سينما سعودية

«بسطة»..
التفاتة سينمائية إلى البائعات المتجوّلات

Screen Shot 2016-06-28 at 11.05.39 AMالمفارقة اللطيفة التي سُجِّلت في الدورة الثالثة لمهرجان الأفلام السعودية 2016، هي عرض فِلمين يتناولان ظاهرة «البسطة»، والباعة المتجولين في الأسواق الشعبية الذين يترزقون من بيع المستلزمات البسيطة.
الفلمان من إنتاج السنة الماضية. أحدهما تسجيلي قصير للمخرج الشاب محمد الحمادي بعنوان «البسطة»، تقصَّى فيه خبايا المهنة وخلفياتها ودوافع أصحابها لمزاولتها، والثاني روائي قصير للمخرجة الشابة هند الفهاد بعنوان «بسطة»، ويتناول قصة إحدى البائعات أو «البسّاطات» كما يطلق عليهن، وهو مستوحى من أحداث حقيقية، كما أشارت المخرجة في مقابلة صحفية لها، ويتضمَّن تعاطفاً مع النساء اللائي يعملن في هذه المهنة في المدن السعودية.. وهنا وقفة أمام هذا الفِلم الذي نالت عنه المخرجة جائزة النخلة الذهبية، وتسلمتها في الحفل الختامي لمهرجان الفِلم السعودي على مسرح خيمة إثراء المعرفة التابعة لأرامكو السعودية بالظهران.

DSC_2307على مدى ربع ساعة تماماً، ينقل الفلم معاناة امرأة تدعى «أم سالم» (تؤدي دورها الممثلة سناء بكر)، تعمل في هذه المهنة بسبب الظروف المادية التي أجبرتها على الجلوس ببضاعتها في سوق شعبي، افترشت بعض النساء البائعات أرضه ليكون بذلك سوقاً للبسّاطات.

يبدأ الفِلم الذي تم تصويره في الرياض وحائل والشارقة، بكادر عريض لبيت شعبي تقف أمامه صباحاً سيارة مفتوحة الصندوق الخلفي. وتمر لحظات ويخرج شاب (الممثل أحمد عبدالله في دور «سالم») يحمل صندوقاً ثقيلاً ويضعه في صندوق السيارة. ثم تخرج أم سالم وتستقل السيارة مع سالم ليوصلها إلى السوق الشعبي، حيث اعتادت فرش بسطتها بين النساء، وكانت قد غابت عن السوق مدة أسبوعين بسب عملية جراحية أجرتها، مما جعل امرأة أخرى تأتي وتحتل موقعها الذي اعتادت عليه.

من ضمن ما يميّز هذا الفِلم الاختصار والاشتغال بالإيحاء المدعوم بإشارات خاطفة، ربما يراد منها تقليص دقائق الفِلم إلى أقصى حد

في لقطات متداخلة مع وصولها إلى السوق، ورحلة انتقالها من البيت إليه، يدور حوار بين الأم والابن، نتعرف من خلاله على ملامح سريعة من حياتهما، وسبب اختيارها لهذه المهنة التي تراها مريحة ولا تتطلب مجهوداً سوى الجلوس واستقبال الزبائن لتبيعهم ما تعرضه من مواد العطارة وبهارات الطعام، وهي أيضاً المهنة أو «الشغلة» التي تجعلهما يرفعان رأسيهما ويسلمان من منة الناس، كما قالت لابنها.

film posterتصل أم سالم إلى السوق وتجد بسّاطة أخرى قد احتلت مكانها. وتحاول تنحيتها عن ذلك المكان دون فائدة. فيظهر الشرطي حارس السوق (الممثل إبراهيم الحساوي)، ويحاول التدخل في النزاع الذي دار بين المرأتين، وترفض أم سالم أن تشكو للشرطي، لكن عيون النساء البائعات الأخريات تتراءى من خلف النقاب وتوحي بالريبة من محاولة تدخل الشرطي، فيما تنبعث إشارات خفية وخاطفة، وأيضاً غير مؤكدة، تشير إلى أن الشرطي يدبر أمراً.

