كثيراً ما يحتاج مديرو المؤسسات والشركات إلى الاجتماع برؤساء أقسام منشآتهم وموظفيهم ومستشاريهم، مع ذلك فإن معظم الدراسات الإدارية تفيد بأن أغلب لقاءات العمل تكون غير مثمرة، سواء أتعلَّق الأمر بغياب أجندة واضحة أم بسماع كثير من الكلام والصراخ حول أسباب فشل المشاريع والمنتجات. ولذلك يتهرَّب الجميع من حضورها لأنها مضيعة للوقت، والمشكلة تكمن في عدم توثيق مجريات الاجتماعات في ملاحظات مكتوبة، تدعم القرارات التي تمَّت الموافقة عليها، وتجنب توزيع مهام العمل على أعضاء الفريق مع جدول محدَّد زمنياً للتنفيذ. وعلى هذا النحو قد لا توجد متابعة لإنجاز ما سبق حسب التوقيت المحدَّد.
أحياناً تكون الاجتماعات ضرورية، لكن الرئيس التنفيذي لشركة أمازون “جيف بيزوس” يشك في فائدتها، مفسراً ذلك بقوله: «إن شخصاً واحداً لديه موقف سلبي، يمكنه أن يطرد كل الطاقة الإيجابية خارج الغرفة».
ويعترف “بيزوس” في رسالته السنوية للمساهمين المنشورة حديثاً بمنعه استخدام برنامج “PowerPoints”، أو أي عروض تقديمية أخرى أثناء الاجتماعات. فبدلاً من ذلك تُقرأ في بداية كل جلسة مذكرات تفصيلية، لأن الكتابة تفرض تفكيراً أفضل وفهماً أشمل لما هو أهم.
في البداية، يستغرق الجميع في قراءة مذكرة مؤلفة من 6 صفحات مكتوبة بعناية، بصمت ولمدة نصف ساعة. وتحتوي هذ المذكرة على أسمــاء وأفعال حقيقية مرتبطة ببعضها في سياق واضح على شكل حكاية، وليس بشكل قائمة من البنود، لتحضير أنفسهم لاستيعـاب المسائـل المطروحة للنقــاش بطريقـة مركّزة وعميقة.
ربما يكون سبب هذه الاجتماعات الغريبة، تجارب “بيزوس” السابقة، باعتباره من عشّاق الكتب، وهو الذي أطلق موقع أمازون عند تأسيسه كمخزن كتب على الإنترنت؛ ولذلك، فإن القراءة موجودة في “الحمض النووي” للشركة.
وهناك سبب آخر وهو تفادى «مفارقة أبلين» التي أشار إليها خبير الإدارة جيري هارفي في مقاله المنشور عام 1974م بعنوان “:The Abilene Paradox
The Management of Agreement”
ولكي يوضِّح “هارفي” وجهة نظره، حكى قصة عائلة سافرت في رحلة غير مريحة لتناول العشاء على بُعد 53 ميلاً من مدينة أبلين غرب تكساس، واتضح أن الجميع وافقوا على ذلك لأنهم اعتقدوا أن الآخرين أرادوا الذهاب، على الرغم من أنهم كانوا جميعاً يفضلون البقاء في البيت، وهذا يعني أنهم قرَّروا القيام برحلة لم يكن أحد يريدها.
فنحن كأفراد نميل إلى الاعتقاد الخاطئ أن رأينا هو رأي أقلية، فنختار عدم التعبير عن أفكارنا. وعندما يبدو أن هناك إجماعاً حول “نعم” ، نشعر بعدم الارتياح من كوننا الصوت الوحيد الذي يقول “لا”.
هذه مسألة في غاية الأهمية لنجاح عمل الفريق، وتكوين ثقافة التعاون لزيادة الإنتاجية.
ولا يدرك القادة خطورة وجود أشخاص حولهم يقولون دائماً “نعم”. فمن المهم أن يتوفِّر في ميدان العمل مناخ من التسامح، حتى يتمكَّن الأفراد من تقديم الآراء المعارضة للخروج من الركود و إحداث التغيير المنشود .
ولهذا يحتاج القادة إلى إيجاد مساحات للحوار وتبادل وجهات النظر بكل حرية، بل وتقبل الاستدراك (Feedback) بكل رحابة صدر لغاية إطلاق العنان لقوة الخيال، وهذا من المبادئ الأساسية في الإدارة الرشيقة، التي تساعد الشركات اليوم في عملية التحوُّل الرقمي، الأمر الذي يتطلَّب الابتكار والتعلم من الأخطاء بسرعة، وتجربة الأفكار الجديدة على نطاق مصغَّر، ثم إذا ثبت نجاحها فتأتي مرحلة التوسع.
وهذا النموذج تعمل به شركات التقنية لتسريع طرح المنتجات، والتغلب على المنافسة الموجودة في السوق بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، في تخفيض تكاليف التشغيل بشكل قياسي.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو | 2018
لماذا يقول الجميع دائماً نعم؟
حمود أبو ماجد
مقالات ذات صلة
حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.
ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]
بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]
اترك تعليقاً