نعيش اليوم في عالم يحتل فيه البلاستيك مكانة مهمة، بدءاً بتغليف الأطعمة وحفظ المشروبات وتعبئتها، إلى أكياس التسوق وصناعة المفروشات وغيرها كثير مما يعتمد على المنتجات البلاستيكية التي توفر الحماية للبضائع من التلف والتلوث والهدر. ولكن، من جهة أخرى، فإن البلاستيك هو عنوان مشكلة بيئية معروفة، بسبب صعوبات التخلص منه بعد الاستعمال.ولكن ماذا لو ظهر بلاستيك قابل للتحلل الطبيعي؟ وهذا ما حصل فعلاً.
قبل عقود من الزمن، بدأ الترويج للأكياس البلاستيكية لتحل محل استخدام الأكياس الورقية، لأنها تتميز بخفة وزنها وقوتها وبقائها لفترة طويلة دون أن تتغير! ولكن فكرة البلاستيك الذي يبقى إلى الأبد باتت فكرة غير محبذة لصعوبة التخلص منه بسهولة، وللخطر الذي يشكله على البيئة، ولأنه يتسبب في تشويه الطبيعة، وأقله منظر الأكياس البلاستيكية وهي ملقاة على الأرض أو في البحر أو متعلقة بالأشجار..
حقائق عن البلاستيك
يستهلك العالم سنوياً حوالي تريليون كيس من البلاستيك. فالصين وحدها تستهلك 3 مليارات كيس يومياً! والولايات المتحدة الأمريكية تستهلك 380 ملياراً سنوياً. بينما تستهلك دول الخليج العربي حوالي 20 إلى 25 مليار كيس سنوياً. والجدير بالذكر أن الأكياس البلاستيكية هي مواد كيميائية مصنَّعة حرارياً من رقائق مرنة، وأفلام بلاستيكية وأنسجة بلاستيكية محبوكة، مصنوعة من البولي إيثلين المشتق من النفط. وحسب دراسة لوكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ما بين 60 – %80 من النفايات في المسطحات المائية هي من بلاستيك. ويشكِّل رمي الأكياس البلاستيكية في المسطحات الزراعية خطراً على التوازن الميكروبي للتربة وإعاقة تغذية النبات. أما إذا تم دفنها في التربة، فيتسبب ذلك في فصل التربة إلى جزءين، العلوي حيث يتجمع فيه الماء، والسفلي الذي لا يحصل على الماء والأسمدة اللازمة لنمو الزرع. وتؤدي عملية حرق الأكياس البلاستيكية مع النفايات إلى تلوث الهواء بالغازات المتصاعدة السامة المضرة بصحة الإنسان، مثل أكاسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين، ومركبات هيدروكربونية طيارة عديدة.
التجارب الناجحة في التوعية البيئية
في كثير من الدول، تشجِّع البلديات محلات التسوق الكبرى، على الحدّ من استهلاك الأكياس البلاستيكية عن طريق بيع الكيس البلاستيكي للمستهلك إذا أراد نقل مشترياته، فلا يقدَّم إليه مجاناً، لتشجيع عادات بيئية جيدة مثل إعادة استخدام الكيس لأكثر من مرة واحدة. وهناك منظمات بيئية تدعو إلى فرض حظر على بيع وشراء الأكياس البلاستيكية، وإلى تشجيع المحلات على التحول إلى الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل، بدلاً من الأكياس البلاستيكية الضارة.
يستهلك العالم سنوياً حوالي تريليون واحد من الأكياس البلاستيكية ومليون يومياً، بينما تستهلك الصين وحدها 3 مليارات كيس يومياً!
كانت إيطاليا أول دولة أوروبية تحظر استخدام الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل! بالإضافة إلى عدد من الدول التي اقتصرت على حظر استخدام الأكياس البلاستيكية ذات النسيج الرقيق جداً (thin plastic bags)، مثل الصين وجنوب إفريقيا وكينيا وأوغندا. وفي بنجلاديش والنيبال صار القانون يحظر هذا النوع من البلاستيك بعد أن تسبب إلقاء المخلفات من الأكياس البلاستيكية في سد مجاري تصريف مياه الأمطار الغزيرة في الطرقات، وبالتالي حدوث فيضانات مميتة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد تمَّ حظر استخدام أكياس البلاستيك التقليدية، لتحل محلها الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل من نوع OXO.
البلاستيك القابلة للتحلل
هو نوع مطوَّر من البلاستيك القابل للتحلل بعد فترة زمنية معينة يمكن أن تطول أو تقصر بحسب طبيعة العوامل المساعدة على التحلل في البيئة، وذلك بسبب مكوناته من الخامات النباتية.
تستهلك دول الخليج العربي حوالي 20 إلى 25 مليار كيس سنوياً. والأكياس البلاستيكية هي مواد كيميائية مصنَّعة حرارياً من رقائق مرنة، وأفلام بلاستيكية وأنسجة محبوكة أو بلاستيكية.
