مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2019

جودة الحياة في المملكة..


ميمونة شداد

ونحن نستقبل يومنا الوطني 89، يجري اليوم في المملكة العربية السعودية تنفيذ ثلاثة عشر برنامجاً استراتيجياً لتحقيق الأهداف التي تضمنتها رؤية المملكة 2030. هذه الرؤية الطموحة التي تستند إلى مقوّمات المملكة ومكامن قوّتها لدعم المواطنين في تحقيق تطلعاتهم. ومن بين هذه البرامج، برنامج جودة الحياة في المملكة، الذي يركز على جعل المملكة من أفضل الأماكن للعيش، ويأخذ على عاتقه الاعتناء بجانبين رئيسين: تطوير نمط حياة الفرد، وتحسين البنية التحتية بالاعتماد على مؤشرات عالمية معروفة.
واحتفاءً بهذا اليوم العزيز، نظّمت القافلة جلسة نقاش عن جودة الحياة في المملكة، لاستطلاع ما ينطوي عليه هذا المفهوم من معنى، والبرنامج من تفاصيل. بمشاركة خمسة متحدثين من المعنيين، وحضور عدد من المهتمين الذين أثروا الجلسة بمناقشة جوانب مختلفة في هذا البرنامج.

بدأت الجلسة بكلمة من رئيس تحرير القافلة، ضمّنها إضافة إلى الترحيب بالمشاركين والحضور، إشارة مقتضبة إلى الموضوع المطروح، قال فيها: “لا شيء أجمل من رؤية الغد من بدايات الأمس، حيث العزم والإخلاص السعودي يواكبان التقدُّم والتطور. ويمثل عنوان الجلسة “جودة الحياة في السعودية” عنواناً مليئاً بالطموح والتفاؤل. ويتضمَّن برنامجاً ضخماً بدأ العمل على تحقيق أهدافه، ومن أهمها أن تكون المدن السعودية من أفضل المدن للعيش والحياة في العالم”.
وانطلاقاً من هذا العنوان العريض، تولَّى الأستاذ إبراهيم الراجحي إدارة الجلسة، قائلاً: “عندما يتناهى إلى الأسماع مصطلح “جودة الحياة”، كثيرون لا يعرفون معناه بدقة، ولا الدور الذي يضطلع به “برنامج جودة الحياة” الذي هو على صلة وثيقة بقطاعات مختلفة ستتناولها هذه الجلسة، مثل الصحة والرياضة والاقتصاد والتخطيط الحضري”. وأشار إلى أن اختيار قاعة السينما لعقد هذه الجلسة كان مقصوداً وليس مصادفة، لأنها تُمثل منتجاً من منتجات برنامج جودة الحياة.

مصطلح جودة الحياة
أول المتحدثين في هذه الجلسة كان المتحدث الرسمي لبرنامج جودة الحياة، الأستاذ مزروع المزروع، الذي تناول في البدء نسبية مفهوم مصطلح “جودة الحياة”؛ واختلاف تعريفه من شخص إلى آخر. إذ يحمل كلٌ من المواطن والمقيم والسائح تعريفاً مختلفاً لجودة الحياة. وبرنامج جودة الحياة، يهدف أولاً وأخيراً إلى جعل المملكة أفضل مكان للعيش، وأن تكون المدن السعودية من بين أفضل المدن على مستوى العالم.
وقال: “عندما يسألني أحد الزملاء من دول الخليج أو من الخارج: “ما الذي تتمنى وجوده في السعودية؟ أجيبه: “أتمنى أن تصبح المملكة وجهة دائمة للعيش، بحيث يكون طموح الناس في الخارج أن يتوجهوا إليها بعد تقاعدهم”. قد يبدو الحُلم مستحيلاً لأول وهلة، لكنه مثل الأحلام الأخرى التي لم تكن قابلة للتحقق قبل بضع سنوات، وباتت اليوم واقعاً نعيشه، بفضل جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين، ورؤية ولي عهده الأمين، حفظهما الله”.
ركائز برنامج جودة الحياة
وللتعريف بشكل أعمق ببرنامج جودة الحياة وماهيته، استعرض المزروع الركيزتين الأساسيتين فيه وما تتضمَّنه كل منهما من عناوين فرعية:

