العلم خيال

الشعاع الجرّار

tractor beamبسبب الزحام، لا شك أن سكان الرياض سيرحِّبون بشركة نقل لديها تقنية الشعاع الجرار. ففي صباح يوم العمل، تخرج من بيتك إلى ساحة تجمُّع مخصصة لسكان الحارة. وما إن تصل إليها حتى ترى مركبة ضخمة تحلِّق في الأفق باتجاهك ومن معك من المنتظرين. تصل المركبة فوقكم كسحابة، ثم ينزل منها شعاع يصاحبه صوت رنان، فيحيطكم الشعاع جميعاً ويجذبكم إلى المركبة التي تطير بكم إلى ساحات إنزال على بعد خطوات من مكان عمل كل واحد منكم!

قديماً وحديثاً
فكرة الشعاع الجرار (Tractor Beam) تراود كثيراً من العلماء وكتَّاب الخيال العلمي. وتعود بداياتها إلى رواية نشرت عام 1931م، وفيها يتخيل الكاتب رحلة فضائية إلى المريخ تنتهي بهجوم تشنه مخلوقات فضائية مدججة بتقنية لم يرها الإنسان من قبل: تقنية الشعاع الجرار! فمركبة الأعداء تسلط شعاعاً يحطِّم مركبة البشر، ويجر ركامها نحو قمر من أقمار كوكب زحل. وهناك ينكب بطل الرواية ومساعدته – اللذان نجيا في إحدى المقصورات – على البحث عن مخرج من ورطتهم ويحاولان الاتصال بالأرض.

واليوم تعج روايات الخيال العلمي وبعض مسلسلاته الشهيرة بتقنيات الشعاع الجرار. ولو كنت قد شاهدت مسلسل جونكر صغيراً، فقد تذكر أنه كان يرسل شعاعاً من صدره ليجذب البطل الصغير إليه. لا شك أن فكرة الشعاع الجرار جذابة للكاتب والقارئ وصانع الأفلام، ولو كانت تقنية حقيقية لرأينا لها استخدامات لا حصر لها! تخيل دورها في عمليات الإنقاذ، وفي الحروب، وفي النقل الخاص والعام، وفي نقل الآلات والجوامد!

علوم الشعاع الجرار
لو فكرت في الافتراض الذي ذكرناه في بداية المقال، ستعرف أنه ينبغي للشعاع الجرار أن يعمل عمل المضاد للجاذبية الأرضية؛ لكي يتمكن من جذب الشخص من الأرض إلى المركبة. وإن كانت هذه الفكرة تبدو ضاربة في عمق الخيال، غير أن بعض جوانبها يتوافق مع الفيزياء، وتحديداً النظرية النسبية العامة، وهي النظرية العلمية للجاذبية.

في المدرسة، تعرفنا على الجاذبية وفقاً لنيوتن، الذي يقال إن تفاحة سقطت على رأسه، فقاده ذلك إلى وضع نظريته وقوانينه! وجاذبية نيوتن هي نفسها التي تجعل الأرض تدور حول الشمس، والقمر حول الأرض. غير أن ما يخفى على كثير منا هو أن جاذبية نيوتن ليست النوع الوحيد من أنواع الجاذبية!

وفقاً للنسبية العامة – وهي الامتداد الذي يعالج قصور نظرية نيوتن -، فإنك إذا أتيت بجسم على شكل حلقة (دونات)، وكان ذا كتلة كبيرة، وجعلته يدور حول نفسه، ثم وضعت جسماً صغيراً في منتصف الحلقة؛ فإن نوعاً جديداً من الجاذبية قد يظهر ويؤدي لرفع الجسم الصغير إلى الأعلى. أي إنك قد ترى الجسم الصغير يطفو في الهواء؛ لا لشيء سوى دوران الحلقة الثقيلة! غير أن هذا النوع من الجاذبية الجديدة التي تتنبأ بها النسبية العامة ضئيل التأثير ويتطلب ظروفاً صعبة التحقيق تجريبياً.

ولكن، عموماً، قد يكون باستطاعتنا في المستقبل أن نحول تنبؤات النسبية العامة إلى تقنيات للتحكم بالجاذبية وربما لخلق تقنية الشعاع الجرار.

تجارب حديثة
لطالما ارتوى كثير من الصغار من معين الخيال العلمي حتى أصبح طموح بعضهم هو أن يكونوا علماء يحيلون الخيال إلى واقع. وهذا ما حدث مع الشعاع الجرار. إذ نجح علماء اليوم في تحقيقه تجريبياً. ليس في نطاق نقل البشر، بل في العالم المجهري (واحد على مليون من المتر) وحدود الميليمتر (واحد على ألف من المتر).

