قلائل جداً هم الفنانون العرب الذين يحترفون اليوم فن المينا مقارنة بالرسامين والنحاتين ومن شابههم.. فللمينا، فن الرسم على المعادن، تقنياته الخاصة التي ينفرد بها، ومستلزمات لا يشترك فيها مع باقي الفنون، ولربما كان في طليعتها الموهبة، والمزاج الشخصي الذي يميل إليه من بين كل الفنون، نظراً لصعوبة العمل فيه.
للاطلاع على خصوصيات هذا الفن كانت لنا هذه الزيارة إلى محترف الدكتورة مسعودة قربان، المتخصصة في المينا، ورائدته في المملكة.
د. مسعودة عالم قربان
• الوحيدة عربياً الحاصلة على الدكتوراة في فن المينا، وحاصلة على براءة اختراع في طريقة جديدة بالرسم بالمينا.
المشاركات الفنية
– معرض «ألوان» في جامعة الملك سعود 1420هـ
– معرض «تراثيات» في بيت التشكيليين بجدة 1421هـ
– معرض «حروفيات» في السفارة الأمريكية بالرياض 1422هـ
– معرض «إشكاليات» بدولة قطر 1431هـ
– معرض مصاحب في مهرجان مسابقة الخيول العربية بالرياض 1435هـ
– معرض شخصي في السفارة الباكستانية 1435هـ
الجوائز
– جائزة اقتناء في معرض الفنانين بمناسبة مرور 100 سنة على تأسيس المملكة بالرياض 1419هـ
– جائزة اقتناء بمعرض مناطق المملكة في الرياض 1422هـ
– جائزة اقتناء في ملون السعودية بالرياض 1423هـ
– جائزة المستوى الثاني بمعرض فنانات الرياض 1424هـ
– جائزة لجنة التحكيم في مسابقة السفير الرابعة بالرياض 1432هـ
– جائزة السعفة الفضية في ملتقى الفنون البصرية بالدوحة 1436هـ
ما إن تدخل محترف الدكتورة مسعودة قربان الكائن في منزلها حتى تلفك الدهشة من الأدوات الغريبة والمواد التي لم نتعود رؤيتها عند دخولنا أي محترف آخر. معادن مرصوفة، زجاج، مساحيق ألوان في قوارير، أجهزة حرارية وأفران، نظارات ذات أشكال مختلفة ومواقد لحام، فتشعر بأنك في حضرة ورشة حيث العمل الدؤوب يصوغ الجمال من المعادن والزجاج والألوان، يصهرها بأناقة ودقة.. هذا هو محترفها الذي يجسد كل ما في داخلها من صور ذهنية ومشاعر ليخرجها إلى العالم على هيئة أعمال فنية تتباهى بجمالها حين نراها، وأن هذا المعمل هو حائطها الذي اتكأت عليه واحتمت به، وفضاؤها الذي تعبر فيه عن أفكارها عبر هذه القطع وتخاطب بها الآخر وتحاوره.
في البدء كانت هواية
بدأت الدكتورة قربان حياتها الفنية حين راحت تصقل موهبتها بالدراسة، وتخصصت في مرحلة الدكتوراة بأشغال المعادن «فن المينا». وكانت بداياتها مع هذا الفن بالذات خلال مرحلة البكالوريوس، وزاد تعلقها فيه بعد أن اكتشفت أنه فن قديم ولم يعمل فيه كثير من الفنانين لصعوبته، وعدم توفر الخامات، مما جعلها مصرَّة على التمسك به، لتبدأ رحلة البحث والدراسة، ولتبتكر تقنية جديدة في تطبيق المينا من خلال التصوير بالضوء كيميائياً، وفي مرحلة الدكتوراة حصلت على براءة هذا الاختراع من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
ما هو فن المينا
المينا عبارة عن مادة مؤلفة من الزجاج المسحوق، مذوّبة مع الرصاص والبورق (أو البوراكس)، وملوّنة عبر إضافة الأكاسيد المعدنيّة (أكسيد الزرنيخ للون الأزرق، والحديد والمنغنيز للون الأحمر الأرجواني، والقصدير للون الأبيض… الخ). وعند الشيّ في أفران خاصة على حرارة مرتفعة (ما بين 600 و800 درجة مئويّة)، يذوب الزجاج وينصهر مع قاعدته المعدنيّة ثمّ يتجمد عند إعادة تبريده، ويُعمَد لاحقاً إلى تسويته وصقله. وبفضل مزاياها المقاومة والثابتة، تتميّز مادة المينا بشكل رائع وببريق يشبه بريق المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، حتّى إنّها تحلّ محل هذه الأخيرة في بعض طرز الحلي والمجوهرات.
في الواقع، لا يمكن استخدام الألوان في المينا إلا عبر وضعها بشكل متساوٍ، إذ إنّ المصدر المعدنيّ للصباغ يحول دون امتزاج الألوان. أمّا درجة البريق والشفافيّة أو الكثافة فهي عوامل ترتبط بدرجة الشَيّ في الأفران ومدته. وقد تؤدّي عمليّات شيّ متتالية لأغراض المينا الشفّافة ذات الألوان المختلفة إلى ظهور تدرّجات في هذه الألوان، فهي في الأساس مادة زجاجية لا لون لها يطلق عليها الفلكس، وإذا أضيفت لها أكاسيد المعادن عند صهرها تكتسب الألوان.
أدوات المينا
للدلالة على خصوصية فن المينا، نكتفي بالإشارة إلى بعض مستلزماته من المواد والأدوات.
فرن على قاعدة مقاومة للحرارة، وموقد لحام، ودرفيل سحب، ونظارات وقاية وقفازات بلاستيك وأخرى – مقاومة للحرارة، وحجر كربوراندم للحك، ولوحات ورق صنفرة جاف رطب، وفرشاة نحاس، وريش رسم وأسياخ ستينليس مسننة، ومخرز، ومنشار، ومبارد رفيعة، وأقلام حفر، ومقص ومشارط، وشوكة لحام، وقاعدة اللحام، ومطرقة خشبية، ومنجلة ربط، ومثقاب، وغربال، وصدفة مساعد صهر «بوراكس»، وملقاط تشكيل، وكراسي وقواعد استناد لعملية الحرق، وألواح من الميكا، وألواح من الخزف.
المينا عبر العصور
حول فن المينا ومكانته وتاريخه، تقول الدكتورة قربان: إن فن الطلاء بالمينا يعود إلى عام 1400 قبل الميلاد. وكان مرتبطاً بالحلي والتحف المعدنية، واستخدمه قدماء المصريين في التطعيم بين شرائط دقيقة من المعدن. ومن أشهر العينات التي وصلتنا من ذلك الزمن الغابر قناع توت عنح آمون المشغول من الذهب والمرصَّع بالمينا إضافة إلى الأحجار الكريمة.
كما عُرفت «المينا» عند الإغريق منذ القرن الرابع قبل الميلاد وأبدعوا فيها واستخدموها في الحلي والأواني. وشهد فنّ المينا في بيزنطة، لا سيّما في أواسط الحقبة البيزنطيّة «من القرن العاشر إلى الثاني عشر»، انتشاراً فريداً بفضل الإتقان الممتاز لتقنيّة «الحجز» التي تمنحه مركزاً متميّزاً في صفوف الفنون الرفيعة في القرون الوسطى. فتمّ استخدام المينا في عالم صياغة المجوهرات لزخرفتها. وتشكِّل القطع المطلية بالمينا المحفوظة حتى يومنا هذا نسبة 20 بالمئة من المنتجات الفنية البيزنطيّة.
إنّ دراسة المينا وتاريخها مهمّة معقّدة ودقيقة جدّاً، لا سيّما عندما تكون مفصولة عن إطارها الأوّلي، وعرضة لتغييرات بسبب إعادة الاستخدام والترميم. وترجع أسباب عدم انتشار ورواج فن المينا بين المسلمين إلى صنَّاع المعادن، لأن التكفيت بالذهب والفضة كان إلى حدٍّ كبير منافساً لصناعة المينا المطبقة على المعادن المختلفة. ولعبت مصر في عصر الفاطميين دوراً أساسياً في ارتقاء الفنون المعدنية، وكانت فيها كنوز كثيرة من الحلي الثمينة، غير أن القليل منها كان مرصعاً بالمينا. ويرجع السبب في تدهور هذا الفن لاحقاً إلى قلة المشتغلين فيه في الوطن العربي لقلة الخامات. كما أنه فن يحتاج إلى وقت وممارسة وخبرة وتجارب كثيرة.
المينا عبارة عن مادة مؤلفة من الزجاج المسحوق، مذوّبة مع الرصاص والبورق (أو البوراكس)، وملوّنة عبر إضافة الأكاسيد المعدنيّة
أساليب فن المينا
في محترفها لاحظنا أشكالاً متعددة من القطع الفنية. وكل قطعة أُنجزت بأسلوب مختلف. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة قربان: إن هناك أكثر من ثلاثين طريقة لتطبيق ألوان المينا على المشغولات المعدنية، يعتمد بعضها على تطبيق ألوان المينا باستخدام حواجز أو فواصل معدنية بين الألوان، أو بين الألوان نفسها.
الهواية ليست كافية
ما يميز فن المينا أن التعليم المستمر والتطبيق العملي هو ما يضمن نجاح الأعمال، وهو بدوره ينمي الشخصية الابتكارية للفنان، ومواكبة كل تطور علمي في هذا المجال ضرورية بدورها، إما للحصول على مكوِّنات ومركبَّات جديدة، أو اكتشاف خصائص غير معروفة للمركَّبات والمكوِّنات التقليدية.
يعود فن الطلاء بالمينا إلى عام 1400 قبل الميلاد. وكان مرتبطاً بالحلي والتحف المعدنية، واستخدمه قدماء المصريين في التطعيم بين شرائط دقيقة من المعدن..
نلحظ ذلك بين طيات حديث الدكتورة مسعودة التي تطوي الأرض سعياً لحضور مؤتمر في أمريكا، أو ندوة في أوروبا. وتراها تسافر لتحصل على ألوان وخامات تنجز بها أعمالها. فالتخصص نادر في الوطن العربي، والمواد اللازمة له شحيحة. ولسدِّ هذه الثغرة، فإن الفنانة، وهي عضو في الجمعية الأمريكية للمينا، تحرص على حضور كل فعاليات هذه الجمعية لتستقي الجديد منها، ولتكمل نواقص محترفها من المواد.
وفي إطار حرصها على التعريف بهذا الفن على أوسع نطاق ممكن، تعتزم الدكتورة مسعودة إقامة معرض خاص في وقت قريب، تجمع فيه أعمالها في فن المينا وتدمج فيه الموروث الشعبي بالمعاصرة من خلال هذا الفن.