الركيزة الأولى:
قابلية العيش، وتشمل مشروعات البنية التحية، وكل ما يندرج تحتها من المشروعات التي تتطلَّب أوقاتاً طويلة لتنفيذها، وأهمها:
• البنية التحتية والنقل
• الأمن والبيئة الاجتماعية
• الإسكان والتصميم الحضري والبيئة
• الرعاية الصحية
• التعليم والفرص الاقتصادية

ويندرج ضمن كلٍّ من هذه القطاعات عدد من المبادرات التي يتم تنفيذها إما من داخل البرنامج أو من خارجه.

الركيزة الثانية:
نمط الحياة، ويشمل المشروعات سريعة التنفيذ والأثر، مثل إعادة افتتاح صالات السينما، واستضافة فعاليات ترفيهية ورياضية وثقافية عالمية، وتهيئة الأجواء في الملاعب لتحسين تجربة الحضور، وتطوير قطاع المطاعم والمقاهي .. وتشمل القطاعات التالية:
• الرياضة
• التراث والثقافة
• الترفيه
• الترويح
• المشاركة الاجتماعية

تشجيع الابتكار لجودة الحياة
يلتزم برنامج جودة الحياة بتشجيع الابتكار من خلال تطوير الأنظمة والمواهب والكفاءات، بوجود أكثر من 200 مبادرة تصب في مؤشرات البرنامج، منها 119 مبادرة تصب في المؤشرات ولا يشرف عليها البرنامج بشكل مباشر مثل: مشاريع جودة الطرق. و97 مبادرة يشرف عليها البرنامج بشكل مباشر ويقوم بتنفيذ بعضها. ومن الأمثلة على ذلك، إطلاق برنامج روّاد الترفيه عن طريق الهيئة العامة للترفيه؛ لتطوير مهارات السعوديين والسعوديات في قطاع الترفيه، مع أكبر الشركات العالمية في هذا القطاع، وإرسال 30 شاباً وشابة للدراسة والتدريب في جامعة لو كوردون بلو ضمن برنامج مسك/ لو كوردن بلو لفنون الطهي الاحترافي، وإعادة افتتاح صالات السينما، وتحسين تجربة حضور المباريات وتطوير المنشآت الرياضية، وتنظيم مئات الفعاليات ضمن مواسم السعودية، ومن ضمنها فعاليات عالمية، وغير ذلك الكثير الذي سيتحقق قريباً بإذن الله تعالى.

جودة الحياة تبدأ بالرعاية الصحية الشاملة
وتحدث مدير عام التواصل والعلاقات والتوعية بوزارة الصحة المهندس أنس الحميد، عن الرعاية الصحية الشاملة في المملكة، التي تُعدُّ الركن الأساس الذي تقوم عليه جودة الحياة. فأشار إلى أن سكان المملكة يحظون برعاية شاملة عبر تغطية واسعة يوفرها أكثر من 2,400 مركز للرعاية الصحية الأولية، و280 مستشفى، وعدد أسرّة يفوق 43,000 سرير، وأكثر من 350,000 زيارة للرعاية الصحية المنزلية سنوياً.
وتطرق إلى جوانب متعلقة بجودة الحياة من الناحية الصحية مثل برنامج التحوُّل الوطني الذي يهتم كذلك بالصحة النفسية، وخفض نسب التدخين، والحد من انتشار السُّمْنة.
وحول أهم ما طرأ من تطورات على الرعاية الصحية، قال الحميد: “تتوفر لدينا حالياً تجمعات صحية سيكون التركيز فيها أكبر على تقديم الرعاية الوقائية لصحة الإنسان أكثر من التركيز على العلاج. فمثلاً، إذا اكتشفنا أن شخصاً يعاني من مرض الضغط فإننا نقوم باستدعاء إخوانه أو أبنائه، نفحصهم ونكشف عليهم مبكراً، حتى نقيهم من الإصابة بهذا المرض، ونعطيهم مثلاً برنامجاً رياضياً للمساعدة على الوقاية”.
وأضاف إن إحدى مراحل التحوُّل في الرعاية الصحية تكمن في ما يسمى بـ “الرعاية التلطيفية”. وهي تكون للمصابين بأمراض مستعصية من مواطنين ومقيمين، وتؤمّن لهم الرعاية الكاملة في المنزل لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر، ولعدة مرَّات في اليوم حسب الحالة.
الرقم 937: وفي جانب آخر من جوانب جودة الحياة الصحية؛ لفت الحميد نظر الحضور إلى سهولة الوصول إلى المعلومة أو إلى الاستشارة، وذكر “الآن يمكن التواصل مع استشاريّين مختصين باستخدام الهاتف على مدار 24 ساعة من خلال الاتصال على الرقم (937). ويصلنا أكثر من 180,000 اتصال أسبوعياً على هذا الرقم، والاستشارات هي جزء من الخدمات التي يقدِّمها هذا الرقم، كما توجد أيضاً خدمات متعلقة بالشكاوى والاقتراحات حرصاً منا على جودة الخدمة المقدِّمة”.
وقدم الحميد شرحاً لعدد من تطبيقات الخدمات الطبية المستخدمة حالياً ومنها:

