حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء على أنها القدرة على نقل السلوكيّات وأشكال التعبير المبتكرة غير المُخَزََّنة جينياً، من فردٍ إلى مجموعةٍ ما من مجموعات النوع، ومن ثم من جيلٍ إلى آخر.
ذُهل كينجي إيمانيشي، عالِم الحيوان الياباني، عندما شاهد، خلال قيامه بأبحاث على قرود المكاك اليابانية في جزيرة كوشيما، في منتصف القرن الماضي، أنثى قرد تغسل البطاطا الحلوة في مجرى ماء قبل أكلها وكان هذا النوع من البطاطس أدخله بعض الباحثين إلى الجزيرة حديثاً. لقد اكتشفت هذه الأنثى المبتكِرة من نفسها، أن إزالة الرمل والحصى عن البطاطس ممكنة بغسلها في مجرى مائي. وتدرُّجاً، انتشرت عادة غسل البطاطس الجديدة هذه بين أفراد المجموعة في الجزيرة، من خلال الملاحظة والتكرار. فدفع ذلك إيمانيشي إلى استخدام كلمة “ثقافة” في دراسته لوصف هذا السلوك، وكانت هذه هي المرَّة الأولى التي تُستخدم فيها عبارة ثقافة الحيوان. لكن ذلك أدَّى إلى إطلاق موجاتٍ من الانتقاد والاستهجان عبر مجالات عِلم الأخلاق وعلم النفس المقارن والأنثروبولوجيا الثقافية والبيولوجيا التطورية وغيرها. فكيف للحيوان أن تكون له ثقافةٌ وهي سمةٌ بشريةٌ بامتياز؟ أدَّى ذلك إلى نقاشٍ ساخن، لم يبرد إلا حديثاً.
قبل ذلك، كان الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس، في القرن الرابع قبل الميلاد، أول من قدَّم دليلاً على قدرة بعض الطير على تقليد أغاني طيرٍ أخرى. لكنه لم يذهب إلى أخذها على أكثر من ذلك، على الرغم من اعتباره سابقاً أن التقليد هو سِمَة يتميَّز بها البشر. بعد فترة طويلة، في القرن التاسع عشر، حاول تشارلز دارون بدايةً اكتشاف القدرة على التقليد لدى الحيوانات الأخرى عند محاولته إثبات نظريته القائلة إنَّ العقل البشري قد تطوَّر من عقل الكائنات الدنيا. كان دارون أيضاً أول من اقترح ما أصبح يُعرف بالتعلّم الاجتماعي، في محاولة لتفسير انتقال نمط سلوك التكيُّف من خلال مجموعة من نحل العسل. وعلى خُطا أرسطو، لم يحاول إيجاد علاقةٍ بينها وبين الثقافة، كما يعرفها البشر.
وفيما يمكن اعتباره حسماً للنقاش الساخن الذي استمر نحو سبعة عقود في الموضوع، وتحت عنوان “ازدهار الأبحاث حول ثقافة الحيوان” نشرت “ساينس”، مجلة الجمعية الأمريكية لتقدُّم العلوم، في 2 أبريل 2021م، ورقةً أعدّها عالِم الحيوان أندرو ويتن، تضمَّنت فهرساً لعددٍ كبيرٍ من الأبحاث الأكاديمية الحديثة عن ثقافة الحيوان، جاء في مقدِّمتها: “من خلال تراكم مزيد من الدراسات الميدانية الطويلة الأجل، شهد القرن الجاري انفجاراً في المكتشفات حول التعلُّم الاجتماعي والثقافة عند الحيوان، ليس فقط عند الثدييّات الرئيسة، ولكن أيضاً في طيف واسع من أنواع الحيوان، من الحيتانيات إلى مجموعة متنوِّعة من الطير والأسماك، وحتى اللافقاريات”.
