الفحم والغاز الحيويَّان من أقدم مصادر الطاقة التي عرفها الإنسان، ويبدو أنهما في طريقهما إلى تجديد شبابهما، ليس بوصفهما من مصادر الطاقة في خضم انهماك العالم في البحث عن مصادر إضافية، بقدر ما لهما من منافع بيئية وزراعية. وعلى الرغم من أن لا أحد يتوقع للفحم الحيوي والغاز الحيوي أن يصنعا المعجزات، ولا حتى أن يكون لهما أي وقع ملحوظ على عالم الطاقة، فمن شبه المؤكد أن لهما من الفوائد ما يمكنهما أن ينعكسا إيجاباً على العالم بأسره وفي أكثر من مجال واحد.
عرف الإنسان الفحم الحيوي منذ القدم، واستعمله وقوداً للطهي والتدفئة. ولاحقاً، استعمله وقوداً في صناعة الفخار والزجاج والتعدين، ومخصّباً للتربة الزراعية.
يحظى الغاز الحيوي باهتمام كبير في عدد من دول العالم، كمصدر للطاقة المتجدِّدة، الذي يتم إنتاجه من المخلَّفات العضوية.
وهذا الفحم، هو عبارة عن مادة سوداء مكوَّنة من حبيبات دقيقة صلبة قابلة للاحتراق، يتم الحصول عليها من خلال عملية حرق كتلة حيوية، بمعزل عن الأكسجين. ويمكن لهذه الكتلة أن تكون من المخلفات النباتية كبقايا المحاصيل الزراعية، كالأخشاب وقش القمح والذرة وقصب السكر وجريد سعف النخيل، وغير ذلك. وتعرف هذه الطريقة بالحرق اللاهوائي، أو التحلل الحراري، حيث تتم إزالة الماء والمواد المتطايرة من الخشب أو المواد العضوية الأخرى. ويحتوي هذا الفحم على كميات تتراوح ما بين 85 و95 بالمئة من الكربون، مما يجعله يحترق ويعطي حرارة عالية عند مقارنته باحتراق الخشب التقليدي.
تقنية قديمة
وقد عرف الإنسان قديماً المبادئ الأساسية لعملية إنتاج الفحم الحيوي، إذ كانت توضع الأخشاب وبقايا المخلفات النباتية في حفر عميقة يتراوح عمقها عدة أمتار، ثم تشعل فيها النيران حتى تتوهج كامل الكتلة الحيوية في الحفرة. وبعد ذلك، تتم تغطيتها مع إبقاء فتحة خاصة لخروج الدخان. أماً حديثاً، فقد تم تصميم أفران ثابتة أو متحركة بقياسات مختلفة لإنتاج هذا النوع من الفحم ذي الاستخدامات المتعدِّدة.
تعتمد طريقة إنتاج الفحم الحيوي على ما يعرف بعملية التحلل الحراري للمادة العضوية، إذ يتم تعريض هذه المواد إلى درجة حرارة تتراوح ما بين 200 إلى 300 درجة مئوية في ظروف لا هوائية. وفي هذه العملية، يتم تبخير الماء من داخل الكتلة الحيوية عند درجة حرارة 70 درجة مئوية، ويبدأ تحلل المادة العضوية عند 160 درجة، فيتم طرد المواد المتطايرة. ومع استمرار عملية التسخين ورفع درجة الحرارة تتكوَّن عدة غازات كالهيدروجين والنيتروجين وأول أكسيد الكربون وغيرها، ويمكن الاستفادة من هذه الغازات في إنتاج الغاز الحيوي.
وتجدر الإشارة إلى أن استخدام أنواع مختلفة من المخلفات النباتية وحرقها بدرجات حرارة مختلفة، يؤدِّي إلى ظهور أنواع مختلفة من الفحم الحيوي ذي الخصائص المتباينة.
غاز بالغ الأهمية
يحظى الغاز الحيوي باهتمام كبير في عدد من دول العالم كمصدر للطاقة المتجدّدة، ويتم إنتاجه من المخلفات العضوية، كما هو الحال في بعض المناطق الريفية في شبه القارة الهندية وشرق آسيا. ويستخدم هذا الغاز لأغراض الطهي والتدفئة، كما يستعمل في بعض الدول الأوروبية كالسويد وسويسرا وألمانيا كوقود لحافلات النقل وبعض أنواع السيارات. وفي أمريكا، يستخدم الغاز الحيوي المنتج من مخلفات الأبقار لتزويد عدد كبير من المنازل بالطاقة الكهربائية، كذلك اهتمت بريطانيا بالغاز الحيوي الذي أنتجته من مياه المجاري منذ عام 2010م. إذ تمت معالجة تلك المياه بالتخمير اللاهوائي، واستخدمتـه لتوليد الكهرباء، كما يستحوذ الغاز الحيوي حالياً على اهتمام عدد كبير من دول العالم.
إضافة الفحم الحيوي للتربة الزراعية يحسِّن من الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للتربة الزراعية. فهو يساعد على تهوية التربة ويعمل على تثبيت وتخزين العناصر الغذائية في جذور النباتات ويزيد من خصوبتها.
ويتكوَّن الغاز الحيوي من خليط من عدّة غازات بنسب متفاوتة ناتجة عن عملية التخمر للفضلات العضوية. إذ تتفكك تلك المواد المعقَّدة التركيب بفعل البكتيريا وفي غياب الأكسجين، أي في ظروف لا هوائية. وتعرف هذه بعملية الهضم اللاهوائي. ويمكن للمادة العضوية أن تكون من مخلفات نباتية أو حيوانية، وهي تنتج غازاً يتكوَّن بشكل رئيس من الميثان وثاني أكسيد الكربون ومقادير ضئيلة من الأمونيا والنيتروجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت. وبشكل عام، فإن كمية الميثان الذي يعرف باسم غاز المستنقعات، تتراوح بين 60 و70 في المئة. وهذه العملية تنتج مخلفات تستعمل كمادة خام في بعض الصناعات وسماداً للتربة.
ويمكن إنتاج شكل آخر من الغاز الحيوي من خلال عملية تفحيم الخشب والمخلفات النباتية المختلفة، ويتكوَّن هذا الغاز الناتج من مجموعة من الغازات المختلفة، هي الهيدروجين والنيتروجين وأول أكسيد الكربون مع نسب قليلة من الميثان.
وتتم عملية التحلل الحراري للأخشاب وللمخلفات النباتية على درجة حرارة تتراوح ما بين 400 إلى 500 درجة مئوية، وينجم عنها نحو برميل من الزيت لكل طن واحد من تلك المواد العضوية ونحو 80 كيلوغراماً من الفحم، بالإضافة إلى عدد من الغازات المهمة التي يمكن استخدامها كوقود. كما تجري حالياً تجارب موسعة لاستخدام الطحالب لكي تكون هي الكتلة الحيوية التي يمكن تحويلها إلى وقود وفحم.
ومن أهم مزايا عملية التحلل الحراري للمواد العضوية، أنها لا تتسبب في حدوث تأثيرات بيئية ضارة إذا تمت في ظروف محكمة. وبالتالي فإنها أكثر قبولاً في العالم من طريقة الحرق المباشر للخشب والمواد العضوية الأخرى. وهي تقدِّم في الوقت نفسه حلاً لمشكلة تراكم المخلفات العضوية وبقايا المزارع والأشجار والقش وغيرها من المخلفات التي تشكِّل عبئاً على البيئة وتستهلك مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن استخدامها في الزراعة أو للتوسع العمراني.
مُحسِّنٌ للتربة ولحماية البيئة
يُعدُّ الفحم الحيوي من محسِّنات التربة. فقد استخدم في الزراعة التقليدية منذ زمن طويل. وبيَّنت الدراسات التي أجراها علماء الآثار والجيولوجيا والبيئة أن سكان أمريكا الأصليين كانوا قبل عدة مئات من السنين من وصول الأوروبيين إلى قارتهم، يضيفون الفحم الحيوي إلى أراضيهم الزراعية كسماد طبيعي يساعد في تحسين خواص التربة، وبالتالي زيادة إنتاجيتها للمحاصيل الزراعية، وكانت التربة المخصّبة بالفحم الحيوي تعرف باسم التربة السوداء.
وفي الواقع، تشير التجارب إلى أن إضافة الفحم الحيوي للتربة الزراعية يحسِّن من خصائصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، ويعود هذا إلى أنه عند إضافة الفحم الحيوي إلى التربة الرملية التي تجري فيها المياه بسرعة كبيرة، فإن الفحم يعمل على تباطؤ حركة الماء بمعدل %92، أما عند إضافة الفحم إلى التربة الطينية التي تحتفظ عادة بالماء بشكل كبير، فإنه يعمل على زيادة حركة الماء بنسبة تزيد على %300، حسبما صرحت به الباحثـة ريبيكا بارنز المتخصصــة في الكيميــاء الأرضيـة الحيوية في كليـة كولورادو الأمريكية.
كذلك فإن الفحم الحيوي يعمل على تثبيت وتخزين العناصر الغذائية في جذور النباتات، مما يؤدِّي إلى جذب بعض الأحياء الدقيقة التي تلعب دوراً مهماً في تحقيق التوازن البيولوجي داخل التربة، وزيادة خصوبتها من خلال عملية تحويل النيتروجين إلى مركبات نيتروجينة ذات فائدة للنبات في تكوين البروتين بفعل النشاط الميكروبي داخلها. كما يساعد الفحم الحيوي على تهوية التربة بشكل كبير، ويزيد أيضاً من نسبة البوتاسيوم وبعض المواد العضوية فيها. فالفحم الحيوي يكون أكثر ثباتاً من المواد العضوية الأخرى التي تضاف للتربة لتحسين خصوبتها، الأمر الذي يؤدّي بالتالي إلى زيادة نمو النباتات، مع كل ما لهذه الزيادة من مفاعيل اقتصادية وبيئية. إضافة إلى أنه سيقلِّل من الاعتماد المفرط على الأسمدة الكيميائية والمخصبات التقليدية ذات التأثيرات الضارة على كافة النظم البيئية.
وحسب الدراسات التي أجراها الباحث أندروكران دروش من جامعة كاليفورنيا، والتي تناولت آثار استخدام الفحم الحيوي في التربة المتدهورة في منطقة غرب كينيا، فقد ارتفع متوسط عائدات المزارع المستخدمة للفحم بنسبة بلغت %32 عند مقارنتها بالمزارع التي لم تستخدمه.
وفي سياق متصل، فإن التخلص من المخلفات النباتية كالأخشاب وقش القمح وغيرها يُعدُّ مشكلة يعاني منها كثير من دول العالم. فهذه المخلفات عندما تترك لتتحلل على سطح الأرض أو في مقالب النفايات، فإنها تنتج كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري. ومن ثم فإن عملية تحويل تلك المخلفات النباتية لفحم حيوي ومزجها مع التربة الزراعية سوف يحسِّن من خصوبة الأرض ويخلِّص في الوقت نفسه البيئة من تلك الكميات من ثاني أكسيد الكربون التي كانت ستنبعث في الغلاف الجوي للأرض.
اهتمام متزايد
نتيجة لكل ما تقدَّم، تتعاظم اليوم الأهمية التي توليها دول العالم لاستخدام الفحم الحيوي في الحد من تدهور الأراضي الزراعية ومكافحة التصحر والتخفيف من آثار التغير المناخي. ففي الهند، يتم التوسع حالياً في إنتاج هذا الفحم للاستفادة من الغازات المرافقة لعملية إنتاجه لتوليد الطاقة، والاستفادة من الفحم لزيادة خصوبة التربة. وفي البرازيل ثّمَّة مساعٍ حثيثة في إنتاج كميات كبيرة من الفحم الحيوي من خلال زراعة عشب “ناب الفيل” الذي يتميز بنموه السريع وإنتاجه الكبير للكتلة الحيوية، حيث يمكن استخدامه لإنتاج الوقود الحيوي والفحم.
أما في أستراليا فيتم حالياً الاهتمام بإنتاج الفحم الحيوي من حقول الأرز لاستخدامه في تحسين نوعية التربة الفقيرة في بعض المناطق في البلاد. كما تسعى جزر المالديف لإنتاج الفحم الحيوي من مخلفات المحاصيل الزراعية التي سيتم خلطها مع نفايات الأسماك. ومن خلال عملية التحلل الحيوي سيتم إنتاج وقود حيوي وفحم سيستعمل لتحسين التربة.
