حياتنا اليوم

ماذا يخبِّئون عنك؟
المصرف، المحامي، المدرسة، النادي الرياضي..

  • 59 (Teacher)
  • 60 (Dentiste)
  • P 55-65.indd
  • 56 (Visual-01)
  • 58 (Banque)

هل تشعر في بعض الأحيان أنه تم استغلالك من جهات تتعامل معها، أو أن محدِّثك في تلك الجهات أخفى، أو يخفي، عنك أموراً، لو كنت تعلم حقيقتها لتجنبت الوقوع في مشكلة؟ أحياناً نشك، وأحياناً نكتشف ما كان مخبأ ولكن بعد فوات الأوان. ولذا، تأخذنا مهى قمر الدين* في جولة على بعض القطاعات التي يمكن للكثيرين أن يتعاملوا معها في حياتهم اليومية، وتطلعنا على ما يمكن للعاملين فيها أن يخبئوه عنا، خاصة خلال إقناعنا بتأسيس علاقة معهم، أو بالاستفادة من خدماتهم.. وطبعاً من دون أن يعني ذلك تعميماً على كل العاملين في هذه القطاعات. ولكن تجارب الكثيرين منا تؤكد أنهم عانوا من إخفاء الحقائق عنهم في بعض هذه المجالات، ولعل في الآتي ما يساعدهم على عدم الوقوع في الخطأ نفسه مرتين.
1 – المصرف
خلال ذروة أزمة الرهن العقاري في أمريكا، عقدت مقدمة البرنامج الحواري الشهير أوبرا وينفري حلقة استضافت فيها عدداً ممن سبق أن اقترضوا أموالاً من المصارف لشراء مساكنهم، والأمر المدهش الذي ظهر خلال هذه الحلقة أن المقترضين كانوا يجهلون الكثير من شروط المصارف التي وقَّعوا عليها، ولم يقرأوا بنود العقود بدقة. الأمر نفسه تكشَّف في حلقة أخرى خاصة بمشكلات حملة بطاقات الائتمان، حيث أجمع كل الذين يعانون من مشكلات مع المصارف أنهم لم يقرأوا لائحة الشروط الطويلة التي تضمنتها الصفحات العديدة التي وقَّعوا عليها قبيل حصولهم على البطاقات، فدفعوا لاحقاً ثمن ثقتهم العمياء بالمصرف.

ونحن.. هل قرأ أحدنا هذه الأوراق المطبوعة بأحرف صغيرة قبل حصوله على بطاقة الائتمان أو بطاقة الصراف الآلي لحسابه الجاري؟

من الأمور التي تخفيها المصارف ولا تصرِّح بها، هي أن الرسوم التي تفرضها على عملائها في ارتفاع مستمر. فالرسوم الجزائية على سحب كمية من الأموال تفوق حسابك، أو على استخدام الصراف الآلي التابع لمصارف منافسة، تضاعفت بين عامي 1998 و2007م. ومما لا يعرفه الزبائن، هو أنه مهما كانت النسبة المئوية المشار إليها في الاتفاقية التي تعقد بين الزبون والمصرف فيما يتعلق ببطاقات الائتمان، لا يمكن التأكد من النسبة التي يأخذها المصرف فعلياً. فمثلاً، تنص معظم لوائح المصارف على نسبة مئوية تدفع في حال التخلف عن إيفاء الاستحقاقات المالية المتوجبة وهي نسبة تبلغ %30 عندما يتأخر الزبون عن التسديد مرتين خلال 12 شهراً. ولكن بعض المصارف خفضت عدد المرات إلى مرة واحدة فقط خلال نفس الفترة من دون أن تعلم الزبائن بذلك.

