نشرت القافلة في عددها لجمادى الآخرة عام 1394هـ (يونيو-يوليو 1974م) استطلاعاً ميدانياً مصوّراً حول مدينة تلمسان الجزائرية بعنوان “تلمسان، عروس مدائن المغرب الأوسط” بقلم الأستاذ محمد عبد الله العنان، نعرض هنا مقتطفات منه:
تلمسان هي حقاً عروس مدائن المغرب الأوسط، سواء بموقعها فوق الهضبة الخضراء، أو بخطوطها وصروحها الجميلة، أو بماضيها التليد وتراثها العلمي العريق. وكانت تقوم مكانها في العصر الروماني محلة صغيرة تسمى “بوماريا” لا نعرف الكثير عن تاريخها. ثم استقر الإسلام وتوطد في تلك المنطقة منذ أواخر القرن الثاني من الهجرة.
الصحراء والتل
أما عن اسم تلمسان فيقول الوزير يحيى ابن خلدون أنه اسم بربري مكون من مقطعين “تلم” ومعناه تجمع، “وسن” ومعناه اثنان، أي الصحراء والتل. ويقول البعض الآخر إن اسمه مأخوذ من الكلمة البربرية “تلماس” وجمعه تلمسان، ومعناه منابع الماء.
تلمسان الحديثة أنشأها المرابطون في أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وذلك حينما حاصروا تلمسان القديمة (أغادير) وأطلقوا عليها اسم “تاجررت” أي المعسكر، وأنشأوا جامعها الأعظم الذي ما زالت تزهو به حتى اليوم.
وتقع تلمسان في شمال هضبة كبيرة تتجه نحو الجنوب الغربي والشمال الشرقي. وتكثر الحقول والبساتين اليانعة في المنطقة الجنوبية. وتمتاز هذه الهضبة الفريدة بتكوينها من صخور اسفنجية تتخللها مياه الأمطار لتملأ آبارها وخزاناتها، وتمد المدينة وحدائقها وحقولها أيام الصيف بالماء، وتمد هذه المزارع بدورها المدينة وسائر المنطقة بمقادير عظيمة من البقول والفواكه، وتكثر في أطرافها الغابات من مختلف الأشجار.
تاريخ عريق
ولتلمسان تاريخ عريق يكوّن فصولاً ممتعة من تاريخ المغرب الكبير. وهي تمتاز منذ عصر المرابطين الذي ترجع إليه خططها الأصلية، بشخصيتها القوية بين حواضر المغرب، وإلى هذا العصر أيضاً يرجع جامعها الأعظم، وهو من أكبر وأجمل الجوامع المغربيــة، ويمتـاز بزخارفه وكتاباته البارزة الرشيقة، ولا سيما في دائرة القبة وعلى المنبر.
وفي أوائل القرن السادس عشر وعقب سقوط الأندلس بدأ عدوان الإسبان على الثغور المغربية، فاستولوا على المرسى الكبير سنة 1500م. إلا أن تلمسان لبثت حيناً من الدهر مسرحاً لتنافس الإسبان والترك، وأخيراً كانت من نصيب الترك واستولى عليها “صلاح ريس باشا” سنة 1555م.
ولما تحرّرت تلمسان من الحكم التركي في سنة 1833م أعلنت عداءها لسلطان المغرب. وأخيراً دخلها الفرنسيون بعد افتتاحهم للجزائر بنحو عشرة أعوام وذلك في سنة 1842م. أما الآن، فإن تلمسان قد غدت حاضرة من ألمع حواضر الجمهوريـة الجزائريـة المستقلــة، واخـذت تستأنف حياتها القديمة في ظل الحرية والكرامة والآمال العريضة.
عمراناً وعلماً
تلمسان مدينة كبيرة مترامية الأطراف ذات شوارع عريضة وميادين فسيحة، وهي غنية بمساجدها وصروحها الثرية التي تعكس مظاهر الفنون المعمارية والزخرفية الإسلامية في عصور متعاقبة، ولا سيما العصر الغرناطي والموريسكي. وعدا عن مسجدها الأكبر، ثمة طائفة من المساجد الأثرية ومنها مسجد “سيدي بلحسن” وهو يرجــع إلى القرن السابع الهجري، وله محراب أنيق رشيق ومنارة جميلة، ويمتاز بزخارفه الجصية البارزة. ومسجد “أولاد الإمام” يرجـع إلى أوائل القرن الثامن الهجري. ومسجــد وضريح “سيدي ابراهيم”، ومسجد “سيدي السنوسي” ومسجد “سيدي الحلوى”.
وتعتبر تلمسان حاضرة المغرب الأوسط العلمية. وقد نبغ من أبناء تلمسان في ميادين العلوم والآداب جمهرة من الفقهاء والكتاب والشعراء نذكر منهم بعض الأسماء اللامعة التي تحتل مكانتها المرموقة بين أعلام الفكر المغربي. منهم الشاعر الكبير محمد بن عمر بن محمد بن خميس الحجري التلمساني المتوفي في 1308م.
ومنهم الفقيه الكبير الخطيب “محمد بن مرزوق العجيسي المتوفي سنة 1379م. ومنهم أبو العباس احمد المقري المتوفي في 1631م. وقد خص العلامة أبو عبدالله محمد المليتي المديوني المعروف بابن مريم، علماء بلده بمجلد ضخم ترجم فيه لنحو مائة من فقهاء تلمسان وعلمائها وأبنائها وذلك حتى أوائل القرن الحادي عشر الهجري وسمــاه “البستان في ذكر الأوليــاء والعلماء بتلمسان”.