طاقة واقتصاد

الإعلان الإلكتروني
كيف يُعمل وكيف يَعمَل؟

  • 33a (Picture 8_)
  • SONY DSC
  • 32a (Picture 1_)

بخلاف الإعلان المطبوع، وحتى الإعلان الإذاعي أو التلفزيوني، يبدو الإعلان الإلكتروني على شبكة الإنترنت صناعة مختلفة جملة وتفصيلاً. وهذه الصناعة الفتية جداً، عمرها من عمر الإنترنت إن لم تكن أصغر ولو بأسابيع معدودة فقط، أضحت اليوم تجارة عالمية تقودها «غوغل» -كبرى آليات البحث الإلكتروني- وتجني معظم أرباحها.
وجواباً عن السؤال حول حقيقة هذا الإعلان الذي يقفز أمامنا على شاشة الكمبيوتر عندما نروح نبحث عن موقع معيَّن، والسياسة التي تقود إنتاجه ونشره وحتى جدواه، يعرض
فادي خوري* آلية العمل الخاصة بالإعلان الإلكتروني، المزعج حيناً والمثير للاهتمام حيناً آخر، وأنواعه المختلفة وأهم التحديات التي تواجه صناعته حالياً.

يكاد يكون الاختلاف ما بين الإعلان الإلكتروني والإعلان المطبوع أن يكون في حجمه، وليس نوعه.

فالشروط التي تتحكم بصناعة الإعلان الإلكتروني تختلف تماماً عن تلك التي تتحكم في غيره من وسائل الإعلان. ولكي نفهم هذه الشروط والظروف من الضروري أن نتعرف أولاً على أطراف هذه التجارة، وما تكون جردة البضاعة فيها. وعلى مستوى إجمالي، يمكن وصف هذه الأخيرة على النحو التالي:

إن كل التجارات التي تبيع أشياءً (عدا تلك التي «تبيع» خدمات) لديها جردة، أو قائمة ببضاعتها. في حال المواقع الإلكترونية، تختلف جردة البضاعة عن تلك الخاصة بباقي التجارات (جردة بضاعة السوبرماركت مثلًا)، لا سيما في كيفية احتسابها. ولنأخذ مثالاً مبسطاً عن صفحة إلكترونية على موقع تقليدي، ونفترض أن هناك رقعتين ممكن وضع الإعلانات فيهما (في الأعلى وعلى اليمين مثلاً)، وأن هناك 10 آلاف زائر يدخلون الموقع يومياً. سوف يحتسب ناشر الموقع جردة البضاعة على الشكل التالي: 2 * 10000 = 20000 يومياً.

هناك أنماط مختلفة يمكن اتباعها للاستفادة من هذا الرقم، والأكثر شيوعاً بينها يُدعى بانطباع الإعلان. ويمثِّل الانطباع الفرصة المتاحة لوضع الإعلان في مرأى المتصفح. من دون أن يضمن أن المتصفح قد رأى الإعلان بالفعل، ولكنه يعني أن الفرصة سنحت ليحصل هذا الأمر. في مثالنا الوارد أعلاه، يمكن القول إن مالك الموقع الإلكتروني لديه 20 ألف انطباع ليبيعه، أما وحدة البيع فتكون عادةً الألف، ومن هنا تكون التسعيرة هي «السعر بالألف»، أو الـ CPM بالإنجليزية (CPM هي Cost Per Thousand، وقد اختُصرت كلمة thousand بحرف الـ M لأنه يرمز للرقم ألف في الأعداد الرومانية).

ووحدة الـ «CPM» هي الوحدة المعتمدة للانطباعات، وهي الوحدة الأكثر رواجاً، إلا أن هناك أيضاً «التسعير بالنقرة» و«التسعير بالعملية»، وهاتان التسعيرتان تأتيان منطقياً بعد الانطباع؛ «النقرة» تعني أن الإعلان قد أثار اهتمام المتصفح بما فيه الكفاية لينقر على الرابط (وهذا يأخذه بدوره إلى الموقع الإلكتروني المعلَن عنه، حيث سوف يجد مزيداً من المعلومات)، بينما «العملية» تعني أن المتصفح قد ابتاع بالفعل المنتج الخاص بالموقع الإلكتروني.

فيما يلي تعريفات مختصرة بأهم اللاعبين على ساحة الإعلان.

الناشر هو مالك الموقع الذي يحتوي مساحةً ما للإعلان. قد يكون الموقع هذا موقعاً إلكترونياً، أو خدمةً إضافية تؤمنها الهواتف الجوالة، أو لعبة فيديو، المهم أن يكون موصولاً بباقي الشبكة العنكبوتية. فموقع جريدة يومية معيَّنة هو مثالٌ عن ناشر، وذلك لأننا نجد فيه رقعاً مخصصة للإعلانات. كذلك الحال مع خدمات هاتف الـ iPhone الإضافية، ومع لعبة الفيديو بروجكت غوتهام (Project Gotham).. يجدر بالذكر أيضاً أن مواقع البحث الإلكتروني -كتلك التي تملكها «غوغل» و«ياهو» و«مايكروسوفت» وغيرها- هي جميعها مواقع ناشرة، بمعنى أنها موجودة على الشبكة العنكبوتية وتحتوي رقعاً مخصصة للإعلانات.

المعلن هو أية جهة لديها بضاعة ترغب في بيعها، وبالتالي في عرضها على ملايين المستخدمين على الشبكة العنكبوتية. فشركات محركات السيارات مثلها مثل شركات المرطبات وغيرها الكثير من الشركات الكبيرة والصغيرة، تندرج جميعها تحت عنوان المعلنين.

أما شركة الإعلانات فهي تلك التي تتواصل مع المعلن، والتي تعمل على توظيف الميزانية الموضوعة للإعلان بأفضل شكل ممكن، بحيث يلقى أكبر نسبة ممكنة من الإقبال. وتقوم شركة الإعلان بشراء المساحات من الناشر -أكان ذلك مباشرةً أو عبر الوسيط الإعلاني- وعادةً تأخذ حصة من الميزانية الموضوعة للإعلان.

والوسيط الإعلاني هو جهة مسؤولة عن شراء المساحات بأسعار رخيصة من الناشر، ومن ثم بيعها بأغلى للمعلن أو شركة الإعلان. فيقوم هذا الوسيط بعقد صفقات شراء مع عدد كبير من الناشرين، مكوناً بذلك جردةً كبيرة من الرقع الإعلانية المختلفة الممكن بيعها بعد ذلك. ويقوم الوسطاء بدور وكلاء البيع لزبائنهم، ولذا غالباً ما يستفيد من خدماتهم الناشرون الأصغر حجماً، الذين لا يملكون ميزانية لتوظيف وكلاء بيع خاصين بهم. وهناك مئات الوسطاء في السوق الإلكتروني، منهم «آد سنس» التابعة لـ «غوغل»، و«آد سنتر» التابعة لـ «مايكروسوفت» وغيرهما.

وشبكة الوساطة هي ببساطة جهة مسؤولة عن وصل الوسطاء الإعلانيين مع بعضهم البعض، فتسهل عملية بيع وشراء الرقع فيما بينهم، وبعض شبكات الوساطة الموجودة حالياً تشمل «آد إي سي أن» التابعة لمايكروسوفت، و«رايت ميديا» التابعة لياهو، و«دابل كلك إكستشايندج» التابعة لغوغل.

ولتبسيط الأمور، يمكننا القول إن المعلن يخلق العرض، وأن الناشر يخلق الطلب، فيما شركة الإعلان والوسيط الإعلاني وشبكة الوساطة هم جميعاً وسطاء بشكل أو بآخر.

