أخيرًا، تبنَّت ثقافة البوب السائدة الرعب أكثر من أي وقت مضى؛ إذ دخلت الشخصيات والمشاهد المرعبة إلى البرامج التلفزيونية ومقاطع الفيديو الموسيقية، وحتى اتجاهات التيك توك. ومع ذلك، حتى مع النجاح التجاري والفني لعدد لا يُحصى من أفلام الرعب والمسلسلات التلفزيونية على مدار السنوات القليلة الماضية، فإن رواج مثل هذه الأفلام لا يزال يثير التساؤلات نفسها: ما سرُّ جاذبيته؟ وهل هناك غرابة ما في الأشخاص الذين يصنعونه ويستهلكونه؟ في هذا الكتاب تحاول الناقدة والكاتبة ومبرمجة الأفلام، آنا بوغوتسكايا، الإجابة عن مثل هذه التساؤلات من خلال استكشاف كيف يستجيب الرعب ويغذي مشاعر الخوف والقلق والألم والجوع والحذر.

تستعرض بوغوتسكايا مجموعة من أبرز أفلام الرعب، وتعمد إلى تحليل أهميتها الثقافية وجاذبيتها بالنسبة إلى الجمهور، وتحاول تسليط الضوء على العوامل العاطفية والمجتمعية التي تجعل صدى مثل هذه الأفلام يتردد بعمق لدى المشاهدين.

يتمحور الكتاب حول سلسلة من المقالات التي تغطي جوانب مختلفة من مشاعر الرعب، كما ينسج كل فصل من فصوله الحكايات الشخصية والنقد والتعليقات الثقافية الأوسع، وهو ما يسمح لبوغوتسكايا باستكشاف أفلام الرعب المعاصرة مع الإشـارة إلى الأفلام الكلاسيكية؛ فيخلق ذلك نسيجًا غنيًا يُسلِّط الضوء على تطور هذا النوع الدرامي على مدى العقود الماضية.

على سبيل المثال، يحمل أحد الفصول عنوان “الجوع”، حيث تدرس فيه بوغوتسكايا الأفلام الحديثة التي تتناول أكل لحوم البشر، فتقارنها مع التصوير الأكثر وضوحًا لأكل لحوم البشر من العقود السابقة، مشيرة إلى كيفية تشابك التصويرات المعاصرة، في الغالب، مع الإثارة والرومانسية والخوف. ويكشف هذا المنظور الدقيق عن كيفية انجذاب الجماهير الحديثة إلى موضوعات الرغبة والمحرمات، وهذا ما يشير إلى أن تفاعلنا مع الرعب يتعلق باستكشاف تعقيداتنا النفسية العميقة بقدر ما يتعلق بمواجهة مخاوفنا المتنوعة.

تأخذنا آنا بوغوتسكايا إلى ما هو أبعد من الكوابيس والوحوش ومصاصي الدماء والأشباح والأرواح المسكونة، إلى القلب البشري الذي ينبض بعمق استجــابةً للمشاهد المرعبة. وتثبت أنه في عالم مرعب، يمكن أن نشعر بالأمان، وبطريقة ما أن نختبر نوعًا من التعاطف الجذري.