نعلم جميعاً أن للأرض حركتين: حركة حول الشمس، ووحدة قياسها هي السنة، وحركة حول محورها ووحدة قياسها اليوم. إننا لا نشعر بهذه الحركات بسبب خاصية القصور الذاتي. فلو كنت في طائرة وأغلقت النوافذ جيداً ولم تتغير سرعة الطائرة فإنك لن تشعر بالحركة أبداً. ستتناول طعامك وتشاهد فلمك المفضَّل وكأنك على الأرض لا كأنك تتحرَّك بسرعة ألف كيلومتر في الساعة!
إن سرعة دوران الأرض حول محورها يعتمد على موقعك عليها. فعند خط الاستواء مثلاً، تبلغ السرعة المدارية للأرض 1675 كيلومتراً في الساعة، بحيث تُكمل دورة كاملة حول محورها خلال 24 ساعة. إن كل شيء يقع على كوكب الأرض يتحرَّك بهذه السرعة مع الكوكب بأكمله؛ الغلاف الجوي، البحار، المحيطات، والجبال وكل شيء آخر. والآن ماذا يمكن أن يحدث لو سَرّعت الأرض دورانها حول نفسها؟ ما سيحدث كارثي بكل معنى كلمة كارثة!
لو ازدادت سرعة الأرض فجأة حول نفسها إلى الضعف مثلاً، فإن اليوم لن يكون 24 ساعة، بل سيصبح 12 ساعة فقط! وهذا سيؤثر بشكل كبير على ساعاتنا البيولوجية الداخلية التي تكيفت بشكل صارم مع 24 ساعة في اليوم. وليست أجسامنا فحسب هي التي ستتأثر، بل كل كائن حي آخر من حيوان ونبات سيتأثر.
وسيتعطل نظام كل الأقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات، لأن هذه الأقمار موجودة في مدارات ثابتة، وتدور بسرعة متناسبة مع سرعة دوران الأرض بحيث تبقى دائماً في المكان نفسه طوال الوقت. وعليه ستُقطع جميع اتصالاتنا اللاسلكية.
كل ذلك هيّن نوعاً ما، لكن ما سيحدث من تغيُّرات للمناخ والجغرافيا لن ينجو منه أحد! فإذا تضاعفت سرعة دوران الأرض حول نفسها فستسحب قوة الطرد المركزي كمية مياه هائلة من القطبين باتجاه خط الاستواء، مما سيتسبَّب في غرق المدن الاستوائية تحت الماء!
وسيتسبَّب هذا الأمر أيضاً بأعاصير هائلة جداً.
فلو تخيلنا أن الأرض ساكنة، فإن الرياح التي تهب من القطب الشمالي ستهب بشكل مستقيم ناحية خط الاستواء، ولكن بسبب دوران الأرض حول نفسها فإن مسار الرياح سينحرف ناحية الشرق. والآن إذا زادت سرعة دوران الأرض حول محورها فسيتسبَّب ذلك بأعاصير حادة كارثية. كما ستؤدي حركة الأرض المتسارعة إلى تسطح القطبين وانتفاخ عند خط الاستواء، وهذا ما سيؤدي بدوره في نهاية المطاف إلى تحرك الصفائح التكتونية، الأمر الذي يعني حدوث زلازل مدمِّرة من شبه المستحيل النجاة منها.
على أي حال، ليس عليك أن تقلق بخصوص هذا الأمر. فمن المستحيل علمياً أن تغيِّر الأرض سرعة دورانها بشكل مفاجئ من دون مقدمات، سواء تباطأت أو تسارعت. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا اصطدم بالأرض جرم ضخم جداً وبزاوية معينة. وإن حدث هذا التصادم فلن ينجو منه أحد أصلاً ليشاهد آثار تسارع دوران الأرض. ولذا، ندعوك إلى أن تستمتع يومياً بجمال الصباح وجمال الغروب في أوقاتهما الحالية، من دون أن تبالي بسرعة الأرض.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2020
ماذا لو سرّعت الأرض دورانها؟
الدكتور يوسف البناي
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
يقول تعالى لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
مشكور أخ يوسف ونتمنى المزيد من المقالات العلمية الشيقة التي تبتعد عن المعادلات الرياضية