الأنواع المختلفة للإعلانات الإلكترونية
إن الإعلانات الإلكترونية في حال تطور دائم منذ انفتاح الشبكة العنكبوتية على التجارة، وفيما يلي بعض الأشكال المختلفة التي اتخذتها الإعلانات حتى الآن:

• الإعلان الأفقي: والأرجح أنكم قد نلتم حصتكم -وأكثر- من هذه الإعلانات أثناء تصفحكم اليومي عبر الشبكة العنكبوتية. النوع هذا متواجد في كل المواقع الإلكترونية تقريباً، وتندرج ضمنه العديد من التنويعات في الشكل والمضمون، إلا أن جميعها يتشارك وظيفة أساسية: إن نقرتم عليها، ينفتح أمامكم الموقع الإلكتروني المعلَن عنه. هذا النوع من الإعلانات هو أول نوع ظهر بين الأنواع الموجودة حالياً.

• الإعلان الجانبي: ويُعرف أيضاً بالإعلان ناطح السحاب، ويمتاز عن النوع الأول بعموديته، حيث قد يصل طوله إلى الـ 600 بكسل وأكثر، فيما يقارب عرضه الـ 120 بكسل. تأثير هذا النوع أقوى، وكذلك فاعليته في إيصال رسالة المعلن إلى المتصفح، ذلك لأنه لا يختفي حالما ينزل هذا الأخير إلى أسفل الصفحة الإلكترونية، بل يبقى إلى الجانب، أي في مرأى المتصفح، وهذا يزيد من فرص النقر عليه.

من أنماطه التي تزعجنا
• الإعلانان القافز والمتسلل: الإعلان القافز، كما يدل عليه اسمه، يقفز في صفحة إلكترونية خاصة به حالما تدخلون موقعاً ما. وهو يخبئ الموقع الذي تكونون بصدد تصفحه، ما يجبركم على إغلاق الإعلان أو إزاحته على الأقل، ما يجعله مزعجاً. الإعلان المتسلِّل مشابه لنظيره القافز، إلا أنه يتسلَّل أسفل المواد التي تكونون بصدد قراءتها، ما يجعله أقل إزعاجاً بعض الشيء. هذا، والنوعان معتمدان رغم إزعاجهما، حيث إنهما في نهاية الأمر أكثر فاعلية من الإعلان الأفقي مثلاً، ويزيدان من فرص النقر عليهما.

• الإعلان الطائر: لو كنتم في موقعٍ إلكتروني يستخدمه، سوف تعرفون حتماً عما نتكلم. فما أن تفتحوا الموقع الذي تنشدونه حتى يظهر معه الإعلان، ويبدأ بالطيران فوق الصفحة لمدة تتراوح بين الـ 5 و الـ 30 ثانية. أثناء رحلته هذه، يعوق الإعلان رؤيتكم لما تحاولون قراءته، وغالباً ما يعوق قدرتكم على تحريك الفأرة أيضاً، إلا أن العديد من الإعلانات الطائرة مزوَّد بزرٍّ يغلقها إن شئتم أن تعودوا فوراً إلى الصفحة الأصلية. هذا النوع هو أقرب الأنواع للإعلانات التلفزيونية، بمعنى أنه يقاطع ما كان المستخدم بصدد فعله في سبيل عرض الإعلان.

• الإعلانات-النصوص: وتظهر هذه الإعلانات عادةً في صفحة النتائج، بعدما يكون المستخدم قد قام بإجراء بحثٍ إلكتروني على موقع أبحاث مثل غوغل وياهو وبينغ. ويظهر الإعلان على أنه من نتائج البحث -جانباً أو في الأعلى- ويكون في أغلب الأحيان ذو صلة بما تكونون تبحثون عنه؛ مثلاً، لو أدخلتم كلمات «سيارات التحريك عن بعد» إلى «غوغل»، سوف تحصلون على نتائج هي في الوقت نفسه إعلانات عن مواقع متعلِّقة بسيارات التحريك عن بعد.

