لأنه سيبقى خلال المستقبل المنظور، كما هو حالياً وكما كان منذ قرن من الزمن، المصدر الأول للطاقة في العالم، ترتبط صورة البترول في أذهان الكثيرين بالوقود فقط. وإن كان لهذه الصورة ما يبرر شيوعها، فإنها تفتقر إلى الدقة، لأن النفط هو في الواقع أكثر بكثير من كونه وقوداً. إذ إنه وبفضل التطور السريع والمستمر في طرق التصنيع العضوي، أضحت مشتقات البترول تحيط بنا أينما كان في حياتنا اليومية لتشمل الأصباغ والدهانات والمنسوجات ومساحيق التجميل والصابون والعطورات والأدوية والطرق المسفلتة وأدوات المطبخ البلاستيكية.. وما وفرة المجالات الصناعية بمنتجاتها المختلفة التي قامت على البترول كلقيم إلا نتيجة لتركيبته الكيميائية الخاصة التي تفتح باب استخداماته المتنوعة على مصراعيه.
المهندس خالد الغامدي يحلل لنا كيمياء البترول الخام التي تجعله لقيم كل هذه الصناعات المختلفة، إضافة إلى كونه مصدر الأنواع العديدة من المحروقات، ويفسر المعاني الحقيقية لبعض المفردات والمصطلحات التي تلتبس على الكثيرين.
البترول.. عرفه الأقدمون وبعض مشتقاته من تسرباته عبر الشقوق الأرضية إلى سطح الأرض. فاستخدم البابليون الأسفلت في البناء وفي طلاء المراكب.
واستُعمل كذلك بدل الإسمنت في لحم قوالب الطوب بعضها ببعض. وعرفته الشعوب التي سكنت في كنف بحر قزوين وشمال العراق منذ حوالي 6000 سنة قبل الميلاد.
تعني كلمة البترول (Petroleum) باللغة اللاتينية زيت الصخر (زيت Oleum، صخر Petra) وهذه الكلمة تتضمَّن مفهوماً يشمل جميع الهيدروكربونات الطبيعية في حالاتها الثلاث (الغازية والسائلة والصلبة) التي هي عليها في الصخر. عربياً، تطلق كلمة «الزيت الخام» على الجزء السائل من النفط غير المُعالج.
هناك أكثر من نظرية تتحدث عن نشأة النفط، ولكن النظرية الأقرب للصواب والأكثر شيوعاً هي أن النفط من أصل عضوي، ومن تراكمات هائلة من الكائنات العضوية التي تواجدت خلال الزمن الكامبري إما على اليابسة أو الكائنات البحرية. حيث تعرَّضت هذه البقايا العضوية إلى ضغط وحرارة ولمدة تتجاوز ملايين السنين، نشأ عنه النفط. (يقع الزمن الكامبري في حقبة الدهر القديمة، واستمر هذا العصر نحو 600 مليون سنة).
والزيت سائل قابل للاشتعال يتواجد في ألوان مختلفة، ابتداءً من اللون الأصفر إلى الأسود الداكن. وتختلف شدّة قتامة الزيت باختلاف نوع وتركيز المواد الكيميائية التي يحتوي عليها.
أصل تنوعه
هناك أسباب عديدة تسهم في وجود أنواع مختلفة من النفط من حيث اللون والخواص، بعض هذه الأسباب هي: نوع الكائنات الحيّة التي تكوَّن فيها النفط، ونوع المنطقة الجيولوجية، وكذلك وجود بكتيريا في الزيت. حيث تعمل البكتيريا على استهلاك المواد العضوية ذات الوزن الجزئي القليل الموجودة في النفط، ومن ثم يؤدي هذا بدوره إلى قلة المواد العضوية خفيفة الوزن، وزيادة في تركيز المواد العضوية ثقيلة الوزن، وبالتالي يُصبح النفط أكثر لزوجة وأقل درجة في قيمته السوقية.
التركيب الكيميائي للزيت
بما أن الزيت نشأ عن تحلل عدد هائل من بقايا الغطاء النباتي والحيواني، فإن قطرة واحدة منه تحتوي على عدد هائل من المركبات العضوية التي لم يستطع العلم الحديث حصرها حتى اليوم. ولكننا نستطيع أن نقول إن %85 من النفط هو عبارة عن كربون، %12 عبارة عن هيدروجين والباقي هو خليط من مركبات تحتوي على عناصر مثل: الأكسجين، والكبريت، والنيتروجين والمعادن. وتلعب المركبات الهيدروكربونية الموجودة في النفط دوراً رئيساً في تحديد جودة النفط. وتقسَّم هذه المركبات الهيدروكربونية بشكل عام إلى الأصناف التالية:
1.
البارافينات، وهي مادة شمعيّة ذات صيغة جزيئية (CnH2n+2)
2.
