ضمن حكايات «ألف ليلة وليلة»، ثمة واحدة تتحدَّث عن سجادة سحرية لها القدرة على الطيران بمن عليها من مكان إلى مكان، في استحضار لحلم البشرية القديم بالطيران. وبعدما ظهرت الطائرة قبل مئة عام، لم تتوقف الأبحاث لإنتاج بساط الريح!
فيزيائياً، تتباين المواد والعناصر الكيميائية في موصليتها – أو مقاومتها – للتيار الكهربائي. المقاومة الكهربائية لها علاقة بدرجة الحرارة، فتنخفض بانخفاضها وتزداد بازديادها. فعندما نقوم برفع درجة حرارة موصِّل فإن مقاومته تزداد، والسبب الذي يجعل المادة تقل مقاومتها بانخفاض درجة الحرارة يعود إلى قلة الحركة الاهتزازية للذرات، التي تسمح بدورها بتدفق الإلكترونات بحرية أكثر. وعليه، فإن عدد الاصطدامات يقل بين الإلكترونات والذرات. أما ارتفاع درجة الحرارة فناتج عن زيادة حركة الذرات ما يشكِّل صعوبة في تدفق الإلكترونات.
والمقاومة الصفرية تعني لنا كثيراً، لأن المقاومة مسؤولة عن ضياع الطاقة الكهربائية دون فائدة. فأسلاك الكهرباء النحاسية تفقد طاقة أثناء نقل الكهرباء، لكن في حالة المواد المعروفة بـ «الموصلات الفائقة» فإن الضائع سيكون شبه معدوم، ما يعني توفيراً هائلاً في الموارد والنفقات. إن للموصلات الفائقة القدرة على الاحتفاظ بالتيار الكهربائي، ويمكن له أن يستمر في مروره عبر حلقة مصنوعة من مادة فائقة الموصلية مع عدم وجود مصدر للطاقة! ذلك أنه لا يوجد ما يعيق حركة الإلكترونات ويبدد طاقتها، لكن هذه الفكرة تعترضها موانع منها ضرورة تبريد المادة فائقة التوصيل بشدة، وهذه العملية باهظة التكلفة.
ما هي «ظاهرة مايسنر»؟
في عام 1933م، اكتشف الفيزيائيان الألمانيان مايسنر وأوشنفليد، أثناء بحوثهما في الموصلات الفائقة حول عنصري القصدير والرصاص، أنها تطرد الحقل المغناطيسي. أي إن هناك قوة تدافع بين المغناطيس والموصل الفائق. وعرفت هذه الظاهرة باسم «ظاهرة مايسنر». فإذا قمنا بوضع مغناطيس فوق موصل فائق، فسوف يطفو المغناطيس فوق الموصل الفائق ويبقى معلقاً في الهواء، فالمادة فائقة التوصيل بسبب ما يصاحبها من تيارات تأثيرية على سطحها نتيجة انعدام المقاومة تنتج حقلاً مغناطيسياً يلغي تماماً الحقل المغناطيسي الأصلي الذي يحاول النفاذ إلى المادة فائقة التوصيل. وتمت الاستفادة من هذه الخاصية في تصميم القطارات السريعة الطائرة المعلَّقة في الهواء. فتصور أنك في قطار الطفو المغناطيسي الياباني مغادراً طوكيو بسرعة تفوق 500 كم في الساعة! أي ما يعادل 0.4 من سرعة الصوت! وهذه السرعة الهائلة هي نتيجة انعدام الاحتكاك إذ إنه من المعروف فيزيائياً أن قوة الاحتكاك تعيق الحركة ذلك أنها تعمل في الاتجاه المعاكس لها.
يواصل العلماء بحوثهم في مجال المواد فائقة التوصيل، ومن الأهداف الرئيسة البحث عن موصلات فائقة في درجات حرارة أعلى. ذلك أن الحصول على الهيليوم السائل اللازم للتبريد مكلف جداً كما سلف. ومنذ عام 1986م، تحققت قفزة كبيرة في مجال الموصلات الفائقة التي تعمل في درجة حرارة عالية، ويعود الفضل في ذلك إلى الفيزيائيين موللر وبيدنورز، حيث اكتشفا مركباً سيراميكياً يتكون من «لانثانوم-باريوم- أكسيد النحاس» ودرجة حرارته الحرجة 35 كالفن، وقد حاز هذان العالِمان جائزة نوبل في عام 1987م نظير اكتشافهما. وفي العام نفسه تم اكتشاف مركب سيراميكي آخر يتكوَّن من «إتريوم-باريوم-أكسيد النحاس» الذي بلغت درجة حرارته الحرجة 93 كالفن، أي أعلى من درجة غليان النيتروجين، مما فتح للعلماء أملاً كبيراً في مواصلة طريقهم. أي إننا لا نحتاج للهيليوم المسال للتبريد. فهذه المواد الفائقة تعمل في النيتروجين السائل، الذي يغلي عند درجة 77 كالفن أي 196 درجة مئوية تحت الصفر، ويسهل الحصول عليه مقارنة بالهيليوم. وباكتشاف هذا المركب دخلنا عصر الموصلات الفائقة عالية الحرارة.
وحتى هذه اللحظة ما زال العلماء يحاولون اكتشاف مركّبات جديدة تعمل في درجة حرارة مرتفعة من خلال التجربة. ذلك أنه لا توجد نظرية واضحة تفسر عمل الموصلات الفائقة في درجة الحرارة المرتفعة، ولا توجد نظرية مقبولة قبولًا عاماً حتى الآن. والآلية الأساسية الفيزيائية لهذه الظاهرة غير مفهومة بشكل كامل، وقد تم الوصول إلى موصلات فائقة مرتفعة الحرارة مقارنة بالموصلات التي سبقتها، منها على سبيل المثال مادة تتكوَّن من زئبق وثاليوم وباريوم وكالسيوم وأكسيد النحاس، ودرجة حرارته الحرجة تبلغ 138 كالفن أي 135 درجة مئوية تحت الصفر، وكان ذلك في عام 1994م. وعلى الرغم من هذه الدرجة المرتفعة نسبياً إلا أنها لا تزال بعيدة كل البُعد عن الدرجة المأمولة، إضافة إلى مواد درجات حرارتها الحرجة مرتفعة نسبياً إذا وضعت تحت تأثير الضغط.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك تحدياً كبيراً وصعباً جدّاً يواجه العلماء وهو الحصول على موصلات فائقة في درجة حرارة الغرفة (25 درجة مئوية) ومن دون الحاجة إلى تبريدها إطلاقاً. والبحث ما زال مستمراً في هذا المضمار.
فإذا استطعنا الوصول إلى هذه الخلطة السحرية، ستولد عندنا تطبيقات تكنولوجية لا حدود لها. إذ سوف نستبدلها بالأسلاك النحاسية وننقل الطاقة الكهربائية بالمجان، وليس هذا فحسب، فسنعبّد بها الطرقات بدلًا من الأسفلت لتصير عندنا شوارع ذاتية الدفع تسبح فوقها مركباتنا بسرعات عظيمة. وإذا حدث ذلك بالفعل، فسنقود أخيراً السيارات الطائرة التي ظهرت في أفلام الخيال العلمي، وسيتفوق كل منا على علاء الدين وبساطه السحري.