لغويات

أهمية حروف المدِّ في اللغة العربية

معلوم أن العربية ليست اللغة الوحيدة التي تثبت فيها حروف لا تقرأ، لا بل إذا أردنا الدقة العلمية والإنصاف اللغوي المقارن، لوجدنا أن العربية أقل اللغات العالمية التي تلحق مفرداتها حروف تُكتب ولا تُقرأ.. إذ إنَّ ثمّة حروفاً تدخل في صميم وتركيب الكلمة في لغات مثل الفرنسية أو الإنجليزية خاصة، تُكتب ولا تُقرأ وما ذلك إلا للتمييز بينها وبين ألفاظ أخرى أو لمساندة حرف لآخر أو لاصطلاح قديم الرسوخ.

فعل “علا” وحرف الجر “على” المنتهي كل منهما بألف مد.. فكيف يستطيع القارئ أن يميز بين الكلمتين؟!

هناك بعض الأدباء والكُتَّاب الذين كانت لديهم في القرن الماضي طروحات سموها “إصلاحية” في مجال اللغة العربية، إن كان في القواعد أو المصطلحات. فمنهم مثلاً من اقترح موضوع إثبات أحرف المد أثناء الكتابة، تبعاً للفظه لا لقاعدته.. ولكن هذا الاقتراح الذي تبنَّاه الدكتور طه حسين لاقى معارضة من كثيرين من أدباء جيله ومنهم عباس محمود العقَّاد الذي أبان له خطل طريقته. فضرب له أمثلة عديدة، منها: فعل “علا” وحرف الجر “على” المنتهي كل منهما بألف مد.. فكيـف يستطيــع القارئ أن يميز بين الكلمتين؟!..

لنأخذ هاتين الجملتين:” علا الجبل” و” علا الجبل” فأيهما تدل على أنك ارتفعت على الجبل أو أنت فوقه؟.. وأيهما فعله أو اسمه؟.. وأي الاسمين مفعول أو مجرور؟. وكيف يستطيع القارئ العادي أو المبتدئ أو حتى المثقف أن يفرِّق بين معنى الجملتين؟ وكيف نميِّز بين الحرفيــن “إلى” و “إلا” حين يكتبان مثل بعضهما هكذا” إلا و إلا” كما اقترح طه حسين؟.

ومثال آخر: كيف نفرِّق بين الفعلين” قاس” بمعنى”كال” و”قاسى” بمعنى”تحمل وتجشّم”؟ فإذا لم يبقَ هذان الفعلان على حالهما الراهنة وهي راقية لغوياً فإننا نقحم أنفسنا باختلاط جديد حين نكتب هذين الفعلين هكذا: قاسا, قاسا…

كيف نميز بين الحرفين “إلى” و “إلا” حين يكتبان مثل بعضهما هكذا” إلا وإلا” كما اقترح طه حسين؟

وحروف المد هذه ليست بمستصعبة الكتابة فلكل منها قاعدة إملائية ثابتة يستعين بها القارئ والكاتب على رسمها رسماً صحيحاً. فمثلاً هناك حروف وأسماء وأفعال تنتهي بحروف المد المذكورة، (تقابلها حروف متشابهة بوظيفتها في لغات أخرى)، ومن حسن حظ لغتنا أن هذه الحروف والأسماء والأفعال فيها، محدودة، معدودة، أما الأفعال والأسماء فثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية، وكل منهما ينتهي بقاعدة ثابتة. الثلاثية مما يسبق آخرها ياء مفتوحة تكتب بألف ممدودة:” يحيا، استحيا…” وما لا يسبق بهذه الياء يرسم بألف لينة على صورة ياء غير منقطة:” استولى، استوحى، اجتبى…” أمّا الأفعال الثلاثية فسهلة الكتابة حين نعلم أن حرف المد منقلب عن حرف “ي” أو” و”، مثل سما – يسمو‘ ورمى- يرمي…

والصفة في العربية تلازم الموصوف في كل حركاته، فيما نجد أن سائر اللغات تفتقر لهذه الخاصة التي هي من أسس محسنات العربية وسهولة كتابتها وإعرابها.

كيف نفرق بين الفعلين” قاس” بمعنى”كال” و”قاسى” بمعنى”تحمل وتجشّم”؟

فالفعل” كسر” مثلاً في العربية يكتب هكذا في حالتي البناء للمعلوم وللمجهول والمتعدي، وانكسر في اللازم, بينما تضاف إليه حروف وكلمات في الإنجليزيَّة حتى يؤدي نفس المعنى.

قد أكون استطردت فيما أنا في صدده وهو أحرف المد. وإنما قصدت من هذه المقارنة البسيطة، الحرفية والمعنوية، أن أبيّن أن ثمة مصاعب لغوية موجودة في اللغات العالمية، وأن الحرف العربي في حالته الراهنة حرف له رونقه المضفى على الكتابة نتيجة قواعد ثابتة.

أضف تعليق

التعليقات