سواء كان سباق الخيل، أم سباقات عربات، أم سباق سيارات حديثة، لطالما أثار السباق إعجاب الفنانين في مختلف الحقب التاريخية. فمنذ الحضارات القديمة إلى العصر الحديث، صوّر الفنانون إثارة السباق، وعرضوا السرعة والقوة والمهارة التي ينطوي عليها.
في التراث الفني القديم
من الخزف اليوناني إلى مقامات الحريري
في الحضارات القديمة، مثل اليونان القديمة وروما، كان سباق العربات رياضة شائعة. وكثيرًا ما كان الفنانون يصورون مشاهد هذا السباق على الفخار والجداريات والمنحوتات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما جرى تصويره على الفخار اليوناني القديم المعروف باسم “أمفورات باناثينيك”، الذي أظهر مشاهد لسباقات العربات خلال دورة الألعاب الباناثينية (وهي دورة تضم ألعابًا رياضية واحتفالات ثقافية كانت تُقام كل أربع سنوات في أثينا). وكانت هذه الأعمال الفخارية الفنية تُقدَّم على أنها جوائز تذكارية للمنتصرين.
وخلال عصر النهضة في أوروبا، أصبحت مشاهد السباق موضوعًا متكررًا في الفن. فرسم فنانون مثل ليوناردو دافنشي ورافائيل مشاهد سباق الخيل وسباقات العربات، وأظهروا إتقانهم في رسم الحركة والدقة في هذه السباقات. وفي هذا الإطار، يُعدُّ مُجسّم “الحصان والفارس” أو “حصان بودابست” من أعمال ليوناردو دافنشي التي يصور فيها فرانسيس الأول ملك فرنسا راكبًا على حصان، من الأمثلة البارزة لكيفية دمج السباق في التراكيب المجازية والأسطورية الكبرى خلال تلك الفترة.
من جهة أخرى، يزخر العالم العربي بتراث فني غني يمتد عبر عدة قرون، تحتل فيه صور السباقات مكانة مهمة، وتعكس اهتمام المجتمعات العربية برياضات الفروسية وسباق الهجن وغيرها من أشكال الأنشطة التنافسية. فمن المخطوطات القديمة إلى اللوحات المعاصرة والمنحوتات والمفروشات، عكس الفنانون العرب روح السباقات وإثارتها في مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية الجذابة. وإذا ما عدنا إلى العصور الوسطى نجد الكثير من مشاهد السباقات في المخطوطات الإسلامية القديمة التي غالبًا ما تميّزت بمشاهد سباقات الخيول والإبل والحملات العسكرية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، مخطوطة “مقامات الحريري” من تأليف محمد الحريري البصري، وهي من أشهر المقامات الأدبية في فن الكتابة العربية، الذي ابتكره بديع الزمان الهمذاني. فهذه المخطوطة من القرن الثاني عشر، التي زيّنها برسومات توضيحية الفنان يحيى بن محمود الواسطي، صوّرت جوانب مختلفة من المجتمع العربي في العصور الوسطى، بما في ذلك مشاهد حية لسباق الخيل والصقَّارة.
في العصر الحديث
من الخيل إلى السيارات
ومن زمن أقرب إلينا، تصوِّر لوحة “سباقات الخيل في لونشان”، التي رسمها الفنان الفرنسي إدوارد مانيه في عام 1866م، نهاية سباق الجائزة الكبرى الثاني في باريس في ضاحية لونشان الباريسية، وهي واحدة من أربع لوحات للموضوع نفسه رسمها مانيه على مدى أربع سنوات. ومما يميز هذه اللوحة أنها اللوحة الأولى التي تصوِّر الخيول وهي تتجه مباشرة نحو المشاهد، وتمثل الحركة السريعة للخيول، وتناغمها بعضها مع بعض ومع الخلفية، وهو ما يخلق إحساسًا بالديناميكية والحيوية.
وفي العصر الحديث، دخلت أشكال جديدة من السباقات، مثل سباقات السيارات وركوب الدراجات، التي أصبحت موضوعات شائعة للفنانين الذين يميلون إلى استكشاف قضايا السرعة والتقدم التكنولوجي والمساعي البشرية التقدمية. وقد احتفل الفنانون المستقبليون الإيطاليون، بقيادة فنانين مثل أمبرتو بوكيوني وجياكومو بالا، بسرعة العالم الحديث وديناميكيته في لوحاتهم، التي غالبًا ما كانت تصوِّر مشاهد السيارات والدراجات في حركتها لتجسِّد السرعة والحيوية والديناميكية التي تُميز هذه الوسائل المتحركة. وتُعد “لوحة السيارة المسرعة” لجياكومو بالا (1912م)، التي تصوِّر الضوء والحركة والسرعة، مثالًا بارزًا لكيفية تحول السباق إلى ممارسة تعكس التقدم والتطور الذي شهده أوائل القرن العشرين في الفن المعاصر. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى فنانين ابتكروا أعمالًا استفزازية تتحدى تصوراتنا عن السباق وتأثيره على المجتمع، وبخاصة من خلال تصميم الفنان الأمريكي جيف كونز لسيارة “بي إم دبليو إكس” التي تظهر كيفية إعادة تفسير السباق وإعادة اختراعه في سياق الفن المعاصر.
اترك تعليقاً