تطبيق موعد: الذي يوفِّر خدمة حجز المواعيد في المراكز الصحية بكل سهولة. وقد وصل عدد تنزيلات هذا التطبيق إلى أكثر من 1,800,000 تنزيل.

تطبيق صحة: يقدِّم خدمة هي الأولى من نوعها عالمياً، وهي عبارة عن خدمة استشارات طبية مجانية بالصوت والصورة والكتابة. وقد وصلت تنزيلات هذا التطبيق إلى أكثر من نصف مليون.

خدمة التطعيم: أطلقتها الوزارة لطلب التطعيم باستخدام تطبيق (كريم) أو (أوبر)، فبدلاً من الذهاب إلى المركز الصحي أو المستشفى، يأتيك فريق طبّي إلى بيتك لتطعيمك بكلّ يسر وسهولة بعد تقديم الطلب.

كما تطرق المهندس أنس إلى الحملات التي أطلقتها وزارة الصحة، وكان آخرها نشر ملف PDF للإسعافات الأولية عبر منصات التواصل الاجتماعي بين المواطنين، وإطلاق حملة توعوية حول مرض السكري حصدت عديداً من الجوائز المحلية والعالمية، وتقدم مبادرة المشي التي شملت أكثر من 20 مدينة.. وغير ذلك.

جودة الحياة من وجهة نظر رياضية
ومن الصحة إلى الرياضة في كلمة للمهندسة أسيل الحمد، عضو مجلس إدارة الاتحاد السعودي للسيارات والدرَّاجات النارية، تطرَّقت في بدايتها إلى قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة قائلة: “إن قيادة المرأة السعودية للسيارة أثّرت فينا إيجاباً بشكل كبير وملحوظ. أصبحت لدينا حرية أكبر وثقة أكبر. فالآن، ونحن خلف المِقوَد أصبحنا نتحكم بأوقاتنا بشكل أفضل، ولم نعد مرتبطين بأحد أو بجدول معيّن، ونطمح لأن يكون هناك مزيد ومزيد من التقدُّم في جودة الحياة في السعودية”.

يلتزم برنامج جودة الحياة بتشجيع الابتكار من خلال تطوير الأنظمة والمواهب والكفاءات، بوجود أكثر من 200 مبادرة تصب في مؤشرات البرنامج، منها 119 مبادرة تصب في المؤشرات ولا يشرف عليها البرنامج بشكل مباشر.