والأمر الآخر الذي لا تعرفه عن المصارف هو أن معظمها، ومنذ التسعينيات من القرن الماضي، صار يفرض اتفاقات التحكيم في كثير من العقود التي يبرمها بالنسبة لقروض شراء السيارات وبطاقات الائتمان والحسابات الجارية وغيرها. ومثل هذه الاتفاقات تمنع المقاضاة القضائية وتفرض اللجوء إلى محكِّم أو وسيط، وهو شخص يتم اختياره من قبل شركة تحكيم تكون مذكورة في العقد. وهناك دعوة أقامها محامي دولة ضد شركة تحكيم في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة أظهرت أن الوسطاء أو المحكمين الذين يعملون لديها حكموا لصالح المصارف في %100 من الـ 18045 قضية التي رفعها الزبائن. وهذا يشكل كابوساً حقيقياً بالنسبة لهؤلاء.

الأمر الآخر، هو أنه عندما يتعلَّق الأمر بالمصارف، فإن الأصغر قد يعني الأفضل. وهذا ما لا يقوله لك العاملون في المصارف الكبرى. وفي الآونة الأخيرة سمعنا عن اندماج عدد من المصارف مع بعضها مما يوفر للزبائن خدمات أوسع في عدد آلات سحب الأموال الأوتوماتيكية، وسهولة وجود فروع عديدة منتشرة على مساحة أكبر. ولكن هذا الأمر ليس بالضرورة بالأمر الجيد للزبائن. إذ يقول آرثر ولمارث، وهو أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، إنه «وبالرغم من التسهيلات التي تقدِّمها تلك المصارف الأكبر، فإن ذلك يأتي مع ثمن تدفعه أنت. وهذا الثمن هو الرسوم العالية. فهذه الرسوم تشكِّل أكثر من نصف مدخول المصارف الكبرى بينما تشكِّل أقل من %30 من مدخول المصارف الصغرى».

2 – المحامي
من النادر جداً أن تسمع من المحامي قوله: «إن قضيتك خاسرة، ولا أمل لك بكسبها». فأمام مثل هذه القضايا الخاسرة، يمكن لبعض المحامين أن يحدثوك عن «صعوبة القضية التي لا تخلو من الأمل». ولماذا؟ لأن هذا يُهيئُك لأن تكون مستعداً لدفع مبلغ أكبر.

ومن الأمور التي يخفيها المحامي هو نجاحه في مجالات قانونية محددة مقابل ضعف خبرته في مجالات أخرى. ولذا، من الضروري السؤال والبحث في تاريخ المحامي على المستوى المهني لمعرفة نوعية القضايا التي نجح في المرافعة عنها أكثر من غيرها.

ومن الأمور التي لا يقولها لك مدير مكتب المحاماة الكبير، هو أنه وإن استقبلك في المرة الأولى للاطلاع على قضيتك، فإنه إذا كان يتابع قضايا أهم من قضيتك، سيحيل ملفك إلى أحد المحامين المتدربين في مكتبه الذين تخرجوا حديثاً في كليات الحقوق، ولا خبرات مهمة لهم في متابعة القضايا التي تحتاج إلى تحقيق معمَّق ومرافعة معقدة أمام القضاء.

وماذا عندما يسعى المحامي إلى عقد الاتفاق معك في شقه المالي وبدل أتعابه؟

ما لا يمكن أن تسمعه من المحامي هو قوله: «يمكنك أن تكسب القضية. ولكنك لن تجني في النهاية أي شيء على المستوى المادي». ولماذا؟ لأنه في معظم البلدان هناك ضرائب تفرض على المكاسب من الدعاوى القضائية، وعلى انتقال الملكية من شخص إلى آخر وغير ذلك.. وبالتالي من المحتمل في بعض الحالات أن تطيح الضرائب وأتعاب المحامي بكل ما يمكن أن يطمح إلى جنيه صاحب القضية.

