تخرج من مكتب المعمارية عزة الدغيثر وقد ازددت اقتناعاً بمكانة فن العمارة وأهميته في حياتنا. تتلفت إلى المباني حولك، مختبراً ما استقبلته من حديث يعطي للعمارة بعداً فكرياً وإنسانياً.
ســيرة
قبل 51 سنة عادت عزّة الدغيثر إلى المملكة بعد أن أنهت دراستها في جامعة سيراكوز بنيويورك. بدعم من والديها رحمهما الله، فقد شجعتها والدتها على التخصص في الهندسة، ودعمها والدها فى ميدان العمل. لم تجد في البدء مكتباً هندسياً تنضم إليه، فقامت بنشاطات متنوّعة منها المشاركة في صناعات يدويّة، ثم عملت في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض. تقول عزة معلقة على ذلك: إن مجموعة النشاطات التي قامت بها قد وسعت آفاقها وسمحت لها بالتعامل مع سيدات المجتمع السعودي في سعيهن للعطاء والإبداع. وعلى إثر محاضرة ألقتها في جمعية النهضة النسائية طلبت منها سيدتان القيام بتجديد بيتهما بعدما استحوذ تفكيرها على إعجابهما. وقامت بعد ذلك بتأسيس شركة مع مصممة ديكور سعودية مرموقة، هي السيدة سيما ملك. وخلال سبع سنوات نفذت عزة وسيما مشاريع عديدة. ومضت عزّة في مسيرتها المهنيّة الناجحة ولا تزال.
وفي جانب آخر من حديثنا معها تنفي وجود أية صعوبات في العمل لكونها سيدة، وتؤكد أنها تشعر بالاحترام والتشجيع والتعاون من قبل أصحاب المشاريع والمهندسين وحتى عمال البناء في المواقع.
عمارة .. لنا..!
للعمارة رسالة، كما تقول عزّة، وحين يضع المعماري روحه في تصميماته يقوم المبنى كعمل فني يقرؤه الناس، والناس قادرون على قراءة رسالة المعماري في عمارته.
كما تؤمن بأن هناك حواراً غير مرئي ولكنه محسوس بين المبنى وساكنه، مستخدم المبنى، فيلجأ للمعماري، الذي يقوم بترجمة أفكاره ويقتبس شخصيته ويعبر عنها بمفرداته المعمارية.
الهندسة المعمارية في نظرها موضوعها الإنسان ومادتها البيئة وعلمها التقنية المتوافرة، فإذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة نضعها معاً لننشئ عمارة تنتمي لنا. عمارة معاصرة لكنها عمارة تنسجم مع الصفات الروحية لمجتمعاتنا.
نحن ننتمي لمجتمع متديّن، وفي أعماق كل واحد منّا نزعة روحية راسخة. والإنسان السعودي والعربي يحب أن تنعكس هذه النزعة على بيته الذي يعتبره مملكته وملاذه.. فهو ينشد الجمال والراحة، وبهذا نصل إلى ما هو أبعد من فلسفة حياتنا اليومية، إلى ركيزتي الحياة البشرية: الرجل والمرأة وأهمية توحيدهما وانسجامهما للوصول بهما إلى التكامل والصفاء والجمال في بحث دؤوب عن الأفضل، وهو ما نطمح إليه كأسلوب حياة. وهذا ما تجسده فلسفة
(بان يانج) اليابانيّة – الشيء والشيء الآخر.. وبهذا الانسجام يتحقق الكمال.
بنيان ليس للإنسان
اليوم نحن في الشرق-في كل الشرق- أسرى التقليد. نقلّد الغرب في أغلب الأحيان، وإلا فإننا ننقلب للماضي ونكرر المباني القديمة حرفياً.
فن العمارة في الغرب أسقط الإنسان من حساباته.
وبعد الثورة الصناعية تحديدا ظهرت كثير من الحركات المعمارية التي لم تعد تأخذ الإنسان بعين الاعتبار، وتم التأكيد فقط على شخصية المعماري منفصلا عن شخصية المستخدم، فانعدم الحوار الأهم في العلاقة المتبادلة بين الاثنين.! وهذه الاتجاهات المعمارية تجدها في مبانيها، تارة قاسية بلا مشاعر وطوراً تصل في محاولة تحريك المشاعر إلى حد الجنون. وعلى طرفي النقيض الإنسان غير موجود فهو يجلس في الوسط. إن المعماري الحقيقي هو الذي يستطيع أن يكون إنساناً أولاً وأخيراً، وهو الذي يوازي بين كل معطيات الحياة من علم وتكنولوجيا وبيئة. إنه الإنسان. يبقى عمرانه عبر العصور رسالة إلى البشرية.