على الرغم من أن اكتشاف النشاط الإشعاعي لبعض العناصر مثل الراديوم واليورانيوم ينسب دائماً إلى الزوجين بيير وماري كوري. إلا أن شخصاً ثالثاً شاركهما جائزة نوبل في الفيزياء التي مُنحت لهما عام 1903م، وهو الفرنسي أنطوان هنري بيكريل الذي كان دوره في اكتشاف النشاط الإشعاعي الذري كظاهرة فيزيائية مهماً لدرجة أن اسمه قد اعتُمد للوحدة العالمية المعيارية لقياس النشاط الإشعاعي منذ العام 1975م. ويعرَّف البيكريل الواحد بأنه كمية الإشعاع الصادرة من مادة مشعة تتحلل فيها نواة واحدة في الثانية الواحدة.
والنشاط الإشعاعي هو خاصية لأنوية الذرات تصل بها إلى حالات أكثر استقراراً، وقد تحولها إلى عناصر أخرى. وبعض العناصر تشع إلكترونات وغيرها تشع موجات كهرومغناطيسية ذات طاقة عالية. فعن الاضمحلال الإشعاعي لعنصر الراديوم مثلاً ينتج غاز الرادون.
عُرف النشاط الإشعاعي قبل بيكريل. لكن ساد اعتقاد بأن بعض العناصر تصدر طاقة، يمكن ملاحظاتها على شكل وهج، فقط إذا ما عرِّضت للشمس. وكان التفسير آنذاك أن العناصر تمتص طاقة أشعة الشمس ثم تصدرها خارجاً لاحقاً.
لكن ملاحظات بيكريل غيرت هذه النظرة. وكانت هذه الملاحظات نتيجة لتجارب مدفوعة باكتشافات الألماني رونتجن حول الظاهرة الفلوورية Fluorescence والمتعلِّقة بإصدار العناصر للإشعاع الضوئي إذا توافق الطول الموجي للضوء الساقط عليها مع مستويات الطاقة الخاصة بذرات تلك الطاقة. وقادت التجارب رونتجن إلى اكتشاف نوع جديد من الأشعة سمَّاه (شعاع X). ومع بدايات عام 1896م، وصلت أنباء اكتشاف رونتجن إلى الأكاديمية الفرنسية في باريس. وهناك، تلقفها بيكريل الذي أجرى اختبارات على جميع المواد التي تتمتع بالخاصية الفلوورية، مكرراً تجارب رونتجن في قياس الإشعاع، بأن غلّف تلك المواد بورق أسود وقرَّب منها لوحاً فوتوغرافياً وراقب ما إذا كان أي منها سيسوِّد اللوح كدليل على وجود نشاط فلووري. ولأن بيكريل كان مقتنعاً بأن المصدر الأساسي للإشعاع كان ضوء الشمس، فقد دُهش حين ظهر له أنه حتى في الأيام الغائمة وفي الظلام، فإن بعضاً من أملاح اليورانيوم تترك علامات إشعاع واضحة على اللوح الفوتوغرافي. ما يعني أن هذا العنصر وسواه يمتلك خاصية إشعاعية ذاتية. وهكذا تعرَّف العالم على ظاهرة النشاط الإشعاعي للمواد.
لاحقاً، تحمس الزوجان كوري لموضوع إشعاع اليورانيوم، خاصة وأن ماري أرادت أن تكون أول امرأة أوروبية تحصل على الدكتوراة في الفيزياء آنذاك. فقادتها أبحاثها إلى اكتشاف عنصر مشع آخر هو الثوريوم، ثم اكتشفت البولونيوم وسرعان ما تم اكتشاف الراديوم عام 1898م، وبات واضحاً لديها أن ثمة «إشعاعاً راديوياً» لدى هذه العناصر النشطة.
توفي بيير كوري في حادث سير. أما ماري كوري وهنري بيكريل فتوفيا بمضاعفات السرطان الذي أصابهما بسبب التعرض المباشر للمواد المشعة خلال تجاربهما في زمن لم يكن خطر هذه المواد معروفاً بعد. واليوم، تدين البشرية بكثير من ابتكارات الرعاية الطبية وتوليد الطاقة، فضلاً عن مخاوف أسلحة الدمار الشامل، لدراسات أولئك الروّاد.