ففي العام الماضي، تمكن باحثون من تحريك كرات زجاجية مغلفة بذرات الذهب وذات أبعاد مجهرية لعشرات السنتيمترات، وذلك باستخدام «شعاع جرار» من الليزر. وتقوم الفكرة على تسليط شعاع ليزري خاص على الكرات المغموسة في وسط غازي داخل أنبوبة أسطوانية، وبسبب خصائص الليزر فإن درجة حرارة مختلف أجزاء الكرة تتغير بطريقة تؤدي إلى نشوء ظاهرة تسمى القوة الكهروضوئية، وهي التي تدفع الكرة – أو تجرها – لمسافات سنتيمترية.

وفي هذا العام، قام باحثون بصناعة «شعاع جرار» باستخدام موجات فوق صوتية – مثل تلك المستخدمة في تصوير الجنين في بطن أمه – تقوم برفع وتحريك وتدوير كرات صغيرة بحجم نواة الفستق أو تصغرها. وتصدر تلك الموجات عن منظومة مكبرات صغيرة ومترابطة مربعة الشكل تتحرك الكرة الصغيرة فوقها. وتقوم فكرة التجربة على استخدام ضغط الموجات فوق الصوتية لرفع الكرة في الهواء والتحكم في حركتها. أما المكبرات، فهي مبرمجة لخلق تلك الموجات فوق الصوتية على هيئة ثلاثية الأبعاد تحيط بالجسم المراد تحريكه، ولتغيير خصائصها حسب المهمة المطلوبة.

إن نتائج التجربتين السابقتين قد تستخدم في عالم الأبحاث والصناعات المجهرية والصغيرة، إذ يمكن أن تترجم إلى تقنيات لنقل الأجسام وعزلها ودراستها. بل قد تصل إلى عالم الجراحة الطبية الدقيقة!

البداية والنهاية
ولكن تقنية الشعاع الجرار ما زالت محصورة في نطاق الأبعاد الصغيرة. وتقوم على فكرة الضغط الكهروضوئي، أو ضغط الموجات فوق الصوتية. وحتى الآن، لا نعرف كيف نتحكم بالجاذبية على مستوى يمكننا من خلق شعاع جرار لمركبة تقلنا حول الرياض أو إلى مدينتك التي تسكنها!

ربما الأجيال المقبلة ستصل إلى هذه التقنية ليس للانتقال في أرجاء الأرض وحسب، بل لصد الأجرام السماوية التي قد تهدد الأرض، وصيد الكويكبات التي تحتوي معادن ثمينة. وأخيراً، ستكون وسيلة غاية في الأهمية عندما نزور كواكب أخرى، فمركباتنا ستكون مثل جونكر، والمستكشفون هم البطل الصغير.

kappaالرمز كاپا (K) هو الحرف العاشر في الأبجدية الإغريقية. وكما هو واضح، فهو الجد القديم – شكلاً ونطقاً – للحرف K.وبسبب موقعه في الأبجدية الإغريقية، تمَّت تسمية النجم العاشر في مجموعة كوكبة الجبّار باسمه Kappa Orion وهو النجم (سيف) بالعربية.

في علم المخططات حيث تمثِّل العلاقة بين الموجودات بنقاط بينها خطوط أو روابط، يُعتمد الرمز كاپا للإشارة إلى مقدار التواصلية بين نقاط الرسم البياني لقياس العدد اللازم من الخدود التي لو أزلناها، لصارت هناك قطيعة بيِّنة بين النقاط في الرسم.

كاپا حاضر كذلك في الفيزياء ويرمز إلى (ثابت القوة) في قانون هوك الذي يقيس قوة الإجهاد التي يتغير بها شكل الجسم المرن إذا ما تعرض لقوة قد تشوهه بحيث لا يعود إلى شكله الأصلي. كما أن ثابت آينشتاين للجاذبية يُرمز له بالرمز كاپا، والمعروف أن تعريف آينشتاين للجاذبية يختلف عن تعريف نيوتن الكلاسيكي لكون آينشتاين يقرن جاذبيته بالزمكان وبانحناء المسارات المستقيمة عند المالانهاية!

في علم النفس، ترمز كاپا إلى مقدار الاعتمادية والموثوقية في تشخيص الحالة. أما في الصيدلة، فترمز كاپا إلى نوع من المستقبِلات العصبية تعرف بالمستقبلات الأفيونية، الموجودة في الجهاز العصبي المركزي والقناة الهضمية، وتُصنع لأجلها مسكنات تستخدم عادةً لتسكين الآلام الشديدة والحادّة كآلام السرطان أو المغص الكلوي.

أضف تعليق

التعليقات

ثيتا

معين لا ينضب ..ي معين بوركت