نشرت القافلة في عددها لشهر شعبان 1392هـ (سبتمبر – أكتوبر 1972م) استطلاعاً مصوراً بقلم سليمان نصر الله حول مدينة حائل وبلدات منطقتها، نقتطف منه ما يأتي:
منطقة حائل شاسعة جداً، إذ تمتد شمالاً حتى تشمل صحراء النفود ذات الرمال الوردية، وتمتد شرقاً وجنوباً إلى حرة خيبر، وتصل إلى القصيم من الجهة الجنوبية الغربية. وفيها الجبال والأودية والحرار والصحاري والسهول والهضاب، كلها قد اجتمعت في تناسق جميل لتضفي عليها طابعاً مميزاً. وليس من قبيل الصدف أن تُعرف هذه الرقعة الخلابة اليوم باسم «إمارة الجبل». ذلك أن جبال طيء، كانت ولا تزال، مصدر الخير وينبوع الجمال، نسج الخيال المجنح حولها أمتع القصص التي لا تزال جنبات الشعاب تردد أصداءها. وهذه الجبال تتألف من سلسلتين متوازيتين تُعرف إحداهما بأجا والأخرى بسلمى. وتفصل بين السلسلتين سهول تمتد نحو 70 كيلومتراً تتخللها الجبال الصغيرة.
ومدينة حائل التي ترتفع عن مستوى سطح البحر حوالي 3500 قدم تقع في سهل منبسط على بُعد 4 كيلومترات من حافة جبل أجا الشمالية الشرقية، وتحيط بها هضاب قليلة الارتفاع من الجهة الشمالية، وإلى الشرق من حائل يقوم جبل صغير يُدعى «أعيرف» الذي تتربع فوقه «قلعة الزيارة» القديمة التي بُنيت في أوائل القرن التاسع عشر، ومن ورائه ينتصب جبل «سمراء حائل»، وهو جبل شاهق تقوم على قمته أطلال حصن قديم منيع بُني بالحجارة الغرانيتية والجص. ويشرف هذا الجبل الأشم على مدينة حائل، وقرية الخريمي من الجهة الجنوبية، وعلى ضاحية «السويفلة» القديمة من الجهة الشمالية. ومن أروع المشاهد التي يمكن أن يحظى بها الإنسان وقوفه على أطلال ذلك الحصن قبيل جنوح الشمس إلى المغيب مستقبِلاً النسائم الباردة، ممتعاً ناظريه بالسهول والهضاب والجبال والأودية، مشاهداً كيف تودع ذكاء تلك الطبيعة الفتانة كل يوم، فتلقي عليها وشاحاً من تبر قبيل أن تختفي وراء قنن جبل أجا.
ويطلق أبناء حائل على قمة ذلك الجبل اسم «الموقدة» ويزعمون أن حاتماً الطائي كان يأمر غلامه أن يوقد النار على تلك القمة ليهتدي بها المسافرون وتجلب له الضيوف، فكان يقول:
أوقد فإن الليل ليل قرّ
والريح يا موقد ريح صرّ
علّ يرى نارك من يمرّ
إن جلبت ضيفاً فأنت حرّ
وحائل اليوم تشهد حركة عمرانية عارمة ستزداد نشاطاً. ولن يمضي طويل وقت حتى يفتتح الطريق المعبَّد الذي يربط حائل بالقصيم، ومن ثم بالرياض، والبالغ طوله 280 كيلومتراً.
إن مما يسترعي انتباه الزائر لحائل قصر الإمارة الذي يقف شامخاً عند مدخل المدينة مما يلي المطار والذي بناه سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل السابق. وهذا القصر يُعد تحفة فنية رائعة، وقد شيِّد عام 1357هـ بالطين واللبن، وتقوم ردهاته على أعمدة من الحجر المصقول المكسو بالجص، ويمتاز القصر بأبوابه الضخمة المزخرفة، الزاهية الألوان، المصنوعة من خشب الإثل. ويحيط بالقصر سور عالٍ تقوم على أركانه «مرابيع» أي أبراج مستديرة، وتزدان حواف الجدران من أعلى «بزرانيق» جميلة. ويمثل هذا القصر الطراز المعماري العريق المتبع في أبنية حائل خير تمثيل. وفي الجهة المقابلة لقصر الإمارة يقف قصر آخر لا يقل عنه روعة هو «القشلة». وما إن يجتاز المرء هذين القصرين حتى يجد نفسه في وسط المدينة، حيث تقوم المحلات التجارية المكتظة بالسلع والكماليات على اختلاف أنواعها. ومن شارع المطار الرئيس يتفرع شارع الأمير خالد الذي يتجه غرباً، وقد أخذت ترتفع على جانبيه العمارات الحديثة الضخمة والمطاعم والمحلات التجارية. وعلى مقرية منه شيِّدت المباني الحكومية الحديثة، ومنها الإمارة، وإدارات الجوازات والجنسية، والبريد والبرق، والشرطة، وغيرها.
الحركة العلمية والفكرية والأدبية
يرجع تاريخ التعليم في حائل إلى ما يقرب من قرن من الزمان عندما كانت نخبة من المشايخ من أهل العلم تقوم بتعليم أبناء حائل مبادئ القراءة والكتابة.. أما التعليم النظامي بمعناه الحديث فقد بدأ عام 1356هـ عندما افتتحت المدرسة السعودية، وهي أول مدرسة ابتدائية بحائل. ومن ثم أخذت الحكومة توالي افتتاح المدارس الابتدائية في حائل وقرى المنطقة حتى بلغ عددها 72 مدرسة، تضم بين جدرانها 6765 طالباً. وفي عام 1373هـ تأسس معهد للمعلمين يلتحق فيه الطالب بعد إنهاء المرحلة الابتدائية، وقد تخرَّج منه حتى تصفيته عام 1387هـ ما يقرب من 465 طالباً انخرطوا في سلك التدريس في المنطقة. ويرجع تاريخ تأسيس أول مدرسة متوسطة في حائل إلى عام 1375هـ، ثم ما لبث أن أصبح في المنطقة خمس مدارس متوسطة، يبلغ عدد الطلاب فيها حالياً 1075 طالباً، وفي عام 1378هـ قامت وزارة المعارف بافتتاح مدرسة ثانوية، وهي تضم الآن 164 طالباً.. وفي العام الدراسي 1390 / 1391هـ افتتح في حائل معهد ثانوي لإعداد المعلمين يُقبل فيه الطالب الحاصل على شهادة الكفاءة.
أما التعليم الديني في حائل فيوفره المعهد العلمي التابع للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية بالرياض. وقد افتتح هذا المعهد عام 1381هـ وبدأ بحوالي 150 طالباً، ويقبل فيه الطالب بعد نيله الشهادة الابتدائية.
ويعود تعليم الفتاة في حائل إلى عام 1381هـ عندما افتتحت الرئاسة العامة لتعليم البنات أول مدرسة ابتدائية في حي الجديدة، ثم أتبعتها فيما بعد بثلاث مدارس ابتدائية في حائل. وقد شرع في العام المنصرم في إنشاء مدرسة نموذجية ضخمة في مدينة حائل تضم مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي. ومن المتوقع أن تنتهي أعمال الإنشاء فيها قريباً لتباشر المدرسة رسالتها في العام الدراسي المقبل.