3 – المدرسة
إذا ما نظرنا إلى المدارس الخاصة في معظم البلدان العربية، فسنجد أن بعضها يخفي عن الأهل حقيقة أن ما يدفعونه من أقساط وتوابعها يمكن أن يكون البداية فقط. فبعدما يظن الأهالي أنهم دفعوا ما توجب عليهم، تظهر خلال السنة الدراسية مصاريف كبرى لم تكن في الحسبان. وفي واحدة من أرقى المدارس الخاصة في بلد عربي، على سبيل المثال، وصل إجمالي ما توجب على ذوي تلميذ في المرحلة الإعدادية أن يدفعوه على شكل متفرقات خلال السنة الدراسية إلى نحو %40 من القسط السنوي.

فالمدارس الخاصة تفخر بوجود أوجه نشاط «لا صفية» (أي خارجة عن الصفوف الدراسية)، وتتجهز بالأندية الثقافية والرياضية والترفيهية التي تعزِّز موقعها التعليمي وتكمل صورتها النخبوية والأكاديمية. وبعض هذه المدارس يتقاضى بدل الاشتراكات الشهرية في هذا النشاط على مستوى الفصل الدراسي، أو دفعة واحدة. ولكن ما لا تقوله المدرسة، هو أنها ستوقف هذا النشاط لمدة شهرين خلال العام الدراسي بسبب الامتحانات، أو انشغال المشرفين عليها بأمور أكاديمية أخرى. ومن النادر جداً أن تكلِّف المدرسة خاطرها للكشف عن كفاءات المشرفين على هذه الأندية. وعندما يغيب حديثها عن هذه الكفاءات، فهذا يعني أنها غير موجودة. وفي هذه الحالة، على الأهل ألاَّ يتوقعوا الكثير من النتائج الإيجابية من إشراك أبنائهم في مثل هذا النشاط اللاصفي.

والواقع أن صمت المدرسة في هذا المجال ليس وحده المسؤول عن الخيبات التي سيواجهها ذوو التلامذة، ولا المشكلات المادية التي ستبرز فجأة أمامهم خلال العام الدراسي. فمن الملاحظ أن الأهالي غالباً ما يواجهون صمت المدرسة وتخبئة بعض الحقائق عنهم، بصمت مقابل وتخبئة بعض الحقائق من جهتهم أيضاً. فهناك من يستخف، عن سوء تقدير، بما يمكن أن تبلغه تكلفة النشاط اللاصفي والرحلات المدرسية والكتب غير المقررة منذ مطلع العام الدراسي. وبعض الأهالي، يعتبر أن سمعة المدرسة لا توجب فتح تحقيق أو استطلاع ما تخبئه.. «لأن المدرسة الجيدة لا تخبئ شيئاً». كما أن هناك الكثيرين ممن يشعرون بحرج من استطلاع التكاليف المستقبلية، تلافياً للإفصاح عن قدراته المالية المحدودة أمام إدارة المدرسة، فيكتفي بتأجيل مواجهة المشكلة المتوقعة حتى وقت ظهورها.

4 – طبيب الأسنان
من الأمور التي لا يقولها لك طبيب الأسنان هو أنه «ليس من الضروري أن تزورني كل ستة أشهر».

في السنوات الأخيرة، أخذ أطباء الأسنان يؤكدون على مرضاهم بوجوب زيارتهم كل ستة أشهر. ولكن من أين نشأت هذه القاعدة؟ نشأت من كتاب كوميدي كان قد ألَّفه الكاتب الإنجليزي جورج غروكشانك بعنوان «ألم الأسنان» منذ 150 عاماً. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الكشف الطبي عن الأسنان كل ستة أشهر قاعدة عامة. ولكن الأمر ليس مفيداً في جميع الأحوال. لأن ذلك يعني أن جميع الناس معرضون لأمراض الأسنان واللثة بنفس الدرجة، وهذا ليس منطقياً.

يقول أحد أطباء الأسنان «إذا ما نظرنا إلى الطبقة الوسطى فنجد أن نسبة قليلة منها معرَّضة لأمراض الأسنان واللثة لذلك هي ليست بحاجة لزيارة طبيب الأسنان مرتين سنوياً».