نافثيين، صيغتها العامة (CnH2n) وهي مركبات دائرية مُشبعة بذرات الهيدروجين
3.
المركبات العطرية، صيغتها العامة (C6H5-R) ومن أشهرها مادة البنزين (C6H6)
4.
مركبات كيميائية أخرى عديدة مثل (الكينات، الكين، …الخ)
ومن باب السعي وراء الاستخدام الأمثل للزيت ولآخر قطرة، عمد الباحثون منذ عشرات السنين إلى ابتكار طريقة تحليل مخبري ُيمكن من خلالها تحديد أكبر عدد ممكن من المركبات الكيميائية المكونة للزيت. وعليه طوّر العلماء طريقة مخبرية تُعرف بـ بترولوميكس (Petroleomics). وهدف هذه الطريقة هو تحديد جميع المركبات الكيميائية التي يحتوي عليها الزيت. وفكرتها مستوحاة من طريقة (Genomics) والتي تستخدم في المجال الطبي والبيولوجي لتحديد جميع أنواع البروتينات المكونة لـلحمض النووي (DNA).
العمليات الكيميائية في المصافي
عند تكرير البترول والحصول على مشتقاته الأولية (مثل: غاز الميثان، غاز الطبخ، النفثا، الكيروسين، الديزل، …الخ) فإن هذه المشتقات تُعد مواداً أولية تدخل كلقيم في صناعات كيميائية أخرى ُبغية تحسينها ورفع قيمتها السوقية. فمثلاً، تُعالج النفثا بإزالة عنصري الكبريت والنيتروجين ومن ثم تهذيب النفثا من خلال عملية حفزية تعمل على رفع مستوى رقم الأوكتان، وتُسمَّى هذه العملية (Catalytic Reforming).
وتعالج الغازات الناتجة عن أبراج التقطير هي الأخرى، وُتستخدم في عمليات كيميائية أخرى في مصفاة التكرير نفسها. فعلى سبيل المثال، يستخدم غاز البروبان في عملية كيميائية تُسمّى (Steam Reforming)، حيث ُينتج غاز الهيدروجين الذي يستخدم لاحقاً في معالجة النفثا أو أي استخدام آخر. كذلك الحال بالنسبة لغازات البروبان والبيوتان ذات الاستخدامات العديدة، وأبسط استخدام لهما هو غاز الطبخ الذي هو خليط ما بين غازي البروبان والبيوتان. يُضاف إلى هذا، أن غازي البروبان والبيوتان يُعدان لقيمين قيِّمين جداً في الصناعات البتروكيميائية كصناعة اللدائن (Plastics).
ومن المنتوجات الجانبية في مصافي التكرير خليط من البنزين (Benzene C6 H6)، التولوين (Toluene C7H8) والزيالين (Xylene C8H10)، وُتعرف هذه المذيبات القيّمة بالاختصار (BTX)، كما أن هذه المركبات الكيميائية (BTX) تستخدم في صناعات بتروكيميائية عديدة.
بشكل مختصر، يُمكن وصف مصفاة تكرير النفط على أنها منظومة متكاملة من المعامل الهندسية التي تعمل بشكل متزامن وذلك لتفكيك النفط الخام إلى منتجات هيدروكربونية ذات قيمة سوقية أعلى من قيمة النفط نفسه. وقد سبق للقافلة أن تناولت قبل فترة وجيزة هذه المشتقات بشيء من التفصيل.
لا بديل
إن ما تقدَّم يؤكد لنا أن البترول قد يكون المادة الخام المهمة التي يستخرجها الإنسان من باطن الأرض. ورفاهية الإنسان في حياته المعاصرة تزداد ارتباطاً بالبترول، ليس فقط كمصدر للطاقة، بل كمصدر للباسه وأثاث بيته وعمران مدينته.. ولهذا، ومهما اجتهد الساعون إلى إيجاد مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة النووية أو الطاقة الشمسية، ومهما تكللت جهودهم بالنجاح، فإن ذلك لن يصل في أي حال من الأحوال سوى إلى الاستغناء الجزئي عن واحد فقط من استخدامات البترول، وليس عن البترول.
مصطلحات علمية
ومفاهيم مفتاحية
•
الطاقة (Energy): تُعرّف في الفيزياء بأنها القدرة على أداء شغل، فمثلاً زيادة سرعة السيارة أو رفع حجر يتطلب شغلاً. والقيام بهذا الشغل يتطلّب وجود وقود.
•
الوقود (Fuel): مادة تمدنا بالطاقة. يُصنّف الوقود إلى عدّة أنواع اعتماداً على مصدره وطبيعته. هناك الوقود الأحفوري مثل النفط، الغاز الطبيعي، الفحم، وهناك وقود من صنع الإنسان كالوقود النووي.
•
الفرق مابين منتجات التكرير والبتروكيماويات
(Petroleum Refining Products vs. Petrochemicals)
عند تكرير النفط بواسطة أبراج التقطير، تنتج عدّة مركبات هيدروكربونية كلُ منها يحتوي على العديد من المركبات الفرعية، مثل الكيروسين، الديزل، النفثا،….إلخ. هذه المنتوجات تُسمَّى منتجات تكرير النفط ولا تُعد من البتروكيمائيات. لاحظ أن كل مُنتج من هذه المواد يتكون من كم هائل من المركبات الكيميائية. أما البتروكيمائيات فتُعرف بصفة عامة بأنها الكيمائيات و/أو المنتجات المصنَّعة من منتجات التكرير النفطية السائلة والغاز الطبيعي، وهي بذلك تمثِّل في التنظيم الهيكلي للصناعات الكيميائية القاعدة الأساسية للصناعات الكيميائية العضوية الثقيلة.
•
التقطير (Distillation): عملية تسخين المحلول (السائل) إلى درجة غليان مرتفعة، وبشكل تدريجي تحت ظروف ضغط جوي إمّا ثابتة أو متغيرة، وحيث إن هذا السائل يتكوَّن من مواد مختلفة عن بعضها في درجة الغليان، لذا سيحدث انفصال للمواد المكّونه للخليط بشكل تتابعي وتنتقل إلى الحالة الغازية وعندئذ تُكثف كل مادة (المواد الأساسية التي يتكون منها الخليط) على حدة وهكذا يحدث فصل للمواد المكّونة للخليط.
•
القُطارة (Distillate): الناتج المكّثف لعملية التقطير.
•
الغاز الطبيعي (Natural Gas): خليط من الهيدروكربون يكون فيه تركيز غاز الميثان (CH4) هو الأكثر.
•
الغاز الطبيعي المُسال (Natural Gas Liquid): خليط من الهيدروكربون يتواجد تحت الظروف المعيارية (25 درجة مئوية وواحد ضغط جوي) على هيئة سائل. يُشكل كُلاً من غاز البروبان (Propane C3H8) وغاز البيوتان (Butane C4H10) النسبة الأكبر في تركيبة هذا الخليط.
•
التحـــــويـــل «التهـــــذيـــب» الهــــنــدســـــي (Reforming): سيرورة هندسية كيميائية وهي عبارة عن تحويل حراري (Thermal) ومحفزي (Catalytic) لمركبات النفثا (Naphtha) إلى نافثا مهذبة (Reformate) ذات رقم أوكتاني أعلى.
•
التصنيع العضوي (Organic Synthesis): هي عملية خلق مركبات كيميائية بالطُرق المخبرية لإيجاد مواد كيميائية ذات تواجد في الطبيعة ولكن لإيجادها بكميات كبيرة وبطرق اقتصادية. فمثلاً، رائحة الزهور، منكّهات الطعام، المواد الكيميائية المستخلصة من الأعشاب، هذه المواد وغيرها غير مجدٍ اقتصادياً إنتاجها من الطبيعة، لذا لجأ الكيميائيون إلى تحديد التركيبة الكيميائية لهذه المواد، ومن ثم ابتكار طرق مخبرية في تصنيع هذه المركبات بشكل صناعي وبكميات كبيرة. مثال ذلك تصنيع مادة اليوريا (Urea) ابتداءً من مادة النشادر (Ammonia NH3) وهي تستخدم كسماد. وكذلك تحويل الغاز الطبيعي (الميثان) إلى ألياف صناعية. كذلك يُستخدم التصنيع العضوي ليس فقط لخلق مواد كيميائية محاكاةً للطبيعة، بل أيضاً لخلق مواد جديدة ذات قيمة تسوقية، مثال ذلك صناعة مساحيق الغسيل ابتداءً من مادة البنزين، وهذه تتم من خلال عملية تصنيع تُعرف بـ: (Linear Alkylation Benzene Sulfonation LABS).
•
تكرير النفط (Petroleum Refining): تشمل عملية التقطير، التحويل، والتكسير للمركبات الهيدروكربونية، وذلك من خلال عملية هندسية إمّا حفزّية أو حرارية.
•
ســــيــرورة كيـمـــيــــائيــــة (Chemical Process): عملية كيميائية هندسية تعمل على إحداث تغيير في تركيبة المادة الكيميائية اللقيمة.
•
اللقيم (Feedstock): المادة الخام الرئيسة الداخلة إلى معمل السيرورة (العمليات) الكيميائية.
•
الكتلة الحيوية (Biomass): هي مصدر للطاقة المتجدّدة، وهي عبارة عن مواد عضوية مثل الأخشاب، بقايا النفايات البشرية، الطحالب، الحشائش المائية، …إلخ.