ماذا لو؟

ماذا لو كان جزيء الماء مستقيماً؟

h2oكلنا نعرف أن جزيء الماء مكوّن من ذرة أكسجين وذرتي هيدروجين. وترتبط هذه الذرات ببعضها عن طريق رابطتين تساهميتين. وتتكوَّن الروابط التساهمية عادة بين اللافلزات، حيث تتشارك الجزيئات إلكتروناتها. ولأن ذرة الأكسجين فيها عدد أكبر من البروتونات الموجبة من ذرتي الهيدروجين، تكون الإلكترونات السالبة أقرب نسبياً لذرة الأكسجين. ويقدِّر الكيميائيون أن الذرات الثلاث تكوِّن زاوية قدرها 104.5 درجة. ويشكِّل هذا الانحناء، بالإضافة إلى موقع الإلكترونات، ثنائية قطبية دائمة حول جزيء الماء. ونتيجة ذلك، تكون ذرة الأكسجين سالبة أكثر من ذرتي الهيدروجين في جزيء الماء لقرب الإلكترونات منها.
لكن ماذا لو افترضنا هنا أن الماء يكوّن جزيئاً مستقيماً مثل جزيء شهير آخر ألا وهو جزيء ثاني أكسيد الكربون؟. النتيجة المباشرة هي أن الثنائية القطبية ستختفي. وسيصبح جزيء الماء متعادلاً كهربياً. ونتيجة هذا التعادل هي أن الماء سيفقد كثيراً من خصائصه. إذ بسبب الثنائية القطبية في الماء، يُحدث الماء ثنائيات قطبية مؤقتة في جزيئات المواد التي تختلط به ما يؤدي إلى ذوبان هذه المواد في الماء. وهذا ما يجعل منه مذيباً قوياً. فلو كان جزيء الماء مستقيماً لما استطاع تذويب الجزيئات الأخرى. ولأن الماء وسط مهم لمعظم العمليات الحيوية، ستصبح الحياة مستحيلة من غير انحناءة جزيء الماء. فعلى سبيل المثال لن يستطيع الدم حمل وتوزيع المواد الغذائية والمركَّبات الكيميائية المذابة به حول الجسم.
وكنتيجة أخرى لانحناء الجزيء، نجد أن الثنائيات القطبية تساعد على تجاذب جزيئات الماء بعضها بعضاً فيما يسمى بالروابط الهيدروجينية. وينتج عن الرابطة الهيدروجينية أن جزيئات الماء تقاوم الانتشار مما يعني أن الماء يكون سائلاً في مدىً أوسع من درجات الحرارة. فلو فقد الماء روابطه الهيدروجينية ستزيد سرعة تبخره. أي إن درجة غليانه ستكون حول 20 درجة مئوية أو أقل، وستجف بحارنا تماماً مع بدايات فصل الربيع!
كما أن فقدان التجاذب الهيدروجيني يؤدي إلى فقدان خاصية التوتر السطحي. وهي الخاصية التي تجعل بعض الحشرات قادرة على المشي فوق الماء.
وكما هو معروف، فالجليد أقل كثافة من الماء، لأن الروابط الهيدروجينية تساعد الماء في تكوين تركيبات بلورية عند التجمد. ومن خصائص البلورات أنها تخلق مساحات بين الجزيئات وبالتالي يتمدد الماء عند تبريده، فتقل كثافته ويطفو الجليد على الماء.
فلو افترضنا أن جزيء الماء صار مستقيماً، فستستحيل الحياة على عدة صُعد. وعلى الرغم من وجود بعض مركبات ذات جزيئات شبيهة بالماء (مثل كبريتيد الهيدروجين: ذرة كبريت وذرتا هيدروجين) إلا أنها لا تتمتع بالخصائص المذكورة للماء. فكبريتيد الهيدروجين لا يتمتع بثنائية قطبية كبيرة مثل الماء وبالتالي لا يستطيع تكوين الروابط الهيدروجينية. هذا ما يجعل علماء الفضاء يبحثون عن الماء تحديداً كمؤشر حتمي لوجود حياة على الكواكب الأخرى. وهذا ما يجعلهم متشوقين لمعرفة ما إذا الحياة موجودة تحت أطنان الجليد على تايتان؛ أكبر أقمار زحل.

أضف تعليق

التعليقات