وما لا يمكن أن يقوله طبيب الأسنان هو أن حشوات الأسنان المعدنية قد تسرِّب بعض السموم. معظم حشوات الأسنان المستخدمة اليوم هي مزيج من الزئبق والفضة والقصدير. وكان الاعتقاد السائد بأنها ثابتة إلى حد بعيد. ولكن تم الاكتشاف، فيما بعد، بأن تلك الحشوات تسرِّب بخار الزئبق الذي يمكن أن يدخل في مجرى الدم بمعدل 10 ميكروغرامات يومياً. وهذه نسبة تبلغ أربعة أضعاف الكمية التي تدخل جسم الإنسان الطبيعي بواسطة الغذاء. وقد أثبتت دراسات حديثة تشير إلى أن الخراف والقردة التي تم حشو أسنانها بهذا المزيج أظهرت بعد فترة من الزمن تراجعاً في عمل الكلى، كما وُجدت آثار من الزئبق في أماكن مختلفة من الجسم. فما الحل؟ من أجل تجنب هذا المزيج يمكن طلب حشي الأسنان بمادة الريسن (Resin)، بالرغم من كون تكلفتها أغلى.

ومع رواج جراحة الأسنان التجميلية، ومع وجود التوصيات بأن تكون زيارة طبيب الأسنان خالية من الألم، وبما أن تلك العمليات تأخذ وقتاً طويلاً، راح أطباء الأسنان يستخدمون مختلف أنواع التخدير لتجنيب مرضاهم الأوجاع. أما المشكلة فتكمن في أن الزيادة في استخدام التخدير والمهدئات يزيد من مخاطر حصول مضاعفات سلبية عديدة بعد العملية، ولكنه من وجهة نظر الطبيب يريح المريض ويجعله مرتاحاً إلى طبيبه.

5 – جرَّاح التجميل
تستحق جراحة التجميل استطلاعاً خاصاً بها، نظراً لما يعتري «صناعتها» من مشكلات. فهي من جهة ذات تكلفة عالية، ومن جهة أخرى، فإن شركات التأمين لا تغطي تكاليف هذه العمليات، مما دفع بالعديد من الأطباء المتخصصين وغير المتخصصين إلى افتتاح عيادات تجميل، كثر بعضها بشكل لافت في بعض البلدان العربية.

ما لا يقوله لك جرَّاح التجميل أن منظر هذا الجانب من وجهك أو ذاك مقبول ولا يشكِّل تشوهاً يستدعي الجراحة. وما لا يقوله لك جرَّاح التجميل أن واحدة من كل خمس عمليات جراحية لتجميل الأنف على مستوى العالم، تُجرى لإصلاح تشوه حصل في جراحة فاشلة سابقة، وأن إصلاح الجراحة في حال فشلها هو أغلى تكلفة من الأولى.

وما لا يقوله لك جرَّاح التجميل، إلا إذا سألته، هو أن كل جراحة تجميلية مهما كانت ناجحة، هي ذات مدة صلاحية معينة، وتستدعي إعادة ترميم وتصليح بعد مدة معينة، إذ إن الوضع يأخذ بالتدهور بسرعة وبشكل أسوأ من السابق عند انقضاء مدة فاعلية الجراحة، خاصة في مجالات شد البشرة وشفط الدهون، والحقن بالمواد المختلفة لإزالة التجاعيد وما شابه ذلك.

ولأن المنافسة الشرسة قائمة بين الأعداد المتزايدة من الجراحين التجميليين، يسعى بعضهم إلى التزود بآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا والمختبرات من اكتشافات وأدوات تخدم هذه الصناعة، والأمر بحد ذاته لا يتضمن مشكلة، لا بل إنه محبذ.. ولكن بعض جراحي التجميل الذين يسعون إلى استقطاب زبائنهم من خلال هذه الوسائل الحديثة والبرَّاقة (وصولاً إلى الحديث عنها في الإعلانات على اختلاف أنواعها)، لا يرفقون حديثهم هذا بإشارات واضحة إلى مدى نجاح التجارب التي خضعت لها هذه الوسائل، ولا إلى نسبها المئوية، حتى أن بعض الوسائل والتقنيات الشهيرة في عالم التجميل لا تزال مجهولة الآثار على المدى الطويل. والكل يعرف قصة السيليكون الذي كان يبدو آمناً حيث يُحقن تحت الجلد، وتبين بعد سنوات أن آثاره السلبية واحتمالات تسببه ببعض أنواع السرطانات هي أكبر مما كان يعتقد في البداية.