ومهّدت الحمد لعلاقة الرياضة بموضوع جودة الحياة، بعرض مقتضب لما تقوم به منظمة السيدات لرياضة السيارات -الاتحاد الدولي للسيارات، فقالت: “لدينا برنامج يستهدف الفتيات ما بين 8 – 18 عاماً. قد يتساءل البعض لماذا نستهدف الإناث فقط، السبب أنني واحدة من 2100 سيدة تقريباً حول العالم تمتلك رخصة قيادة سباقات سيارات! ونسبتنا تمثل %1.5 فقط من عدد المتسابقين الرجال عالمياً! بالطبع النسبة ضئيلة جداً لذلك كان التركيز على الفتيات.
وذكرت أن الفكرة السائدة هي أن رياضة السيارات حكر على الرجال، وذلك بسبب نسبتهم الكبيرة في المجال مقارنةً بالنساء. كما أن كثيراً من الفتيات قد لا يلتفتن حتى إلى تلك الرياضة لأنها باعتقادهن غير مناسبة للفتيات، من هنا خرجت فكرة برنامج “The Girls On Track”؛ الذي يهدف من خلال ورشة مدتها يوم واحد، إلى لفت أنظار الفتيات في أعمار مبكرة إلى الفرص الموجودة في هذا المجال، مثل: سائقة محترفة، أو مديرة فريق سباقات، أو مديرة علاقات عامة وإعلام، أو مسؤولة نظام التغذية والرياضة الذي يتبعه المتسابقون، أو حتى مهندسة ميكانيكا لصيانة سيارات السباقات.
وعن علاقة رياضة السيارات بجودة الحياة قالت إن لرياضة السيارات أثراً كبيراً على نمط الحياة الشخصية وعلى جودتها. قد يُنظر إليها على أنها مجرد قيادة، لكنها بالفعل ليست بتلك البساطة. إذ يجب أن يمارس المتسابق تمارين رياضية معينة حتى يصل إلى قوة تحمل جسمانية عالية. كذلك يجب أن يتبع حمية غذائية خاصة، ونظام نوم محدَّد، لأن هذه الأمور كلها تؤثر على الأداء خلال السباقات.
وأضافت: “وبغض النظر عن رياضة السيارات، فإذا تكلمنا عن الرياضة عموماً، فإن العناصر الأساسية التي يجب توفرها لدى ممارس الرياضة هي: الصحة، اللياقة، والتمارين. وهذه العناصر الثلاثة تترابط مع بعضها ترابطاً دورياً. فإذا كان الرياضي ذا صحة جيدة، فسيسهم ذلك في أن تكون لديه لياقة عالية، واللياقة يقصد بها أن يتكيف الجسم مع البيئة المحيطة به”.

أثر جودة الحياة على الاقتصاد
وفي توضيح صورة العلاقة الوطيدة بين جودة الحياة والاقتصاد، رأى الكاتب والمستشار الاقتصادي الأستاذ عاصم الرحيلي أن أهداف برنامج جودة الحياة “ذكية جداً، وقد غيّرت في نظرة المجتمع وتقبله لبعض الأمور”.
وقال: “أما على الصعيد الاقتصادي، فإن أهداف برنامج جودة الحياة تعمل بشكل تدريجي على تحرير الأصول الخاصة بالحكومة إلى القطاع الخاص. والدولة تتوجه اليوم إلى دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو توجه مختلف وإيجابي. ومن المرجّح أننا سنمر بأوقات صعبة بسبب المقاومة للتغيرات الاقتصادية، إلى أن يستوعب الجميع أن قوانين الأداء قد تغيرت”.
ورأى الرحيلي أن الاقتصاد الرعوي الذي كان موجوداً في السابق لن يكون موجوداً بالطريقة نفسها. فمن يرغب اليوم في إنشاء مشروع ودخول عالم التجارة على سبيل المثال، أصبح هو المسؤول الأول والأخير، والدولة بدورها ستقدِّم الدعم اللازم من أدوات وإجراءات وتمويل.

بدلاً من الذهاب إلى المركز الصحي أو المستشفى، يأتيك فريق طبّي إلى بيتك لتطعيمك بكلّ يسر وسهولة بعد تقديم الطلب، عبر خدمة التطعيم التي قدمتها وزارة الصحة.