من جهة أخرى، ازدادت مبيعات الفحم الحيوي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وقد تضاعفت عدة مرات في أعقاب نشر عدد من الدراسات التي بينت أهميته لتحسين التربة، ومنها تقرير للبنك الدولي نشر في عام 2014م، جاء فيه أن الفحم الحيوي يحمل فوائد كثيرة للمزارعين نظراً لتعزيزه لجودة التربة الزراعية، وأن الفحم الحيوي قد يكون عنصراً رئيساً من عناصر الزراعة الذكية مناخياً، التي ستساعد على التخفيف من آثار التغير المناخي والحد من انعكاساته الخطيرة. ولذا، ليس من المستغرب أن نجد عدداً كبيراً من الشركات في أمريكا تبيع هذا النوع من الفحم بالجملة والمفرق للمستهلكين ومن ضمنها موقع آمازون على الإنترنت.
إزالة الملوثات
يُعدُّ الفحم الحيوي المصدر الرئيس لإنتاج الكربون المنشط الذي يستخدم على نطاق واسع في كثير من العمليات الصناعية والكيميائية والطبية، ومنها تنقية مياه الشرب والري وتخليصها من الملوثات الكيميائية التي قد توجد فيها، وذلك بفعل امتلاكه لأسطح مسامية كبيـرة تسمـح للملوثـات بالالتصاق بها.
وبينت التجارب التي أجريت على الفحم الحيوي في جامعتي فلوريدا وأريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية إمكانية استخدامه لمعالجة المياه الملوثة وفصل بقايا الأدوية والمضادات الحيوية منها، كبديل عن استخدام الكربون المنشط الذي يستطيع القيام بذلك، إلا أن تكلفة إنتاجه العالية بسبب استهلاكه كثيراً من الطاقة تحدُّ من التوسع في استخدامه، ولذا كان الفحم الحيوي بديلاً اقتصادياً مناسباً.
وحول فوائد الفحم الحيوي في تنظيف المياه الملوثة، يقول تشارلز بيتمان المتخصص في الكيمياء في جامعة ولاية ميسيسبي الأمريكية: “إن جزيئات الفحم الحيوي تمتلك مساحة سطح كبيرة نسبياً، وهي قادرة على تأمين عدد هائل من المواقع القادرة على استقبال المواد الملوثة والارتباط بها. وسيكون لهذا النوع من المعالجة نفع كبير في الدول التي تفتقر لأنظمة معالجة المياه فيها”.
الفحم الحيوي يحمل فوائد كثيرة للمزارعين نظراً لتعزيزه لجودة التربة الزراعية، بينما قد يكون عنصراً رئيساً من عناصر الزراعة الذكية مناخياً التي ستساعد على التخفيف من آثار التغير المناخي والحد من انعكاساته الخطيرة.
من جانب آخر، يمتلك الفحم الحيوي قدرة جيدة على تخليص المياه العادمة من بعض العناصر الثقيلة والأيونات الكيميائية الضارة كأيونات المنجنيز والحديد التي يشكِّل وجودها في المياه مشكلة بيئية، نظراً لمخاطرها على كافة الكائنات الحيَّة، حيث تتجمع هذه العناصر الضارة وتترسب في الأنسجة الحية وتتسبب في حدوث التسمم وإلحاق أضرار فادحة بالأجهزة الحيوية المختلفة.
وقد اهتمت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة وكذلك عدد من الوكالات الأمريكية بالفحم الحيوي بعد أن تبينت قدرته على الارتباط مع المعادن الثقيلة الموجودة في التربة، مما يمنع وصولها إلى جذور النباتات أو المياه، وهذا سيكون له منافع جمة في إعادة إحياء الأراضي التي حفرت فيها مناجم تعدين، كما هو الحال في مدينة “آسبن” بولاية كولورادو، حيث ساعدت إضافة الفحم إلى التربة في عام 2010م في تخفيف آثار نفايات المناجم الموجودة في تلك المنطقة منذ عقود، وذلك بتحييد تأثيرات المعادن الثقيلة الموجودة الموقع.
ختاماً، وباختصار، نشير إلى أن الاهتمام العالمي بالفحم الحيوي آخذ في التزايد، لأنه حلٌّ ملائمٌ لتراكم ملايين الأطنان من النفايات الناتجة من مدننا، وفي الوقت نفسه سيعزِّز من إنتاجية الأراضي الزراعية المنهكة التي تكابد لسد حاجات البشر المتزايدة من الغذاء والطعام. وعلى الرغم من أنه لن يصنع المعجزات فإنه سيكون ذا نفع كبير للأجيال المقبلة التي ستعيش على هذا الكوكب.
اترك تعليقاً