• أنواع أخرى: ليست الإعلانات الواردة أعلاه سوى نماذج مما قد يطالع المتصفِّح يومياً. بعض الأنواع الأخرى تشمل أفلام فيديو قصيرة ضمن الرقعة التقليدية (أفقيةً كانت أو عمودية)، وإعلانات شرائية يحتفظ بها المستخدم ويستخدمها لدى نقطة البيع (الإلكترونية طبعاً)، وألعاباً مصغرة تأتي ضمن الرقعة، وغيرها من الأشكال. مجتمع الإعلان الإلكتروني هذا في سعي دائم لإيجاد وسائل جديدة لجعل المتصفح ينقر على الإعلان، وفي أفضل الأحوال، لجعله يشتري السلعة المعلن عنها.

التحديات
غالباً، لا يكفي وضع إعلان على صفحة إلكترونية لحث المتصفح على الشراء. لا سيما وأن المتصفحين اعتادوا الإعلانات وقد أصبحوا ماهرين في تجاهلها. من هنا يمكن القول إن التحدي الرئيس في هذه التجارة اليوم يكمن في جذب اهتمام المستخدم من دون الأخذ من تجربة التصفح نفسها. فواحدة من الطرق المتبعة تكمن في توجيه الإعلانات أكثر فأكثر نحو المتصفحين، بمعنى الإعراض عن توزيع الإعلانات على المواقع الإلكترونية كيفما اتفق، والتحول بدل ذلك نحو أنظمة متطوِّرة تجمع المعلومات عن المتصفحين قبل إظهار الإعلان.

المعلومات المجموعة تُستخدم لتعديل وإعادة صياغة الإعلان، وذلك لجعله أكثر ملاءمةً لشخصية ومعطيات وسلوك المرء الشرائي. ويفيد هذا الأمر في جعل الإعلان أكثر قدرة على إثارة اهتمام المتصفِّح وحثه على التجاوب، ويعني هذا مبدئياً الإعلان المناسب للشخص المناسب، وهو السيناريو المثالي لأي معلن.

هذا في المبدأ، أما في الواقع فإن تعديل الإعلان حسب الشخص يتطلَّب من الشركات أن تخزِّن معلومات خاصة بالمستخدم، كعمره وجنسه ومعاشه وموقعه وباقي الأبحاث الإلكترونية التي يكون قد قام بها، والعديد من هذه المعلومات شخصي، فيما شبكات الوساطة الكبيرة (مثل غوغل) مغضوب عليها أصلاً نتيجة تخزينها لهذه المعلومات الحساسة. يبقى إذاً أن تنجح شبكات الوساطة في التوفيق ما بين جمع معلومات كافية لابتكار إعلانات فعالة من جهة، وبين عدم انتهاك حرمة المستخدمين الشخصية من جهة أخرى.

هناك تحدٍّ آخر طرأ على تجارة الإعلان الإلكتروني مؤخراً، وهو المناخ الاقتصادي المتعثِّر؛ حيث تفيد شركتا الأبحاث «إنترآكتف آدفرتايزنغ بورو» (Interactive Advertising Bureau) و«برايس ووترهاوس كوبرز» (PricewaterhouseCoopers) أن الإعلان الإلكتروني قد انخفض مؤخراً بنسبة %50. وهذا الرقم قد لا يزيد إلا قليلاً عن تراجع صناعة الإعلان بشكل عام. ولكن كما هو الحال بالنسبة لصناعة الإعلان عموماً، لا يغيب التفاؤل عن أذهان العاملين في الإعلان الإلكتروني، حتى في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ يرون أن قطاعهم قد يكون سبَّاقاً إلى النهوض، بمجرد عودة شيء من الانتعاش إلى الأسواق العالمية، لأن قلة السيولة ستزيد المنافسة ما بين الشركات للاستحواذ عليها.. وما من وسيلة لذلك إلا الإعلان، والإعلان الإلكتروني.

وعلى الهاتف الجوال.. قضية
يؤكد غزو الإعلان لشبكة الإنترنت، أن صناعته مستعدة للانقضاض على أية تقنية اتصالات جديدة مهما كان نوعها، ولأن تكيِّف فن الإعلانات مع قدرات هذه التقنية وميزاتها. ومن ضمن هذه التقنيات: الهاتف الجوال. والإعلان على الهاتف الجوال مختلف تماماً في الشكل والمضمون عنه في باقي وسائل الاتصال والنشر، وبالتالي، فهو مختلف أيضاً على صعيد وقعه وأثره في نفس المتلقي.