توظيف الشغف والهوايات: وفي ما يتعلق بتوفر فرص العمل، قال الرحيلي إن وظائف جديدة لم تكن موجودة في السابق ستتوفر. فتوظيف الشغف والهوايات بات اليوم ممكناً، بسبب المنافسة العالية بين القطاعات الاستهلاكية التي تولد وظائف جديدة كل يوم. وهناك دراسة قديمة تربط ما بين الفنون والرسم والمسرح والرياضة وبين إنتاجية المجتمع وتطوره بشكل عام. فالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، كانت المتصدرة في براءات الاختراع خلال السنوات العشر الأخيرة، بفارق %200 عن الدولة التي تليها مباشرة. ولا يمكن تحقيق مثل هذه الإنجازات من دون أن تحصل تغييرات أخرى في الاقتصاد، وهذا ما يعرف لدى الماليين وغيرهم؛ بـ (Synergic effect)، بمعنى أن كل العوامل تؤدي إلى نتيجة معظّمة.

وحول أثر ازدياد الوظائف وما إذا كان سيؤدي إلى تضخم، قال إن البعض يخشى من ارتفاع التضخم في حال ازدادت الوظائف خلال الفترة المقبلة. لكن إذا انخفضت البطالة فسيقابلها نمو في السلع والخدمات. بالتالي لن يرتفع معدل التضخم كما يخشى البعض.

وفي ما يتعلق بعمل الوافدين في المملكة، أشار إلى أن من أهداف البرنامج التركيز على استقطاب الوافدين الذين قد يضيفون إلى الدولة من خبراتهم المتقدِّمة، وذلك من خلال تقديم مستوى معيشي جيد لهم ووسائل ترفيهية جاذبة.

رؤية المخطط الحضري لجودة الحياة
وكان المخطط الحضري والكاتب في صحيفة مكة الأستاذ فؤاد العسيري آخر المتحدثين في الجلسة، متناولاً مفهوم جودة الحياة من وجهة نظر التخطيط الحضري الذي يرى أن جودة الحياة تبدأ من الحي السكني، لأن كل شرائح المجتمع تعيش في الحي السكني وتمضي به معظم أوقاتها ومن هنا ينبع مفهوم أنسنة المدن / أنسنة الأحياء السكنية.

أنسنة الأحياء السكنية
يقول العسيري إن هذا المفهوم ظهر بعد سيطرة السيارات على مجريات الحياة. ويمكن اختصاره في اقتباس للصحافية جاين جايكوب من كتابها بعنوان “حياة وموت المدن الأمريكية الكبرى” حيث تقول: “إذا لم يستطع طفل عمره ست أو سبع سنوات الذهاب إلى المدرسة، والعودة خلال عشر دقائق، بأمن وسلامة ومتعة، فيجب إعادة تخطيط الحي السكني بالكامل”.

يشتمل الاقتباس على عناصر مفهوم أنسنة الحي:

  • “خلال عشر دقائق”؛ تشير إلى الكثافة الحضرية، وتقارب المرافق داخل الحي.
  • “بأمن وسلامة” من السيارات، ومخاطر الجرائم وغيرها.
  • “بمتعة”؛ أي إن هناك عنصراً جاذباً وممتعاً، لأن الطفل يخوض تجارب خلال رحلته من وإلى المدرسة.

حين تكون رياضة المشي متداخلة في أنشطتنا اليومية فإننا لن نكون بحاجة إلى ارتياد الأندية الرياضية، وبالتالي سيتحسن مستوى الصحة العامة وكذلك التواصل المجتمعي بين السكان.

وأشار العسيري إلى بحث آخر جاء فيه أنه في عام 1980م، كانت نسبة الطلاب والطالبات الذين يرتادون المدرسة مشياً على الأقدام نحو %50، ولكنها انخفضت في عام 2012م إلى %15. وإحدى النتائج السلبية لذلك كانت زيادة الإصابة بمرض السّمْنة لدى الأطفال بمعدل ثلاثة أضعاف.

