تعددت ألوانه واختلف مذاقه.. هناك من يشربه بسكر أو بدون، وهناك من يشربه بحليب أو بدون. بعض الشعوب تضيف إليه النعناع أو الحبق. وبعض الشعوب تضيف إليه الفلفل والملح. هو مشروب يومي يُلطف النهار ويدفئ الليل. ابتهال اليازوري تدعونا إلى فنجان شاي لا يخلو من نكهة وتاريخ وطرافة.
كانت ثورة الشاي في بوسطن في القرن الثامن عشر ثورة سياسية واجتماعية بمزاج وطني
لم يُعرف الشاي في الوطن العربي، ولم يذكر في معاجمه إلاّ في القرن العاشر الميلادي، حيث ذكره البيروني في كتب رحلاته
ُعدُُّّ الشاي من المشروبات اليومية التي يتناولها شعوب العالم دون تمايز عرقي أو ديني أو اقتصادي. فالشاي مشروب «كيف» رخيص نسبياً، ولا تلحقه محاذير دينية ولا انتقادات اجتماعية، لذا كان من الطبيعي أن يتصدر قائمة المشروبات الساخنة في العالم.
حكاية الشاي بدأت مصادفة، وذلك في الألفية الرابعة قبل الميلاد وتحديداً مع أول شخص تذوقه وهو الإمبراطور الصيني شن توانج. إذ يُعدُّ الشاي اكتشافاً ملوكياً. فالورقة الخضراء أسرت الإمبراطور من أول وقوع لها بالخطأ في الماء المغلي مع أزهار الشاي التي كانت تُستخدم في صبغ الأقمشة فبدلت لونه، سريعاً، من الأبيض إلى الذهبي. وعندما تذوقه استساغ طعمه، وفي نهاية اليوم اكتشف أن لهذا المشروب تأثيراً سحرياً، حيث مده بالسعادة والنشاط. ولعل هذا الاكتشاف الصيني حمل معه الاسم أيضاً، إذ إن الشاي مأخوذ من اللغة الصينية، فهو يسمى «شا».
تاريخ الشاي وفنونه
إذا كان للصينيين الفضل الأول في اكتشاف الشاي، فإن لليابانيين الفضل في أناقة تقديم الشاي الذي يُشرب في أوانٍ خزفية مفرطة الأناقة. فطقس الشاي له مساحة في الثقافة الثالثة، إذ تُعدُّ طقوسه من الأهمية بمكان في أن يُجدول ضمن فعاليات اليابان الثقافية التي تقام داخل أو خارج اليابان. فمع بداية القرن التاسع كان الشاي في اليابان حكراً على الإمبراطور والعائلة المالكة، لكن مع بداية القرن الثاني عشر انتشر تحضير الشاي أو السادو كما في اللغة اليابانية، ودخل المعابد الدينية وتناوله الرهبان ليتمكنوا من اليقظة فترات طويلة يتعبدون خلالها. ومع هذا الدخول الديني أصبح للسادو طقوس في تحضيره وطريقة تناوله وحتى مكانه. إذ يحضّر الشاي أمام الضيوف، ولعل ذلك يعود إلى ولع اليابانيين بالاستعراض في فنون الطهي وتحضير المشروب ما جعل السادو يُعدُّ طقساً استعراضياً بامتياز وتقليداً متوارثاً.
في القرن السادس عشر أضاف أستاذ فن الشاي الياباني سين ريكيو للسادو الكثير من الملامح لهذا الطقس الإمبراطوري فقد كان سين ريكيو هو مُعدّ الشاي الخاص للقائد أودا نوبوناغا أول موحد لبلاد اليابان، وبعد موت اودا التحق ريكيو ببلاط القائد تويو تومي هيده يوشي لإعداد الشاي. ثقافة السادو التي انتشرت في البلاط ومعابد الرهبان جعلت الشعب الياباني يتمسك بهذا التقليد الذي تطور خلال ستة قرون، فأقيمت في المنازل اليابانية غرف مخصصة للشاي بأثاث تقليدي، كما فُتحت في المدن بيوت للشاي التي لا يقدم فيها مشروب سواه وفق طقوس معتادة. وتتمثل هذه الطقوس في نوعين، النوع الأول يسمى التاتامي ويحضر الشاي فيها والضيوف جالسون على الحصيرة اليابانية، أما الثاني الريو ريه فيحضّر على منضدة مخصصة للإعداد والضيوف حولها. ويقوم طقس الشاي على أربع قواعد أساس: وهي التناغم، والاحترام، والنقاء، والسكون. فمثلاً تكون حركة ذراع من يقدم الشاي مستقيمة بما يوحي بالاحترام في حضرة الشاي، ويكون ملء أكواب الشاي بأسلوب فريد كأن يُملأ القدح الأول إلى الربع والثاني إلى النصف والثالث إلى ثلاثة أرباع، ثم يعاد ملء القدح الأول والثاني والثالث. وتتميز هذه الطريقة بالتناغم بحيث يكون الشاي في الأكواب بلون واحد وتركيز واحد. كما يُستعمل في طقس السادو الشاي الأخضر المسحوق والمتخذ من أوراق الشاي المجففة. ولقد انتشرت في اليابان دروس خصوصية لتعلم السادو، ونقلت إلى البلدان التي ولعت بالثقافة الثالثة.
زراعة الشاي
عندما عُرف الشاي وفضله انتشرت زراعته التي تتطلب طقساً دافئاً وهواءً رطباً وأمطاراً غزيرة وتربة خصبة خفيفة. بدأت زراعته من موطنه الأصلي شرقي آسيا كالصين مروراً بالهند وسيرلانكا وأندونيسيا. وتتعدد أنواعه بدءاً من الشاي الأبيض وهو من أندر أنواع الشاي وأغلاها ثمناً، فهو يقدم هدية للأباطرة والملوك، كذلك الشاي الأخضر والأسود. كما أن شجيرات الشاي لا تبدأ في طرح المحصول إلاّ بعد ثلاث سنوات من زراعته، وتظل خمسين عاماً تطرح المحصول، وربما عمرت بعض شجيرات الشاي إلى ألف سنة. ولعل شاي مقاطعة دارجيلنغ الذي يُقطف بحرص من أعالي جبال الهملايا في الهند، بأيدى النساء يُعدُّ من أفخر أنواع الشاي، ويعود تاريخ مزارع الشاي فيها إلى منتصف القرن التاسع عشر. حيث كانت المزارع تتبع التنمية الاقتصادية البريطانية. فكان شاي دارجيلنغ يصدر إلى بريطانيا، ويباع إلى شركات تعبئة الشاي التي تقوم بتغليفه في علب وصناديق جذابة.
غرائب في سيرة الشاي
لعل الشاي الذي نستطعمه يومياً في أوقات مختلفة له من الحكايات الطريفة والغريبة ما يجعل المرء يستلهم من وحيها ثقافة جديدة.
ففي القرن السادس عشر في فرنسا وقفت الكنيسة موقف المعادي من مشروب الشاي، وعدته مفسداً للأخلاق، كذلك كان الحال في بريطانيا. فإزاء اعتراف الشاعر الإنجليزي بن جونسون 1572-1637م بأنه يشرب الشاي في كل وقت، وإبريق شايه لا يبرد جعل معاصريه يرمونه بفساد الأخلاق، وبفجاجة الاعتراف. أما في الصين قديماً فقد كان جمع وريقات الشاي يخضع لشروط غريبة، حيث يجب أن تكون جامعات أوراق الشاي فتيات عذراوات صغيرات السن، يتعطرن قبل أن يبدأن في الجمع ويرتدين فساتين مزركشة وجديدة، وقفازات جديدة يومياً. أما في الهند في بلاد الحواة والغرائب فقد كان للشاي قصة غريبة تبدأ بكان يا ما كان، وهناك ناسك قرر أن لا ينام مدة سبع سنوات للعبادة المتواصلة، وفي السنة الخامسة داهمة النعاس، ولكي يفرقه قرر أن يمضغ وريقات شجرة كانت بجانبه. وبعدها أحس بالنشاط الذي جعله يستمر لمدة سنتين في اليقظة. ولقد كانت هذه الشجرة التي بجانبه شجيرة شاي!
شاي الغضب يغير مسار العالم
بما أن الشاي مصدره هندي، وبما أن الهند كانت من المستعمرات البريطانية في القرن الثامن عشر، وكانت بريطانيا العظمى تسيطر على العالم من الهند إلى أمريكا، فقد فرضت الحكومة البريطانية الضرائب على المستعمرات، واحتكرت بعض السلع لصالح بعض المستعمرات، فمثلاً كان الشاي الذي يباع في أمريكا تحتكره شركة الهند الشرقية البريطانية، فلا يسمح مطلقاً لأي تاجر أن يستورد الشاي إلى أمريكا، ما دعا بعض التجار إلى تهريب الشاي. ولضرب المهربين أمرت الحكومة البريطانية بإرسال سفن محملة بالشاي ليباع بسعر أقل من سعر السوق السوداء. فقام الوطنيون بالصعود إلى ظهور تلك السفن وإلقاء الشاي في البحر وإحراقه. منعاً من أن يُباع بسعر أقل سعراً من أسعار التجار المستوطنين في أمريكا ما جعل ثورة الشاي تقوم في بوسطن عام 1773م، وكانت ثورة سياسية اجتماعية، حيث قاطع المستوطنون الشاي واستعاضوا عنه بالقهوة والشكولاه في ظل الاحتكار البريطاني. لقد كان قرار الحكومة البريطانية في إعطاء الشركة الهندية الحق في احتكار الشاي قراراً جعل الوطنيين في أمريكا يثيرون ضد الأنظمة الجائرة، فكانت تلك الثورة التي سميت «حفلة شاي بوسطن» والتي كانت القشة التي قصمت ظهر المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، حيث غابت ذلك اليوم بسبب حمولة شاي. ما دعاها لسن قوانين إلزامية جديدة، لكن هذه القوانين لم تجد آذاناً مُصغية، بل وجدت تمرداً وعصياناً تجلى في الاجتماع الأول لنواب المستعمرات التي أصبح فيما بعد الكونجرس.
لم تكن حفنة الشاي أو حفلة شاي بوسطن لتعديل مزاج معتل، إنما كان للشاي فضل في تعديل أنظمة سياسية.
الشاي في الوطن العربي
لم يعرف الشاي في الوطن العربي، ولم يذكر في معاجمه إلاّ في القرن العاشر الميلادي، حيث ذكره العالم المسلم أبو الريحان البيروني في كتب رحلاته بأن الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى الشاي. ولعل أول ظهور له في المغرب العربي، حسب ما تناقله المؤرخون، كان في القرن الثامن عشر، في عهد السلطان عبدالله بن إسماعيل حيث كان يتلقاه هدية من قبل المبعوثين الأوروبيين. وفي منتصف القرن التاسع عشر انتشر الشاي الأخضر أو ما يسمى بالأتاي في بلاد المغرب العربي. أما شعوب بقية بلدان الوطن العربي فقد عرفوا الشاي متأخراً كل بحسب جغرافية المكان، فشعب العراق، مثلاً، عرفه من شعب بلاد فارس، ولقد أخذ العراقيون من الفرس اسمه الشاي الذي أسموه «جاي»، واسم القدح الذي يشرب فيه الشاي حيث كان يسمونه «استكانة» أو «بيالة».. ومن شعب العراق عرفت شعوب الدول المجاروة الشاي الذي غدا فيما بعد جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية.
شاي الضحى
لقد كان شاي الضحى جزءاً من طقس النساء النهاري في الكويت منذ القدم. فبينما كان الرجال يذهبون في رحلات غوص تستمر أياماً طويلة، كانت جميع النساء في الكويت ربات بيوت، وكان شاي الضحى قبل صلاة الظهر هو التسلية الوحيدة بالنسبة لهن ومظهراً من مظاهر الترف. حيث كان الشاي الأسود يستورد من الهند في صناديق خشبية منعاً للرطوبة ويقمن بغليه في الماء مع السكر ما يضفى طعماً حلواً يخفف مرارة فراق الزوج.
شاي كرك
يبدو الاسم غريباً، لكنه في دولة الإمارات العربية المتحدة متداولاً صباحاً ومساء، فشاي الكرك من ألذ المشروبات الساخنة التي أصبحت من المشروبات التقليدية. وهو عبارة عن الشاي المغلي يضاف إليه الحليب المبخر والسكر، ثم يقومون بغليه إلى أن يصبح لونه كريمياً ضارباً للحمرة. ولقد نقلوا هذا المشروب من الهنود الذين يسمونه كرك، وقد نقلوه بدورهم من البريطانيين. لكن يقال إن أول من شرب الشاي مضافاً إلى الحليب هي الفرنسية مدام دي سابليه، وذلك في القرن السابع عشر.
شاي كشري
في مصر حيث للشاي نكهة شعبية ومزاج وكيف، فالشاي ذو الأكياس التي تغمس في الماء المغلي وتواكب عصر السرعة، ليس له مكان بين من يحبون الشاي بمزاج لذا كان الشاي الكشري هو المطلوب. فكثيراً ما تسمع على كراسي المقاهي الشعبية في مصر «شاي كشري»، والشاي الكشري هو الشاي المنثور وذو الوريقات السوداء وسمي «كشري» لأن أوراق الشاي تُخلط مع السكر والماء ويغلى في وقت واحد إلى أن يعقد ويسود لونه. عندها يكون قادراً على تعديل المزاج.
شاي بالنعناع
في سوريا ولبنان قلما يُشرب الشاي بدون وريقات خضراء طازجة، تزرعها النساء في إصيصات. فنادراً ما يقدم الشاي بدون منكهات عطرية. فالشاي يصاحب الإفطار فهو خير من يساعد على الهضم مع الفول والحمص والجبن والكشك. فلا مائدة إفطار شهية بدون شاي بالنعناع.
شاي خفيف
الشاي مزاج ومن لا يفضل الشاي ثقيلاً عاقداً، فلا بد أن ينادم، على الأقل، من يحبونه. لذا كان من السهل أن يكون الشاي بأي تركيز مع أكياس الشاي الجديدة التي لا تتطلب أي عناء سوى أن تغمس الكيس في الماء المغلي وتعد إلى العشرة ثم تخرج الكيس لتحصل على مشروب خفيف يسمى شاياً.
واحد.. اثنان..ثلاثة.. أربعة.. خمسة.. ستة.. سبعة.. ثمانية.. تسعة.. عشرة.. ثم.. تفضل الشاي!