يأخذ هذا الإعلان الذي نعرفه جميعاً شكل الرسائل القصيرة التي نتلقاها فجأة على هواتفنا الجوالة، وفي أي وقت يشاءه المرسل، لتخبرنا أن المتجر الفلاني يعرض تنزيلات على الأسعار، أو أن الشركة الفلانية أطلقت خدمة جديدة، وما إلى ذلك.. وتسمح تقنية الهواتف الجوالة بتجاوز شركات الإعلان والوسطاء ومنهجهم التقليدي في هذه الصناعة، إذ يكفي أن يكون المعلن قد جمع في قاعدة بياناته مجموعة من أرقام الهواتف، وعندما يريد أن يعلن عن بضاعته، ما عليه إلا أن يكتب رسالة قصيرة، وبكبسة زر واحدة على «إرسال إلى الجميع»، تصل رسالته إلى الآلاف.

اختلافه الشكلي وقسريته
في الشكل، يفتقر الإعلان على الهاتف الجوال إلى أبسط اللمسات الفنية أو الجمالية بخلاف كل أنماط الإعلان الأخرى.

إن كل الإعلانات التقليدية المطبوعة والمرئية والمسموعة من الراديو إلى الإنترنت مروراً بالتلفزيون بشكل خاص، تعتمد على «الفن»، أي على الصوت الجميل والصورة الجميلة والخطوط المدروسة بدقة، والعبارات المنتقاة بعناية، لكي تصيب المتلقي وتتغلغل إلى ذهنه ووجدانه. وهناك إعلانات تثير اهتمامنا حقاً فنمتدحها ونتحدث عنها (نطيل سلسلة الترويج لبضاعتها) بفعل جمالها وإتقانها اللافت للنظر، أو بفعل ذكائها. أما الإعلان على الهاتف الجوال فهو مجرد خبر بالمختصر المفيد.. مفيد حقاً؟

يقول المدافعون عن هذه الوسيلة الإعلانية إنها مجدية أكثر من غيرها، لأن قائمة البيانات الخاصة بمتلقي هذه الرسالة الإعلانية، تقتصر على أناس سبق أن أبدوا اهتماماً بهذه السلعة، وبالتالي، فإنهم على الأرجح سيهتمون بسلعة مماثلة أو مشابهة، أو بما طرأ على سلعتهم المفضلة من تطورات (تنزيلات في الأسعار، تشكيلة جديدة، تطوير خدمة معينة، …الخ). ولكن السؤال هو: كيف تشكَّل قائمة البيانات هذه؟

يروي أحدهم أن ظرفاً طارئاً اضطره إلى شراء قميص من أحد المتاجر الفاخرة في شارع العليا بالرياض، خلال زيارة كانت الأولى والأخيرة إلى العاصمة. وعند إتمام عملية الشراء، سأله البائع عن رقم هاتفه الجوال، وبسذاجة، أعطاه المشتري رقمه من دون أن يعرف سبب السؤال. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى راحت الرسائل الإعلانية تتدفق على هاتفه الجوال من عشرات المتاجر المنتشرة على طول شارع العليا في الرياض، التي لم يسبق أن زارها أو سمع بها. الأمر الذي يؤكد أن هناك اتفاقاً بين هذه المتاجر على تبادل أرقام زبائنها، على أساس أنهم سيكونون مهتمين بأية بضاعة من المستوى أو النوعية التي أقدموا على استهلاكها ولو لمرة واحدة.

وتوخياً للإنصاف، نشير إلى أن بعض المتاجر التي تحترم مكانتها تسأل الزبون بصراحة إذا ما كان يوافق على أن يعطيها رقم جواله لترسل إليه رسائل قصيرة عندما يكون عندها شيء جديد. ولكن هذا لا يشكِّل القاعدة التي تبقى قائمة على «اختلاس» رقم الهاتف، وتمريره، أو بيعه لتجار آخرين.

جدواه.. هل دُرست حقاً؟
لا نعرف إن كانت هناك دراسات للجدوى الاقتصادية للإعلان على الهاتف الجوال. ولكن المؤكد أنها لم تعلن ولم تصل إلينا. وقد يرى البعض أن لا ضرورة لإجراء مثل هذه الدراسة لأنها قد تكون أكثر تكلفة من النتائج المتوخاة منها، خاصة وأن كلفة الإعلان على الهاتف الجوال لا تستحق الذكر (يمكن للمعلن أن يرسل نحو 40 ألف رسالة بكلفة الإعلان على صفحة واحدة ولمرة واحدة في مجلة مطبوعة). وبالتالي، فقد يكون التفكير السائد أن الإعلان على الجوال لا يضر إن لم ينفع صاحبه. ولكن..

بحكم العادة، أصبحت الإعلانات «متوقعة» سلفاً عندما نشاهد التلفزيون، أو نفتح الكمبيوتر على شبكة الإنترنت، أو عندما نتصفح مجلة. ولأنها «متوقعة» فنحن مستعدون نفسياً للتعامل معها، سواء أكان هذا التعامل تأملاً باهتمام أم تجاهلاً. (علماً بأن هناك قنوات تلفزيونية فضائية صارت تعلن عن أفلام لا تتخللها فواصل إعلانية، استقطاباً للمشاهدين الذين لا يحبذون قطع بث الفلم لعرض الإعلانات، وهو الأمر الذي يكشف عن إقرار مثل هذه المؤسسات بوجود أناس ينفرون من قسرية الإعلان، وفرض مشاهدته عندما يريد المُعلن.

هذه القسرية المنفرَّة تتجلى بأوضح صورها بالإعلان على الهاتف الجوال. إذ يمكن لصاحب الهاتف أن يكون في دوامة من القلق منتظراً خروج ابنه من غرفة العمليات في المستشفى، عندما يتلقَّى رسالة تخبره أن محل الأحذية الفلاني يجري تخفيضات على الأسعار.

ولأن تقنية الهواتف تجعلها تبث إشارات صوتية متكررة تخبر صاحبه أنه تلقَّى رسالة، ولا تتوقف عن ذلك إلا بعدما يفتح هذه الرسالة، فكثيراً ما تنطلق هذه الإشارات ليلاً، فتوقظ صاحب الهاتف من نومه وتجبره على إخراس الهاتف، حتى ولو كان يترقب مكالمة مهمة قد تصله في أي وقت.. فهل من المستغرب في مثل هذه الحالات أن تصل ردة الفعل عند صاحب الهاتف إلى اتخاذ قراره بمقاطعة كل المتاجر التي تنغِّص عليه حياته بإعلاناتها؟ أم أن الحل هو بتغيير رقم الهاتف والحفاظ على سريته؟ أم بشراء هاتف آخر نخصصه للمكالمات التي يهمنا تلقيها في أي وقت، ونحتفظ بهاتفنا الموبوء إعلانياً للأوقات النهارية التي يمكننا أن نتلقى خلالها أي شيء.

الحلول المعتمدة حالياً من قبل الكثيرين هي خليط من كل ما تقدَّم، وهذه الحلول مربكة ومكلفة أكثر مما تتطلبه معالجة تسلل فيروس إلى جهاز الكمبيوتر.. نعم، فيروس.

أضف تعليق

التعليقات

creatova

تحليل رائع لإعلانات الانترنت والتي تتحكم بها جوجل , ولكن مالفرق بين الاعلانات الالكترونية والاعلانات التقليدية
http://creatova.com/blog/online-marketing-vs-the-traditional-marketing/

حسام الدين

استاذ ماذا تقصد ب جردة ؟

    محرر القافلة

    لعل الكاتب يقصد بها: القائمة