في بداية العام الجاري 2016م، بدأ رسمياً تنفيذ الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدة في «خطة التنمية المستدامة 2030م»، واعتمدها قادة العالم في سبتمبر 2015م في مدينة نيويورك خلال قمة أممية اعتبرت تاريخية. وعلى الرغم من أن هذه الأهداف غير ملزمة قانوناً للدول، فقد تعهدت الحكومات بالعمل على إعداد برامج وطنية تتناسب وحاجاتها الاجتماعية والتنموية والبيئية.
ويتعلَّق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، بـ «ضمان الحصول على الطاقة» الحديثة بأسعار معقولة وبشكل موثوق ومستدام للجميع، لما لذلك من تأثير على تغير المناخ، وتشجيع العمل على تحسين كفاءة الطاقة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة. فما الذي يعنيه ذلك؟
بات الحصول على الطاقة بشكل مستدام وبتكلفة مناسبة للجميع مصدر تحدٍّ لكثير من دول العالم. وصعوبة الحصول على الطاقة الكهربائية ووقود الطهي والتدفئة، صارت تعرف بـ «فقر الطاقة»، الذي تعاني منه مجتمعات عديدة. الأمر الذي يستدعي بذل الجهود لبناء القدرات الوطنية في البلدان المعنية بهذه القضية، وعقد الشراكات العالمية ودعم التقنيات الحديثة لإيصال الطاقة، للمساهمة في التخفيف من الفقر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفق رؤية الأمم المتحدة.
ففي البلدان النامية والفقيرة، يُعد الحصول على خدمات الطاقة بأسعار جيدة وبطريقة موثوقة ومستدامة، أمراً أساسياً للحدِّ من الفقر وزيادة الإنتاجية، وتعزيز القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي. كما أنه أمر أساسي لتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى الاحتياجات اليومية العديدة مثل توفير الإضاءة والتدفئة والطهي والنقل وخدمات الاتصالات الحديثة.
مقاصد الهدف رقم 7
يتضمن الهدف رقم 7 مقاصد عديدة، أهمها:
• ضمان حصول الجميع على خدمات الطاقة الحديثة بتكلفة معقولة بحلول عام 2030م.
• العمل على زيادة حصة الطاقة المتجدِّدة في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2030م.
• دعم الجهود لمضاعفة المعدل العالمي لاستمرار تحسين الاستهلاك ورفع كفاءة الطاقة ضعفين بحلول عام 2030م.
• تعزيز المساهمة والتعاون الدولي المسهّل للوصول إلى أبحاث وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، ويشمل ذلك الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام واستهلاك الطاقة وتقنيات الوقود الأحفوري المتقدمة والأنظف، وأيضاً تشجيع الاستثمار في البنى التحتية للطاقة والطاقة النظيفة.
• نشر ثقافة الاستهلاك الواعي المساعد على الإقلال من الهدر والتلوث. وتعزيز جهود الوصول للطاقة الحديثة والميسرة والمستدامة.
• التوسع في البُنى التحتية وتطوير خدمات التكنولوجيا، وذلك من أجل تقديم خدمات الطاقة الحديثة والمستدامة للجميع على مستوى البلدان النامية والأقل نمواً، وذلك بما يتماشى مع برامج الدعم الخاصة بكل منها على حدة بحلول عام 2030م.
ماذا يعني هذا المفهوم تحديداً؟
لا يوجد حتى الآن تعريف عالمي متفق عليه لمصطلح «الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة»، ولعل أهم النقاط الرئيسة في تعريف هذا المصطلح، هي:
• حصول كل أسرة على المستوى الأدنى من حاجتها للطاقة الكهربائية.
• استخدام الأسر لمواقد طهي وأدوات تدفئة آمنة وأقل ضرراً على الصحة والبيئة.
• الحصول على الطاقة الحديثة والممكنة لأوجه النشاط الاقتصادي الإنتاجي، مثال على ذلك الطاقة الميكانيكية لأغراض الزراعة والصناعات المتنوعة.
• الحصول أيضاً على الطاقة الحديثة لتقديم الخدمات العامة مثل الكهرباء للمرافق الصحية ودور التعليم وإنارة الطرقات.
ويعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الوصول إلى خدمات الطاقة المستدامة يعدّ وسيلة لدعم برامج التنمية البشرية والمجتمعية وكذلك البرامج الاقتصادية، وتعزيز التنمية المستدامة. ويشجّع البرنامج على الاستثمار في الطاقة المتجددة للوصول إلى المناطق النائية الفقيرة للوصول لخدمات الطاقة.
ويعرِّف «بنك التنمية الآسيوي» (ABD) فقر الطاقة بأنه غياب الاختيار للحصول على خدمات الطاقة الكافية بأسعار معقولة وموثوقة وذات جودة عالية وآمنة وسليمة بيئياً لدعم الاقتصاد والتنمية البشرية.
ويرى «بنك الأمم االمتحدة للتنمية» أن مؤشر الفقر لا يقتصر فقط على الدخل المنخفض أو المنعدم، وإنما يشمل عدداً من الجوانب من بينها مقياسان يتعلقان بالطاقة. أحدهما يختص بالكهرباء الذي يُعد عدم الحصول عليها مؤشراً على الفقر. والمؤشر الآخر يتعلق بوقود الطبخ وما إذا كان قائماً على استخدام وسائل بدائية في مواقد الطعام كالحطب والفحم وروث الحيوانات كالأبقار والماشية.
الحاجة المُلحّة إلى الاستثمارات
يعتبر البنك الدولي أن نقص الاستثمارات هو التحدي الرئيس للحصول على كهرباء موثوقة ومستدامة. فهناك حاجة لضخ استثمارات هائلة تُقدَّر بحوالي 48 مليار دولار سنوياً، لتوفير سبل الحصول على الطاقة للجميع بحلول عام 2030م. وستحتاج مرافق الطهي النظيف وحدها إلى 4 أو 5 مليارات دولار من إجمالي هذه الاستثمارات.
ولتحقيق هدف الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة وبسعر ممكن، لا بد من توفر حزمة من السياسات والأدوات التي تمكّن الحكومات من دعم برامج الاستثمارات في التوسع في خدمات الطاقة المقدَّمة للناس في الدول النامية وخصوصاً في القرى والأماكن التي لا تتوفر فيها الشبكات الكهربائية المركزية.
إنه أمر أساسي لتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى الحاجات اليومية العديدة مثل توفير الإضاءة والتدفئة والطهي والنقل وخدمات الاتصالات الحديثة…
ويمكن لحكومات الدول اعتماد سياسات مرنة في إدارة البرامج ومراقبة تنفيذها، مثل برامج الدعم للأسر الفقيرة، وما يشمل ذلك من آليات وحوافز متنوعة، وضمانات مالية، وبرامج التمويل الميسرة للبدء بمشاريع توفير الطاقة الكهربائية النظيفة، خصوصاً التركيز على تحسين مواقد الطهي للأسر الفقيرة. إضافة إلى ذلك، يتجلَّى بوضوح وجوب تقديم الدعم للمستثمرين والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وبشكل خاص في القرى والأماكن النائية.
ولجذب الاستثمار إلى قطاع الطاقة الحديثة لا بد من توافر الأنظمة والبُنى التحتية الجيدة والقوانين التي تحمي البيئة الاستثمارية. كما أنه لا بدّ من العمل على بناء القدرات والموارد البشرية والمؤسساتية القوية، لتنفيذ السياسات والأدوات الاستثمارية والنظم المتعلِّقة بتمكين الوصول إلى مصادر الطاقة الحديثة.
الطاقة المتجدِّدة تلعب دوراً مساعداً
ويمكن أن تسهم الطاقة المتجددة بكافة أشكالها، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها، في تحسين ودعم الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة بأسعار معقولة. حيث ستساعد الطاقة المتجدِّدة على نشر الشبكات الكهربائية الصغيرة في الأرياف والقرى النائية الفقيرة التي يتعذر ربطها بالشبكات الكهربائية المركزية. إضافة إلى ما ستسهم به الطاقة المتجددة في حل المشكلات البيئية والتلوث في أساليب الطهي والتدفئة التقليدية.
ومن الأمثلة على البرامج العالمية فيما يختص بالطاقة المتجددة وتحسين الوصول إلى الطاقة «برنامج إفريقيا للطاقة المتجددة والوصول للطاقة»: الذي يهدف إلى تسريع نشر برامج الطاقة المتجددة على المستوى الإفريقي وتخفيف الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. ويركز هذا البرنامج على الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة وبأسعار مناسبة وتحسين الإضاءة ومواقد الطهي في المنازل. كذلك يؤكد هذا النوع من البرامج على اعتماد ما يُعرف بالنمو الأخضر. ويشمل تشجيع برامج التنميية منخفضة الكربون والتكيّف مع تغير المناخ وإمداد الطاقة المستدامة.
ويفترض التوسع في برامج أنظمة الكهرباء تسريع الاعتماد على الحلول التكنولوجية خارج الشبكة، في الأماكن الريفية والنائية. ومثال على ذلك إنشاء برنامج غاز البترول المسال (LPG) في إندونيسيا، كبديل للكيروسين لتلبية الاحتياجات المنزلية للأسر الفقيرة. كما أن الهند وعدداً من الدول الإفريقية بدأت تعتمد على أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية كبديل لاستخدام الكيروسين أو الوقود البدائي.
إن مثل هذه الأهداف الكبيرة تصاحبها دائماً تحديات، خاصة عندما تحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة. ولكن الالتفاف العالمي لتحقيق الهدف رقم 7 من أهداف خطة التنمية المسستدامة، يبعث على شيء من التفاؤل، أو على الأقل، فإنه يؤكد صحة النظرة إلى طبيعة الحل، ويشكل فرصة ممتازة لتكاتف الجهود الدولية سعياً إلى إيصال الجميع إلى مصادر الطاقة الحديثة التي ستسهم في تحسين حياة الناس حول العالم.
حقائق حول الحق في الوصول إلى خدمات الطاقة
• لم يكن محور الطاقة موجوداً في أهداف الأمم المتحدة الإنمائية في الألفية السابقة!
• كان صندوق أوبك للتنمية «أوفيد» أول من عنون لضرورة الوصول لخدمات الطاقة، باعتباره الهدف رقم 9 الناقص من الأهداف الإنمائية في الألفية السابقة!
• في عام 2007م أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، عن مبادرة «الطاقة من أجل الفقراء»، التي اعتمدها صندوق «أوفيد» كبرنامج رائد لديه.
• يتفق الهدف رقم 7 مع مبادرة الأمم المتحدة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون تحت عنوان «الطاقة المستدامة للجميع 2030م» في دعم هدف الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة.
• بحسب وكالة الطاقة الدولية، يوجد 1,2 مليار نسمة حول العالم لا يحصلون على الكهرباء بطرق آمنة وحديثة.
• واحد من كل خمسة أشخاص حول العالم يفتقر إلى الحصول على خدمات الطاقة الحديثة.
• أكثر من %95 من أولئك الذين يفتقرون للوصول لخدمات الطاقة الحديثة هم في قارة إفريقيا خصوصاً جنوبي الصحراء الكبرى، وفي أرياف الدول الآسيوية.
• في بلدان جنوبي الصحراء الكبرى وحدها، هناك 600 مليون إفريقي لا يحصلون على الكهرباء!
• هناك 31 مليون شخص يفتقرون إلى خدمات الطاقة الكهربائية في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي!
• ما زال نحو 2,7 مليار نسمة (ما يعادل %41 من سكان الأرض) وأغلبهم من النساء، يعتمدون في الحصول على الطاقة على مصادر بدائية مثل الخشب والفحم الحجري والنباتي ومخلفات الحيوانات، لأغراض المعيشة اليومية كالطبخ والتدفئة.
• هناك حوالي 4,3 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً في العالم، تعزى إلى تلوّث الهواء في المنازل نتيجة للاستخدام التقليدي للوقود المولّد من الكتلة الحيوية كالحطب ونفايات الحيوانات في أماكن سيئة التهوية.
• تتسبب الطرق البدائية في استخدام الطاقة إلى انتشار أمراض جهاز التنفس، وأيضاً وفاة مليوني شخص كل عام، و%85 من هؤلاء هم من النساء والأطفال!
• سيسهم تقديم الحلول النظيفة للطهي إلى الحدِّ من إزالة الغابات!
• هناك دراسات تشير إلى أن الإحراق الناتج عن استخدام مصادر بدائية للوقود المستخدم لأغراض الطهي والتدفئة مسؤول عن حوالي 10 إلى %15 من انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً!
• تفارق الحياة يومياً 800 امرأة بسبب المضاعفات الصحية للحمل والولادة، والحقيقة أنه يمكن تفادي هذه الحوادث الأليمة لو توفرت الطاقة الكهربائية المستدامة لتقديم الخدمات الطبية اللازمة.
• هناك ترابط أساسي بين الهدف رقم 7 (الوصول إلى الطاقة) وباقي الأهداف الإنمائية المستدامة، باعتبار الوصول إلى خدمات الطاقة بشكل آمن ومستدام يعتبر ركيزة لمواجهة تحديات عالمية مثل القضاء على الفقر ومشكلة تغير المناخ.
• الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة وبأسعار ممكنة يُعد ركيزة أساسية لتحقيق كافة الأهداف الستة عشر الباقية في خطة التنمية المستدامة، مثل: الصحة والقضاء على الفقر والتغير المناخي والتعليم والبنية التحتية والصناعة….إلخ.