والأمر الآخر وليس الأخير، الذي يتوجب على بعض أطباء التجميل قوله، ولا يفصحون عنه إلا نادراً، أنه من الأفضل للزبون في بعض الحالات أن ينفق ماله على معالج نفسي. لأنه في حالات كثيرة تكون المشكلة نفسية وليست جمالية. لذلك تجد أشخاصاً كثيرين لا يكتفون بعملية واحدة، بل تكرُّ السبحة، فيتنقلون من عملية إلى أخرى من دون أن يشعروا بالرضى. وهناك دراسة تشير إلى أن %15 من الأشخاص الذين يلجأون إلى تلك العمليات يعانون مما يسمَّى (BDD)، أو (Body dysmorphic disorder) وهو خلل في النظرة التي يتطلعون بها إلى أنفسهم، فيضخِّمون الأمور، ويرون أشياءً لا يراها أحد غيرهم على أنها معيبة المظهر. وهذا مرض لا تعالجه الجراحات التجميلية، بل إن عيادات الطب النفسي هي المكان الأنسب لذلك.

6 – مهندس الديكور
مع ازدياد الاهتمام بالمنازل وفرشها وتزيينها ازداد الطلب على مهندسي الديكور. ولكن غالباً ما يتم اختيارهم من خلال أصحاب ومعارف، وقلَّما يُسأل هؤلاء عن مؤهلاتهم العلمية وشهاداتهم الأكاديمية. ومع غياب الرقابة في هذه الناحية، نجد أن الكثيرين يكتفون بالتمتع بالذوق الرفيع للعمل في هذا المجال. ولكن توكيل مثل هؤلاء الأشخاص قد يُنتج، في بعض الأحيان، مشكلات وخراباً على المدى المنظور أو غير المنظور. فمهندس الديكور لا يقول لك إنه لا يفقه شيئاً في هندسة الكهرباء وقد يعمد إلى تركيب أدوات كهربائية في المنزل تفوق طاقة المنزل الكهربائية مما قد يتسبب بحريق أو قد يعمد إلى تكسير جدران في المنزل تؤثر لاحقاً على أساس المنزل إلى ما هنالك من أمور. والجملة التي يتجنب مهندس الديكور قولها هي «إنه بالإضافة إلى إعادة تأهيل منزلك سيعيد تأهيل ميزانيتك». فغالباً ما يعتبر مهندسو الديكور الميزانية المحددة من الزبون وكأنها فقط لشراء الأثاث والدهان والبلاط والخشب الخ… وأنها لا تتضمن أتعابه ولا إيجار التوصيل والتركيب وإيجار العمال. لذلك، يجب أن نطلب قائمة كاملة بالمصاريف قبل المباشرة بالعمل.

عبارة أخرى لا يقولها مهندس الديكور هي «أن استخدام الأشخاص الذين أتعامل معهم شخصياً قد يكلفك أكثر». فعندما يأتي وقت التبليط أو الدهان أو التركيب، قد يقترح عليك مهندس الديكور أشخاصاً يتعامل معهم هو شخصياً، ولكن القبول بهذا الاقتراح غالباً ما يكون أكثر كلفة لأن مهندس الديكور عادة يأخذ عمولة من المقاولين والعمال الذين يتعامل معهم، وهذا بالطبع يبقى طي الكتمان «لأنه ليس من شأنك».