مدن مؤهلة للمشي
وجاء في عرض العسيري أن معدّل المشي للفرد في المملكة يقارب 3,800 متر يومياً، بينما يتراوح المعدّل العالمي في معظم الدول الأوروبية ما بين 6,000 و7,000 متر يومياً. إذ حين تكون رياضة المشي متداخلة في أنشطتنا اليومية فإننا لن نكون بحاجة إلى ارتياد الأندية الرياضية، وبالتالي سيتحسن مستوى الصحة العامة وكذلك التواصل المجتمعي بين السكان، على عكس التنقل باستخدام السيارات، حيث يكون الفرد في عزلة اجتماعية عمن حوله.
وعزا العسيري السبب الجوهري لتراجع المشي والاعتماد على السيارات إلى تباعد المرافق عن بعضها وعن المساكن. وهذا يعود إلى ارتفاع متوسط استخدام الفرد للمساحات في القطاع السكني. ففي حين أن هذا المعدل هو 33 متراً مربعاً في إنجلترا، و43 في فرنسا فإنه يرتفع في السعودية إلى 85 متراً مربعاً. وهي نسبة مرتفعة جداً عالمياً، أدت إلى تباعد المرافق، مما يضطر الناس إلى استخدام السيارات في تنقلاتهم. وكلما زاد الاعتماد على السيارات، زادت المسافة لكل رحلة وهدر الوقت والطاقة، وأيضاً تزيد احتمال وقوع الحوادث! فنسبة الوفيات في حوادث السير في المملكة تبلغ حالياً 28 وفاة لكل 100,000 شخص، في حين أنها لا تتجاوز 7.1 في ألمانيا، و5.8 في اليابان. وهذه النسبة العالية تؤثر على متوسط الأعمار وعلى التكلفة الصحية وعلى جودة الحياة ككل.

استراتيجية جديدة للنقل
يعوّل العسيري كثيراً على الاستراتيجية التكاملية لأنظمة النقل الهادفة إلى تقليل الازدحام والحوادث والإصابات بالسُّمْنة وهدر الوقت والتلوث والعزلة الاجتماعية. ولهذه الغاية تعتمد هذه الاستراتيجية على مجموعة كبيرة من التدابير، تشمل زيادة كفاءة استخدام الأراضي؛ وزيادة الطاقة الاستيعابية للنقل العام وتنوُّع المعروض منها مثل القطارات، والحافلات ذات المسارات الخاصة بها، ومسارات للدرَّاجات وللمشاة، وأنظمة مرور ذكية؛ وخفض الطلب على المباشر على الطرق الموجودة حالياً، من خلال توزيع أفضل لأوقات العمل والتعليم، حيث إن الازدحام غالباً يكون بسبب تزامن دوامات العمل أو التعليم (المدارس، والجامعات)، وفرض رسوم على المواقف والطرق، حتى يجد الساكن منفعة فعلية شخصية في تغيير نمط حياته واعتماد المشي أو النقل العام.
وفي ختام الجلسة، أثار الحاضرون عدداً من الموضوعات على تماس مباشر أو غير مباشر مع موضوع جودة الحياة وتطويرها المرتقب خلال السنوات القليلة المقبلة، مثل:

لقد دعم القطاع الخاص بالفعل مشروعات ومبادرات جودة الحياة، وهو مستعد للاستثمار في المشروعات المستدامة الجاذبة ذات الأثر الواضح.

100 مبادرة تكتمل العام المقبل
فرداً على سؤال حول “تخيل صورة الرياض في عامي 2020 و2030 وما إذا كانت الأهداف الموضوعة ستتحقق كلها”، أجاب المزروع: “لدينا اليوم 100 مبادرة تكتمل في 2020. وخلال الشهرين المقبلين سوف ينظِّم برنامج جودة الحياة ورش عمل مع جهات حكومية ومع جهات القطاع الخاص، وكذلك مع أي فرد يمتلك فكرة مبادرة مستدامة تصب في جودة الحياة في المملكة ليتم تنفيذها في الفترة 2021-2025م. أما بالنسبة لعام 2030، فحلمي أن نحقق طموحنا بدخول ثلاث مدن سعوديـة في قائمة أفضل المدن للعيش في العالم”. أما الرحيلي فقال: “أتوقع أن نحقق الأهداف بنسبة %100، إذا بذلنا المجهود الكافي، وستكون الظروف كلها موآتية بإذن الله”.

