قصة مبتكر
قصة ابتكار
تشارلز بارسونز
حصّادة القمح
ولد السير تشارلز ألجرنون بارسونز Charles Algernon Parsons في عام 1854م في لندن، وكان والده وليم بارسونز فلكياً ومصمماً للمراصد، وقد نشأ تشارلز في إيرلندة وتلقى تعليماً خاصاً من قبل مجموعة من علماء عصره ممن كانوا يترددون على والده الفلكي لرصد النجوم ودراستها بوساطة أحد أعظم التلسكوبات في العالم في حينه والذي صمَّمه والده في قلعة بير. التحق بعدها تشارلز بكلية «ترينيتي» في دبلن، ثم انتقل إلى كلية «سان جون» في كامبردج. وفي مطلع عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر التحق بجامعة كامبردج، وفي عام 1884م انضم المهندس تشارلز بارسونز إلى شركة دور هام التي تمكنت من صنع الدينامو الكهربائي الذي أدخل عليه المهندس الشاب تغييرات وتحسينات كثيرة. استرعى انتباه المهندس الشاب تشارلز مدى قلة مردود المحركات البخارية الترددية كبيرة الحجم وضجيجها، التي كانت تستعمل في حينه لتوليد الطاقة الكهربائية والتي تعتمد على تمدد البخار المضغوط في أسطوانة مكبس، فأجرى عدداً من التجارب على نظام آخر من المحركات يعتمد على توجيه البخار المندفع بسرعة عالية جداً إلى عنفه، وأسفرت هذه التجارب عن اختراعه للتوربين البخاري وذلك في عام 1884م، وفي عام 1889م أسس تشارلز شركته الخاصة في مدينة نيوكاسل الخاصة بصناعة التوربينات البخارية والمولدات الكهربائية، ثم أضاف في عام 1891م مكثفاً خاصاً للتوربين لاستخدامه في محطات توليد الطاقة الكهربائية. الجيل الأول من تلك التوربينات تم استعماله للإضاءة، وكانت بقدرة 4 كيلواط، وفي عام 1892م تم إنتاج توربينات بقدرة 100 كيلواط، وقد استعملت لإضاءة السفن والقوارب الصغيرة، ولإثبات مدى قدرة اختراعه، جهز في عام 1895م إحدى السفن التي أطلق عليها اسم توربينيا بمحركات توربينية، حيث وضع فيها ثلاثة محركات يعيد بعضها استخدام البخار نفسه، وبذلك حصل على طاقة بلغت 2100 حصان، واستطاعت توربينيا، التي بلغ طولها 30.8 متر، وعرضها 2.74 متر، التحرك بسرعة 34.5 عقدة، وبذلك كانت أسرع سفينة يتم اختراعها في حينه، حيث تجاوزت سرعة أفضل المدمرات البريطانية وأسرعها بسبع عقد. ولإظهار مدى كفاءة المحرك التوربيني، تم في عام 1897م عرض السفينة توربينيا في احتفالات البحرية الملكية البريطانية في ميناء سبيتهد بمناسبة العيد الستين لتولي الملكة فيكتوريا العرش، بحضور الملكة وولي عهد أمير ويلز. وبحلول عام 1905م تم استبدال محركات السفن الحربية للأسطول البريطاني بمحركات بارسونز التوربينية، التي نالت إعجاب كل من شاهدها، كشركة كونارد لاين التي تبنت تلك المحركات واستخدمتها في سفنها الجديدة، ومن تلك السفن كانت سفينة التيتانيك أضخم سفينة في العالم وأجملها، حيث تجاوز وزنها 45000 طن، وبلغت حمولتها آلاف الأطنان، وعندما أبحرت في عام 1912م كان على متنها 2223 شخصاً، وبلغت سرعتها 22.5 عقدة، وزُوِّدت بمحرك بارسونز التوربيني بقدرة 16 ألف حصان، وتفاخر مصنعو التيتانيك بأن سفينتهم لا تغرق، وقد غرقت بعد أربعة أيام من إبحارها بسبب اصطدامها بجبل جليدي. حظي تشارلز بارسونز بالتقدير والتكريم، ففي عام 1898م أصبح عضواً في الجمعية الملكية البريطانية، ونال في عام 1902م ميدالية رامفورد، وعُيِّن رئيساً لمعهد المهندسين البحريين، ورئيساً للجمعية العلمية البريطانية. وفي عام 1911م منح لقب فارس، ونال وسام الاستحقاق البريطاني في عام 1921م، وفي عام 1931م توفي تشارلز بارسونز، وتقديراً لأبحاثه وجهوده تم في عام 1934م نشر مقالاته العلمية ونتائج أبحاثه وتجاربه التي لم تكن مقتصرة على المحركات التوربينية، بل تناولت مجالات أخرى، كنواقل الحركة المسننة والأجهزة البصرية وغيرها.
شكَّل القمح للإنسان مادة غذائية مهمة، وتمت زراعته منذ أمد بعيد، لكن كانت عملية حصاد القمح تشكِّل للمزارعين عبئاً ثقيلاً، وكانت تجعلهم يحجمون عن التوسع في زراعته، حيث كان يستلزم حصاده الاستعانة بعدد كبير من العمال أو العبيد لجني سنابل القمح بعد نضجها. وقد حاول المزارع الأمريكي روبرت ماكورميك Robert McCormick المولود في عام 1780م ابتكار وسيلة تريح المزارعين وتساعدهم على جني محصول القمح خلال وقت قصير وبجهد قليل، ونظراً لحبه للصناعة والابتكار، فقد عمل في ورشة حدادة لتصليح آلات المزارعين المعطلة، وكرس جانباً من وقته للاطلاع على النشرات الزراعية المتخصصة بالمعدات والآلات، واستطاع أن يخترع بعض المعدات الزراعية وأن يحصل على عدد من براءات الاختراع. وفي عام 1816م ابتكر روبرت ماكورميك نموذجاً معدنياً لحصادة آلية، وبالرغم من أنها لم تكن الأولى من نوعها في العالم، بل سبقتها نماذج أخرى لحصادات تم ابتكارها من قبل عدد من الأشخاص في إنجلترا وأمريكا وكان معظمها غير عملي ومصنوعاً من الخشب، إلا أن هذه الحصادة كانت تحمل بوادر النجاح، بيد أن عيوبها الكثيرة دفعت بالمخترع روبرت إلى إهمالها. لكن في عام 1831م استأثرت هذه الحصادة على اهتمام سايروس ماكورميك Cyrus McCormick ابن المخترع روبرت الذي كان عمره واحداً وعشرين عاماً، فأدخل عليها بعض التعديلات بالتعاون مع والده وجعل حصاناً يجرها في الحقل، واستطاعت أن تحصد أربعة هكتارات من القمح في اليوم الواحد، بينما العامل الماهر يستطيع أن يحصد يدوياً هكتاراً واحداً في اليوم. بالرغم من أهمية هذه الآلة الجديدة، إلا أن المزارعين لم يرحبوا بها، وتمسكوا بعاداتهم القديمة بالحصاد، فبدأ سايروس في عام 1833م بالقيام بحملة دعائية لهذه الحصادة، مبيناً فوائدها، وأقام عروضاً تجريبية للمزارعين، وحصل في عام 1834م على براءة اختراع، إلا أنه فشل في بيع أي حصادة، وكان المزارعون يبررون عدم اقتنائهم لها بحجة أن ثمنها مرتفع، وأنه سيتم استعمالها لمدة أسبوعين في السنة، و لا أحد يصلحها إذا تعطلت. مضت سنوات وسايروس ووالده يروجان لحصادتهما، حتى حلّ عام 1842م حيث تم بيع عدد من تلك الحصادات بعد أن تم إدخال تعديلات جوهرية عليها، حيث كانت تقطع عيدان القمح وتجمعها وتحزمها، وهذا ما شجع سايروس على السعي لبيع حصاداته الجديدة في شتى أنحاء البلاد، وأسس وكالات لبيعها، وقدم ضمانات للمزارعين بمدى كفاءتها، ووعدهم بالربح المادي الوفير الذي سوف تدره عليهم تلك المعدات الزراعية المهمة، كما سهَّل على المزارعين شراء الحصادات بالتقسيط، وباع حقوق التصنيع والبيع، وهكذا اشتدت المنافسة. في عام 1847م نقل سايروس صناعة حصاداته إلى شيكاغو، واستثمر البحيرات العظمى لنقل آلات الحصاد إلى الولايات الأمريكية الشرقية، كما استخدم نهر المسيسيبي لشحن الحصادات وأسس شركة ماكورميك. بحلول عام 1849م تمكن سايروس من بيع 1500 حصادة سنوياً وقد تحقق ذلك بعد التوسع في زراعة القمح الأمريكي وتصديره للخارج. وعلى إثر اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية «1861م – 1865م» والتحاق أعداد كبيرة من الرجال بساحات المعارك، ازدهرت تجارة بيع الحصادات، حيث قلت الأيدي العاملة في الحقول، ما زاد من الاعتماد على الآلات التي تكفلت بجني سنابل القمح الأمريكي الذي أصبح اليوم من أهم صادرات الولايات المتحدة الأمريكية.