وما لا يحدثك عنه مهندس الديكور هو الفرق بين اختيار الأثاث حسب الطلب والأثاث الجاهز. في بعض الأحيان عند وصول هذه الكنبة أو تلك الستارة إلى المنزل بعد طلبها خصيصاً من المصنع لا تكون ملائمة أو قد تشكو من مشكلة ما. عندها نضطر إلى إعادتها لإصلاحها أو حتى طلب واحدة أخرى مما يرتِّب علينا تكاليف إضافية لم تكن في الحسبان. لذلك، من الأفضل، قدر الإمكان، تجنب طلب أي نوع من الأثاث إذا كان الأثاث الجاهز يلبي الحاجة.

7 – الميكانيكي
ما لا تسمعه من أي ميكانيكي يقوم بتصليح سيارتك «بأنه يقوم بتصليحات غير ضرورية طوال الوقت». في كثير من الأحيان عندما يذهب أحدهم لتصليح سيارته غالباً ما يدفع بدلاً لتصليحات لم يتم القيام بها أصلاً، إن كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. لذلك من المفيد دائماً أن نطلب رؤية القطع القديمة وحتى أن نأخذها معنا.

هناك عبارة لن تسمع أي ميكانيكي يتفوه بها وهي «أن محرك سيارتك معقَّد كثيراً ويفوق قدرتي على إصلاحه». لقد أصبحت تركيبة الكثير من السيارات معقَّدة للغاية وأصبحت قلة الكفاءة لدى بعض الميكانيكيين في تصليحها تدفعهم إلى محاولة إصلاحها بتغيير قطعة وعندما يحصل الأمر يعمدون إلى تغيير قطعة أخرى ويستمرون بالتجربة إلى أن يصيبوا. وقد لا ينجحوا في ذلك أبداً. لذلك يجب التأكد من كفاءة الميكانيكي الذي نتعامل معه وقدرته على التعامل مع السيارات الحديثة.

وعندما يتذاكى صاحب السيارة ويعتقد أنه حدَّد موطن الخلل والعلاج، فيطلب من الميكانيكي تنفيذ عمل محدَّد، لا يمكنه أن يسمع الميكانيكي ليصحح له خطأه. بل تراه ينفِّذ ما طلب إليه تنفيذه، وبعد انتهاء العمل وتقاضي بدل الخدمة، يمكنه أن يستمتع برؤية الزبون خائباً من عدم زوال مشكلة السيارة، التي تطلب عملاً آخر وستدر على الميكانيكي دخلاً إضافياً عند عودتها ثانية إلى ما بين يديه.

8 – متاجر المتممات الغذائية
زاد انتشار هذه المحلات مؤخراً مع زيادة الوعي الصحي والحرص على الوقاية من الأمراض. وهي تبيع العديد من المنتجات الطبيعية. ولكن يجب الانتباه إلى أن كلمة «طبيعي» أو «عضوي» لا تعني بالضرورة «صحي». فهناك اعتقاد بأن المنتجات العضوية تحتوي على مغذيات أكثر بكثير من المنتوجات العادية. وربما كان هذا الأمر صحيحاً. ولكن مع غياب الرقابة الصحيحة على تلك المنتوجات لا يمكن التأكد من أنها تتبع شروط إنتاج المنتوجات العضوية الصحيحة. كلمة «عضوي» تعني مواد زُرعت من دون استخدام مبيدات أو أسمدة صناعية ومن دون أي تعديل جيني أو أي تعرُّض للمواد المشعة. أما اللحوم العضوية فهي التي تأتي من الطيور والمواشي التي لم تُعط أي مضادات حيوية، ولم تُحقن بالهورمونات والتي تمت تغذيتها بمنتوجات عضوية خالية من المنتوجات الحيوانية. ولكن كيف السبيل إلى التأكد من أن كل تلك الشروط مطبقة بالكامل؟

بالنسبة للمكملات الغذائية من الفيتامينات والأعشاب التي تباع في تلك المحلات فهي لغز كامن بنفسه. إن منتجي تلك المكملات ليسوا مضطرين أن يثبتوا فعاليتها لأنهم لا يزعموا بأنها تشفي أو تمنع أي مرض.

أما العبارة التي لا يمكن أن يقولها لك موظفو تلك المحلات فهي أن «تلقي النصيحة منا يمكن أن يكون مضراً بصحتك». معظم هؤلاء الموظفون ليسوا خبراء في المجال الصحي. في عام 2003م نشرت مجلة «الأبحاث في سرطان الثدي» دراسة قام بها عدد من الباحثين قاموا بزيارة إلى 34 محلاً من المحلات التي تبيع المنتوجات الصحية، وهم يدَّعون أنهم يسألون عن بعض الوصفات لأمهاتهم المصابات بسرطان الثدي. أوصى موظفو تلك المحلات بـ 33 منتجاً، لم يكن لأي منها برهان كاف على فاعليته. لذلك، إذا كان الجسم بحاجة إلى أي مكملات أو معالجة، تبقى الطريقة الأفضل هي زيارة الطبيب.

والأمر الآخر هو أنه بمجرد كونك في محل من تلك المحلات لا يعني أنه بإمكانك أن تشتري أي شيء تعتقد أنه خال من المواد المؤذية. إذ إن الكثير من تلك المحلات تحتوي على رقائق الموز المقلية بزيت جوز الهند ورقائق الخضار المقلية التي هي بالأساس رقائق البطاطا المقلية مطعمة بكميات قليلة من الخضار الأخرى ومشروبات تحتوي على الماء والسكر والقليل القليل من الفيتامينات. أما المشكلة هنا فهي أن تلك الأطعمة توحي بأنها صحية لمجرد أنها تباع في تلك المحلات.

9 – المراكز الرياضية
بما أن الحياة تواجهنا بكثير من الضغوطات، فقد نلجأ إلى الانتساب إلى أحد المراكز الرياضية كسبيل إلى تخفيف تلك الضغوطات وللمحافظة على صحتنا الجسدية والنفسية. ولكن علينا أن ندرك أن تلك المراكز غالباً ما تكون مليئة بالجراثيم والبكتيريا. فمن جهة ينتقل حوالي %80 من الأمراض المعدية باللمس المباشر أو غير المباشر مما يجعل المراكز الرياضية وبداخلها كل تلك الأجسام المتعرقة بالقرب من بعضها البعض بيئة مثالية لانتقال مختلف الأمراض من الزكام إلى الفطريات وغيرهما. وبالرغم من أن بعض تلك المراكز توفر المطهرات لمسح الآلات الرياضية المختلفة إلا أنه من الأفضل ارتداء الثياب الطويلة وعدم الذهاب للاستحمام مكشوفي الأرجل وجلب مناشفنا الخاصة معنا.

وهناك أمر آخر يجب الانتباه له في تلك المراكز، وهو أن بعض الآلات الرياضية قد تكون خطرة. فعلى عكس المؤسسات والشركات الأخرى، لا تخضع تلك المراكز في الغالب إلى قوانين تجبرها على القيام بالصيانة الدائمة للآلات التي تستخدمها.

وهناك حقيقة لن تسمعها من معظم القيمين على تلك المراكز، وهي «إننا لسنا مجهزين لأي طارئ طبي». هناك دراسة تشير إلى أن حوالي ثلث الأزمات القلبية خارج المنازل والمستشفيات تحصل في المراكز والمنشآت الرياضية المختلفة, وأن معظمها ليس مجهزاً لمعالجة طوارئ من هذا النوع.

أما الأمر الآخر فعلينا الحذر في اتباع النصائح التي يقدِّمها لنا المدرِّبون الذين يعملون في تلك المراكز، وذلك لأن معظمهم يفتقر إلى الخبرة الكافية أو الشهادة الأكاديمية اللازمة، خاصة في اثنين من المجالات يهواهما الشبان أكثر من غيرهما، وهما رفع الأثقال وكمال الأجسام. لذلك نجد الكثير من الإصابات في الظهر وتمزق في العضلات أو الأعصاب تحصل في تلك المراكز.

10 – المشاهير والنجوم والأثرياء
نستطرد هنا إلى مجال يتجاوز الحياة اليومية ومتطلباتها الاستهلاكية وهو عالم ينتمي أكثر إلى الثقافة العامة التي تصوغ الوجدان العام. ففي كل يوم تقريباً يطل علينا مشاهير المجتمعات والفنون والأثرياء من خلال عدد لا يحصى من وسائل الإعلام بدءاً بالمجلات والصحف اليومية وصولاً إلى برامج الحوارات التلفزيونية التي كثرت حتى حدود غير معقولة في الآونة الأخيرة.

أولاً يدهشنا هؤلاء بتأكيداتهم على أن عالمهم مثالي وخالٍ من أية مشكلات أو تعقيدات، حتى ولو كان ظهور بعضهم (وخاصة في مجال الفن) يأتي لتبديد شائعة تتناوله بشكل سيء. فالكل أب عطوف وأم حنون، يحوطه عدد من الأصدقاء الأوفياء وتسير أعماله على ما يرام، يتعب كثيراً في عمله، ولم يخالف أي قانون يوماً ما..

والواقع، أن محتويات مثل هذه الحوارات الإعلامية التي تنهمر علينا من كل حدب وصوب، لم تعد تنطلي على أحد، خاصة وأنها صارت متشابهة سؤالاً وجواباً وتفسيراً ونصحاً.. بحيث يصعب الاعتقاد أن هناك مشاهدين ومستمعين يمكنهم أن يصدقوا هذه الكليشيهات التي تبدو آتية من عالم مثالي تم رسمه في كتب الأخلاق الحميدة الموجهة إلى أطفال المدارس الابتدائية.

ما لا يقوله لنا هؤلاء هو كيف جمعوا ثرواتهم فعلاً. ولماذا يتوجب عليهم تعليمنا هذا الدرس الثمين مجاناً؟

وما لا يمكن أن نسمعه من أي ناجح أو ثري هو «أن المال يمكنه أن يشتري السعادة فعلاً»، ربما لأن ذلك سيثير حنق الفقراء ومتوسطي الحال. فهناك دراسة تقول إن أكثر من %70 يعترفون بأن المال وفَّر لهم سعادة أكبر. وهناك دراسة أخرى أجريت في كلية وارتون (Warton) لإدارة الأعمال تثبت وجود علاقة وثيقة بين ارتفاع الدخل وزيادة الرضا المكتسب عن الحياة. كما تشير الدراسة نفسها إلى أن معدلات الاكتئاب هي عند الأثرياء أقل مما هي عند غيرهم، وأن هؤلاء يتمتعون بمعدلات صحية أفضل.

وإذا كان هؤلاء يحجمون عن الإفصاح عن مثل هذه الحقائق، فهل من حق أي منا أن يتوقع من بعضهم مثلاً أن يعلن أنه لجأ إلى وسائل غير قانونية أو لا أخلاقية في سعيه إلى الثروة والنجاح، أو هل يمكن لأحد من هؤلاء أن يعترف علناً بأنه بخيل على سبيل المثال؟

ختاماً، قد تكون المجالات التي ألقينا عليها هذه النظرات الخاطفة مجرد جزء من لائحة كبيرة تتضمن قطاعات عديدة. فلم تكن غايتنا في هذه الجولة أن نحصر الحالات، بل أن نحرِّك الوعي بأن ما لا نعرفه قد يكون أهم بكثير مما نعرفه. وأن توخي الدقة والبحث والاستطلاع، وحده قادر على حمايتنا من الخيبات التي يحتمل اختباؤها خلف كثير من المظاهر البراقة في جهات عديدة ومتنوعة نتعامل معها يومياً، أو ما يشبه ذلك.

أضف تعليق

التعليقات