الصحة الذهنية والنفسية
وطرح فيصل الراجحي سؤالاً حول رعاية الصحة النفسية والذهنية التي “لا يرى أنها تلقى أي اهتمام”، فأجابه الحميد: “سؤالك جاء في وقته. فاليوم كان هنالك توزيع جوائز وطنية للتوعية بالصحة النفسية. ووعياً منا بأهمية هذا الموضوع، تشكَّلت لجنة متخصصة في هذا المجال، ومن المحتمل تطويرها لتصبح مركزاً متخصصاً في تعزيز الوعي بالصحة النفسية، بالإضافة إلى الأقسام العلاجية الموجودة سابقاً في الوزارة”.

فيصل الراجحي يسأل عن جهود تعزيز الوعي للصحة النفسية

الحدائق وإسهام القطاع الخاص
وأثار المهندس فهد العبدالعزيز موضوع الحدائق العامة في المملكة، قائلاً إن الرياض تحتوي فقط على %12 من احتياجها من الحدائق، و%88 منها ليست منجزة بسبب الميزانيات في الغالب. والحل الأبسط والأمثل في هذا الحال هو في التعاون مع القطاع الخاص لرصد ميزانيات خاصة بهذه المشروعات. فعدد الحدائق في الرياض اليوم أقل من 300 حديقة، وتساءل عن دور الشركات والبنوك في تنمية المدن من ناحية جودة الحياة. فتباينت الأجوبة على هذه الملاحظة، إذ قال الرحيلي إن دور القطاع الخاص هو تحقيق الأرباح، وبمجرد أن نغير هذه المعادلة فإننا سوف نضيق عليه. فأصحاب الشركات هم يقرِّرون ماذا يفعلون.
أما المزروع فقال: “لقد دعم القطاع الخاص بالفعل مشروعات ومبادرات جودة الحياة، وهو مستعد للاستثمار في المشروعات المستدامة الجاذبة ذات الأثر الواضح”.
ولكن العسيري نقل القضية إلى مستوى آخر، قائلاً: “المشكلة ليست في دعم الحدائق. فقد سمعت عن كثير من رجال الأعمال – في المنطقة الشرقية تحديداً- الذين أسهموا بتبني ودعم حدائق، لكن المشكلة تكمن في تعريف وظيفة الحديقة نفسها وتصنيفها. وهو دور يقع على البلديات. هناك حدائق محلية، وحدائق إقليمية، وحدائق وطنية. ولكل من هذه الحدائق مواصفات معينة. الميزانيات موجودة، وعدد الحدائق في بعض المدن يُعدُّ جيداً إلى حد ما، لكن وظيفة الحديقة هي الأهم، وموقعها، وتصنيفها”.

تخطيط الأحياء القديمة
وجواباً عن السؤال حول ما إذا كان من الممكن العمل على تخطيط حضري جديد للأحياء الموجودة حالياً، أم سيقتصر الأمر على الأحياء الجديدة، ومن هي الجهات المسؤولة عن ذلك، أجاب العسيري: “الأحياء القديمة والموجودة حالياً هي في الواقع أفضل بيئة قابلة للتطوير، حيث إن الكثافة الحضرية متوفرة فيها. والاستراتيجية المستخدمة في هذه الحالة تسمى (inner development). تعتمد هذه الاستراتيجية على تطوير مراكز المدن، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات تلقائياً تبعاً لذلك، وبالتالي دخول المستثمرين. أما الجهات المسؤولة عن التنفيذ فهي الأمانات وهيئات تطوير المناطق”.  

تصوير: سعود العتيبي

لماشاهدة جلسة النقاش


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


رد واحد على “جودة الحياة في المملكة..”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *