كتب عربية
الإنسان على المحك: المركزية البشرية والتوازن البناء
تأليف: علي حرب
الناشر: الدار العربية للعلوم، 2020م
يوضح المفكِّر اللبناني علي حرب أن انتشار جائحة كورونا كان الدافع وراء نشر كتابه “الإنسان على المحك”. ويُضيف في مقدَّمته أنه يتناول المأزق العالمي، الوجودي والحضاري، فقد أيقظ هذا الفيروس الذي وصفه بـ “الحدث الكبير الذي غيَّر مشهد العالم وترك بصمته على حياة البشر” الكثيرين ممن يهتمون بتناول الواقع الراهن من سباتهم فتوجهوا بالنقد إلى الإنسان ومشاريعه.
فالكتاب هو قراءة نقدية عامة لوضع العالَم الحالي بمشهده وتحوّلاته التي تؤكد تغيره استراتيجياً، وفيه ينطلق الكاتب من طرح يتجاوز صراعات الهويات والعقائد ويذهب إلى أن الإنسان نفسه هو مصدر الأزمة المستعصية، وهو أصل المشكلة، كما ينتقد الأفكار التي ينتجها هذا الإنسان والمتجسدة في أنساق المعرفة وأنظمة القيم.
ويواكب هذا العمل اللحظة الاستثنائية الحاضرة. ففي قسم رئيس منه يعالج المؤلف ما سمَّاه “الحراك الكوكبي” وتأثير أزمة “كوفيد 19″ على المجتمعات الإنسانية. وذلك بعد قسمين آخرين هما “المشهد العربي، والاضطراب العالمي”. فكتب تحت عنوان: “كورونا سيد اللعبة”: “لم يكن العالم على ما يرام قبل اجتياح الوباء. ولكن الفيروس الذي تفشى بسرعة في هذا الزمن المُعولم والمتسارع، فاجأ البشر ليكشف جهلهم وهشاشتهم، من وراء ادعاءات العظمة والقوة والسيطرة”. ونفهم من هذا كيف أغفل البشر أن ثمَّة أوبئة يمكنها أن تغزوهم وتتمكَّن منهم، وأن ثمَّة “كائناً لا يُرى بالعين المجرَّدة” سيطر فجأة على المشهد وهدَّد العالم أجمع. لكن مع ذلك، كما يُحلل الكاتب، يفرض هذا الحدث أسئلته الخاصة: فماذا تفيد الأسلحة المكدسة؟ وماذا يفيد غزو الفضاء؟ وما الجدوى من الرغبة في إطالة الأعمار؟ طالما لا يفيد ذلك كله في مواجهة خطر جسيم مثل كورونا الذي كشف ضعف الإنسان.
يرى الكاتب أن الإنسان رغم نجاحه في إنتاج آلات ذكية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي بوسعها حتى أن تحل محله، ورغم أن ذلك أوجد اعتقاداً أن ثمَّة طوراً جديداً سينتقل إليه البشر، يتزاوجون فيه مع تلك الآلات فتطيل أعمارهم أو تزيد من قدراتهم أو تهبهم وعياً مختلفاً، فالحقيقة تشير إلى أن مثل تلك المشروعات أو المغامرات التي تؤكد “مركزية الإنسان” حسب المفهوم الذي يستخدمه علي حرب، قد “تُدخلنا في المجهول” بالتلاعب على سبيل المثال في الخارطة الوراثية والمشهد الطبيعي. ويتمثل الحل الذي يقترحه في إعادة التوازن وترتيب الأولويات وتغيير الرؤية في التعامل مع الأشياء والأحداث وفي تشكيل “وعي كوكبي مضاد”، وفقاً لتسميته، من شأنه أن يحدّ من “وحشية البشر تجاه الأرض والطبيعة”.
إيقاع التحول وقمر الارتياب
تأليف: عبدالله السفر
الناشر: مجموعة كلمات، روايات 2019م
على الرغم من كونه شاعر قصيدة نثر وصدر له ما يقارب السبع مجموعات شعرية، إلا أنه أكثر المتابعين لما يتم نشره على الساحة المحلية في السعودية وكذلك العربية. عُرف عن عبدالله السفر بأنه من جيل الثمانينيات الذي يكتب القصيدة الحديثة ويقدِّم القراءة النقدية ونشط في متابعة الإصدارات الثقافية.
في هذا الكتاب الذي قام بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام، احتوى الأول على 26 فصلاً، والثاني على 17 قراءة، بينما احتوى الثالث على 23 قراءة.
وحول هذا الإصدار يقول المؤلف إنه: “عبارة عن متابعات ومراجعات وقراءات.. ويمثِّل جولة ثقافية على مدار السنوات الأخيرة، نشرت سطورها في صحافتنا المحلية من صحف يومية ومجلات فصلية منها الوطن، وعكاظ، واليوم، والجوبة، والفيصل، ومجلة القافلة”. ويضيف أن القسم الأول هو عن الرواية وكل ما ينتمي إلى السيرة الذاتية أو المذكرات واليوميّات، والقسم الثاني عن القصة القصيرة، وتم تخصيص الثالث ليكون عن المجموعات والنصوص الشعرية.
ويضيف السفر أنه قدَّم في هذا الكتاب ما يزيد على الستين كتاباً لمبدعين سعوديين وخليجيين ولمبدعين من عالمنا العربي (مصر، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، والأردن، والسودان، وليبيا، وتونس، والعراق).
ففي القسم الأول كتب عن هناء حجازي “حالة يوسف التي أحب”: “الكتاب كتلة مائجة هادرة من الانفعالات، لم أستطع أن أتصوَّر هناء في عذابها وألمها وحياتها إزاء يوسف إلَّا وأقرنها في الذاكرة بقصة السيدة هاجر وطفلها إسماعيل متروكين بلا زاد ولا ماء، وهي تنهب الجهات بين الصفا والمروة تتلمس ما يكفكف جوع صغيرها”.
وفي الجزء الثاني من الكتاب، يتحدث عن كتاب عدي جاسر الحربش “أمثولة الوردة والنطاسي”، فيقول: “كثيراً ما أتصوَّر عدي الحربش واحداً من العاملين في مجال التعدين الورقي، ضارباً في جوف التاريخ، غائصاً بين آلاف الأوراق والحكايات الخام. يقوده حدسه، وتنبِئُهُ خبرته عن مكامن – الحجر الكريم – وبصبر الصيّاد وعناية الصائغ يعكف طارقاً ومقشراً”.
وفي إطار المتابعات في القسم الثالث نراه يكتب عن أنسي الحاج قائلاً: “رسم خارطةً وأقام معياراً. مشى إلى الضدّ وعانقهُ، سوّاهُ أنموذجاً.. ولأنّ شهوةَ الهدم أبلغُ من خارطةٍ ومن معيارٍ ومن أنموذج، مزّق الخارطة وتنازل عن المعيار وطوى الأنموذج تحت إبط النسيان”.
السينما العربية خارج الصندوق
تأليف: أمير العمري
الناشر: بتانة، 2020م
يتضمَّن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات السينمائية والمقالات النقدية حول أفلام عدد من المخرجين العرب، وبوجه خاص الشباب الجدد منهم الذين أنجزوا أعمالاً حازت نجاحاً كبيراً وشاركت في مهرجانات السينما الدولية.
ويستند مؤلفه الناقد المصري أمير العمري في قراءته التحليلية لهذه الأعمال السينمائية إلى منهج يختلف عن توجه يعدّه سائداً في الكتابات النقدية السينمائية. فهو يرى أن لا بد من التوقف عن الانبهار أمام أي عمل لمجرد أنه يتفق مع القناعات الخاصة السياسية والأيديولوجية لصنّاعه، وهي الظاهرة التي تركت تأثيراتها السلبية على السينما والنقد معاً.
ينقسم هذا الكتاب إلى جزأين. الجزء الأول عن المخرجين بينما يتناول الجزء الثاني التجارب السينمائية الجديدة. ويتميَّز مضمونهما بأنه جاء متنوِّعاً وشاملاً، فعالج مسيرة وأعمال مخرجين ينتمون لأكثر من دولة عربية ويمثلون مدارس فنية مختلفة، منها السينما النخبوية، والسينما الشعبية الجماهيرية.
