برع حامد آيتاج الآمدي في فن الخط العربي حتى قيل عنه أنه ما رأى نوعاً من الخطوط إلا وأبدع فيه. وهو صاحب موهبة فذة، قدَّم لنا أروع الأعمال في فن الخط تشهد على عبقريته. وفي حياته طبع المصحف الشريف الذي كتبه بخط يده ونشره، وتلك سعادة لم يحظَ بها إلا عدد يسير من الخطاطين وهذا هو أثره الكبير الخالد. علي سعيد البيك يرسم لنا صورة هذا الفنان الفذ.
ولد حامد الآمدي عام 1309هـ / 1891م في مدينة ديار بكر بتركيا، التي عُرفت قديماً باسم «آمد»، ولهذا نرى توقيعه على بعض لوحاته «حامد الآمدي»، أما اسمه الحقيقي فهو الشيخ موسى عزمي، الذي كان معروفاً به في تلك الأنحاء، كما كان يستخدم اسم «عزمي» في التوقيع على كتاباته في شبابه.
تعلَّق موسى عزمي بفن الخط منذ طفولته. فكان يتلقَّى دروساً في الخط والرسم أثناء تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدينة آمد.
ولما سافر إلى استانبول، التحق أولاً بمدرسة الحقوق ثم بـ «مدرسة الصنايع النفيسة» التي أصبح اسمها فيما بعد «أكاديمية الفنون الجميلة». غير أن وفاة والده ذو الفقار آغا أجبرته على أن يبحث لنفسه عن مورد رزق يعيش منه، فعمل معلماً للخط والرسم في إحدى المدارس، كما عمل خطاطاً في بعض المطابع، ثم نُقل للعمل خطاطاً في مطبعة الأركان الحربية، وزامل بها الخطاط أمين أفندي. ثم سافر إلى ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، ومكث فيها عاماً واحداً تخصَّص خلاله في رسم الخرائط.
قصة اسمه
ولما عاد إلى تركيا استأجر دكاناً صغيراً في حي «جغال أوغلو» لمزاولة الخط. وحيث إنه موظف، والقانون يمنعه من العمل الحر بدأ يكتب اللوحات ويقدِّمها باسم مستعار هو «حامد». ولذلك السبب منعته الجهة التي يعمل بها من الاستمرار في العمل فترك وظيفته الرسمية.
اضطر حامد بعد أن نال شهرة واسعة بهذا الاسم إلى تغيير اسمه في سجلات النفوس وجميع دوائر الدولة من موسى عزمي إلى «حامد». ثم استأجر دكاناً غير الدكان السابق في الباب العالي، وبدأ التوقيع «حامد» فحسب. وهو نفسه كان يقول في هذا الشأن: «لمَّا عزمت على تعلُّم الخط كنت «عزمي» ولمَّا بلغت ما بلغت حمدت الله وسميت نفسي حامداً».
دراسته
وفي أثناء تلك الفترة، كان حامد يلتقي خطاطي استانبول المشهورين من أمثال كامل أفندي، وحقي بك، وخلوصي أفندي وغيرهم.. فكان يطوِّر بحديثه معهم مستواه في الخط، حتى استطاع بموهبته أن يفرض نفسه أستاذاً بين الأساتذة في استانبول.
كان قوي الملاحظة، لذلك كان يتعلَّم الخط بطرق فريدة مبتكرة. وعلى سبيل المثال، طريقته المدهشة في تعلم كتابة الطغراءات، يقول حامد: «تعلَّمت الطغراءات من الطغرائي إسماعيل حقي بنقش حركات يده في الكتابة في ذهني».
لم يبدع حامد في خط دون خط. فقد أبدع في كل الخطوط التي مارسها. يقول الباحث مصطفى غودرمان: «استطاع حامد أن ينمي ملكته الفطرية بنفسه، كما أقام التوازن بين يده وبصره بشكل منسق إلى أبعد حدود التنسيق، عين كعدسة فنية دقيقة تلتقط ما ترى ويد بارعة ترسم هذه الانعكاسات الشعاعية وعلى حقيقتها الموضوعية…».
بعض أعماله
لحامد أعمال فنية يصعب إحصاؤها، من أشهرها سورة الفاتحة التي قلَّد بها الخطَّاط مصطفى راقم واستغرق في كتابتها ستة أشهر كاملة. وله كرَّاس حروف الهجاء، وكرَّاس الأربعين حديثاً للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وحياة جلال الدين الرومي، والجوشن الكبير.. إلا أن أهم أعماله كانت كتابة مصحفين وعدد من الآيات على قباب بعض الجوامع في تركيا وغيرها.
وقد سئل حامد، رحمه الله، قبيل وفاته عن أعظم خطوطه الجوامعية فقال: «إنها تلك التي كتبتها في جامع شيشلي باستانبول…».
لوحته المثناة في جامع شيشلي
فمن أعظم أعماله لوحة مثناة بالثلث الجلي كتبها عام 1371هـ / 1952م مقاسها
78 × 72، ونصها الآية الكريمة: }
{
(التوبة آية 18)، كتبها الآمدي لأول مرة فوق باب جامع شيشلي في استانبول عام 1365هـ. وما زال هذا التركيب موجوداً بحجمه الكبير في موضعه حتى الآن. ولما أعجب الناس به فيما بعد، وبدأوا في طلبه، أعده حامد بأحجام صغيرة على شكل لوحات، وقام النقاشون والمذهِّبون بزخرفته.
عن هذه اللوحة يقول المهندس الخطاط صالح الحداد: «إنها معجزة من معجزات الخط العربي أبدعها الخطاط الكبير حامد الآمدي. ولا أعتقد أن شكلاً هندسياً ساعد في استشعار معنى وفلسفة هذه الآية الشريفة كما فعل الشكل الهرمي بها. فمن خلال كونه أقوى وأثبت الأشكال الهندسية فإنه عكس قوة وثبات بيوت الله التي أسست على التقوى. واتجاه الشكل الهرمي إلى الأعلى يشير إلى وجهة المصلين في هذه المساجد، وعلى أن من يعمر بيوت الله يبتغي في ذلك وجه الله تعالى. الكثافة العالية للتركيب بيَّنت المقدرة العالية للخطاط حامد، فتخاله رسم الفراغ المناسب للحرف المناسب وبنسبه الفضلى، ويستحيل بذلك تحريك أي جزء من الحرف قيد أنملة».
أسلوبه في خط
المصحف الشريف
أما قمة إنتاج حامد الآمدي فكانت نسخ المصحف الشريف مرتين بخطٍ يُعد من أجمل الخطوط، وطبع في حياته مصحف بخطه، ويعد من روائع المصاحف التي طبعت في العالم. يقول الفنان والخطاط حسن آل رضوان: «لقد تميز خط الأستاذ حامد الآمدي في المصحف الذي كتبه وطبع في استانبول عدة طبعات بعدة مميزات منها: ليونة الكتابة في خطه التي تقارب في أسلوبها ليونة خط النسخ عند الخطاط الشهير الحافظ عثمان، وتكوينه البنائي للكلمة يتميز بسهولة القراءة بحيث أنك لا تلحظ تعقيداً أو صعوبة في القراءة, إذ إن الحروف وتشكيلاتها واضحة، وكذلك طريقته الجميلة التي اتبع فيها كتابة لفظ الجلالة باللون الأحمر…».
وفاته
لقد بلغت شهرة حامد الآفاق، فتهافت عليه طلابه من دول عديدة ليتتلمذوا على يديه ويأخذوا عنه، إلى أن توفي -رحمه الله- في 24 رجب 1402هـ (18 مايو 1982م)، وصلي عليه في جامع شيشلي الذي كان يفخر بخط آياته القرآنية. وقد دُفن حامد في مقبرة قرجه أحمد، بجوار الشيخ الخطاط حمد الله الأماسي.