مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس 2023

شعر

فراشةٌ تعبرُ أرضَ المعركة


أحمد الملا

وطأتُ الأرضَ

وسمعتُها تنكسر، 

اتّكأتُ على الألم 

عضضتُ عليه

كي لا تتطايرَ صرختي. 

خافَ البيتُ، 

إذْ مالتْ لوحاتُهُ على الجدران

ولم ينتبهْ سواي.

وكما تخافُ الطريقُ حين ينضُبُ صبرُ أحجارِها،

تخافُ الأقفالُ، فتصدأ.

مثلَها خافَ تمثالُ الحديقةِ واختفى في ليل.

ومثلَهم 

أخافُ 

حصادَ ما ليس مِن غرْسِ يدي.     

قُبيْلَ انطفاءِ النافذة 

كُسِرَت قدمي اليسرى،

وقفتُ وحيدًا، في كثرةٍ من الأعيُن،

لم أسقط 

وكتمتُ، لئلا تتهشّمَ هيبتي، 

تعكّزتُ الألمَ 

حَرَنتُ 

لا أماميَ ولا ورائي.

كنتُ قبلَها جالسًا أترقّبُ صعودَ العتبة 

ومِن شدّةِ المُرتقَى خذلتْني غفلتي،

وبمجرّد أن هممتُ، 

سمعتُ تهدُّمِي. 

ألتفتُ إلى جبلِ البدْء ولا أراه،

مثلَ فراشةٍ تعبرُ أرضَ معركةٍ،

وضعَتْ أوزارَها للتوّ. 

 مـا الذي بَقِيَ لأخاف

وكلُّ ما خفتُهُ 

خلفي.  

ضجيجُ الأُذْنِ 

أنقصَ من سمعي ثلاثةَ أمتار،

بصمةُ إبهامي امّحَتْ، ولم تعُدْ صالحةً للعبور،

أمسيتُ آخرَ من ينام وأصبحتُ أوّلَ من يصحو،

أكتفي بالقلّة، 

قلّةِ الحُلم  

قلّةِ الأكل 

قلّةِ النّاس،

أقلُّ ما جنيتُهُ كافٍ، فلم أعُدْ أدّخرُ لغدي. 

مثلَ نار ٍغلبتْها الريح،

مثلَ جمرةٍ خبَتْ، 

تطردُ الدُّخانَ وراءَها،

وفي ذاكرتِها يطقُّ الخشب ويتطايرُ الرماد.

النارُ أيضًا 

تصنعُ أعشاشَها بدَأَبٍ،

بحُنكةٍ تربّي عيالَها

تدفعُ عن ريشِهم 

وتضعُ الوقتَ في مناقيرِهم،

تفتحُ لهم أغصانَ السماء 

تبـاركُ الريحَ

وتصيبُ المنازلَ بالهجران. 

لم تعُدْ لي صلةٌ بما نَسِيتُ ولا ذكرَى،

بسرعةٍ تتبدّلُ مَواقِعُ أصابعي ولا تجدُ حنينَها.

عليَّ أن أعتاد،

المسافات متفرّقة، 

أقطعُها معًا بنفسِ الوقت.  

حدّقتُ في البعيد 

حاولتُ تفاديها 

تخطّيها بالوصول، 

في حين أنّ ما يتربّصُ بي ويُعيقُ يدي، يلبِدُ في ثيابي. 

لم يسبق لليأسِ أن وعدَ ولم يفِ، 

تلك شيمةُ الأمل. 

هيّأتُ إجابتي مبكّرًا،

شِلتُها ساعيًا إليه، حيثما ابتعد،

تعلو بي الطريق، حينًا وتهبِطُ أحيانًا كثيرة، 

أدفعُها أمامي وتتدحرجُ مِن بين يدي، 

بُغيتي تمضي لامعةً 

مثلَ برقِ منارةٍ في ضبابٍ كثيف.

سؤالٌ غامضٌ لم يخفُتْ ولا ذبُلَتْ نوافذُه.

سـؤالٌ كلما اقتربتُ منه تبدّلَ ونأَى.

حيّرتْني الظنونُ وحاصرتْني

ولم أفهمْ  

أنّ الحيرةَ 

تستغيثُ وتجذِبُ. 

حربٌ هائجةٌ

 تتبّعتْني  

استسلمتُ لها بعدَ مطاردةٍ طويلة،

وأغمضتُ عيني لئلا أشهدَ مصرعي. 

يهجُمُ الموتُ

يرفعُ يدَهُ وينزِعُ ذراعي بضربةٍ خاطفة.  

أكتعُ عادَ من حربٍ جاهلةٍ،

يتقدّمُ صلاةَ الصمت،

ويدفنُ بيدٍ واحدةٍ يدَهُ الأخرى.

كتبتُ الأصواتَ، 

كمن يلتقطُ صداه عائدًا من هناك،

كتبتُ عنها 

عن كشْفِ وجهِها تحتَ الشمس 

عن ظلالِها في الليل.

تجلَّتْ أمامي 

وتلقّفتُ أجنحتَها بصدرٍ مفتوح،

وفي يومٍ مطير 

أو ربما صحوٍ 

وحالكِ السواد 

ضاقَت الأرضُ بمَن عليها.

متأخّرًا جهِلتُ.

في طفولتي أخذتْني بأرواحِها السبعة أبعدَ من الخوف،

كثيرًا ما لمعَتْ عيناها في العتمة،

ونادرًا أشاجِرُها قبلَ النوم.    

أحيانًا تغوصُ في ممالكِ الجنّ.

عليها أن تكونَ سوداءَ لترتدي الليل، 

مرقّطةً في الشمس، 

لا بدَّ من بئرٍ في الجوار

ولا مفرَّ من صحراءَ موحشةٍ،

ليكتملَ الكتاب. 

أحمد الملا

مقالات ذات صلة

المقهى فضاء سوسيولوجي بامتياز كما يُقال؛ فهو مكان للتجمع المفتوح لكلّ النّاس من مختلف الأعمار، ما جعله مُلهم الأدباء وحاضن الثقافة.

وقت الاستبدال قد حان، ودورة الحظ التفتت أخيرًا!

طيران
أبي الذي لا يشبهُ الطيورَ
ليسَ يشبهُ الرياحْ
ورغم هذا
طارَ للسماءِ دونما جناحْ!…


0 تعليقات على “شعر.. فراشةٌ تعبرُ أرضَ المعركة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *