اطلب العلم

السيارة الكهربائية

وهم أم حقيقة

واكب إنتاج السيارة الكهربائية حملة إعلامية إعلانية واسعة، بشَّرت ببداية عصر جديد في وسائل النقل، حيث تم الترويج لها على أنها ستنهي مشكلة التلوث البيئي الناجمة عن عوادم السيارات التقليدية، وستجعل هواء مدننا نظيفاً وصحياً، وقد استغل منتجو تلك السيارات كافة وسائل الترويج، من إعلانات وندوات ونجوم سينما وتسهيلات بنكية وغيرها.

كذلك ألصقت الشركات الكبرى صفات خيالية بسياراتها الكهربائية الجديدة، فوصفتها كصديقة للبيئة، ذات انبعاث صفري، اقتصادية، كما بالغت تلك الشركات في حملتها، فرفعت شعارات رنانة تسعى إلى تجميل هذه السيارات التي احتوت على تقنيات متطورة ومزودة بأحدث وسائل الراحة والرفاهية، متجاهلة في الوقت نفسه أن وجود سيارات كهربائية في الشوارع يستلزم وجود محطات شحن لتلك السيارات، وعملية الشحن قد تستغرق حوالي الساعتين، كما أن المسافة التي تقطعها السيارة بعد كل عملية شحن قصيرة نسبياً، أضف إلى ذلك أن سرعة تلك المركبات محدودة.

وفي خضم هذا السباق المحموم للترويج لتلك السيارات، تعالت أصوات الجماعات البيئية المحذرة من الانسياق الكامل خلف تلك الحملات الإعلانية. فقد جاء في تقرير مؤسسة الاستشارات الهولندية الذي تدعمه «منظمة السلام الأخضر» و«منظمة أصدقاء الأرض» بأوروبا، وكذلك «منظمة النقل والبيئة الأوروبية»، أنه وفقاً للسياسات المعمول بها حالياً، فإن حدوث زيادة في أعداد السيارات الكهربائية سيؤدي إلى مزيد من استهلاك الطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها بواسطة الفحم أو الغاز الطبيعي أو محطات الطاقة النووية، دون أن يُحدِث انخفاضاً في الطلب العالمي على النفط المستهلك من قبل السيارات التقليدية العاملة حالياً، كما حذَّر التقرير من أن التمادي في دعم تلك السيارات قد يؤدي إلى خفض الجهود الرامية لتحسين استغلال الطاقة بالنسبة للسيارات التقليدية، والنتيجة أنه لن يتم خفض استهلاك النفط أو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن قطاع النقل.

إن تلك السيارات الصديقة للبيئة حسبما يزعم منتجوها، تفاجئ المستهلك بسعرها المرتفع. ويقول مروِّجوها، إن الفارق في السعر، سيتم تعويضه خلال وقت قصير، لكن هيئة الفحص الفني الألمانية تؤكد أن على مالكي تلك المركبات قطع مسافة لا تقل عن ثلاثين ألف كيلومتر سنوياً للاستفادة من فارق استهلاك الوقود الطفيف نسبياً، فهي توفر في المتوسط وقوداً يتراوح في المعدل من سبعة إلى ثمانية بالمائة فقط. وهذا التوفير، لا يمكن أن يتحقق ما لم يتمتع سائقو تلك المركبات بعادات القيادة المثالية، التي تُجمع الدراسات أنه يمكن خفض استهلاك الوقود في المركبات إلى نسبة قد تصل إلى %20 من خلال التدريب على كيفية التعامل مع المركبة وقيادتها وفق أسس القيادة الصديقة للبيئة حتى بالنسبة للسيارات التقليدية الموجودة حالياً في الأسواق.

من جانب آخر، فإن الجماعات البيئية حذرت مؤخراً من المخاطر الحقيقية الناجمة عن بطاريات تلك السيارات التالفة بسبب استخدامها الطويل والمتكرر، فهي تحتوي على مجموعة كبيرة من المواد والعناصر الكيميائية الخطرة الملوثة للبيئة، ومن أهمها بعض المعادن الثقيلة التي تفتك بالحياة الفطرية والإنسان في حال تم إلقاؤها في أماكن تجميع النفايات، لذلك يجب إنشاء مصانع متخصصة لإعادة تدوير تلك البطاريات التي تفتقر معظم دول العالم لوجودها.

إن دعم الجهود الرامية للمحافظة على البيئة أمر أساسي، لكن هذا الدعم ينبغي أن يكون وفق دراسات وأسس علمية وبيئية حقيقية بعيداً عن الترويج الإعلامي المبالغ فيه.

أضف تعليق

التعليقات