مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2025

لغة اليدين

من الكلمة الواحدة إلى الخطاب الطويل

عزت القمحاوي

نعرف اليوم أن الإبهام المرفوع فوق القبضة يعبّر عن تأييد أمرٍ ما، أمَّا إذا كان موجهًا إلى أسفل القبضة، فهذا يعني عدم الرضا. ولكن كان لهاتين الإشارتين بالإبهام دلالات تتجاوز الرضا وعدمه. فعلى حلبات المصارع في روما القديمة، كان الحكم على المهزوم يحدث بالإشارتين أنفسهما في صفوف الجماهير، ومن ثَمَّ يختار الحاكم الحاضر إحداهما ليقوم بها. فكان الإبهام المرفوع إلى الأعلى دعوةً أو أمرًا بالعفو عن المهزوم، والعكس أمرًا بالإجهاز عليه.

والمعاني التي يمكن للإشارات باليد أن تنطوي عليها أكثر من أن تُحصى، وما زالت تتطور حتى عصرنا هذا. فبإشارة من اليد يُمكننا أن نأمر شخصًا بالاقتراب، وبعكسها نأمره بالانصراف. ويمكن لإشارة أخرى أن تكون بديل أسئلة من نوع: ماذا؟ متى؟ أين؟

وتُعزى إلى ونستون تشرشل حركة التفريق بين الوسطى والسبابة في شكل حرف V اللاتيني للإشارة إلى النصر (Victory)، وقد صارت هذه الإشارة مفهومة ومعتمدة عالميًا. ومن بين أعراف الحرب يبدو رفع اليدين فوق الرأس إشارة إلى الاستسلام والقبول بالهزيمة ووضعية الأسر. ومن دون هذا التحييد لليدين يظل المحارب خطرًا على الخصم.

لغة الإشارات

ينسب أفلاطون في كتابه “كراتيلوس” إلى سقراط قوله: “لو لم يكن عندنا لسان وصوت، لما كنا حاولنا أن نعبّر لبعضنا البعض عن الأشياء بإشارات بواسطة تحريك الأيدي…؟”. والواقع، أن جماعات الصم والبكم كانت طوال التاريخ المعروف تستعين بالإشارات للتواصل فيما بينها. وتطوَّرت هذه الإشارات لتصبح لغات كاملة باستخدام اليدين فقط، وذات أبجدية مؤلفة من حركات اليدين، حيث تمثّل كل حركة صوتًا من أصوات الأبجدية. وبواسطة واحدة من “لغات الإشارة” هذه، على سبيل المثال، كان المستكشفون الأوربيون يتحاورون مع السكان الأصليين في القارة الأمريكية في السنوات الأولى لوصولهم إليها.

ولغة الإشارة ليست واحدة، بل تختلف من بلد إلى آخر، وإن تشابهت جزئيًا في بعض الحالات. أمَّا عدد المتحدثين بها، فيصعب احتسابه بدقة، وإن كان يُقدّر بعشرات الملايين. فاستنادًا إلى “الاتحاد الدولي للصم”، يبلغ عدد هؤلاء في العالم نحو سبعين مليون نسمة، ويعتمد غالبيتهم على لغات الإشارة للتواصل مع الآخرين.

الإيموجي

بعض الإشارات باليد تتضمن التعبير نفسه في الثقافات المختلفة، أو يسهل فهمها والاعتياد على مضمونها، ولهذا نراها وقد تحولت إلى علامات عابرة للحدود في التواصل الإلكتروني، تغني عن كثير من الكلمات. ومن أكثرها شيوعًا واستعمالًا على سبيل المثال ما هو ظاهر في الصورة أعلاه.


مقالات ذات صلة

الربيع قُل “الربيع”، فتعصف في الذهن صورة الأرض الخضراء المزهرة، والنسيم العليل. ولكن الربيع أكثر من ذلك. فهو “شباب الزمان”، كما قال عنه أحمد أمين. وهو احتفال وتذكير بهيج بأن الحياة دورية ومتجددة باستمرار. كما أن جماله لا ينحصر فقط في الطبيعة المذهلة أو الأصوات المبهجة، ولكن أيضًا في الشعور العميق بالأمل. فعندما نشهد صحوة […]

إذا ما أخذنا درسًا من أسلافنا، فلا ينبغي لنا أن نعدَّ قدوم الربيع أمرًا حتميًا، بل ربَّما علينا إعادة النظر في أفعالنا التي تؤثر في التغيُّر المناخي، وتعطِّل إيقاع المواسم والتناوب الطبيعي للفصول، وذلك لتجنب وقوع ظاهرتين اثنتين باتتا من معالم فصل الربيع في مواقع عديدة من العالم. منذ مدة ليست ببعيدة برز مفهومان حديثان […]

يقول الفيلسوف الأمريكي، رالف والدو إيمرسون، إن “الأرض تضحك في الزهور”. وبالفعل فإن أكثر ما تظهر هذه الضحكة من خلال الزهور المتفتحة في الربيع. ولذلك نجد أن الزهور هي الرموز الأكثر تمثيلًا لهذا الفصل الواعد. فلكل زهرة رمزيتها الفريدة في كل ثقافة على حِدة، وهو ما يُسهم في السَّرد العام للتجدّد في فصل الربيع.  تشمل […]


0 تعليقات على “لغة اليدين”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *