لماذا يخبو الإبداع حيناً، وتشتعل جذوته أحياناً أخرى؟! وما الذي يجعله أقرب منالاً من مبدعٍ دون غيره، وهل يتركز هذا الإبداع في بيئاتٍ بعينها ولماذا؟! الحقيقة أن فهم طبيعة الإبداع والإجابة عن الأسئلة المرتبطة بها بدقة أمرٌ في غاية الصعوبة تبعاً لطبيعته الحرة، والخارجة عن النسق المألوف، ما يجعل إيجاد الإجابات المرتبطة به مسألة معقَّدة.
كل ما يمكننا هو الدوران في فلك هذه الأسئلة واستقراء الشواهد والتجارب لمحاولة فهم منابع الإبداع العربي، ومحاولة سبر أغوار التفاعلات التي يعيشها المبدع العربي المعاصر، لتحديد مكانه، وإضاءة ما يحيط به من ظروف تعوقه أو تعينه على الإبداع.
علي جازو:
الإبداع مستمر.. ولا شيء يوقفه!
لا أعتقد أن الإبداع قد توقَّف في العالم العربي وأن ينابيعه قد جفت. هناك خشية من ذلك لكن هذه الخشية دليل تعافٍ ودليل رغبة قوية في إضافة جديدة. نعم نحن في وضع سيء للغاية، لكن الإبداع شأن آخر، وهو لا يأتي من أماكن نتوقعها. إنه مفاجئ، وسيبقى كذلك.
هناك لحظة تاريخية عظيمة تمر بها هذه المنطقة، وهي تقف على الحد القاسي بين سلوك طريق المدينة أو السقوط في كهف البربرية. إن ما يشهده العالم العربي من تغييرات جوهرية وغير مسبوقة تحمل بذور تحول اجتماعي وثقافي شديد الأهمية. ربما لا تكون النصوص المنشورة الآن على سوية الحدث الساخن والمتفجر في أكثر من بلد عربي، لكن القول بجفاف ينابيع الإبداع فيه كثير من التقليل من قيمة ما يحدث وأثره على مختلف صنوف الفنون الإبداعية.
ثمة وجوه جديدة تظهر كفاءات واعدة بحق، وهي في طور تجريبي وممارسة تبحث عن شكل فني أكثر رقياً وأٌقرب إلى حياة مجتمعاتها المحلية. لقد أظهرت الشعوب العربية مقدرة فذة على الصبر وعلى القدرة على العمل الإبداعي في أصعب الظروف. دعك من ألاعيب السياسيين. التغيير الحقيقي تم في القاع وقد طفا على السطح، وما عاد من الممكن تأجيله أو إيقافه.
يوماً إثر آخر تتكون لدي قناعة راسخة بقدرة كبيرة على الإبداع. صحيح أن القليل ينتج الآن، لكن ليس كل ما يكتب يجد طريقه إلى النشر. لا تعكس الصحافة ولا وسائل الإعلام بشكلها الحالي مجالات كثيرة تبقى في مناطق الظل. غالباً ما نميل إلى الحكم النقدي وفق ما يشاع وما يروج له، لكن الشائع والرائج ليسا بمعيار نزيه لما ينجز ولما يمكن أن يكون. ثمة من يريد تقديم صورة أحادية فقط عن هذه المنطقة، وهي ليست كذلك.
هناك تنوع ثقافي واجتماعي شديد التباين، لكن مظاهره السياسية ضيقة وتبدو أنها تضيق أكثر فأكثر. لم يتحول رجل السياسة في هذه المنطقة إلى مبدع ومبتكر. إنه يستخدم لغة وطريقة تفكير لا تتوافق مع الحياة المعاصرة التي ترغب الأغلبية في الحصول على أساسياتها من تعليم متقدم وثقافة مدنية منفتحة.
السوء هو فيمن يتحكم باقتصاديات هذه المنطقة، ويصرفها على حروب عبثية ومدمرة. لم يحدث بعد أن حصل توافق وانسجام بين روحية الإبداع وبين مسلكية السياسة. الأخيرة تهترئ وتتداعى، فيما الأولى تشع وتتألق.
