مثل الطيور، مع مطلع الفجر، يتوجه طيارو أرامكو السعودية إلى طائراتهم استعداداً لنقل مئات الموظفين إلى مواقع عملهم المنتشرة من منصّات في البحر إلى معامل في أعماق الصحراء.. الزميل خالد الطويلي يسافر مع هذه الطيور ناقلاً إلينا قصة يوم في حياة الكابتن هيثم الحسيني.
يصل عدد كبير من العاملين في أرامكو السعودية إلى مواقع أعمالهم جواً على طائرات نفاثة وأخرى مروحية، من أحجام متعددة وبطاقات استيعاب مختلفة، توفرها الشركة لنقل موظفيها من مواقع أعمالها وإليها، التي غالباً ما تكون بعيدة من مركزها في الظهران.
ومن تلك المواقع ما هو عبر عرض المملكة العربية السعودية الشاسع في مدينتي جدة وينبع على الساحل الغربي، ومنها ما هو ناءٍ على منصات بحرية في أواسط الخليج العربي، أو ما هو ضارب في رمال صحراء الربع الخالي، على نحو يجعل الطيران وسيلة المواصلات والنقل الأنسب لقطع هذه المسافات.
ولكي تسير جميع هذه الرحلات بانتظام، يعمل كل من هشام مصباح، وصلاح الدوسري، وفـؤاد الجاهلي، من مكتب تخطيط وجدولة الطيران على إعداد جداول سنوية للطيارين ومساعديهم تتوافق مع جداول تدريباتهم وإجازاتهم وحتى مواعيدهم الطبية، وذلك لتفادي أي تعارض بينهم يمكن أن يؤثر على انتظام الرحلات.
في الظلام الدامس
حين يكون في جدول الطيار هيثم الحسيني، الذي يعمل في إدارة الطيران في أرامكو السعودية منذ عشرين سنة، رحلة مبكرة مثل هذه الرحلة التي استضاف فيها محرر القافلة ومصوّرها، فإنه يستيقظ من نومه في الثالثة صباحاً، ويخرج من بيته ليستقل سيارة توفرها إدارة الطيران في حدود الرابعة والنصف لكي يقلع بالطائرة في تمام السادسة.
وصل الحسيني إلى مبنى الطيران بمطار الملك فهد الدولي بالدمام، في الخامسة والربع والظلام لا يزال دامساً. دخل فوراً إلى مكتب عمليات الطيران الذي تسلّم منه معلومات الرحلة: حالة الطقس في كل محطة من محطات الرحلة ومقدار الوقود الموجود في الطائرة. في هذا اليوم كان هناك نقص في طاقة تخزين الوقود لدى محطة رأس تناقيب، ولذا قرر الحسيني تزويد الطائرة بمقادير إضافية ليتمكن من إتمام الرحلة.
خالد الزهراني، من مكتب عمليات الطيران، أبلغ الحسيني بأن درجة الحرارة سوف تكون منخفضة نسبياً في محطة المغادرة، وفي باقي محطات الرحلة الثلاث الأخرى. هذه المعلومات كانت جيدة للطيار، لأن أداء الطائرات يتحسن كثيراً في الجو البارد إذ أن المحركات تتمكن من استيعاب مقدار أكبر من الأوكسجين.
نظرة من الداخل
منظر قمرة القيادة لمن لا علم له بها مُربك. هناك ساعات وشاشات وخرائط ومفاتيح كثيرة، تنتشر أمام ملاَّحَيْ الطائرة وعلى جانبيهما وفوقهما.
بعد تفقد الطائرة من الداخل، عاد الحسيني مرة أخرى إلى أرض المطار وحمل كشافاً صغيراً وجال حول الطائرة ليفحص جسمها الخارجي. نظر داخل المحرك وتفقد ريش المراوح، وأطال البحث عن أي شرخ أو كسر أو تسرّب ظاهر أو شقوق يمكن أن تؤثر في السلامة، وحين اطمأن إلى سلامة كل شيء صعد إلى الطائرة من جديد منتظراً وصول الركاب.
على مقودي الطائرة توجد قائمة فحص Check List ملصقة، يقرأ منها قائد الطائرة تعليمات، فيؤكد مساعده إتمام الفحص وهكذا ينفذان معاً، من خلال تلك الأجهزة والساعات والمفاتيح، عملية تبدو تلقائية. يقول الحسيني عن ذلك: هذه الساعات والمفاتيح الكثيرة هي بالنسبة للطيار كمفاتيح الإضاءة المنزلية تماماً. كأنك جمعتها كلها في منطقة واحدة من المنزل، فأنا أعرف ما هو منها للضغط أو الهواء أو ما يخص المحركات والوقود والكهرباء والنظام الهيدروليكي، كما تعرف أنت وظائف مفاتيح الإنارة المنزلية .
الرجاء ربط الأحزمة!
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحاً عندما أعلن الحسيني عبر اللاسلكي أنه جاهز للتحرك بالطائرة نحو المدرج. كانت درجة الحرارة في مطار الدمام ثماني درجات مئوية والرؤية واضحة إلى مسافة 5 أميال، وبمجرد ارتفاع عجلات الطائرة عن ملامسة الأرض حدث هدوء عجيب كان ملائماً للتأمل في منظر السماء ثم العودة للنظر إلى الأرض التي بدت أكثر مسالمة من بعيد.
يعرف الحسيني أن عمل الطيار صعب وخطير ويحمّله أعباء ومسؤوليات كبيرة تتعلق بأرواح المسافرين معه على متن الطائرة، فالانتباه واليقظة الدائمة مطلوبان باستمرار على المستوى نفسه وبالدقة نفسها، لأن هذا العمل لا يقبل أقل من ذلك في أي وقت. يقول في هذا الصدد: هناك قائمة طويلة من البنود التي يجب على قائد الطائرة أن يوليها اهتمامه، وتأتي محركات الطائرة على رأس هذه القائمة.
ويفضل الحسيني الإقلاع والهبوط من المطارات ذات المدارج الكبيرة والواسعة التي تنيرها إضاءة ممتازة، لأن الإقلاع والهبوط أصعب مهمتين في الطيران. ولذلك فإنه يعد الطيران لمسافات بعيدة أيسر من السفر لمسافات قصيرة تتكرر فيها عمليات الإقلاع والهبوط.
المحطة الأولى
بعد عشر دقائق من إقلاعنا من مطار الدمام وتحليقنا بسرعة 512 كيلو متراً في الساعة، كنا قد هبطنا في مطار رأس تنورة حيث ارتفعت درجة الحرارة مع صعود الشمس إلى عشر درجات مئوية، وكانت الرؤية واضحة إلى مسافة 4 أميال. وكان معنا من الدمام 22 راكباً بقي جميعهم على متن الطائرة، التي صعد إليها 25 راكباً إضافياً يواصلون الرحلة ليصل مجموع ركاب الطائرة إلى 47 راكباً.
النقل المروحي
في منطقة رأس تنورة، التي يعمل فيها أكثر من 0046 موظف من أرامكو السعودية، يوجد أكبر ميناء لتصدير النفط الخام في العالم، ومصفاة تبلغ طاقتها الإنتاجية 325 ألف برميل يومياً ومنطقة خزانات للمواد المكررة يعمل في إدارته وتشغيله الكثير من الموظفين، الذين صعدوا إلى هذه الطائرة. ويعد مطار رأس تنورة، أحد مطارين لتشغيل المروحيات التي تنقل الموظفين والمؤن إلى المناطق المغمورة وغيرها برأس تنورة والسفانية، التي تعد أكبر (نفّاطة) مغمورة في العالم.
النقل الجوي بالمروحيات من هذين المطارين يسهم على مدى 42 ساعة في نقل الركاب إلى المحطات البحرية والبرية في المنطقة، ومنها الرحلات اليومية المنتظمة من مجمع المرجان بمنصاته الثلاث وإليه، ومجمع الظلوف المكون من أربع منصات، إضافة إلى منصات الحفر ومنطقة السفانية وأبو سعفة والبري.
والمروحيات لا تخدم فقط مجال نقل الموظفين والمؤن، بل تشارك أيضاً في الإخلاء الطبي الذي يقول عنه محمد صالح الغامدي، طيار المروحيات بإدارة الطيران في رأس تنورة، إنه العمل الأكثر مردوداً من الناحية المعنوية ، فإدارة الطيران هي إحدى إدارات أرامكو السعودية التي تستجيب لنداء 011، الخاص بحالات الطوارئ والاستجابة السريعة، إضافة إلى المستشفى والأمن الصناعي والمسؤولين المعنيين في الإدارة.
ومن ضمن المهام التي تساند في تقديمها المروحيات أعمال العلاقات العامة، ومن بينها مهام التصوير الجوّي التي صحبنا محمد الغامدي في إحداها لتصوير مناطق في رأس تنورة والظهران وما بينهما من مدن ومشاهد.
في رأس تنورة خرج طلبة مدرسة أرامكو السعودية ومعلموها إلى ساحة المدرسة الخضراء ليشكّلوا لنا حرفي R و T الدّالين على اسم مدينتهم، وبعد تصوير المنشآت الصناعية هناك اتجهنا إلى الظهران، وفي الطريق شاهدنا واحة القطيف وفرضة دارين التي تلتف من حولها قوارب الصيادين.
وقبل الاتجاه إلى مهبط المروحيات بالظهران قمنا بجولة على شاطئ نصف القمر وكورنيش الخبر، حيث شاهدنا هناك عدداً من الطيور المهاجرة التي استقرت على بعض الجزر الصغيرة المغمورة بماء البحر قرب الشاطئ لتلوّن صفحة الماء بألوانها اللافتة.
في الجو من جديد
أقلعنا مع الحسيني من مطار رأس تنورة في الساعة 53:6 صباحاً، وقد اختلف منظر الإقلاع مرة أخرى لأن ضوء الشمس كان قد ملأ السماء في هذا الجزء من الرحلة حتى محطة تناقيب التي تقطعها الطائرة في 12 دقيقة. قال لنا الحسيني الارتفاع الذي تحلق عنده الطائرة يزداد بازدياد مسافة الرحلة، لذلك فإن الارتفاع في هذا الجزء سوف يزيد فوق عشرة آلاف قدم، وكذلك ستزداد سرعة الطائرة إلى 052 عقدة جوية ، أي ما يعادل 574 كيلومتراً في الساعة.
مرحباً بكم في تناقيب
كانت درجة الحرارة في تناقيب حين وصولنا سبع درجات مئوية، وكان الضباب كثيفاً ومستوى الرؤية الواضحة لا يتجاوز خمسة أميال، ولكننا تمكّنا -ولله الحمد- من الهبوط بسلام. وقد أُبلغنا عند الهبوط بأننا سنضطر إلى البقاء في المطار مدة قد تصل إلى الساعة في انتظار وصول الطائرات المروحية التي تنقل الموظفين من المنصات البحرية التي تقع وسط مياه الخليج العربي. ولما كان الضباب الكثيف يؤثر في مستوى الرؤية لا سيما داخل البحر، فإن تأخر وصول هذه المروحيات كان بسبب عدم إقلاعها من المنصات في انتظار أن ينقشع الضباب.
نزل جميع ركاب الطائرة القادمين من الدمام ورأس تنورة في تناقيب، وبقي معظمهم في المطار ينتظرون معنا وصول المروحيات التي ستنقلهم إلى المنصات البحرية، حيث مواقع أعمالهم، وبقينا نحن في انتظارهم جميعا على متن الطائرة، حيث أرسل لنا الموظفون في المطار إفطاراً يواسينا.
توجد في منطقتي تناقيب والسفانية مواقع عمل لأرامكو السعودية على اليابسة وفي المناطق المغمورة يعمل فيها نحو 9371 موظفاً، منهم أولئك الذين ينتقلون من المنصات البحرية في عطلهم الأسبوعية على متن مروحيات تصل بهم إلى مطار تناقيب، وهو المطار الثاني للنقل المروحي في أرامكو السعودية، ويستقلون من هناك طائرات مثل التي يقودها الحسيني اليوم، طرازها بوينج 007-737 ليواصلوا بها السفر معه نحو وجهتهم النهائية.
وتقع منصة (مرجان – 2) البحرية لفصل الزيت من الغاز على عمق 002 قدم في مياه الخليج العربي ضمن المناطق التابعة لمنطقة تناقيب الصناعية، وهي إحدى المحطات التي تخدمها الطائرات المروحية من مطار رأس تناقيب، فتنقل الموظفين منها وإليها، كما تعدّ جزءاً من مجمع المرجان الذي يضم -أيضا- منصتي (مرجان -1) و(مرجان -3) وهو يعد الأكبر من نوعه في العالم، ويعمل على تشغيله أكثر من 021 موظفاً موزعين بين أعمال الصيانة والتشغيل ووحدات المساندة التي تشمل وحدة هندسية ووحدة تفتيش. ويستخدم جميع هؤلاء الموظفين النقل المروحي.
سلطان القحطاني، القادم من أبها عروس عسير في المنطقة الجنوبية، يعمل مشغّلاً في منصة (مرجان -2) منذ ما يزيد على أربع سنوات، ويداوم في هذا العمل لأجل ذلك على نظام (7/3) و(7/4)، أي أنه يعمل سبعة أيام متواصلة مدة 21 ساعة في اليوم، ثم يأخذ إجازة ثلاثة أيام، ثم يعمل سبعة أيام أخرى متواصلة ليأخذ بعد ذلك إجازة أخرى أربعة أيام.
وهكذا يصبح سلطان واحداً من بين 57 موظفاً يشغّلون منصة (مرجان – 2) ويستخدمون هذه الطائرات في الإجازة السنوية وفي بدايات العطلات الأسبوعية ونهاياتها.
ينطلق من مطار رأس تناقيب أكثر من 52 رحلة يومية، لنقل 007 راكب تقريباً من المعامل التابعة لأرامكو السعودية، فيما نُقل 89108 راكباً أثناء 6914 ساعة طيران من مطار رأس تنورة خلال عام 2002 م فقط.
مناظر بحرية ممتعة
عندما يستقل هؤلاء الموظفون المروحيات فإنهم يحلقون على ارتفاع 0003 قدم فوق سطح البحر، وينطلقون بسرعة تصل إلى 57 عقدة جوية (أي ما يساوي 001 ميل في الساعة)، ويشاهد كثير منهم أثناء هذه الرحلة المتكررة، بعض الدلافين التي تقفز فوق الماء، وبعض زوارق الصيد الخشبية التقليدية التي تجوب تلك المناطق باستمرار بحثاً عن السمك والربيان، بالإضافة إلى بعض الطيور التي تسبح في السماء هنا وهناك مبتعدة عن هدير محـركات هذا الطائر الضــخم الذي اقتحم عالمها دون اسـتئذان.
تظل الطائرات أثناء تحليقها على اتصال دائم ببرج المراقبة الذي يرتبط بدوره بخطين مع مقر أرامكو السعودية ومع قاعدة الملك عبد العزيز الجوية. ويزود برج المراقبة الطيارين بمعلومات مفصلة عن الطقس، واتجاه الرياح وسرعتها، ودرجة الحرارة وكثافة الرطوبة، والضغط ومعلومات عن خط السير.
كان الطيار المساعد للحسيني في هذه الرحلة هو مشتاق شودري، الذي يصف هيثم بأنه رجل ممتاز الصفات ويسهل التعامل معه، وهذا يسهل علي أنا مهمتي ويوفر لنا أفضل الظروف للعمل داخل قمرة القيادة. إنه طيب جدا .
جمع شودري مع هيثم الحسيني موقف نادر هو أحد موقفين مرّا على الحسيني وحُفرا في ذاكرته خلال عقدين تقريباً من الطيران إلى مواقع أعمال أرامكو السعودية.
كان الموقف الأول خــلال رحلــة من الدمــام إلى ينبـع على طـائرة طرازهـا (002-737) في عـام 1002م. يقول الحسيني: قبل نصف المسافة، وعندما اقتربنا من منطقة القصيم، ارتفع ضغط الزيت في محرك الطائرة الأيمن إلى درجة فرضت علينا إطفاءه والتحليق من دونه، وقد أبلغت الركاب بهذا، لأننا اضطررنا إلى العودة بالطائرة فوراً إلى الدمام باستخدام محرك واحد. وفي الدمام استُبدلت الطائرة، وأسعدني أن جميع ركابها (وكان عددهم 28 راكبا) عادوا ليستقلوا معي الطائرة البديلة.
وانقشع الضباب
وصلت أخيراً المروحيات محملة بموظفي المنصات البحرية، فصعد منهم35 راكباً إلى طائرتنا. وبعد صعودهم بدقائق حلقت الطائرة من جديد باتجاه رأس تنورة، التي تُذكّر الحسيني بالموقف الصعب الثاني، الذي مر به، إذ حدثت في رحلة سابقة له من تناقيب إلى رأس تنورة مشكلة في إحدى عجلات الطائرة.
يقول الحسيني عن هذا الموقف: اقتربنا من المدرج للهبوط، وأنزلت عجلات الطائرة، وكانت القراءة لدي تشير إلى أن العجلة الخلفية اليمنى لم تنزل تماماً. فألغينا عند ذلك الهبوط في رأس تنورة وأكملنا إلى الدمام، وحلقت بالطائرة على ارتفاع 005 متر فقط قرب المراقبة الأرضية، حتى يمكن النظر بالعين المجردة لتحديد وضع الإطار، ولكن لم يستطع أحد أن يعرف إن كان الإطار قد نزل تماماً أم لا، فقررت أن أتخلص من حمولة الطائرة من الوقود حتى لا يسبب مشكلات لو تعرضت الطائرة لحادث لا سمح الله، ولكن الله سلّم، وهبطت الطائرة دون مشكلة، وقد اتضح لاحقا أن هناك عطباً تصنيعياً وراء المشكلة، وقد نوقش الأمر مع الشركة المصنِّعة. وعن شعوره الشخصي في مواجهة هذه المشكلة قال: أثناء حدوث المشكلة لم أشعر بخوف ولا ارتباك، لأنني كنت مشغولاً عن ذلك بالتفكير في إيجاد حلول سريعة، وكان همي الأكبر هو ركاب الطائرة، ولكني شعرت بحجم المشكلة التي مررنا بها بعد الهبوط بسلام، فبعد ربع ساعة من وصولي إلى المنزل في ذلك اليوم، اتصل بي رئيس الشركة، الأستاذ عبدالله جمعة بالهاتف ليهنئني بسلامتي وسلامة جميع الركاب في الرحلة. وكنت أظن أن أحد الزملاء يحاول ممازحتي في البداية قبل أن أتيقن لاحقاً من أن محدثي فعلاً هو رئيس الشركة، وقد سررت كثيراً باهتمام الإدارة بماحدث على أعلى مستوياتها .
نستعد الآن للهبوط النهائي
عند اقترابنا من مطار رأس تنورة بدأ الحسيني في مخاطبة المطار محدداً موقعه واتجاهه وسرعته. وأعطاهم معلومات عن المسافة المتبقية والوقت المتوقع للهبوط في المطار. في الساعة الثامنة هبطنا في رأس تنورة مرة ثانية هذا الصباح، وقد نزل من الطائرة معظم ركابها ولم يبق منهم إلا عدد قليل أكملوا معنا السفر نحو محطتنا قبل الأخيرة في مطار الأحساء، وقد استغرقت الرحلة إلى هناك عشرين دقيقة. في الأحساء نزل جميع الركاب الباقون ولم يصعد ركاب جدد، وأقلعنا من هناك مباشرة في الساعة 44:8 باتجاه المحطة الأخيرة لهيثم الحسيني في الدمام.
الحسيني عن قرب
لدى الحسيني ثلاث بنات، أكبرهن تبلغ من العمر 81 عاماً وهي طالبة جامعية، والثانية تبلغ من العمر 61 عاماً والثالثة 41 عاماً، وهما تدرسان في مدارس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ويؤثّر الطيران بطبيعة الحال في حياته العائلية بالسلب والإيجاب كأي عمل آخر ، فهو يوفر له وقتاً أكثر خلال اليوم للأعمال الخاصة والأسرية، ولكنه، في نفس الوقت، يحرمه من الأعياد وعطل نهاية الأسبوع التي يحلق خلالها بطائرات الشركة، إضافة إلى ساعات العمل المتأخرة جداً أو المبكرة جداً، مما يتسبّب، أحياناً، في خروجه من منزله قبل أن تستيقظ بناته وبعودته بعد ساعة نومهن.
كانت هذه هي قصة يوم واحد من أيام عمل الكابتن هيثم الحسيني والموظفين المسافرين معه، ولكن باقي أيام الأسبوع قد تختلف في جدول السفر ومحطاته، وكذلك هي حال باقي طياري أرامكو السعودية ومساعديهم، الذين يصل عددهم إلى 421 طياراً، فهناك أكثر من 61 محطة أساسية تخدمها طائرات الشركة في الظهران والدمام وبقيق والأحساء ورأس تنورة وتناقيب والحوطة وحرض والرياض وجدة وينبع، بالإضافة إلى أربع محطات ضخ على طول خطوط الأنابيب، شرقاً وغرباً، عبر أراضي المملكة العربية السعودية، حيث يجري الإقلاع والهبوط ثماني مرات، عدا المحطات التي تصلها المروحيات.
يدرّب الحسيني على قيادة طائرة بوينج 737، ويطير الآن بما مقداره ثمانون ساعة طيران في الشهر الواحد، وتحسب الساعات من وقت إقلاع الطائرة إلى وقت هبوطها. ولا يدخل فيها وقت تفحص الطائرة أو تجهيزها للطيران أو أوقات الانتظار والتأخر في المحطات للظروف الجوية وخلافه. إضافة إلى 08 ساعة طيران في الشهر يقضي الحسيني أوقاتاً إضافية في مكتبه بمبنى الطيران في مطار الملك فهد الدولي، قبل أن يعود إلى زوجته وبناته في منزله في حي أرامكو السكني في الظهران.
طائرات الأمس .. طائرات اليوم
امتلكت أرامكو السعودية أولى طائراتها عام 5391م، وكان طرازها فير تشايلد – 17 ، كانت تستخدم لأغراض البريد والمسح الجوي. وقد بدأ نقل الموظفين على متن الطائرات منذ إنشاء إدارة الطيران عام 7491م حين اشترت الشركة طائرتين لنقل الركاب في الداخل والخارج، من طراز
DC3 و DC4 بعد اتساع رقعة أعمالها وانتشارها الجغرافي.
ولغـرض تشــغيل شــبكة نقـل جــوي لنقــــل الموظفين، تمتلك أرامكو السعودية اليوم ما مجموعه 83 طائرة، خمساً منها من طراز بوينج 737 وحمولتها 531 راكباً، وثلاث طائرات طراز DHC-8 حمولتها 73 راكباً، وطائرتين بحمولة: 21 راكباً وعشرة ركاب وثمانية ركاب. وتملك الشركة ما مجموعه 12 مروحية أكبــرها طـــرازها ب-412 وحمولتها 81 راكباً، وأصغرها ب-602 حمولتها خمسة ركاب. وقد شغلت مقاعد هذه الطائرات المتعددة ومنها المروحيات في عــام 2002م بما يصل إلى 733314 مرة من خلال 80591 رحلات حلّقت في الجو أكثر من 45552 ساعة.