قصة مبتكر
قصة ابتكار
رووث روجان بينيريتو
أغطية الزجاجات
ولدت رووث روجان بينيريتو في العام 1916م في مدينة نيو أورليانز، بولاية لويزيانا الأمريكية. وعلى عكس ما كان سائداً في ذلك الوقت، فقد كان والدها حريصاً على أن تتلقى بناته تعليماً عالياً. فأتمت رووث دراستها في المدرسة الثانوية في عمر الرابعة عشرة، ثم انتقلت إلى الدراسة الجامعية في جامعة تولين بمدينتها نيو أورليانز. وبعد تخرجها من الجامعة، لم تجد رووث الوظيفة البحثية التي كانت تتمناها، لذلك قررت أن تعمل مبدئياً بتدريس العلوم والرياضيات في المدارس الثانوية.
أثناء عملها بالتدريس، كانت رووث تدرس في الفصول المسائية بجامعة تولين، لتحصل على درجة الماجستير في الفيزياء، التي نالتها في العام 1938م. ومن بعدها، حصلت على الدكتوراة في الكيمياء الفيزيائية من جامعة شيكاغو في العام 1948م. وفي العام 1950م، تزوجت رووث من فرانك بينيريتو، ثم التحقت بالعمل كباحثة في مركز أبحاث وزارة الزراعة حيث قضت الجزء الأكبر من حياتها العملية.
بدأت رووث عملها البحثي، في مجال المنسوجات. ففي ذلك الوقت، كانت صناعة المنسوجات القطنية في الولايات المتحدة الأمريكية تعاني بشدة، بسبب ظهور الألياف الصناعية كالنايلون والبوليستر، التي وفرت خامة جديدة لصناعة المنسوجات والملابس. لم تكن الخامة الجديدة تضاهي القطن في الراحة والخفة، لكنها كانت تتفوق عليه في نقطة مهمة.. عدم حاجتها للكي. بعد اكتشاف هذه الميزة المهمة، أصبح المستهلكون يقبلون بشدة على شراء الملابس المصنوعة من الألياف الصناعية بدلاً من الملابس القطنية. وانشغلت رووث بسؤال مهم: كيف يمكن أن نصنع ملابس قطنية لا تحتاج إلى الكي؟
توصلت رووث إلى أن حل المشكلة يكمن في معالجة ألياف القطن بمواد كيميائية، تربطها ببعضها بصورة قوية، لا تترك مجالاً لحركتها الحرة التي تسبب التجعد. وبعد التجربة والبحث، توصلت رووث إلى الصيغة المثالية لتنفيذ هذه العملية، فأنتجت نسيجاً قطنياً مقاوماً للتجعد، وللبقع، ومقاوماً كذلك للاشتعال. وبهذه الطريقة أعادت رووث للمنسوجات القطنية مكانتها العالية التي عرفتها لزمن طويل.
استمرت رووث في عملها البحثي في هذا المجال، لتحصل على 55 براءة اختراع. واستُخدِمت نتائج أبحاثها لتطوير صناعة المنسوجات، كما تعدتها لتشمل صناعات الورق، والأخشاب، والكيماويات، ومواد التنظيف. وبالإضافة إلى نشاطها البحثي المميز، كانت رووث تمارس مهنة التدريس في كل من جامعتي تولين ونيو أورليانز.
حصلت رووث على جائزة الخدمة المتميزة من وزارة الزراعة الأمريكية في العام 1970م. وفي العام 1986م تقاعدت من عملها كباحثة، لكنها استمرت في التدريس حتى العام 1997م. وفي العام 2002م، وفي عمر السادسة والثمانين، تسلَّمت رووث بينيريتو جائزة «إم آي تي» المرموقة عن إنجازاتها طوال حياتها، التي قامت بها في مجال أبحاث المنسوجات، وفي مجال التعليم الجامعي.
عرف الإنسان صناعة الزجاج منذ عهد بعيد. لكن أغطية الزجاجات تأخرت كثيراً حتى أبصرت النور. فقد ظلت الصورة الغالبة للغطاء هي السدادة، سواء المصنوعة من الفلين أو الزجاج. حتى حدث ما دفع الأمور إلى أن تسير في اتجاه مختلف، وكان ذلك حين ظهرت المشروبات الغازية. فقد لاقت هذه المشروبات إقبالاً متزايداً، حتى أصبحت متوافرة بكثرة في المحلات الصغيرة والمطاعم والمقاهي، في أوروبا وأمريكا، منذ حوالي عام 1885م. ورغم نجاحها، فإنها كانت تمثل تحدياً كبيراً في مسألة تعبئتها. فسدادات الفلين المعتادة، لا تغلق الزجاجة بإحكام كافٍ لحفظ غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي كان يتسرب عبرها تاركاً المشروب من دون طعمه الغازي المميز.
لفت الأمر انتباه ويليام بينتر، وهو مبتكر من أصل إيرلندي، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عمر العشرين، واستقر في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند. كان بينتر مبتكراً نشيطاً، وتوصل إلى إنجاز مجموعة متنوعة من الابتكارات منها جهاز لطي الورق، وآلة للتعرف إلى الأوراق المالية المزوَّرة، حتى شغلته مسألة أغطية الزجاجات.
بعد الكثير من البحث والتجريب، توصَّل بينتر إلى تصميم جديد لغطاء مصنوع من المعدن، ومبطن بطبقة من الفلين الرقيق ليزيد من إحكام الغطاء، ويحول دون تفاعل المعدن مع محتويات الزجاجة. وقد جعل بينتر حواف الغطاء مسننة، بحيث يتم ضغطها حول فوهة الزجاجة لتغلقها تماماً. وسرعان ما اتضحت ميزات غطاء بينتر. فهو محكم الإغلاق، لا يتفاعل كيميائياً مع المشروب، كما أنه رخيص الثمن. وقدَّم الرجل أوراق ابتكاره إلى مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة ليسجل الغطاء الجديد باسمه، وحصل على براءة الاختراع في عام 1892م.
أسس بينتر شركته الخاصة لتصنيع الغطاء الجديد. وقاد حملة مكثفة لتعريف صانعي الزجاجات بابتكاره، وإقناعهم بفائدته. كما ابتكر آلة خاصة تقوم بضغط هذه الأغطية على الزجاجات بطريقة آلية. وسرعان ما انتشر استخدام الغطاء الجديد، وأصبح هو الطريقة السهلة والصحيحة لتغطية الزجاجات، لا سيما زجاجات المشروبات الغازية. وخلال سنوات قليلة، أسست الشركة مصانع عديدة لها، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، ولكن في بلدان أخرى، منها فرنسا وألمانيا والبرازيل واليابان.
لم تكتف الأغطية المسنَّنة بوظيفتها الأصلية فقط. إذ استخدمتها شركات المشروبات الغازية فيما بعد كأداة تسويق فعالة، عن طريق المسابقات التي تقوم على جمع صور أو أرقام معينة، مخبأة أسفل بطانتها الرقيقة. كما أنها تحوَّلت مع الوقت إلى منتج ثقافي لها هواته ومحبيه. فجمع الأغطية المسنَّنة من هوايات الجمع المعترف بها عالمياً، ولها معارض خاصة واحتفاليات، يعرض فيها الهواة مجموعاتهم، ويتنافسون على اقتناء أجمل الرسوم والتصاميم، ويتبادلونها، ويتاجرون بها أيضاً.
وتدين الكثير من المنتجات التي نستعملها اليوم، بفضل كبير، لغطاء الزجاجات المسنَّن. فهو أول منتج قابل للاستعمال لمرة واحدة فقط. وهو بذلك المنتج الملهِِم ذو المعادلة القائلة (منتج رخيص + استعمال لمرة واحدة = بيع بكميات ضخمة + أرباح عالية)، هذه المعادلة التي نشأت عليها صناعة المنتجات القابلة للطرح.
|