تجارب كثيرة في طور التأسيس الآن، قد تتأخر نتائجها عن الظهور، لكنها دون شك ستشهد تحولاً نوعياً لافتاً. هناك رسامون وموسيقيون وكتاب وباحثون جدد. ليسوا منظمين، وربما لا يحتاجون إلى تنظيم، لكن نتائج أعمالهم وتطلعاتهم تتلاقى من حيث الجوهر، وهو الارتقاء بالإنسان إلى مرتبة تليق باحترام كرامة الكائن الإنساني، ومدّه بأسباب الإيمان الحقيقية، وهي الأخوة العميقة بين البشر، وتجاوز الحدود الضيقة في التفكير والتعامل. ثمة أخوة لنا في كل مكان، بقدر وجود فئات أخرى سقيمة ومتحجرة التفكير.
لا ينبغي أن ننظر فقط إلى الجانب البائس في حياتنا المعاصرة، وهذا لا يعني التغاضي عنه، لكن روحاً أخرى رحبة وجميلة تتكون، وهي تعبر هذا المضيق العسير نحو ثقافة تمزج التواضع بالرفعة والأمل بالعمل المستمر.
هناك من يبث سموماً عبر تسليع كل شيء، ورفع القيمة المادية فوق كل القيم الإنسانية، لككنا نعلم أن هذا أمر عديم الأثر، وإن كان يبدو مهيمناً. ليست الموضة الدارجة فقط من تقرر تشكل الذوق الجديد. الإعلام والدعاية تقول ذلك، لكن تبقى الدعاية دعاية، فيما العمل الحقيقي يثمر في مكان آخر.
د. حنان الشرقي:
هــل جــفّ منبع إبداعنا العلمي؟
الإجابة عن هذا السؤال مباشرة هي لا. إذاً هل من تفسير لتلك الفجوة الظاهرة بين العالم العربي والعلوم؟ الإحصاءات والتقارير التي تنشر بين الحين والآخر مقارنات بين حالة الإبداع العلمي والفكري في عالمنا العربي وبقية دول العالم دائماً ما ترسم صورة قاتمة للوضع القائم لدينا. فهل يدل هذا بالضرورة على جفاف منابع الإبداع؟ مناقشة هذا السؤال عادة ما تتحور سريعاً إلى التذكير بالعصر الذهبي للعلوم في المنطقة ومساهمات علماء العرب والمسلمين الأوائل في حفظ العلوم والمؤلفات الفلسفية اللاتينية ونقلها وما أعقب ذلك من إضافاتهم العلمية القيمة في مجالات الطب والفلك والجبر والبصريات وبقية الإسهامات المعروفة التي استمرت بوتيرة متسارعة حتى نهايات القرن الرابع عشر الميلادي، ليتلقفها الغرب بعد ذلك فتكون شرارة عصر النهضة الأوروبي والثورة العلمية الحديثة. بتحوير النقاش لهذا المنحنى نبدو وكأننا نرغب في دفع شبهة أننا بتركيبتنا الوراثية شعوب عاجزة عن الإبداع وأن الجفاء بيننا وبين العلوم ليس إلا طارئ علينا.
فمنذ بدايات القرن الرابع عشر بعد الميلاد -أفول العصر الذهبي- وحتى يومنا هذا، لايوجد للعرب أي حضور على خارطة الإبداع العلمي. ولم تعد هذه المنطقة مصدراً لأي إنتاج علمي ذي قيمة. التاريخ يخبرنا بأن كل الحضارات تمر بمرحلة ازدهار، تليها مرحلة ركود أو اندثار. لكننا نعود ونتساءل كيف نفسِّر تراجع الحالة الإبداعية عند العرب خلال القرون السبعة العجاف التي تلت قرابة سبعة قرون من الازدهار؟ لماذا تبدو منطقتنا مستعصية على الانخراط من جديد في الحداثة والتصالح مرة أخرى مع العلوم الحديثة؟ بُحث هذا السؤال باستفاضة في الأوساط العلمية المختصة بدراسة تاريخ العلوم ودراسات الشرق الأدنى والأوسط، نظريات عدة لا يمكن الخوض فيها بالتفصيل هنا، لكنها جميعاً حاولت تفسير أسباب تحوُّل شعوب هذه المنطقة من شعوب منتجة للحضارة إلى شعوب تكاد تعاديها وتنبذ الفكر الذي أنتج مخرجاتها. يرجح البعض أنه وبالإضافة إلى العوامل الخارجية فإن العوامل الداخلية من داخل الحضارة نفسها مثل رواج بعض المذاهب الفكرية أثّر على الثقافة السائدة وترك أثراً كبيراً في نسق التفكير ومنهجيته لدى العرب والمسلمين مما أدى بالتدريج إلى تقلص الإنتاج الإبداعي ثم توقفه.
لكن هل يصح ونحن في القرن الحادي والعشرين، قرن التواصل والعولمة والانفتاح على الآخرين أن يكون للإبداع العلمي إثنية؟ لماذا نريد إبداعاً علمياً عربياً؟ يجدر التنويه هنا إلى أنه عند الإشارة للحركة العلمية النشطة في العصر الذهبي فإن وصف الحضارة بـ “العربية” يُعد غير دقيق تماماً، لأن تلك الحضارة لم تكن حضارة عرقية خالصة كالحضارات الصينية أو الهندية القديمة مثلاً، فكثير من كبار علماء تلك الحقبة ليسوا عرباً، لكن يظل وصف تلك الحضارة بالعربية مستحقاً كون اللغة العربية كانت هي الوعاء الحامل لتلك الحركة العلمية. ففي العام 1000 ميلادية كانت قد تمَّ ترجمة جميع التراث الموجود للحضارة اليونانية من طب وفلسفة ورياضيات وغيرها للعربية، وتم ذلك كله تقريباً في بغداد في عصر العباسيين العرب، ومن هنا كانت التسمية مستحقة.
اليوم، أضحى الإنتاج العلمي المقياس الذي تقيم به قدرة الدول على التقدم وتطبيق خططها التنموية والاقتصادية، وهو ما أصبح يعرف عموماً بالاقتصاد المعرفي. هذا الاقتصاد المعرفي هو الذي ينتج المجتمع المعرفي “المجتمع الذي يقوم على نشر المعرفة وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط أساساً لترقية المجتمع: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة. والحياة الخاصة، وصولاً إلى الحياة الإنسانية باطراد، أي إقامة التنمية الإنسانية”. لهذا السبب يصبح سؤال جريان منابع الإبداع العلمي لدى العرب سؤالاً مصيرياً حيث إن المعرفة أزاحت تقريباً دعائم الاقتصاد التقليدي: الأرض واليد العاملة ورأس المال واستبدلتها بركائز أخرى: “المعرفة والإبداع، التعليم، البنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات، والحوكمة الرشيدة”. ماذا ينقص العرب من هذه الركائز؟ أود أن أجادل هنا بأن أهم ركائز الاقتصاد المعرفي التي تقف في طريق الإبداع هو التعليم. تعليمنا بحاجة لأن تتحوَّل مؤسساته من مجرد مؤسسات لتصدير المتعلمين إلى مؤسسات تخرج باحثين ومستعلمين عن الحقائق. وعلى هذه المؤسسات التعليمية والبحثية ذات الطموحات العالية أن تدرك أنها وبسبب ظروف البيئة الثقافية والعلمية المحيطة بها، تقع على كاهلها مسؤولية إضافية عظيمة بجانب البحث العلمي توجب عليها العمل بجهد مضاعف لأن تصل إلى هذا الهدف من خلال انخراطها في إرساء دعائم الثقافة العلمية والتي لابد ألَّا تأتي مجرّدة من السياق الثقافي والفكري للمنطقة، بل مرتبطة ومتفاعلة مع واقعها ومحيطها المحلي.
قد ننجح في بناء هياكل تعليمية ممتازة تخرج أفراداً ليسوا متعلمين فقط، بل قادرين على التفكير والتعلم مدى الحياة. لكن الإنتاج الإبداعي لا يخرج إلى الوجود ويزدهر إلا في وجود بيئة حاضنة. فالإبداع سواء أكان العلمي أو غيره هو وليد الأطر العقدية والفلسفية التي يؤمن بها الأفراد المنتمون لهذه الحضارة، فهل يوجد في نظرة العرب والمسلمين للإنسان ودوره في الكون ما يعوقهم عن الإبداع؟
إن الطريق إلى إعادة الوهج لشعلة الإبداع العلمي في العالم العربي لا يستلزم أن نسير على خطى ومنهج تفكير النهضة الأوروبية التي لم يكن لها خيار سوى أن تتجاوز الدين وتُعد العقل وحده هو السبيل للخروج من التخلف الفكري وتسلط الغيبيات على كل أوجه الحياة. بالنسبة لواقعنا العربي والإسلامي، ربما يجب أن يأتي التغيير عن طريق العودة إلى روح الإسلام وجوهره الذي يدعو أصلاً للتفكير وإعمال العقل وفلسفة الإسلام في نظرته للكون ودور الإنسان فيه. فإن كان علماء العصر الذهبي قد اتخذوا من أهمية تحديد موقع مكة ومواقيت الصلاة وحساب المواريث منطلقاً لحل مشكلات زمانهم والتبحر في علم الفلك وقياس محيط الأرض والجبر، فإن مسلمي العصر الحديث يجب أن ينطلقوا من قيم مناسبة لواقعهم وزمانهم. فإحياء النفس البشرية واستئصال الفقر والأمراض كلها دوافع للإبداع في مجالات الطب والفيزياء والنظريات الاقتصادية التي تحقق العدالة التي هي من ركائز الإسلام. يجب علينا ألاَّ نرى واقعنا من خلال منظار الحضارة الغربية وفلسفتها ومحاولة إسقاط تجربتها على واقعنا الذي ربما كان متشابهاً في الظروف متضاداً في الأسباب. فالإسلام ليس في موضع المصادمة مع العلم، وهذا التصادم الافتراضي لا يجب أن يكون هاجساً ولا عائقاً للإبداع العلمي في عصرنا هذا بالذات، بل دافعاً وحافزاً للانطلاق. وهذا بإذن الله سيؤدي إلى إعادة جريان منابع الإبداع التي بالتأكيد لم ولن تنضب.
خالد ربيع:
وسائط التواصل تنفخ روح الحياة على إبداع سعودي منسي!
لن نماحك حقيقة ماثلة أمامنا، إذا ما قلنا إن منابع الإبداع العربي المعاصر قد خفتت في نواحٍ وتوهجت في أخرى. وهو ما ينطبق على الواقع المحلي في المملكة العربية السعودية.
ولا بد في البداية من التوقف عند نواحٍ جديدة من الإبداع، عرفتها الساحة السعودية مؤخراً، لا يمكن إنكار فضل تقدم تقنيات الاتصال الحديث في شيوعها ورواجها، فقد فاجأ السعوديون العالم العربي من حيث كثافة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أفرزت بدورها إبداعات جدية ذات قيم ـ نصف ـ إضافية. منها فنون اليوتيوب النقدية المعتمدة على الكوميديا الارتجالية، والفنون الغرافيكية التي يمكن تسميتها بـ الفنون الشعبية الجديدة. وهي في مجملها، تعطي قيمة إبداعية إضافية غير مكتملة.
في الوقت نفسه، برزت إبداعات محلية حلَّقت عالياً في مجالات علمية، مثل العالِمة السعودية خولة الكريع التي تقود فريقاً علمياً يتبنى برنامجاً بحثياً للتعرف إلى البصمة الوراثية لمرضى السرطان. وتقوم الكريع وغيرها بإسهامات طبية متميزة في مجال البحوث، يمكن تسميتها بالإبداعات العلمية الطبية. والأمر نفسه ينطبق على مجالات الاختراعات الإلكترونية، والبرمجة، والميكانيكا، والفيزياء، حيث برز شبان مبدعون، تعد إبداعاتهم مؤشرات على نمو منابع جديدة للإبداع المحلي.
وبالعودة إلى مجالات الإبداع التقليدية، فإننا سنجد نموها وتراجعها متفاوتاً، فالغناء مثلاً، هو أحد نواحي الإبداع المتراجعة، فقد أصيب منذ سنوات بنوع من التبلد مرده المحاكاة والتقليد. وليس الشعر بأفضل حالاً منه، حيث لمع اسم محمد الثبيتي كمبدعٍ أصيل، وظل محافظاً على مكانته الشعرية حتى رحل، إلا أنه بعد رحيله وأثناء وجوده وقبله ـ ظهر شعراء لم يتمكنوا من إضافة نوعية تذكر على مستوى الإبداع الجديد المتجاوز، ورزحت تجاربهم، ولا تزال، تحت وطأة المحاكاة والتلاعب اللغوي، فامتلأت الساحة بعشرات الأسماء المتشابهة والتجارب المستنسخة.
وفي إطار النقد الشعري، فإنه على الرغم من تراجع المشهد الشعري، إلا أن حركة نقدية حثيثة تفردت باشتغالها النقدي بوساطة أدوات علمية حقيقية، وتمثَّلت في متابعات سعد البازعي، وسعيد السريحي، ولمياء باعشن، والغذامي، وسواهم. وتحققت القيمة المضافة الإبداعية مع اشتغالات الناقد محمد العباس الذي ينتج نقداً يتفوق بقيمته الإبداعية على النصوص التي يقوم بنقدها. ولعلّ الرواية السعودية أسعد حظاً، حيث شهدت منذ 2006م طفرة في الكتابة والنشر، ولفتت إليها أنظار العالم العربي، وتوجت الأعمال الروائية السعودية بجوائز عالمية، كرواية عبده خال “ترمي بشرر” التي حصدت جائزة البوكر العربية في 2010م، ورجاء عالم التي نالت الجائزة نفسها في 2011م. وفي المسرح، لم تستطع الحركة المسرحية النشطة مراوحة مكانها الذي ظل قريباً فقط من أوساط المهتمين بها، فلم تخرج التجارب الإبداعية إلى دائرة الجماهير العريضة، وانحصر تأثيرها على متابعيها. وعلى الساحة التشكيلية، بات تزايد الاهتمام ملحوظاً بالفن التشكيلي بمختلف أنواعه ومدارسه منذ منتصف التسعينيات، وظلت المعارض تقام، حتى الألفية التي انطلق في منتصفها الاهتمام بالفنون المعاصرة، وكانت وما زالت حركة نوعية غامضة، تستقطب النخب الفنية الشبابية، ويبقى المجتمع في حالة ترقب ينظر إليها بكثير من الغرابة وعدم النفعية، حتى إن حققت منتجاتها مبيعات عالية القيمة المادية. الإعلام المرئي والمسموع والسينما وعلى الرغم من اتساع دائرة الأفق الفضائي، وتطور تقنيات البث، إلا أن ما تقدِّمه الإذاعة والتلفاز من برامج يعاني الجمود في قوالب تقليدية، ويمكن القول إن الجهازين اكتفيا بالقيام بدورهما الصحافي المرئي والمسموع دون إضافات قافزة تثري الثقافة وتلهم للمزيد. باستثناء الفنون الدرامية التلفزيونية التي شهدت تنامياً تعكسه المسلسلات المقدمة على نحو خاص في شهر رمضان، وإن كان بعضها لم يسلم من الترهل. حيث نجح بعضها بالتحليق عالياً وملامسة الإبداع في الأداء التمثيلي بما حواه من موضوعات وأسلوب، وبهذا تكون المحصلة النهائية أن الدراما السعودية أحدثت تأثيراً، وحققت وجوداً لا بأس به عربياً، يلفت الانتباه إلى إنتاج واعد على أقل تقدير.
وقد شهدت الساحة السعودية خلال عقد أو أكثر بقليل نشاطاً مبدعاً في مجال السينما الآخذة في التصاعد، وأخذ كثير من الشبان في إنتاج أفلام قصيرة تتميز بأفكار جيدة ولكن يشوبها أخطاء بالغة في استخدام التقنيات السينمائية، وهو أمر متوقع لحداثة تجربة السينما، غير أن ظهور فِلم “وجدة” للمخرجة هيفاء المنصور، عزّز الأمل في إمكانية حدوث قفزات إبداعية في هذا الفن العتيد.