ويُحلل المؤلف الأعمال التي وقع اختياره عليها كنماذج سينمائية تستحق الاحتفاء النقدي من وجهة نظره الخاصة عن عملية الإخراج السينمائي وتصنيفات الأفلام وردود الأفعال على إبداعات المخرجين بعد عرض أفلامهم وتقييم تجاربهم. فهو، على سبيل المثال، لا يجد ضرورة لأن يعتذر أي مخرج عن فِلْم يكون قد أنجزه اختياراً واعياً منه ومن دون ضغوط إنتاجية، أو لأن يعترف أي مخرج أن أفلامه “تتعالى على الجمهور”. فيقول: “لكل فِلْم جمهوره وأنواع الأفلام المختلفة لا تخاطب عادة جمهوراً واحداً”، و”هناك مستويات للتواصل مع الجمهور”. كما يراجع أيضاً مفهوم “السينما التجارية”، ويُفضل استخدام مصطلح آخر هو “سينما التيار العريض” عوضاً عنه. فبحسبه، كل الأفلام تسعى لأن تصبح “تجارية”، أي أن تصل إلى جمهورها الطبيعي الذي يدفع بعض المال مقابل مشاهدة الفِلْم، وذلك لضمان استمرار دائرة الإنتاج.
ويقدِّم الكاتب نقداً لعدد من أفلام السينما غير التقليدية التي أطلق عليها “السينما خارج الصندوق”، وهي وفقاً لتصوره الأفلام التي لا تلقى عادة فرصة حقيقية للعرض تجارياً على نطاق واسع. وهو حين يتناولها يركز على أسلوب مخرجيها، ويبحث في مدى صدقها الفني في التعبير عن أفكارها الرئيسة وذلك من نواحٍ جمالية ترتبط بمختلف جوانب الإبداع السينمائي. ويشير العمري في هذا الخصوص إلى أن للسينمائي الحق في العثور على ما يتفق مع مفهومه الخاص حين يعالج فكرته. لكن في الوقت نفسه، من حق النقد بل من واجبه تحليل العمل طبقاً لقدرته على الإقناع، وما إذا كان متسقاً مع طرح المخرج الخاص وأسلوبه الذي ارتضاه في معالجة موضوعه الرئيس بالشكل الذي يؤدي إلى تفاعل الجمهور معه اقتناعاً بمضمونه.
الخوارزمية البشرية: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تحديد من نحن
تأليف: فلين كولمن
ترجمة: أوليغ عوكي
الناشر: الدار العربية للعلوم، 2020م
يُناقش هذا الكتاب مجموعة من القضايا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي عبر سرد تفصيلي للتطوّرات التكنولوجية التي باتت تهيمن على الحياة الإنسانية بشكل غير مسبوق.
ووفقاً لما تعلنه مؤلفته فلين كولمن، فالكتاب رسالة أمل حذرة من أن التكنولوجيا ستكشف من هم البشر في النهاية، هل هم مخلوقات مرنة وغير محصنة، فضولية وإبداعية قادرة على التواصل الأصلي مع أنفسهم ومع الآخرين؟ لكن هذا الحذر الذي نوهت به الكاتبة لا يُخفف بأي حال من الحماس الشديد الذي يُغلف مضمون هذا العمل بشكل عام نحو التقنيات الحديثة بأنواعها العديدة وضرورتها المُلِحَّة، بسبب التغيير الذي أحدثته فعلياً والمتوقع أن تُحدثه على الواقع البشري في الأعوام القليلة المقبلة.
ينقسم الكتاب إلى عشرة فصول تستعرض كافة محاور العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان الذي أبدع تقنياته. وتقارن بين وعود المنتجات الذكية في ما يخص النمو والصحة والرفاهية وتوزيع الثروات وتهديداتها الخطيرة على الأمن الدولي بسبب زيادة الاعتماد على الأتمتة، الأمر الذي ربما يهدِّد ملايين الوظائف حول العالم وقد يوجد حالة من عدم المساواة وزيادة الفجوات بين من يملك التكنولوجيا ومن لا يملكها.
وتلفت كولمن الانتباه عبر تحليلها المستفيض للحالة التكنولوجية الراهنة في العالَم والتحوُّلات الجذرية التي أحدثتها إلى أن رحلة الإنسان إلى عصر الآلات الذكية لا تزال في بدايتها، فرغم التأثير العميق الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية على كافة نواحي العلم والحياة، يتبقى كثير لإنجازه بخصوص عمل هذه الآلات من النواحي القيمية والأخلاقية الذي يتطلب إعادة رسم الخريطة الاجتماعية، لكي يمكنها استيعاب التغيرات البنيوية التي تحدثها التكنولوجيا داخل المجتمعات، ولكي يتم الحفاظ على الخصوصية وحمايتها من الاختراق. لذلك، ثمَّة أهمية في الوقت الحاضر لتوقع نتائج هذه التكنولوجيا أكثر من التركيز على البحث في تأثيرها على الإنسانية ومستقبلها.
