الممثلة سكرليت جوهانسون عام 2003م، يتخيل الظروف التي أحاطت برسم هذه اللوحة على يد فيرمير، اقتباساً عن الكتاب الذي ألفته ترايسي شوفاليه ونشرته عام 1999م بالعنوان نفسه. ورغم حضور الدراما العاطفية، تبقى عملية رسم البورتريه محور القصة كلها، حتى إن واحداً من أقوى المشاهد فيه هو عندما يثقب الرسام أذن الفتاة ليعلق فيها القرط. الأمانة للحقائق التاريخية في هذا الفلم غير مؤكدة بتاتاً، لأن مؤلفة الكتاب، ومن بعدها المخرج، أطلقا العنان للخيال في سد الثغرات الكثيرة في تاريخ هذه اللوحة.

“اسم مستعار”
في عام 1997م، أخرج الأمريكي جون بادهام أشهر أفلامه “اسم مستعار” (Incognito)، الذي يشكِّل البورتريه محور حبكته.
يروي هذا الفلم قصة فنان شاب موهوب جداً، ولكنه يعتاش من تزوير لوحات فنانين من الصف الثالث. وذات مرَّة يتلقى طلباً من عصابة لإنتاج لوحة لرامبرانت، فيرسم ملامح وجه والده، على هيئة رجل من القرن السابع عشر، وذلك بتقنية رامبرانت وأسلوبه تماماً، وينطلي الأمر على أهم الخبراء المتخصصين. غير أنه يضطر لاحقاً أن يعلن بنفسه أن هذه اللوحة مزوَّرة وأنه هو الذي رسمها، وذلك لكي يبرئ نفسه من تهمة قتل في المحكمة. وسلاحه الوحيد في إثبات أنه هو رسام هذه اللوحة، الصورة الفوتوغرافية التي تمثل والده الذي مات في تلك الفترة. ولكن، حتى هذه الصورة تضيع منه. في بداية هذا الفلم، نرى الوالد يلحّ على ابنه أن يرسم أعمالاً أصلية باسمه، متمنياً وصولها إلى متحف برادو. وفي نهاية الفلم، تستقر صورة هذا الأب في متحف برادو على أنها من صنع رامبرانت.
إضافة إلى البورتريه الذي يشكِّل محور الحبكة، يتضمَّن الفلم عرضاً مفصلاً لكل التقنيات التي يستخدمها المزوّرون، من العمل على خامة قديمة، إلى استخدام ألوان بالتركيبات الكيميائية نفسها التي كانت مستخدمة في ذلك العصر، وتجفيف اللوحة وتفسيخ الطلاء، وزج الغبار ودخان الشموع في الشقوق الصغيرة..إلخ.

البورتريه على الملصق
وهناك جانب آخر في علاقة السينما بالبورتريه، يتمثل في تصميم الملصق الرسمي الدعائي لكل فِلْم. فقد أصبح تصميم الملصقات السينمائية فناً وصناعة قائمة بحد ذاتها، تُعلّق عليها أهمية كبيرة لتوضيح طبيعة الفلم أمام الجمهور العريض لجذبه إلى مشاهدته. وفي هذا الإطار، نجد أن بعض المصممين تمكنوا ببراعة من اختصار كل طبيعة الفلم من خلال بورتريه (عادة فوتوغرافي)، يمثل القائم بدور البطولة. والمدهش في الأمر أن بعض البورتريهات التي احتلَّت ملصقات عدد من الأفلام، جاءت مطابقة تماماً لما هو متوخَّى من فن البورتريه وفق أقسى الشروط التقليدية والأكاديمية. نذكر منها على سبيل المثال للتوضيح: بورتريه الممثل بروس ويليس على الملصق الترويجي لفلم “داي هارد”، وقد بدت على وجهه ملامح القسوة والعنف والتفكير الذكي والصبر على الشدة، وهذه كلها من صفات الشخصية التي يؤديها في الفلم. وبورتريه الممثلة الهندية ديبيكا بادوكان على الملصق الرسمي لفلم “بادمافاتي”، الذي اختصر بالنظرة الرصينة والكفّين المضمومين توقيراً واللباس والحلي، كل ما في الشخصية الرئيسة التي يحمل الفلم اسمها. 

————

البورتريه الأكثر تداولا في العالم

في أواخر القرن الثامن عشر، رسم الفنان الأمريكي غلبرت ستيوارت عدة بورتريهات للرئيس جورج واشنطن، كان أفضلها واحد لم يكتمل العمل عليه، لأنه كان من الجودة أن راح الفنان يتلقى طلبات لشراء نسخ عنها. فانصرف عن إكمال اللوحة إلى نسخها، وأنجز بالفعل ثلاثمئة نسخة (كان يبيع الواحدة منها بمئة دولار). وبعد وفاته، انتقلت اللوحة غير المكتملة إلى “أثينايوم بوسطن، حيث تقرر لاحقاً صناعة لوحة حفرية منها لطباعتها على ورقة الدولار الواحد. ومنذ عام 1869م وحتى اليوم، يُطبع هذا البورتريه ملايين ومليارات المرات سنوياً على الدولار الأمريكي.
وبعدما كان بورتريه واشنطن يظهر على الدولار لأكثر من نصف قرن بالاتجاه نفسه الذي رسمه ستيوارت، جرى في ثلاثينيات القرن الماضي قلب الصورة نفسها أفقياً، ولكنه لم يفقد مكانه. وبذلك يكون هذا البورتريه الأكثر استنساخاً في التاريخ من دون منافس قريب.


مقالات ذات صلة

ماذا لو لم يكن البَقر موجودًا في هذا العالم؟
الجواب هو: لكان العالم بتاريخه وحاضره غير العالم الذي نعرفه.

ولماذا اللون الأخضر؟
ألأنه جميل؟
نعم، إنه جميل، ولكنه أكثر من ذلك بكثير.

في هذا الملف، نذهب إلى جولة في رحاب الكون، لاستطلاع بعض ما نعرفه عن هذه الأجرام السماوية الجميلة، وعن حضورها الآسر في الثقافة والعلوم، ودورها في تطوير الحضارة الإنسانية.


0 تعليقات على “فن البورتريه..”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *