عقب ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، وربما لأسباب أخرى، لجأت بعض الدول المتقدِّمة إلى التفكير بتطوير مصادر بديلة للطاقة، ومنها إنتاج الوقود الحيوي، الإيثانول، الذي يعتمد على بعض المحاصيل الزراعية، كالذرة وقصب السكر، بهدف تقليل الاعتماد المطلق على المصادر التقليدية من الطاقة والحد من التلوث البيئي الذي يتسبب به الوقود الأحفوري.
هذه السياسة الصديقة للبيئة كما تدَّعي بعض الدول الصناعية المتقدِّمة، كانت أحد الأسباب التي أسهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخراً، والتي كان ضحيتها الفقراء في العديد من دول العالم. وفي هذا الصدد، يقول جين زيكلير المقرر الخاص للأمم المتحدة: «إن الاستخدام المتنامي للمحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي كبديل عن الوقود الأحفوري، هو جريمة ضد الإنسانية». كما أكدت المنظمة الخيرية البريطانية «أوكسفام» في تقرير خاص صدر مؤخراً، أن زيادة إنتاج الوقود الحيوي قد أدى إلى زيادة عدد الفقراء في العالم بنحو 30 مليون شخص. وجاء في تفاصيل التقرير، أن الوقود الحيوي لن يسهم في الحد من الاحتباس الحراري، بل سيزداد تركيز غازات الكربون في الغلاف الجوي، بسبب استغلال مزيد من الأراضي الزراعية والقضاء على مساحات شاسعة من الغابات، لزراعة نباتات مخصصة لإنتاج الوقود الحيوي، بالإضافة إلى زيادة استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية والعشبية والتي تنجم عنها مواد كيميائية سامة.
وفي السياق ذاته، انتقد روب بيلي، مستشار المنظمة الخيرية البريطانية في مجال سياسات البيئة، الدول الغنية، بسبب دعمها المالي والقانوني لسياسة إنتاج الوقود الحيوي، والذي كان على حساب قوت الفقراء في الكثير من دول العالم، وخصوصاً في أمريكا الجنوبية وبعض مناطق إفريقيا وآسيا. ويوضح بيلي ذلك قائلاً: «إذا كانت قيمة الوقود المستخرج من المنتج الزراعي أعلى من قيمته في السوق كمادة غذائية، فسيتم استخدام المنتج مصدراً للوقود وليس كسلعة غذائية. وبذلك فهم يدمِّرون مصدر معيشة الملايين حول العالم».
لقد قدَّرت العديد من الدراسات، أن إنتاج الوقود الحيوي لعام 2008م ابتلع ثلث إنتاج الذُرة الأمريكية، وأن ملء خزَّان سيارة دفع رباعية بهذا النوع من الوقود، يكفي لإطعام إنسان من الذُرة سنة كاملة، وأن استخدام الذرة لإنتاج الوقود لن يكون فقط على حساب قوت الإنسان، بل سيطال المواشي التي تعلف بالذرة في العديد من مناطق العالم.
إن سياسة تشجيع إنتاج الوقود الحيوي، وما رافقها من دعم وصل في أمريكا وحدها إلى سبعة مليارات دولار لزراعة الذُرة، أدى إلى تقليص مساحة الأراضي المزروعة أرزاً أو حبوباً أخرى، مما نجم عنه ارتفاع حاد في أسعار تلك المحاصيل المهمة لغذاء الإنسان وندرتها.
من جانبهم، زعم أنصار الوقود الحيوي، في عام 2006م، بأن الارتفاع في أسعار الحبوب المستخدمة لإنتاج الوقود الحيوي، سيتوقف بعد أن تتبلور هيكلية هذا القطاع الجديد من الطاقة. لكن هذه التوقعات فشلت، وازدادت الأسعار عالمياً خلال السنتين اللاحقتين، مما نجم عنه زيادة في تحويل الأراضي الزراعية والغابات، لإنتاج محاصيل الوقود الحيوي.
إن تلك التحولات العالمية في قطاع الطاقة والغذاء، أدت إلى انضمام العديد من الدول والتجمعات السكنية في مناطق مختلفة من العالم إلى نادي الفقراء والمعدمين. وإذا كان هناك من يبشر بعصر النفط الأخضر، فإن ذلك سيكون على حساب قوت الملايين في بعض دول العالم الفقيرة.