ويمكن تقسيم البلاستيك القابل للتحلل إلى نوعين بحسب المادة المصنَّعة منه: البلاستيك الحيوي المعتمد في مكوناته على الخامات النباتية المتجددة organic materials (النباتات والنشا والسكريات والسليلوز) القابلة للتحلل بشكل حيوي في ظروف مناسبة بفعل البكتيريا، فيتفكك إلى غاز ثاني أكسيد الكربون أو غاز الميثان في مدة قد تصل إلى ستة أشهر. وثانياً، البلاستيك القابل للتحلل المصنّع من البتروكيماويات مع إضافة مادة تسمى «w2d» إليه، تحسِّن قابليته للتحلل وبشكل كامل. وتتم هذه العملية في كافة الظروف، في الضوء والظلام، في الحر والبرد، سواء أكانت بيئته جافة أو مغمورة بالماء، دون ترك أي شظايا أو غاز الميثان، ولا يحتاج إلى توفر بيئة من الميكروبات كي يتحلل ويتفكك. وعندما يتحلل هذا البلاستيك المميز في التربة فإنه يفيدها ولا يؤثر على النبات، حتى إنه يمكن إعادة استخدام البلاستيك القابل للتحلل في شكل أسمدة للنباتات، ويمكن إعادة تدوير المهملات من البلاستيك القابل للتحلل واستخدامها من جديد.
ويمكن إجمال فوائد البلاستيك القابل للتحلل على النحو التالي:
• تخفيض الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري: أغلب البوليمرات polymers (المكون للبلاستيك التقليدي) هي مصنَّعة من المشتقات البترولية، مما يرفع الطلب على مشتقات النفط، خلافاً للبلاستيك المصنّع من خامات حيوية، مثل الأنواع المعروفة بالرموز: PLA ،PHBV، وPHA.
• البلاستيك القابل للتحلل مصنوع من مواد حيوية وهي موارد متجددة مثل الأشجار والنباتات والأعشاب، وعدد من المواد العضوية القابلة للتحلل بسرعة مثل الدهون الحيوانية والأنسجة.
• الإسهام في خفض كمية النفايات، حيث يمكن جمع بقايا الطعام مع البلاستيك القابل للتحلل وتحويل هذا الخليط إلى سماد دفعة واحدة دون فرز.
• سهولة إعادة تدويره، بسبب قابلية مواده للتحلل، فإنه يحتاج إلى طاقة أقل، وهذا يرفع معيار الكفاءة لهذا النوع من البلاستيك.
• يتحلل (يتفكك) في مدة زمنية قصيرة في حال عدم تدويره، ويمكن إعادة استخدامه مرات عدة بعد التدوير.
• البلاستيك القابل للتحلل يعتمد في تصنيعه على الخامات النباتية والحيوية، وهو بذلك غير سامّ، عكس البلاستيك التقليدي المحتوي على مواد ضارة وكيماوية ضارة بالإنسان والبيئة.
• لا توجد تكلفة إضافية لتحويل منتجات البلاستيك التقليدية إلى البلاستيك القابل للتحلل، حيث تستخدم الأجهزة نفسها في المصنع وكذلك نوعية الأيدي العاملة.
ولكن، هذه الميزات لن تؤتي ثمارها إلا إذا ترافقت مع حملات ترشيد للرأي العام، تحضه على التحوُّل عن البلاستيك التقليدي إلى البلاستيك القابل للتحلل، علماً أن حلول الثاني محل الأول في كل مجالات استخدام البلاستيك ليس وارداً في الوقت الحاضر. لأن عدم القابلية للتحلل بسرعة هي من المميزات المطلوبة في بعض التطبيقات، مثل قوارير حفظ الأدوية لثلاث أو خمس سنوات، حيث لا يمكن المجازفة بالتعليب أو التغليف بالبلاستيك القابل للتحلل.
الحكومات ودعم الاستدامة البيئية
باتت مواضيع حماية البيئة والحدّ من التلوث من الأمور التي يسعى كثير من الحكومات لإيجاد الحلول الناجعة لها، ومن ذلك مشكلة النفايات البلاستيكية التي تشكِّل تحدياً يومياً للتخلص منها بشكل آمن أو إعادة تدويرها. وتستقبل المرادم كثيراً من النفايات التي من ضمنها البلاستيك غير القابل للتحلل، الذي يبقى على سطح الأرض أو يتم دفنه.
ومن الإجراءات التي بدأت تروَّج في الآونة الأخيرة العمل على سن قوانين تحدُّ أو تمنع استخدام الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل، خصوصاً في محلات البقالة الكبيرة، أو تحويل الأكياس المستخدمة لديهم إلى أكياس قابلة للتحلل (صديقة للبيئة). يضاف إلى ذلك تشجيع برامج إعادة التدوير للبلاستيك التقليدي، ويمكن التعامل مع (البلاستيك غير القابل للتحلل) بإضافة مادة OXO القابلة للتحلل، وهي عبارة عن مادة البولي أولفن (polyolefin) مع مقدار معيَّن من الأملاح، بحيث لا تحتوي معادن ثقيلة ضارة. وفي حالة عدم تدوير هذا النوع من البلاستيك، تقوم (الأملاح) بالتحفيز الطبيعي في وجود الأكسجين لتحويل البلاستيك إلى مادة قابلة للتحلل وحماية البيئة من التلوث وإصدار غازات الدفيئة المغضوب عليها.
ومع سياسة التوجه إلى تطبيق مستلزمات الاستدامة البيئية، نرى أن كثيراً من الدول بادرت إلى تشريع قوانين تشجِّع على التحول إلى الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل أو تفرضه فرضاً، كحلٍّ مجدٍ للحدِّ من مضار الأكياس البلاستيكية التقليدية وآثارها السيئة على البيئة والإنسان.
يشار أخيراً إلى أنه لم يتم تصميم البلاستيك القابل للتحلل ليتم رميه في الأماكن العامة ومجاري المياه أو البحر، بل لا بدَّ من العمل على توعية المستهلكين بضرورة تجميع هذا البلاستيك في حاويات خاصة، لإعادة تدويره وتحقيق مطلب الاستدامة البيئية.