وفي ما يخص عنوان الكتاب توضح المؤلفة، التي تعمل محامية دولية في مجال حقوق الإنسان، مفهوم الخوارزمية البشرية باعتباره “المركز الفلسفي لأنفسنا”. فهي، حسب تعبيرها، “عبقريتنا الشخصية والجماعية، إنها الحمض النووي لإنسانيتنا”. وهي “كل الأشياء التي تجعلنا من نحن عليه”. وتُضيف: “ترشدنا خوارزمياتنا البشرية إلى قيمنا، لطفنا، شفقتنا، شجاعتنا “، وتؤكد على أنه لا يمكن أن يصمم البشر آلة ذكية يمكنهم الوثوق بها إلا في ظل تمتعهم بخوارزمية أكثر إنسانية، فهي ترى أن ثمَّة علاقة وثيقة بين الآلات والبشر، تصل إلى حد التماهي. باختصار “الآلات هي نحن”، والتكنولوجيا مرآة للخوارزمية البشرية التي يتعين أن تحمي الإنسان، وأن تذكّر بأفضل ما فيه.
كتب من العالم
الشخصية: تاريخ هاجس ثقافي
Character: The History of a Cultural Obsession by Marjorie Garber
تأليف: مارجوري غاربر
الناشر: Farrar, Straus and Giroux, 2020
ما هي “الشخصية”؟ كيف يمكن قياسها أو تحسينها أو بناؤها؟ هل سمات الشخصية ثابتة أم قابلة للتغيير؟ هل الشخصية فطرية أم مكتسبة؟
في فترة ما قبل الميلاد، انخرط الفلاسفة الإغريق والفلاسفة والأدباء والعلماء في تفسير لغز شخصية الإنسان. وفي أقدم استخدام لها، كانت كلمة “الشخصية” مستمدة من الكلمة اللاتينية kharaktēr التي تعني أداة الختم، وبالتالي كانت تستخدم للدلالة على النقش أو الختم. ولكن بمرور الوقت، أصبحت تدل على فكرة أخلاقية أو نوع أو شخصية أدبية أو مظاهر جسدية أو فسيولوجية يمكن ملاحظتها في الأعمال الفنية والتجارب العلمية. كما أنها أصبحت مصطلحاً أساسياً في الأعمال الدرامية ومحور كتب المساعدة الذاتية.
في هذا الكتاب، تشير مارجوري غاربر، أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة هارفرد الأمريكية، إلى أن تعبير “الشخصية” يُستخدم اليوم أكثر من أي وقت مضى، فهو موجود في المناقشات السياسية أو تلك المتعلقة بالأخلاق أو الفضيلة أو الطب النفسي. إذ لا مفر من الإشارات إلى عيوب الشخصية وقضايا الشخصية واغتيال الشخصية ومزاعم الشخصية “السيئة” و”الجيدة” في وسائل الإعلام وفي المناقشات المعاصرة المختلفة.
ولكن ما العلاقة التي تربط “الشخصية” بمعناها الأخلاقي بمفهوم الشخصية في الرواية والمسرحية؟ هل تساعد أفكارنا حول الشخصيات الخيالية في إنتاج تصوُّراتنا للشخصية الأخلاقية؟ هل يمكن تشكيل الشخصية أو تدريسها في المدارس أو ضمن نطاق العائلة؟ من الفيلسوف والمؤرِّخ اليوناني فلوطرخس إلى الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل، ومن شكسبير إلى داروين، ومن الفيلسوف ثيوفراستوس إلى عالِم النفس سيغموند فرويد، ومن علم الفرينولوجيا أو علم فراسة الدماغ في القرن التاسع عشر إلى عمليات مسح الدماغ في القرن الحادي والعشرين، لا يزال البحث عن مصادر الشخصية البشرية ومكوّناتها يشغلنا إلى حد كبير.
باختصار، يستكشف هذا الكتاب “الشخصية” ليس فقط من خلال أبعادها اللغوية والأخلاقية، ولكن أيضاً من حيث أبعادها الاجتماعية والنفسية والعلمية والفرضيات الزائفة المتعلقة بها.
التحيّز الرقمي: كيف تقودنا الأرقام وتضللنا
The Number Bias: How Numbers Lead and Mislead Us by Sanne Blauw
تأليف: سان بلاو
الناشر: Hodder & Stoughton, 2020
ليس من المبالغة القول إن الأرقام تُملي علينا طريقة عيشنا، فهي تحدِّد حياتنا، من معدَّل الذكاء إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومن استطلاعات الرأي إلى البحوث الطبية. لكن الأرقام ليست موضوعية بالقدر الذي نعتقده، ولا تدل على الحقيقة دائماً، بل يمكنها أن تكون متحيزة ومضلِّلة في كثير من الأحيان. ومع ذلك، غالباً ما يتجاهل أصحاب القرار والشركات ووسائل الإعلام ذلك فيستخدمونها لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
تقول سان بلاو، الصحافية الهولندية المتخصِّصة في علوم الاقتصاد، إن الأرقام هي لغة بحد ذاتها، ولكن في حين أنه يسهل انتقاد الكلمات في أية لغة من لغات العالم، غالباً ما يتم الوثوق بالأرقام بشكل تام. وتحاول بلاو تفسير هذه الثقة العمياء بالأرقام، وتعيدها إلى علم النفس ورغبتنا في الإحساس بالسيطرة على الأمور لا سيما في عصرنا الحديث.
فكل قرار حول ما يجب قياسه وكيفية قياسه، في الواقع، يتم من خلال افتراضات اجتماعية وأخلاقية معينة. ولهذا السبب، فإن أنظمة “التعلُّم الآلي” مثلاً، المُدرّبة على مجموعات كبيرة من البيانات، تتحوَّل بشكل روتيني إلى عنصرية أو غير كفوءة بشكل أو بآخر. توضِّح بلاو هذا الموضوع من خلال دراسات حالة مختارة، بدءاً من الاستخدام الناجح للإحصاءات عند بداياتها، عندما لجأت الممرضة البريطانية المعروفة بـ “صاحبة المصباح” فلورنس نايتنجيل إلى الرياضيات من أجل تحسين ظروف المستشفيات وأوضاع الجنود الصحية أثناء حرب القرم، فأرسلت رسومات بيانية كانت قد جمعتها لوفيات الجنود البريطانيين في شبه جزيرة القرم وأرسلتها إلى السلطات. وتقول بلاو إن نايتنجيل كانت من أوائل الأشخاص في العالم الذين استخدموا الرسوم البيانية لإحداث التغيير، وربما كان نجاح هذه الاستخدامات المبكرة هو الذي جذب الموجة اللاحقة من استخدام المحدِّدات الكمية فيما بعد، التي أصبحت مضلِّلة في كثير من الأحيان. فكلما ازداد استخدامنا للإحصاءات والأرقام، ازدادت الدوافع للتلاعب بها. وبمجرد تحديد هدف معين لها تتوقف عن كونها طريقة موثوقة للقياس. وتسلط بلاو الضوء على التاريخ الطويل للتلاعب في البيانات من قِبل جهات عدة من مصانع التبغ إلى عدد كبير من الاستفتاءات التي أجريت لأغراض مختلفة.
حياة المدن القديمة وموتها: تاريخ طبيعي
The Life and Death of Ancient Cities:
A Natural History by Greg Woolf
تأليف: غريغ وولف
الناشر: Oxford University Press, 2020
كان نمو المدن حول العالم في القرنين الماضيين أعظم حلقة في تاريخنا الحضري. لكن هذه المدن لم تكن هي الأولى. فقبل ثلاثة آلاف عام، كان الجزء الأكبر من حوض البحر الأبيض المتوسط يضم عالماً من المدن والقرى من دون مال أو كتابة ولا معابد للآلهة أو قصور للأقوياء. وعلى مر القرون التي تلت، ظهرت مدن في أماكن عديدة داخلية حول هذا البحر، بناها اليونانيون والرومان وكذلك الأتروسكانيون والفينيقيون وغيرهم. وكانت معظمها صغيرة بالمعايير الحديثة، لكنها كانت بمثابة حجر الأساس لجميع بلدان وإمبراطوريات العصور القديمة. وتحوَّلت أبرز هذه المدن من أثينا إلى كورنثوس وسيرقوسة ومرسيليا والإسكندرية وأفسس وبرسيبوليس وقرطاج وروما وبيزنطة إلى مراكز قوة للمجتمعات القديمة المتعاقبة، ليس فقط كمراكز سياسية ولكن أيضاً كأماكن انطلقت منها أبرز الأعمال الفنية والأدبية القديمة. وبعد ذلك، في منتصف الألفية الأولى، تلاشى معظم هذه المدن، إما بسبب الغزوات أو الجوائح أو الانهيارات الاقتصادية، تاركة وراءها أطلالاً سحرت كثيراً ممن جاؤوا بعدها.
استناداً إلى أحدث الأدلة التاريخية والأثرية، يقدِّم هذا الكتاب سرداً لإحدى أولى التجارب الحضرية العظيمة في العالم، من أوائل العصر البرونزي إلى زوال المدن في أواخر العصور القديمة. حيث يعيد غريغ وولف مدير معهد الدراسات الكلاسيكية في جامعة لندن، قراءة تاريخ المدن القديمة حول البحر الأبيض المتوسط على خلفية الأنماط الأوسع للتطور البشري والطبيعة القاسية التي بنيت في ظلها. باختصار يحاول هذا الكتاب إعادة الحياة إلى بقايا أسلافنا في المدن الحضرية القديمة، وهو بمثابة تذكير صارخ بهشاشة حتى أعظم المدن الحضرية القائمة في عصرنا هذا.
اللغة العربية، كنز فرنسا (كتاب باللغة الفرنسية)
La langue arabe, trésor de France
by Jack Lang
تأليف: جاك لانغ
الناشر: CHERCHE MIDI, 2020
على الرغم من كونها لغة معترفاً بها كإحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، ورغم اعتبارها خامس أكثر اللغات استخداماً في العالم مع أكثر من 430 مليون متحدث، ما زالت اللغة العربية في فرنسا غير معروفة، ولا تُدرّس بشكل كافٍ في فرنسا في خضم الخلافات التي تشوه صورتها.
إلا أن جاك لانغ، وزير الثقافة الأسبق ورئيس معهد العالم العربي في باريس، يؤكد في هذا الكتاب أن اللغة العربية حيَّة وعالمية، وهي لغة أصبحت “خالدة” بفضل الوحي القرآني، ومن ثم تعزَّز وجودها بفضل أعمال الترجمة التي بدأها العلماء العرب في وقت مبكر من القرن الثاني عشر. ومن خلال تلك الترجمات أصبح الغرب مديناً للعالم العربي بإعادة اكتشاف النصوص العظيمة للفلسفة اليونانية، كما أن كثيراً من المعارف في علم الفلك والطب والفلسفة والجبر نقلت عن العرب بلغتهم أو ترجموها للغات أخرى مما أدَّى إلى إسهامات فكرية استثنائية.
ويعيد لانغ التذكير بأن عديداً من المصطلحات التي لا تزال تستخدم اليوم مثل الجبر واللوغاريتم، أصلها عربي. ومن ثم يشرح إلى أي مدى تنتمي اللغة العربية إلى تاريخ الغرب، وإلى فرنسا بالذات، ويشير إلى أن فرانسوا الأول ملك فرنسا كان مدافعاً عن اللغة العربية من خلال رفع دراسة هذه اللغة إلى مرتبة “الانضباط المؤسسي”، إذ فرضها كلغة الطبقة الحاكمة في الإدارة والتعليم، وأن نابوليون بونابارت أحب اللغة العربية وأعجب بالحضارة المشرقية والمصرية، كما أن المجموعة الأسطورية كليلة ودمنة كانت مصدر الإلهام لأساطير الشاعر الفرنسي لا فونتين.
وما أراد لانغ أن يؤكد عليه في هذا الكتاب هو أن اللغة العربية لا تزال تحافظ على مكانتها التاريخية العريقة، ولا تزال رمزاً لحضارة عريقة ولغة الأدب والثقافة والفنون. ومن هنا يدعو إلى تعليمها في فرنسا للجميع. ويقول إن تعليمها لا يجب أن يكون مقصوراً على الفرنسيين من أصل عربي، بل إن اللغة العربية يجب أن تنتمي إلى جميع المواطنين وإلى جميع الأجيال الحريصة على اكتشافها أو إعادة اكتشافها.
مقارنة بين كتابين
بين استكشاف المريخ واستكشاف إنسانيتنا
(1) ذات مرَّة عشت على كوكب المريخ: الفضاء والاستكشاف والحياة على الأرض
تأليف: كيت غرين
الناشر: St. Martin’s Press, 2020
Once Upon a Time I Lived on Mars: Space, Exploration, and Life on Earth by Kate Greene
(2) صفارات إنذار كوكب المريخ: البحث عن الحياة في عالم آخر
تأليف: ساره ستيوارت جونسون
الناشر: Crown, 2020
The Sirens of Mars: Searching for Life on Another World by Sarah Stewart Johnson
يتناول هذان الكتابان الاستكشاف والحياة خارج كوكب الأرض، ولكنهما يتطرَّقان أيضاً إلى أنواع مختلفة من العزلة وتوق الإنسان الدائم إلى تجنب الوحدة والسعي للعيش مع الآخرين. وبالتالي، فهما يتحدثان إلينا بشكل خاص في هذه الأوقات، إذ يحاكيان العُزلة التي نعيشها اليوم في ظل التباعد الاجتماعي الذي فرضته علينا جائحة الكورونا.
في عام 2013م، عاشت عالِمة الفيزياء كيت غرين، في مهمة وهمية إلى كوكب المريخ، حيث عاشت هي وخمسة أشخاص آخرين داخل قبة معزولة على رقعة صخرية قاحلة من بركان “ماونا لوا” في هاواي لمدة أربعة أشهر. وفي محاولة لمحاكاة الرحلات الفضائية الفعلية كانوا جميعهم يرتدون بدلات فضائية، ودون طعام طازج ولا هواء نقي ولا أي اتصال فوري مع العالم الخارجي. وتدير وكالة “ناسا” مثل هذه البعثات لمعرفة أفضل الممارسات للحفاظ على روَّاد الفضاء.
في كتابها “ذات مرَّة عشت على كوكب المريخ” تروي غرين كيف كان أفراد الطاقم الذين عاشت معهم تجربة محاكاة السفر إلى كوكب المريخ يتواصلون في ما بينهم، وما كانت تقرأه والطعام الذي كانت تتناوله والرسائل الإلكترونية التي كانت تصلها متأخرة من أحبائها على “كوكب الأرض”. من خلال سلسلة المقالات التي تضمَّنها هذا الكتاب، تستخدم غرين هذه المهمة كعدسة لتفحص مختلف الأمور من أخلاقيات واقتصاديات السفر إلى الفضاء إلى طبيعة الوقت والحب والمنزل.
كما أن وصفها للملل والعزلة يبدو ملائماً بشكل خاص في زمن التباعد الاجتماعي الذي نعيشه. حيث بالإمكان رؤية أوجه الشبه غير المقصودة بين مهمة غرين وواقع العالم الحالي في ظل جائحة كورونا. أما الفارق الوحيد، فهو أن غرين كانت تعرف بالضبط متى ستنتهي مهمتها. فتقول إن مع العُزلة يفقد كل شيء معناه، من الطريقة التي تسير بها جوانب معيَّنة من حياتنا إلى جدول أعمالنا اليومية وحتى محادثاتنا مع الآخرين.
أما كتاب “صفارات إنذار كوكب المريخ” فيبدأ بمشهد أوسع لاستكشاف المريخ حيث تروي سارة ستيوارت جونسون، أستاذة علم الكواكب في جامعة جورج تاون الأمريكية، كيف تأرجح إدراكنا للمريخ بين عالَم يعج بالحياة إلى كوكب ميِّت وممل منذ اختراع التلسكوبات.
تجمع جونسون عدداً من الشخصيات لسرد تاريخ استكشافنا للمريخ، من غاليليو إلى رجل الأعمال بيرسيفال لويل الذي سخَّر ثروته لبناء مرصد في ولاية أريزونا الأمريكية لرسم خريطة للمريخ من خلال التلسكوب، وكان يعمل عليها ليلة تلو الأخرى على أمل اكتشاف عالم يعج بالحياة. وهناك عالم الفلك كارل ساغان، الذي كان يعمل مع “ناسا” في سبعينيات القرن الماضي، لمعرفة ما إذا كانت توجد حياة على سطح الكوكب الأحمر. وهكذا استمرت محاولات استكشاف المريخ ولم يكن آخرها إطلاق مسبار الأمل لاستكشاف المريخ في الإمارات العربية المتحدة.
وتخلُص جونسون إلى أن البحث عن الحياة على كوكب المريخ هو محاولة إنسانية للتأكد من أننا لسنا وحدنا في هذا الكون.
اترك تعليقاً