الثقافة بين البيئة والجينات
عبَّر عالِم البيولوجيا في جامعة برنستون بونر جون تايلر، باكراً وبوضوحٍ، عن الاتجاه العام لآراء العلماء الذي بدأ ينحو، منذ ثمانينيات القرن العشرين، باتجاه الإجماع على أن للحيوان ثقافة، في كتابه “تطور الثقافة عند الحيوانات” 1980م؛ إذ جاء فيه، أن “الثقافة، التي كان يُعتقد في السابق أنها سمة إنسانية فريدة، أصبحت الآن راسخة باعتبارها سمة مشتركة بين الحيوانات، وليست مجرد مجموعة من السلوكيّات ذات الصلة، التي تُتَوارَث من طريق الانتقال الجيني كما جادل البعض.
إن الثقافة التي كان يعتقد في السابق أنها سمة إنسانية فريدة أصبحت الآن راسخة باعتبارها سمة مشتركة بين الحيوانات وليست مجرد مجموعة من السلوكيات ذات الصلة التي تتوارث عن طريق الانتقال الجيني كما جادل البعض. تقول في هذا الصدد عالِمة الأنثروبولوجيا بربارا كينغ، في مقابلة مع مؤسّسة ريتشارد داوكينز، في أبريل 2016م: المعروف على نطاق واسع الآن أن الشمبانزي في غرب إفريقيا يكسر حبة الجوز ذات القشرة الصلبة مستخدماً حجراً أداةً لاستخراج البروتين اللذيذ بداخلها. في الوقت نفسه، فإن الشمبانزي في شرق إفريقيا، وهو من النوع نفسه تماماً، لا يفعل ذلك، رغم ذكائها الكافي، وباستطاعتها استخدام الأدوات نفسها، لكن هذه هي طريقتها.
كان الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس، في القرن الرابع قبل الميلاد، أول من قدَّم دليلاً على قدرة بعض الطير على التقليد. لكنه لم يذهب إلى أخذها أكثر من ذلك، على الرغم من اعتباره سابقاً أن التقليد هو سِمَة يتميَّز بها البشر.
كذلك فإن الشمبانزي في بعض الأماكن يحتضن بعضه البعض الآخر بإمساك اليدين عاليتين فوق الرؤوس. لكن البعض الآخر في أماكن أخرى لا يفعل ذلك، لماذا؟ إنها ليست في جيناتها ولا تحدّدها البيئات. إنها فقط ما تتعلَّمه هذه القرود من مشاهدة كبارها.
وتضيف كينغ إنه نظراً لأن كلا الحيوانين متماثلان من الناحية الجينية، فإن الجينات، وهي غير مختلفة، ليست هي سبب هذه السلوكيّات المختلفة، بل هي ثقافات الشمبانزي المختلفة؛ هذه هي الثقافة.
اختيار الشريك عند الحشرات
يقول أيضاً أندرو ويتن، السالف ذكره، إن هناك دليلاً جيِّداً على ما يسمَّى بتقليد اختيار الشريك في ذباب الفاكهة. في أحد الاختبارات، شاهدَتْ إحدى إناث ذباب الفاكهة ذكراً غبَّرَه الباحثون باللون الأخضر، فلونه الأصلي ليس أخضر، وهو يتزاوج مع أنثى. وفيما بعد، حين أتيحت الفرصة لأنثى أخرى شهدت هذا الاختبار، فضَّلت الذكور ذوي اللون الأخضر: وكأنَّ لسان حالها يقول: “إذا كانت الإناث تعشق هذا النوع من الذكور، فلا بدَّ أنه جذّاب ويجب اختياره”. السبب الذي يجعلنا نتحدث عن الانتقال الثقافي هو أنه إذا شاهدت إناثٌ أخرياتٌ تلك الإناث تتزاوج، فإنهن يرثن الانحياز نفسه، وهكذا يتَوارَثن الثقافة.
ابتكارات سَمَك الزناد
وفيما يتعلق بالأسماك، فقد رصد باحثون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، سمكة “زناد” (سُمِّيَت بهذا الاسم نظراً إلى الأشواك التي تغطي زعانف ظهرها) عملاقة تخرج إلى حافَّة الشاطئ في البحر الأحمر، وتتَّبع استراتيجيةً غذائيةً مبتكرة فريدة في نوعها؛ إذ هاجمت أحد سرطانات الشبح، ونجحت في الإمساك به والتهامه.