عقدة القصة
تأتي امرأة متسوقة لتبتاع من أم سالم، وتطلب منها أن تترك لديها بعض الأكياس المملوءة بالأغراض ريثما تعود بعد قليل. وبعد ممانعة توافق، فتترك الأغراض وتغادر. بعد لحظات تأتي امرأة أخرى تدَّعي أنها شقيقة المرأة التي أودعتها الأكياس، وتطلبهم منها وتأخذهم، بعد أن برهنت لها أنها تعرف محتويات الأكياس، وأن المرأة التي تركتهم عندها هي أختها وأرسلتها لتأخذهم منها.

basta1يأتي الشرطي، ويتحاور مع أم سالم، ويتضح أنه قد عرض عليها الزواج من قبل، ولكنها لم توافق، وتقول له: يكفيك النساء اللاتي لديك.. في اللحظة نفسها تعود المرأة التي كانت أودعتها الأكياس، وتطلب أغراضها، لكن أم سالم تخبرها بأن أختها جاءت وأخذتهم.. يدب نقاش حاد بينهن، تتهم فيه المتسوقة أم سالم بأنها سرقتها، ويتدخل الشرطي لإنهاء النزاع، ويطلب من المرأة أن تذهب وتعود في اليوم التالي، ويعدها بأنه سوف يعطيها المال الذي يعوضها، إن لم تعطها البائعة قيمة الأغراض. وبعدما تغادر، يبتسم الشرطي ابتسامة ماكرة ويومئ بجسده وبملامح وجهه بأنه هنا.

خاتمة
المشهد الأخير في الفِلم يظهر أن الليل قد حل، والمحال في السوق أغلقت، والنساء البائعات غادرن، وأم سالم تجلس وحيدة منتظرة ابنها الذي تأخر في الحضور لاصطحابها إلى البيت، وهنا يتقدَّم الشرطي بسيارته ويقف ليقلها معه، ويتضح وجود امرأتين في السيارة معه.. تركب أم سالم السيارة وينتهي الفِلم.

الحبكة والإيحاء
basta 2من ضمن ما يميّز هذا الفِلم الاختصار والاشتغال بالإيحاء المدعوم بإشارات خاطفة، ربما يراد منها تقليص دقائق الفِلم إلى أقصى حد. فجاء سرد الفِلم مكثفاً، لا يكشف عن العقدة الرئيسة بشكل سافر، لكن ذلك لا يعيب الحبكة.

أما من ناحية القصة، فقد لا يدرك المشاهد ما إذا كانت أم سالم قد وافقت على عرض الزواج من الشرطي تحت ضغط تورطها في حادثة فقدان الأغراض. وفي الوقت نفسه، قد يوحي ركوبها معه على هذه الموافقة، وإن كان يمكن تفسير ذلك بسبب تأخر ابنها عن الحضور لأخذها، ليس إلا.

إنه فلم يتطلب مشاهدة يقظة. فقد تصل سياقاته إلى مشاهد وتغيب عن آخر. ولكن جودة عناصره السينمائية مثل تقنيات التصوير والحوار وأماكن التصوير والمؤثرات الصوتية والموسيقى والتمثيل المتمكن.. جعلت منه فلماً جيداً ومستحقاً للجوائز التي نالها.

بسطة
تمثيل: سناء بكر يونس وإبراهيم الحساوي وعبدالله أحمد، وغالية مرشد | تصوير: حسن المدلوح | المنتج المنفذ: مجموعة فراديس «عبدالله حسن أحمد» | سيناريو: هند الفهاد وهناء العمير | تصوير: حسن سعيد | مونتاج: علي سلوم ويوسف بوخماس | تنفيذ الإضاءة: شهاب علي | موسيقى: بكر فلاته | الفِلم من تمويل وإنتاج tow four54 أبوظبي.

جوائز نالها الفلم
• نال جائزة المهر الخليجي للأفلام القصيرة بمهرجان دبي السينمائي، ديسمبر 2015م.
• نال جائزة أفضل فِلم قصير في مهرجان الشباب للأفلام في جدة، فبراير 2016م.
• نال جائزة النخلة الفضية في الدورة الثالثة لمهرجان الأفلام السعودية بالدمام، مارس 2016م.

أضف تعليق

التعليقات