مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2020

نموذج كعكة الدونات


تعتمد الحكومات في جميع أنحاء العالم على أرقام الناتج المحلي الإجمالي كدليل على ازدهار اقتصادها أو تراجعه. ولكن مع أزمة جائحة الكورونا والانهيارات الاقتصادية الناتجة عنها والمشكلات البيئية الشائكة، كان لا بد من البحث عن نماذج اقتصادية مختلفة والابتعاد عن السعي وراء النمو الذي لا نهاية له والذي أدخل العالم في أزمة تلو الأزمة. 
ومن هنا برزت فكرة نموذج كعكة الدونات الذي أطلقته الخبيرة الاقتصادية في جامعة أوكسفورد كيت راورث، كإطار عمل للتنمية المستدامة من أجل تحقيق التوازن بين احتياجات الناس من دون الإضرار بالبيئة، وحيث لا يكون التفكير في الاقتصاد منفصلاً عن المجتمع الذي هو جزء منه والبيئة التي هو مترابط معها.
كانت راورث قد أطلقت هذه الفكرة في كتابها الذي يحمل عنوان “اقتصاد الدونات: 7 طرق للتفكير كاقتصادي في القرن الحادي والعشرين” حيث حدَّدت إطاراً على شكل كعكة الدونات يمكن للحكومات وأصحاب القرار أن يعملوا من خلاله.

كيت راورث تحاضر حول نموذج كعكة الدونات.

تمثل الدائرة الداخلية لهذه الكعكة الاحتياجات الاثني عشر الإنسانية الأساسية التي تعتمد على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تُراوح بين الحصول على الغذاء، والإسكان، والمياه النظيفة، والطاقة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتعليم، والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير. أما الدائرة الخارجية فهي الإطار الإيكولوجي الذي يجب أن تعيش تحت سقفه البشرية جمعاء على أساس ما حدَّده العلماء المتخصصون في علوم نظام الأرض. وهذا السقف يمنع من الإضرار بالمناخ والتربة والمحيطات وطبقة الأوزون والمياه العذبة والتنوُّع البيولوجي الوفير. وبين الدائرتين الخارجية والداخلية لكعكة الدونات توجد الأشياء الجيِّدة أو “العجين” حيث تُلبى احتياجات البشر واحتياجات الكوكب في آنٍ معاً. 
لا يمكننا تحويل نظام الدونات إلى رقم واحد نستطيع الاستدلال به، إذ هو بمثابة لوحة قيادة يمكننا من خلالها التحكم بالمجريات الاقتصادية والبيئية في الوقت نفسه. فهو يقدِّم الإطار المناسب حيث يمكن لأصحاب القرار أن يجتمعوا ويتخذوا القرارات في ظل رؤية موحدة وجامعة، فلا تعود هناك حاجة لإيجاد حل لمشكلة البيئة وحدها وآخر للمشكلات المالية وآخر لمشكلة الطوارئ الصحية، بل يكون التركيز على استنباط حلول تحرص على تحقيق التوازن بين جميع الموارد المتوفرة بالإضافة إلى الازدهار والرفاه الفردي والمرونة الاقتصادية. 
في أبريل 2020م أعلنت مدينة أمستردام عن تبني نموذج الدونات لمساعدة المدينة في التعافي الاقتصادي بعد جائحة الكورونا، ووضعت صحة البشر والكوكب من ضمن أولوياتها. وهذا هو بالضبط ما يجب على جميع الأشخاص والمدن والبلدان في العالم القيام به. لأنه فقط من خلال التركيز الحقيقي على الرفاه الاجتماعي بالتوافق مع الصحة البيئية يمكننا الحد من انتشار الأوبئة المدمِّرة في المستقبل وضمان مستقبل اقتصادي مزدهر للجميع.


مقالات ذات صلة

على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]

استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]

من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]


0 تعليقات على “نموذج كعكة الدونات”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *