ما بين قوارب الصيد المتواضعة والسفن المهيبة بضخامتها، أبحرت وما زالت تُبحر في العالم مجموعة واسعة من المراكب البحرية أدَّت دورًا كبيرًا في تشكيل التاريخ البشري؛ فربطت القارات وقصَّرت المسافات، وأسهمت في تطوُّر النقل والتجارة والتبادل الثقافي وتلاقح الحضارات وحتى الحروب. فضلًا عن أنها حملت في خبايا هياكلها وأشرعتها ومجاديفها أحلام وتطلعات عدد لا يُحصى من البشر.
وبحسب تعريفها في اللغة العربية، فالسفينة هي نوع من المراكب البحرية التي تُستخدم لنقل الأشخاص أو البضائع، والقارب هو أصغر أنواع المراكب البحرية ويُستخدم للتنقل في الأنهار والبحيرات والبحار. أمَّا الزورق، فهو المركب الذي يُدفع بالمجاديف أو بالمحرِّك ويُستخدم للصيد أو للنقل ولأغراض أخرى.
في هذا الملف، تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر، وما كان للمراكب البحرية من تأثيرات حضارية تذهب إلى ما هو أبعد من استخداماتها المباشرة، وانعكاس ذلك في ثقافات الشعوب. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.
تاريخ المركب البحري هو شهادة على الإبداع البشري والمرونة والقدرة على التكيُّف والتصميم على الاستكشاف وسبر أغوار البحار والمحيطات، وذلك منذ أن جمع الإنسان القديم حزمة من القصب ليطفو بها على سطح الماء، فشكَّل بذلك أول أنواع المراكب البحرية في التاريخ. ومن ثَمَّ، اتخذت تلك المراكب أشكالًا مختلفة، فكانت منها السفن واليخوت والقوارب والزوارق بأنواعها وخصائصها المتنوعة.
بتقدُّم الحضارات وتطورها، تبدَّلت أشكال المراكب البحرية، حتى إن حضارات معينة تميزت بمراكب خاصة ارتبطت بها وعكست في تصميماتها واستخداماتها ومعانيها الرمزية، البيئات والتاريخ والقيم الفريدة للمجتمعات التي أنشأتها. فعلى سبيل المثال، ارتبطت مراكب البردي بالحضارة المصرية القديمة، وهي المراكب المصنوعة من قصب البردي الذي كان ينمو بوفرة على طول نهر النيل، واُستخدِمت خلال النهر للنقل والتجارة وممارسة الطقوس الدينية. وعكست سفن الجنك الصينية القيم الثقافية الصينية في تصميم القوارب، فاستخدمت الأدوات والمواد التقليدية مثل الكافور وخشب الصنوبر في صناعتها، وترجمت الهندسةَ الصينية المتقدمة بفضل هياكلها المميَّزة وصواريها المتعددة وسماتها الفريدة مثل المقصورات المقاومة للماء. وعربيًا، قد تكون مراكب “الداو” الشراعية أبرز المراكب التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالحضارة العربية، ولا سيَّما الخليجية منها. فهذه المراكب تُعدُّ من السفن الأيقونية، لما تمثِّله من التراث الثقافي لبلدان الخليج العربي. إذ كانت هذه المراكب الخشبية التقليدية جزءًا لا يتجزأ من التاريخ البحري للمنطقة قرونًا عديدة؛ فلم تكن لمجرد التجارة وصيد الأسماك فحسب، بل كانت أيضًا رمزًا للهوية والحضارة والإرث البحري الغني الذي شكَّل الاقتصاد والثقافة في تلك البلدان زمنًا طويلًا.
سرعة المركب.. ما العُقْدَة؟
تتوقف سرعة المركب في إبحاره على عوامل عديدة، منها مصدر الطاقة، والتصميم وحال البحر، وغير ذلك. وتتأرجح هذه السرعات ما بين الكيلومتر الواحد في الساعة للقارب الفردي الذي يُجدِّف به رجل واحد، و250 كيلومترًا في الساعة كحدٍ أقصى في زوارق “الفورمولا 1″، التي أطلِقت في سبعينيات القرن الماضي.
أمَّا في السفن والمراكب التقليدية، فتُقاس السرعة بـ”العُقْدة”، وهي وحدة قياس تعادل 1.852 كيلومترًا في الساعة. ابتكرها البحَّارة الهولنديون عندما اخترعوا جهازًا يتكوَّن من رقاقة خشبية معلقة على حبل ملفوف على بكرة، ومؤقِّت زمني عبارة عن ساعة رملية مُحدَّد بـ30 ثانية زمنية. يرتكز عمل هذا الجهاز على مبدأ ربط القطعة الخشبية بحبل البكرة من الجانبين على نحو متساوٍ، ثمَّ رميها في البحر خلف السفينة. فيبدأ الحبل بالفك عن البكرة بسرعة متناسبة طرديًّا مع سرعة السفينة، وتُحسب سرعة السفينة بالاعتماد على حساب عدد العُقد الحبليّة التي أطلِقت في فترة زمنية معينة تُقاس باستخدام الساعة الرمليَّة.
اترك تعليقاً