وأكثر ما أثار اهتمامهم، بعدما جذب هذا المشهد تركيز بحثهم إليه، أن سمكة “الزناد” جنحت جزئياً نحو الشاطئ لتشنَّ هجومها في المياه الضحلة، وهو سلوك صيد لم يُرصَد من قَبل لدى أيٍ من الأسماك المنتمية إلى فئة ينفوخيَّات الشكل Tetraodontiformes، التي تعيش بين الشعاب المرجانية، وتضمّ نحو 350 نوعاً، منها سمكة “الزناد” ذات الألوان الجميلة. إنه سلوكٌ ابتكرته هذه السمكة من نفسها، استراتيجيةً ظرفيةً مناسبةً للحصول على الغذاء.
وبحسب مجموعة البحث، أعقبت ذلك هجمات عديدة في مياه شديدة الضحالة، بلغ عمقها بضع سنتيمترات، دون الجنوح نحو الشاطئ، إذ كانت السمكة تقترب من السرطان ببطء قبل أن تندفع نحوه أفقياً لمهاجمته، ثم تسحبه إلى المياه الأعمق لالتهامه.
يُعقّب ماثيو تيتبول، قائد الفريق، الذي نشر بحثه في نوفمبر 2020م في مجلة “جورنال أوف فيش بيولوجي” (مجلة بيولوجيا السمك) على ذلك بقوله: “يبدو أن أسماك الزناد بارعة للغاية في ابتكار مجموعة متنوّعة من السلوكيّات الغذائية للإمساك بفرائسها. فهي تُطلِق الماء من فمها أحياناً، لتزيح الرمال عن طعامها الفقاري المدفون، كما أنها تَقلب الصخور وتَكسر المرجان لاقتناص فريستها”.
يعتقد معظم الناس أن الإنسان يتفوَّق على باقي المخلوقات، خاصة أن نسبة وزن دماغه إلى وزن جسمه هي العليا بين المخلوقات كافّة. لكن دراسات علميةً عديدةً تطرح أسئلة حول مفهوم التفوُّق.
الابتكار الاستراتيجي عند قرود الطمارين
يبدو أن قرود الطمارين ذات اليد الحمراء قد غيَّرت نداءاتها لتبدو أشبه بنداءات قرود الطمارين المرقَّطة، حتى يمكن للنوعين تحذير بعضهما بعضاً، بعيداً عن مواطن كل منهما.
يقول عالِم البيولوجيا جاكوب دن من جامعة كيمبريدج، الذي شارك في دراسة عن هذا الموضوع نشرت في مايو 2021م، في مجلة: بهيفيورال إيكولوجي أند سوسيوبيولوجي (البيئة السلوكيّة وعلم الاجتماع): “يستخدم الطمارين تصفيراً طويلاً وعالي النبرة لتنبيه الأفراد الآخرين إلى وجودها وردعها عن الاقتراب أكثر من اللازم. وكأنها تحذِّر: لا أحد يريد الدخول في قتال، تصرخ قليلاً في البداية لتحذِّر بعضها بعضاً. إذ إنها وسيلة للحفاظ على المسافة بين المجموعات”.
عند تحليل نداء كلا النوعين الصوتيّ، اكتشف العلماء أن النداء الجديد لدى الطمارين ذوي اليد الحمراء له نطاق تَردُّد أضيق واتساع متزايد، مما يجعل الصوت أكثر وضوحاً ومدَّة التنادي أطول. والنتيجة هي نداءُ تبادلٍ ينتقل انتقالاً أفضل عبر الغابة الكثيفة. ولكن في أماكن مختلفة، ومع النوع نفسه من الطمارين، وعندما تكون الأشجار أقل كثافة، يكون تَردُّد الصوت واتساعه مختلفين ليناسبا البيئة.
هل نحن متفوّقون؟
يعتقد معظم الناس أن الإنسان يتفوَّق على باقي المخلوقات، خاصة أن نسبة وزن دماغه إلى وزن جسمه هي العليا بين المخلوقات كافّة. لكن دراساتٍ علميةً عديدةً تطرح أسئلةً حول مفهوم التفوُّق.
فقد جاء في مقالة كتبها عالِم البيولوجيا التطوّرية والبيئة في جامعة كولورادو، مارك بيكوف، في 5 أبريل 2013م في مجلة “سايكولوجي توداي” (علم النفس اليوم)، حول أدمغة الطير والسحالي والنحل، تدل على قدرات متقدِّمة في أدمغتها الصغيرة جداً، من دون القشرة المُخيَّة المسؤولة عن عديد من الوظائف عند البشر. لكن لهذه الحيوانات هياكل دماغيّة مختلفة تماماً عما لدى البشر. إذ لديها “جذع الدماغ” الذي يؤدِّي وظائف الحُصَّين والقشرة الأمامية باستخدام خلايا عصبيّة شبيهة بالتي عند البشر.
على الرغم من هذا الاختلاف، تستطيع هذه المخلوقات إبراز عديد من المواهب والسلوكيّات الحيوانية التي تفوق قدرة البشر. أحد الأمثلة على ذلك هو قدرة النحل على الطيران فوق كيلومتراتٍ من التضاريس، ثم تَذَكُّر المعالم الجغرافيّة بدقة في طريق عودتها. والأمر الآخر هو قدرتها على التنقل بين الأزهار والاختيار من بينها بكفاءة عالية، مع مراعاة القيمة النسبيّة لكل زهرة وأقصر مسافة بينها. هذا سؤال رياضيّ متقدِّم يُعرَف في الاقتصاد بـ”مشكلة البائع المتجوِّل”. إذ يمتلك النحل لغةً رمزيةً يمكنها تقديم معلومات دقيقة تتعلق بزوايا وقوع أشعة الشمس وحساباتها. ويتعلَّم النحل الفرديّ من هذه المعلومات أشياءً جديدة باستمرار.
رصد باحثون من جامعة (كاوست)، سمكة “زناد” عملاقة تخرج إلى حافّة الشاطئ، وتتَّبع استراتيجيةً غذائيةً مبتكرة فريدة في نوعها؛ إذ هاجمت أحد سرطانات الشبح، ونجحت في الإمساك به والتهامه.
ويقول عالِم الطب النفسيّ العصبيّ والمعروف بمُكتَشَفاته الطبيّة العديدة جون لييف، تعقيباً على هذه المقالة: “في الواقع، نحن لا نفهم المجتمعات المتقدّمة لدى معظم الحيوانات، بما في ذلك النمل الأبيض (termites) والنمل والنحل، ونحاول نفي واقعها، على افتراض أنها تعمل مثل خوارزميّات حاسوبية. في الواقع، لا يستطيع البشر فهم العالم من منظور الحيوان، إذ إن له قدرات حسيّة وحركيّة وإدراكيّة مختلفة تماماً. تُظهر الأبحاث المتراكمة خلال العقد الماضي، أن التعلُّم الاجتماعي منتشر للغاية لدى عديد من الحيوانات، من كبيرها إلى صغيرها. كذلك يُظهِر عديداً من الدراسات الحديثة أدلةً قوية جداً على التعلُّم الاجتماعي والتكيُّف لدى القرود والحيتان”.
وجاء في دراساتٍ واسعة نشرتها مجلة “بناس”، ومجلة “أغرونومي” (علم الزراعة)، ومجلة “ساينس” (العلم)، أوردتها مجلة “القافلة” في العدد 60، 2013م، في مقالة تحت عنوان: “النمل يتغلَّب على الصحراء”، أن النمل مارس الزراعة منذ نحو 50 مليون سنة. فقد تبيّن من دراسة متواليات الحِمض النووي “دي. إن. أي” لدى مجموعة النمل والفطريّات والأعشاب الطفيليّة في أعشاشها تحت الأرض، أن هناك تطوراً تشاركياً وتكافلياً بينها جميعاً طول هذه المدة. كذلك تَبيَّن أن ما يسمَّى “النمل قاطع الأوراق” لا يقطع الأوراق لأكلها فقط، بل يضع معظمها فيما يشبه الحديقة تحت الأرض لتنمو الفطريّات عليها، ثم يأكل هو الفطريّات.
أكثر من ذلك، يحسِّن النمل في هذه الأعشاش عملية تسرب المياه والصرف والتهوية. ويحتفظ بالفطريّات غذاءً للفقسة منها. كما طوَّر عملية حفظ الغذاء مدَّةً طويلة من الزمن، والسيطرة على الأمراض المُعْدية ومعالجة النفايات. ولاحظ الباحثون أن بعض النمل العامل يحمل على ظهره مادة تشبه الشمع الأبيض. وبعد فحصها تَبيَّن أنها نوع من البكتيريا تفرز مضاداً حيوياً تحارب بها الطفيليات التي تهاجمها، وأنها تحتوي على %80 من المضادات التي يستعملها الإنسان اليوم في صيدليّاته.
آراء مخالفة
تتمحور الآراء المخالفة للمفهوم القائل بأن الثقافة تسبّب مظاهر الاختلاف السلوكيّ عند الحيوان في أماكن جغرافية متباعدة، حول أنها تقلّل كثيراً من الأدوار التي تلعبها البيئة وعلم الوراثة في التأثير على التباين السلوكي من مجموعة إلى أخرى داخل النوع. لأن هذه السلوكيات الناتجة من التأثيرات الجينيّة أو البيئيّة لا تعتمد على المعلومات التي تُتَعلَّم وتُنقَل اجتماعياً؛ فهي ليست ثقافية بمعنى أنها تتطلب التعلُّم الاجتماعي.
فالثقافة هي مجرد عامل واحد من العوامل العديدة التي تؤثر في سلوك التكيُّف الذي يعرضه الكائن الحي، لاستغلال بيئته استغلالاً أفضل. عندما يُبرِز الاختلاف السلوكي، في مجموعة ما عن المجموعة الأخرى من النوع نفسه في أماكن جغرافية مختلفة ما يعرف بـ”تَكَيُّفيَّة النمط الظاهري” أو قدرة الكائن الحي على تغيير نمائه الفيزيولوجي أو شكله الظاهر، استجابة للتغير الذي يحدث في بيئته، فإنه يُعزَى إلى الضغوط البيئية أكثر من الضغوط الثقافية. بعبارة أخرى، عندما يغيّر الحيوان سلوكه على مدار حياته، فغالباً ما يكون هذا نتيجة للتغيُّر في بيئته. علاوة على ذلك، كما يقول كيفين لالند، عالِم البيولوجيا السلوكية والتطورية في مجلة “تريندز إن إيكولوجي أند إيفوليوشن” (اتجاهات علم البيئة والتطوُّر) 2006م: “يتأثر سلوك الحيوان أيضاً بقابليته الجينيّة للتطور”.
هل من سلسلة متّصلة؟
في النهاية، تعقّب بربارة كينغ، بقولها إنها تعتقد بوجود سلسلة متصلة بين المخلوقات كافّة فيما يخص الثقافة. وتوضح: “لكن هذا لا يعني إسقاط الصفات البشرية على الحيوانات الأخرى. فمثلاً، الحُبّ والحزن ليسا مشاعر إنسانية فقط، نحن لا نمتلكها، وكذلك فإن الثقافة ليست طريقة بشرية لصنع المعنى، نحن لا نمتلك ذلك؛ نحن “ننتج ثقافة” على نحو مختلف بالتأكيد، لكن السلسلة متصلة”.
بالطبع، تُظهر الثقافة لدى الحيوانات اختلافات شاسعة عن الثقافة البشرية. لكن المتشارَك بينهم هو التعلُّم الاجتماعي والطريقة التي يمكن أن يؤدي بها هذا إلى التقاليد. ويبدو أن هذا منتشرٌ، وله آثارٌ على البيولوجيا التطوّرية، التي يجب أن تتكيّف مع هذا الشكل الثاني من الوراثة، أي الوراثة الثقافية، وهو يمكن أن يؤدي بدوره إلى شكل ثانٍ من التطوُّر – التطوُّر الثقافي.
مجلة القافلة غذاء للعقل ونشوة للذهن. بارك الله في القائمين عليها وما تعليقي هنا إلا تعبير عن الشكر وسعادتي بهذا الصرح الثقافيّ العلميّ البهيّ. بارك الله فيكم
شكرا استاذ نجيب مقال كنز من المعرفة والطرح وانا اقرأ هنك حقيقة اراه بشكل يومي لما يسمى بالثقافة والان مع هذا المقال اتضحت تصرفات وسمات الثقافة في حياتنا وما حولنا شكرا